مسلمو أمريكا يرفضون التطرف الديني
تقرير واشنطن – محمد علاء
يتراوح عدد المسلمين في الولايات المتحدة بين أربعة وخمسة ملايين نسمة، يتركز حوالي 44% منهم في ولايات كاليفورنيا ونيويورك وإلينوى. وهناك 165 مدرسة إسلامية و843 مسجدًا ومركزًا إسلاميًّا و426 جمعية و89 مطبوعة إسلامية. وأغلب مسلمي الولايات المتحدة مولودون خارجها، حيث تبلغ نسبتهم وفق دراسة أعدها مركز "بيو"Pew صدرت في مارس 2007 حوالي 65% من المسلمين الأمريكيين، منهم 39% جاءوا إلى الولايات المتحدة بعد عام 1990. وتتركز الدول التي هاجر منها المسلمون الأمريكيون في الدول العربية، باكستان وجنوب شرق آسيا. أما المسلمون المولودون في الولايات المتحدة فأغلبهم من أصول أفريقية، وتمثل هذه الفئة 35% من إجمالي مسلمي الولايات المتحدة وفق دراسة أعدها مركز جالوب Gallup في مارس 2009، وكثير منهم اعتنق الإسلام في وقت لاحق من حياتهم. أما بقية المسلمين فهم من البيض (28%) و الآسيويين (18%) ، بينما تمثل أعراق أخرى متنوعة نسبة 18%. وتشير هذه الدراسة إلي أن المسلمين هم أكثر الجماعات الدينية تنوعًا في الولايات المتحدة.
تُشير استطلاعات الرأي إلى أن المسلمين في الولايات المتحدة يرفضون التطرف الديني بنسبة أعلى بكثير من المسلمين في أوروبا. وعلى الرغم من أن دراسة "بيو" – السابق الإشارة إليها - تشير إلى أن أكثر من 50% من مسلمي الولايات المتحدة يرون أن الحرب على الإرهاب قد أثرت سلبًا على حياتهم، إلا أن هذه الفئة ذاتها تعيش في مستوى اقتصادي واجتماعي يُوازي المتوسط العام لمستويات المعيشة في الولايات المتحدة. ورغم ذلك تشير دراسة مركز جالوب Gallup إلى أن المسلمين هم أقل الجماعات من حيث النظر لحياتهم باعتبارها متميزة thriving (41%) و ذلك مقارنة باليهود (56%) و المورمونMormons (51%)، ولا يختلف في ذلك الشباب عن الأجيال الأكبر سنًّا ، وتشير الدراسة إلى أن المسلمين الأمريكيين هم الأكثر التزامًا من الناحية الدينية (80% يرون أن الدين يلعب دورًا محوريًّا في حياتهم)، ولا يفوقهم في ذلك بين الجماعات الدينية الأخرى سوى المسيحيين (المرمون) Mormons (85%).
وقد أشارت الدراسة التي أعدها مركز بيو Pew أيضًا إلى أن المسلمين الأمريكيين يشاركون باقي المجتمع الأمريكي قيمه وتوجهاته العامة. وهم في هذا يتميزون عن مسلمي أوروبا، حيث تشير عديد من الدراسات إلى وجود مشكلات تعوق اندماجهم في المجتمع الأوروبي، كما يعاني المسلمون من معدلات بطالة أعلى في غالبية الدول الأوروبية مقارنة بالولايات المتحدة. ومن هنا يصير من الملائم التعرف على توجهات المجتمع الأمريكي تجاه مسلميه، وكيف تختلف هذه التوجهات عن الوضع في أوروبا.
الخصائص السكانية
تتركز الشريحة العمرية للمسلمين في الولايات المتحدة في سن العمل، حيث تتراوح من أعمار ما بين 16 و65 سنة حوالي 79%. وتبلغ نسبة المسلمين الذين تلقوا تعليمًا جامعيًّا حوالي 50%، وهي نسبة أقل من جماعات أخرى مثل اليهود الذين ترتفع بينهم نسبة الحصول على درجات جامعية عليا مثل الماجستير والدكتوراه، فحسب الدراسة حصل 24% فقط من المسلمين الأمريكيين على شهادة جامعية. ومن الناحية المهنية يعمل حوالي 10% من مسلمي الولايات في مجالات الهندسة والكمبيوتر و8% في مجال الطب و4% في القطاع المالي. وبوجه عام فإن دخل المسلمين الأمريكيين يتماشى مع المستويات العامة للدخل في الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالجانب القيمي، تشير دراسة Pew إلى أن الاتجاه العام بين مسلمي أمريكا يرى إمكانية تعايش دولتين (إسرائيلية وفلسطينية) في الشرق الأوسط. كما عبر حوالي نصف المسلمين الذين تم استقصاء آرائهم في هذه الدراسة عن قلقهم تجاه تصاعد الأصولية الإسلامية، واتجهت الغالبية العظمى منهم لرفض الحرب على الإرهاب وغزو العراق. وقد أشار 72% من المسلمين في هذه الدراسة إلى أن الدين يعد هامًّا جدًّا في حياتهم. وفيما يتعلق بدرجة رضاهم عن حياتهم، يرى 78% من المسلمين أنهم "سعداء جدًّا" Very Happy أو "سعداء لحد بعيد" Pretty Happy بحياتهم.
توجهات الرأي العام الأمريكي
عقب أحدث الحادي عشر من سبتمبر 2001 واتهام عدد من المسلمين في تلك الهجمات، أخذت الإدارة السابقة ـ إدارة الرئيس بوش الابن ـ تفرض قيودًا أمنية على مسلمي الولايات المتحدة، ناهيك عن تدهور وتراجع مكانة المسلمين داخل المجتمع الأمريكي والنظرة السلبية والتمييز السلبي ضدهم.
بعد ثلاث سنوات من تلك الأحداث أجرت مجموعة الأبحاث الاجتماعية والإعلامية Media and Social Research Group التابعة لجامعة كورنيل في ديسمبر من عام 2004، استطلاعًا لمعرفة اتجاهات الأمريكيين تجاه مسلمي الولايات المتحدة. واهتم الاستطلاع بمعرفة آراء الأمريكيين تجاه السياسات الأمنية التي اتبعتها الحكومة الأمريكية تجاه المسلمين داخل الولايات المتحدة. ويشير الجدول التالي إلى عدد من المقولات التي طرحها الاستطلاع ونسبة الموافقة على كل منها.
جدول1: تأييد الرأي العام للتضييق على المسلمين.
المقولة | نسبة التأييد (%) |
يجب على جميع الأمريكيين المسلمين أن يسجلوا محل إقامتهم لدى جهة فيدرالية | 27 |
يجب مراقبة المساجد بدقة من قبل جهات أمنية | 26 |
يجب على الجهات الحكومية أن تحدد مواطنين باعتبارهم يشكلون مصدرًا خطرًا على أساس كونهم مسلمين أو لديهم أصول شرق أوسطية | 22 |
ينبغي اختراق الجمعيات المدنية والأهلية الإسلامية من قبل عملاء سريين لجهات أمنية لمراقبة أنشطتهم وسبل تمويلهم | 29 |
لم يوافق على أي من هذه المقترحات | 48 |
وافق على مقترح واحد على الأقل | 44 |
وافق على مقترح واحد فقط | 15 |
وافق على مقترحين | 11 |
وافق على ثلاثة مقترحات | 9 |
وافق على جميع المقترحات | 9 |
يتضح من هذا الجدول أن النسبة التي رفضت جميع هذه المقولات تكاد تتساوى مع النسبة التي قبلت مقولة واحدة منها على الأقل. وإن كانت أعلى نسبة من الموافقة جاءت بخصوص اختراق الجمعيات المدنية والتطوعية الإسلامية (29%). وربما يرجع ذلك للدور الذي قامت به تنظيمات ذات طابع إسلامي في تدبير هجمات سبتمبر وتجنيد منفذيها – حسب عديد من التحليلات والكتابات الأمريكية والغربية -، إضافة إلى تركيز الإعلام الأمريكي على الجمعيات الإسلامية كإطار لنشر وتمويل الأفكار المتطرفة.
تظهر الملاحظة الأكثر أهمية مع التمييز بين المستطلعين على أساس الانتماء السياسي. ويشير الجدول التالي إلى أن نسبة الجمهوريين المؤيدين لكل مقولة يكاد يكون ضعف نسبة الديمقراطيين التي أيدت كل منها.
جدول2: قبول التضييق على المسلمين الأمريكيين على أساس الانتماء السياسي.
المقولة | نسبة التأييد (%) | ||
| جمهوري | مستقل | ديمقراطي |
يجب على جميع الأمريكيين المسلمين أن يسجلوا محل إقامتهم لدى جهة فيدرالية | 40 | 17 | 24 |
يجب مراقبة المساجد بدقة من قبل جهات أمنية | 34 | 24 | 22 |
يجب على الجهات الحكومية أن تحدد مواطنين باعتبارهم يشكلون مصدرًا خطرًا لكونهم مسلمين أو لديهم أصول شرق أوسطية | 34 | 15 | 17 |
ينبغي اختراق الجمعيات المدنية والأهلية الإسلامية من قبل عملاء سريين لجهات أمنية لمراقبة أنشطتهم وسبل تمويلهم | 41 | 27 | 21 |
تشير دراسة "بيو" إلى أن درجة الخوف من وقوع عمل إرهابي تزيد من احتمال القبول بالتضييق الأمني على المسلمين. وتشير أيضًا إلى أن التدين يزيد من احتمال القبول بهذه السياسات، حيث وافق 40% من المستطلعين الذين يعتبرون أنفسهم على درجة عالية من التدين على مراقبة الجمعيات الإسلامية، مقابل 19% من المستطلعين الذين يرون أنفسهم على درجة منخفضة من التدين. كذلك أيدت نسبة 42% من المجموعة الأولى أن يسجل المسلمون مكان إقامتهم لدى جهة فيدرالية مقابل 15% من المجموعة الثانية.
و قامت دراسة أخرى أعدها مركز Pew عام 2005 بالسؤال عن انطباعات الأمريكيين تجاه المسلمين في مجتمعهم، حيث أشار 55% أن انطباعهم إيجابي، بينما أشار 25% أن لديهم انطباعًا سلبيًّا، و20% لم يجيبوا. ويتضح من هذه الدراسة أن السود والأشخاص دون الثلاثين وخريجي الجامعات والأشخاص الذين تزيد دخول أسرهم عن 75 ألف دولار في السنة والديمقراطيين هم الأقرب لأن يكون عندهم مشاعر إيجابية تجاه المسلمين. وهو ما يعد أمرًا منطقيًّا بالنظر لإشارة عديدٍ من الدراسات إلى أن السن الأصغر والمستوى التعليمي والاجتماعي الأعلى يكونان في الغالب مرتبطين بتوجهات ليبرالية ومن ثم يكون الشخص أكثر ميلاً لقبول الاختلاف والتفاهم مع الآخر.
وتظهر هذه الدراسة أيضًا أن المسلمين الأمريكيين هم أقل الفئات الاجتماعية قبولاً، ولا يأتي دونهم من حيث المشاعر السلبية سوى الأشخاص المصنفين كملحدين Atheists ويشارك المسلمين في هذه المكانة المتدنية المسيحيون الإنجيليون Evangelical Christians، بينما يحصل اليهود والمسيحيون الكاثوليك على نسب أعلى من المشاعر الإيجابية.
و فيما يتعلق بولاء المسلمين للمجتمع الأمريكي، قام مركز Gallup عام 2006 باستطلاع اشتمل على السؤال التالي: "هل تعتقد أن المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة ولاؤهم الأول لأمريكا؟" وقد أجاب 49% بنعم و39% بلا. كما أجاب 34% بنعم على سؤال عمَّا إذا كان المسلمون الأمريكيون متعاطفين مع القاعدة، بينما أجاب 50% بلا. كما يرى 87% أن المسلمين ملتزمون بقيم دينهم، و47% يرون أنهم يحترمون الديانات الأخرى، بينما يرى 52% من المستطلعين أن المسلمين لا يحترمون المرأة (مقابل 35% يرون عكس ذلك)، و ذلك علي الرغم من أن الدراسة التي نشرها مركز جالوب Gallup في مارس 2009 تشير إلى أن الرجال والنساء المسلمين يحصلون تقريبًا على مستوى الدخل ذاته وأن المرأة المسلمة من بين أعلى المجموعات الدينية من حيث مستوى التعليم. ورفض 59% من العينة أن يحمل المسلمون بطاقة شخصية خاصة أو أن يمروا بتفتيش أكثر تدقيقًا في المطارات، كما أجاب 59% بلا عند السؤال عمَّا إذا كان لديهم آراء متعصبة ضد المسلمين.
المجتمع الأمريكي أكثر قبولاً للتنوع
رغم المشكلات التي قد يعانيها المسلمون في الولايات المتحدة، خاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر، إلا أنه من المؤكد أن المجتمع الأمريكي يقوم بالأساس على قبول التنوع، وأنه نجح إلى حد كبير في دمج جنسيات وأعراق وديانات متنوعة في إطار مجتمع واحد يقوم على قيم الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص. ويختلف المجتمع الأمريكي في هذا عن المجتمعات الأوروبية التي وجدت صعوبات في دمج الأقليات داخل مجتمعاتها، ومن هنا استمرت مشاعر التمييز التي تشتعل على فترات متقطعة في صورة أحداث عنف أو اغتيالات سياسية.
و قد أجريت عديد من الاستبيانات خلال عام 2007 لاستطلاع الرأي العام حول الأقليات المسلمة في بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة. وقد جاءت الولايات المتحدة في مستوى فرنسا وألمانيا (58%) في اعتبار أن المسلمين لا يشكلون تهديدًا للأمن القومي. وتساوت النسبة في الولايات المتحدة مع فرنسا وإيطاليا (47%) في اعتبار أن المسلمين صاروا عرضة لانتقاد وتحيز سلبي غير مبررين، وهو ما وافقت عليه نسبة أقل بشكل ملحوظ في كل من أسبانيا (34%) وبريطانيا (39%)، وكانت نسبة من يعتقدون أن المسلمين لديهم قوة أكبر من اللازم هي الأعلى في بريطانيا (46%)، وهي أكبر من ضعف النسبة في الولايات المتحدة. والهدف من السؤال عن حجم تأثير جماعة معينة هو قياس حجم التحيز الاجتماعي ضدها. وفيما يتعلق بقبول زواج أحد الأبناء من مسلم أو مسلمة، كانت النسبة الأعلى للقبول في فرنسا (51%) والأدنى في الولايات المتحدة (31%).
ومن ذلك يمكن القول: إن وضع المسلمين في الولايات المتحدة أفضل من وضعهم في عديدٍ من الدول الأوروبية بالنظر للطبيعة الخاصة للمجتمع الأمريكي الذي يقوم على قبول التنوع والاختلاف، ولكن هذا لا ينفي أن المشاعر السلبية هي الأعلى تجاه المسلمين، ولا ينافسهم في هذا غير الملحدين. وربما يتطلب تغيير هذا الوضع حركة اجتماعية طويلة المدى مشابهة لتلك التي أوصلت السود وذوي الأصول اللاتينية لتفعيل حقوقهم المدنية والتعريف بإسهاماتهم في المجتمع.