اخبار وتقارير..بوتين ينجح في «كسر عزلة» موسكو..قمة هامبورغ لا تزيل «العقدة الروسية»..البيان الختامي لقمة «العشرين» يظهر خلافاً مع أميركا في شأن المناخ...في بردى والزبداني... عودة إلى حضن الخراب والاستخبارات...«روج آفا» على تخوم غضب العرب والأتراك... والطائرات وحدها حليفة الأكراد...مؤسسة «أديان» والعمل نحو مواطنة حاضنة للتنوّع ..

تاريخ الإضافة الأحد 9 تموز 2017 - 7:50 ص    عدد الزيارات 2887    التعليقات 0    القسم دولية

        


بوتين ينجح في «كسر عزلة» موسكو

هامبورغ – نور الدين فريضي { موسكو – «الحياة ... «كسر جدار العزلة حول روسيا» و «انطلاق علاقات وثيقة ومميزة بين واشنطن وموسكو»، يصلحان عنوانين لحصيلة قمة العشرين في هامبورغ التي اختتمت أعمالها أمس، بإنجازات وإخفاقات، لكنها كانت بلا شك القمة الأكثر إثارة بما شهدته من وقائع على الأرض بدءاً باجتماع الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين وصولاً إلى قضايا أصعب تتعلق بالخلافات الأميركية– الألمانية حول التجارة التي تم تذليلها بالاتفاق على محاربة الحمائية، مروراً بقضية المناخ التي ظلت عالقة بعد تمسك ترامب بموقفه الرافض اتفاق باريس، على رغم فشل ما وصف بأنه «مخطط» أعده للانقلاب على الاتفاق. وبرز في اختتام القمة أيضاً، التباين بين تركيا والدول الأوروبية الذي اعترفت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل بأنها فشلت في تذليله إثر لقائها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش القمة. وتأكيداً على كلام مركل عن ضرورة إظهار القضايا المثيرة للجدل بدل إخفائها، اختار بوتين المناسبة لإبلاغ القادة المشاركين رفض بلاده اتهامها بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية .. وفي مؤتمر صحافي في اختتام القمة أمس، أوضحت المستشارة الألمانية طبيعة الخلاف مع تركيا، وقالت أن «عمليات الاعتقال الكثيرة ومجمل تحركات تركيا ورفض السماح (لنواب ألمان) بزيارة (قاعدة) أنجرليك، كل هذه التطورات تظهر الخلافات العميقة، ونحن لم نخفها تحت الطاولة». وأشارت إلى أن أعضاء مجموعة العشرين يقرون مع ذلك بـ «مساهمات تركيا في رعاية ملايين المهاجرين من سورية والعراق». وكانت القمة مناسبة لإعادة تأكيد إجماع الدول المشاركة، وفي مقدمها الولايات المتحدة وروسيا، على أولوية إلحاق الهزيمة بتنظيم «داعش» في مدينة الرقَّة بعد سقوطه في الموصل، ما يخلّص المنطقة ككل من خطر أمني مباشر تصل ارتداداته إلى مدن أوروبا. وأعلنت مركل أن المملكة العربية السعودية ستستضيف قمة العشرين لعام 2020، فيما تعقد القمة المقبلة في الأرجنتين. وأقرت القمة خطة عمل تقتضي التزام المجموعة الدولية بـ «مواءمة وسائل مكافحة الإرهاب مع طبيعة التهديدات المتنامية، منها أخطار عودة المقاتلين الأجانب من مناطق النزاع في العراق وسورية والحؤول دون حصولهم على ملاذ آمن في أي دولة ومنطقة أخرى في العالم». ودعت القمة إلى تعزيز تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات والاستفادة أيضاً من الإمكانات التقنية والبيانات المتوافرة لدى جهاز الشرطة الأوروبية. وأوصت بالبحث في الأخطار المحدقة بأمن الملاحة الجوية، وذلك على خلفية الإجراءات في الولايات المتحدة المتعلقة بمواجهة مخططات لتفخيخ أجهزة إلكترونية على متن رحلات. وأكدت القمة أيضاً وجوب إشراك القطاع الخاص في مكافحة تجفيف منابع تمويل الإرهاب ورصد التحويلات المالية مهما صغر حجمها. وشددت على دور مزودي خدمات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي في مكافحة انتشار خطاب التطرف والكراهية. في المقابل، ظلت إنجازات القمة محدودة بالنسبة إلى قضية التنمية في أفريقيا، إذ لم تُبدد خيبة الاتحاد الأوروبي تجاه نقص الدعم والاستثمار الدولي في أفريقيا، ما يفاقم الأوضاع الاقتصادية ويخلّف موجات مهاجرين غير شرعيين نحو الضفة الشمالية لحوض البحر المتوسط. وأشار رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك إلى «تعاون بين المهربين والإرهابيين الذين يسيطرون على أجزاء من التراب الليبي في تصدير الهجرة غير الشرعية بزوارق الموت نحو إيطاليا». ولم تفلح القمة في إخراج الولايات المتحدة من عزلتها بعد انسحابها من اتفاقية باريس. وعلمت «الحياة» أن الولايات المتحدة أخفقت في محاولات استدراج بعض أعضاء مجموعة العشرين إلى موقفها الهادف إلى تعطيل اتفاقية باريس. ووصف مدير حملة منظمة «آفاز» الدولية كريستوف سكوت جهود الولايات المتحدة في هذا الصدد، بـ «محاولة انقلاب فاشلة». وقال سكوت إن «مخطط الرئيس ترامب في هذا المجال باء بالفشل». وأبدى بوتين ارتياحه لنتائج القمة، مبدياً انفتاح بلاده للتعاون «مع كل الأطراف» على أساس براغماتي يقوم على احترام متبادل. وأجرى بوتين لقاءات ثنائية ناشطة على هامش القمة، عكست، وفق مصادر الكرملين، «فشل سياسة عزل روسيا». وأكد خلال لقائه رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «عزم موسكو على تطوير علاقاتها مع أوروبا على رغم المشكلات القائمة حالياً بين الجانبين». وشدد على أن روسيا تبحث عن فرص لتوسيع الاتصالات. وأعرب يونكر عن سعي المفوضية الأوروبية إلى تكثيف الحوار مع روسيا، لافتاً إلى أن «المشكلات القائمة معروفة للجميع، لدينا تباين حيال ملفي القرم وشرق أوكرنيا، ولكن نرغب في مواصلة العمل للبحث عن إمكانات للتعاون والعثور على نقاط لتقاطع المصالح». وكان الملف الأوكراني محور نقاش رئيسياً خلال محادثات ثلاثية جمعت بوتين ومركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن البحث تركز على «أسباب عدم تنفيذ اتفاقات مينسك، وبرز إجماع على ضرورة تبني الإجراءات الضرورية لتحريك التسوية في جنوب شرقي أوكرانيا». وأعرب بوتين في مؤتمر صحافي عقده في اختتام القمة، عن ارتياحه لنتائج المناقشات، وأشار إلى أن محادثاته مع نظيره الأميركي سمحت بـ «بناء علاقات شخصية». ووصف ترامب بأنه «شخص دقيق وعقلاني». وكرر الرئيس الروسي نفي صحة اتهامات بتدخل روسيا في مسار الانتخابات الأميركية، وقال إن «وسائل الإعلام الغربية تحاول التدخل في شؤون روسيا، ونحن ننظر بهدوء إلى تلك التصرفات».

قمة هامبورغ لا تزيل «العقدة الروسية»

الحياة..هامبورغ – شوقي الريّس ... بفضل التسريبات إلى الصحافة الأميركية، اكتشف العالم الأسباب التي أدّت إلى التأخر في تأكيد انعقاد اللقاء الثنائي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين التي تحولت منذ ليل الخميس الماضي إلى ساحة من الصدامات غير المسبوقة بين قوات الأمن والمتظاهرين المحتجين على النظام العالمي القائم. مستشارون ديبلوماسيون كثيرون ومسؤولو الأمن القومي نصحوا الرئيس الأميركي، وبعضهم بإلحاح، بعدم عقد هذا اللقاء الذي حذّر منه عدد من قادة الحزب الجمهوري وعارضه الديموقراطيون بشدة علناً منذ فترة. لكن ترامب الذي لم يخفِ أبداً إعجابه يوماً بفلاديمير بوتين، مفضلاً إياه على «أوباما المتردد» مرات عدة خلال الحملة الانتخابية، كان مصرّاً على عقد هذا اللقاء الذي طمح إلى أن يكون بمثابة تجاوز لـ «العقدة الروسية» التي تخيّم على ولايته منذ دخوله البيت الأبيض، وتثير حوله شكوكاً عجز حتى الآن عن تبديدها. اللقاء الذي كان مبرمجاً لنصف ساعة، دام أكثر من ساعتين واقتصر على الرئيسين ووزيري الخارجية ومترجمين وتناول كل الملفات السياسية الدولية المطروحة بدءاً بسورية ومروراً بكوريا الشمالية والتوتر في بحر الصين وصولاً إلى أوكرانيا، من غير أن يتوقف عند العناوين الكبرى للقمة مثل تغيّر المناخ وأزمة الهجرة واتفاقات التجارة الحرة. واكتفى ترامب، وفق ما سرّب، بطرح موضوع الاتهامات الموجهة إلى روسيا حول تدخلها في حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، ليردّ عليه بوتين ناكراً أي تدخّل في ما يشبه السيناريو المعدّ سلفاً عند التحضير للقمة. ويرى مراقبون أن المجازفة الكبرى التي أقدم عليها ترامب ليست في إصراره على عقد القمة مع بوتين وتجاهل نصائح مستشاريه المقرّبين، بل في إعلانه القبول برد الرئيس الروسي ونكرانه التدخل في الحملة الانتخابية، كما لو أنه يعتزم إقفال هذا الملف الشائك الذي ما زال يشكّل خطراً على رئاسته. وجاء الرد الروسي متعارضاً كليّاً مع استنتاجات التقرير المشترك الذي وضعته الوكالات الأمنية الأميركية الكبرى (مكتب التحقيقات الفيديرالي ووكالة الأمن القومي ووكالة الاستخبارات المركزية) والتي أكدت «أن فلاديمير بوتين هو الذي أصدر الأمر بشن هجوم إلكتروني على حملة انتخابات الرئاسة الأميركية، بهدف زعزعة ثقة الرأي العام في العملية الديموقراطية». ويتخوّف مسؤولون في واشنطن من أن موقف ترامب لن يؤثر فقط في صدقيته كرئيس، بل من شأنه أن يلحق ضرراً بالأمن القومي الأميركي. بوتين خرج ظافراً من القمة على رغم أنه أصدر أوامره بشن أكبر حملة تدخّل في الشؤون الداخلية الأميركية، وبعد أشهر يجالس رئيس الولايات المتحدة، يتصافحان ويتحادثان كالأصدقاء ويتفقان على حل مشاكل العالم. ترامب الذي خرج باتفاق خجول لوقف النار في جنوب غربي سورية، تنتظره متاعب جديدة عند عودته إلى واشنطن حيث لا يزال يخضع للتحقيق من هيئة مستقلة في موضوع الشكوك التي تحوم حول تواطؤه مع التدخلات الروسية في الحملة الانتخابية. وليس مستبعداً أن تشهد واشنطن اعتباراً من الأسبوع المقبل عاصفة جديدة من الاحتجاجات والانتقادات لأداء ترامب خلال لقائه بوتين وضربه عرض الحائط بنصائح مستشاريه ودعوات غالبية أعضاء الكونغرس. ومن غير المستبعد أن يرتفع منسوب التوتر بين ترامب ومعارضيه في الأسابيع المقبلة إذا صحّت التوقعات وكشفت هيئة التحقيق المستقلة عن معلومات جديدة ينتظر أن تدفع إلى توجيه اتهامات مباشرة إلى الرئيس حول علاقاته الروسية المشبوهة.

البيان الختامي لقمة «العشرين» يظهر خلافاً مع أميركا في شأن المناخ

الحياة..هامبورغ (ألمانيا) - رويترز ... أظهر البيان الختامي الذي وافق عليه زعماء دول «مجموعة العشرين» اليوم (السبت) خلافاً بين الولايات المتحدة وبقية الأعضاء على اتفاق «باريس» لمكافحة آثار تغير المناخ. وذكر البيان: «علمنا بقرار الولايات المتحدة الأميركية الانسحاب من اتفاق باريس». وأضاف: «زعماء الدول الأعضاء في مجموعة العشرين يعلنون أن اتفاق باريس لا رجعة فيه». وفي شأن التجارة، وهي إحدى النقاط التي كانت شائكة خلال قمة هامبورغ على مدى يومين، اتفق الزعماء على مكافحة «السياسات الحمائية»، بما في ذلك الممارسات التجارية غير العادلة، في الوقت الذي أقروا دور الأدوات المشروعة للدفاع عن التجارة في هذا الصدد».

*لقاءات ومؤتمرات صحافية

وعقد الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب اليوم اجتماعاً على هامش القمة، وقال ترامب خلال اللقاء إن كبح جماح البرنامج النووي لكوريا الشمالية قد يستغرق وقتاً، لكنه عبرعن ثقته في أن واشنطن وبكين تستطيعان في النهاية التوصل إلى نتيجة مثمرة. وحض ترامب الرئيس الصيني على استغلال النفوذ الاقتصادي لبلاده للضغط على بيونغيانغ، معبراً عن تقديره الجهود الصينية في هذا الملف. وفي مؤتمر صحافي، قالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل اليوم إنها تشعر بالرضا لأن جميع دول «مجموعة العشرين» باستثناء الولايات المتحدة اتفقت في بيان على أن اتفاق «باريس» للمناخ لا يمكن التراجع عنه. وقالت مركل للصحافيين في نهاية القمة: «أعتقد أن من الواضح تماماً أننا لم نتمكن من الوصول إلى توافق، لكننا لم نضع حداً للخلافات.. تم الإعلان عنها بكل وضوح». وأشارت إلى أنها لا تتفق مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي قالت أمس إنها تعتقد أن واشنطن يمكن أن تقرر العودة إلى اتفاق المناخ. ونددت مركل بشدة بما وصفته «الوحشية» التي أبداها بعض المحتجين في هامبورغ بعد اشتباكات عنيفة أصيب خلالها مئات من ضباط الشرطة. وعن اللقاء الذي جمع ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، قالت المستشارة الألمانية إنها «سعدت باللقاء»، وعبرت عن أملها في أن يستمر الحوار بين الرئيسين. وأضافت «هذه بداية.. هناك مشكلات محددة في العالم لا يمكن حلها إلا من خلال التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا»، مشيرة إلى أنه «يمكن الأمر أن يكون جيداً، إلا إذا كان هناك حوار صادق وصريح». وفي ما يخص لقائها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قالت مركل إن الاجتماع كشف عن خلافات عميقة بين البلدين العضوين في «حلف شمال الأطلسي». وقالت مركل: «عمليات الاعتقال الكثيرة، ومجمل تحركات تركيا ورفض السماح بزيارة قاعدة إنجيرليك، كل هذه التطورات تظهر الخلافات العميقة، ونحن لم نخفها أسفل الطاولة». وأشارت إلى مشاركة تركيا بفاعلية في قمة «مجموعة العشرين»، وأن أعضاء المجموعة يقرون بمساهمات أنقرة في رعاية ملايين المهاجرين من سورية والعراق. من جهته، قال بوتين في مؤتمر صحافي إنه أسس لعلاقة عمل مع ترامب، ويظن أن هناك أسساً تدفع للاعتقاد أنه من الممكن تحقيق تعاون جزئي على الأقل مع واشنطن. وأضاف أنه شعر بأن ترامب قبل تأكيداته أن موسكو لم تتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية العام الماضي، لكن من الأفضل سؤال ترامب عن رأيه في ذلك. وأشار إلى أنهما اتفقا في اجتماعهما على العمل معاً في ما يتعلق بالأمن الإلكتروني، وقال إنه يعتقد أن ترامب في الحقيقة شخص مختلف عن الذي يظهر على شاشة التلفزيون. وفي ما يخص الملف السوري، قال الرئيس الروسي إن اتفاقاً جديداً لوقف إطلاق النار في جنوب سورية جاء نتيجة تغير في موقف أميركا تجاه الوضع هناك، بعد أن أصبح أكثر واقعية. وعلى الصعيد الأوكراني، رحب بوتين بتعيين الولايات المتحدة المبعوث الجديد كورت فولكر الذي اختاره أمس وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، وهو سفير سابق لدى «حلف شمال الأطلسي»، وسيقود فولكر الجهود الديبلوماسية الأميركية المتعلقة بالأزمة الأوكرانية، وقال تيلرسون إنه اتخذ قراره في اختيار فولكر بناء على طلب من الزعيم الروسي. وخلال المؤتمر الصحافي، قال بوتين إن بلاده لن تتدخل في الانتخابات البرلمانية في ألمانيا المقررة في أيلول (سبتمبر) المقبل، وأضاف أن موسكو وبرلين تربطهما «علاقات جيدة». اقتصادياً، رأى بوتين أن روسيا يمكنها أن تحافظ على معدل نموها الاقتصادي، مشيراً إلى أن النمو زاد بنسبة 3.1 في المئة في أيار (مايو). مضيفاً أنه لا يمكنه القول إنه معدل نمو قوي تماماً، مشيراً إلى أن مشروع «نورد ستريم 2» الروسي لمد خط أنابيب الغاز تحت البحر في صالح ألمانيا وأوروبا بأسرها، وأن الغاز الروسي يمتلك ميزة تنافسية في صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا عن الولايات المتحدة لأن كلف الإنتاج والنقل أقل. غير أنه رحب أيضاً بالجهود الأميركية لتصدير غاز طبيعي مسال إلى أوروبا التي تمدها روسيا بثلث إمدادات الغاز، معتبراً ذلك «منافسة صحية». وأعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس ستستضيف قمة في 12 كانون الأول (ديسمبر) المقبل لتحقيق مزيد من التقدم في اتفاق «باريس» للمناخ وحل مشكلاتها المالية. وقال ماكرون للصحافيين «يوم 12 كانون الأول (ديسمبر) بعد عامين من اتفاق باريس للمناخ، سأعقد قمة لاتخاذ مزيد من التحركات في شأن المناخ خصوصاً في الجوانب المالية». وأضاف أن القمة تهدف إلى جمع تمويل عام وخاص للمشاريع المدرجة في اتفاق «باريس».

في بردى والزبداني... عودة إلى حضن الخراب والاستخبارات

الحياة..محمد فارس ... أواخر أيار (مايو) الماضي، صعد مقاتلان من «حزب الله» اللبناني باصاً متّجهاً إلى إدلب عند حاجز التّكيّة، البوابة الغربية لمنطقة وادي بردى بريف دمشق الغربي. حاجز التّكيّة أحد الحواجز العسكرية الثلاثة التي تتحكم بقرى الوادي. والباص من عداد القافلة الثالثة ممن آثروا الانتقال إلى إدلب بعد المعركة الأخيرة (23 كانون الأول /ديسمبر) 2016- 29 كانون الثاني (يناير/ 2017). تأكد المقاتلان من هويات المسافرين. من بينهم مسلحون معارضون مع عائلاتهم. آخرون أعادهم مقاتلو حزب الله إلى الوادي ممن هم دون السابعة عشرة ويرغبون في تجنّب الخدمة العسكرية الإلزامية. وبعضهم يريد أن يهرب خوفاً من «انتقام» الجيش الحكومي على رغم أنه لم يسجّل نشاطاً معارضاً لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. «الدولة السورية تريد أن يبقى أبناؤها فيها»، قال أحد المقاتلين اللبنانيين مخاطباً المسافرين بنبرة مهذبة. «نحن هنا لحماية سورية، ظهر المقاومة. وسنغادر حين نقضي على التكفيريين الذين جاؤوا من خارج البلاد وغرّروا بالناس. نريد أن تعودوا إلى بيوتكم معزّزين مكرمين».

شراء العودة

كان أسعد شفيع (37 عاماً) متكوّراً على نفسه في زاوية في الباص يودع بحزن زوجته وجدان متحدثاً إليها على جواله بصوت عال.

- «هل عليك مشكلة أمنية؟» قال أحد المقاتلين اللبنانيين.

- «لا!» أجاب شفيع.

- «إذاً، عُد إلى وجدان والأولاد، أشغلت بالهم» قال المقاتل مبتسماً.

لم يُصغ شفيع إلى المقاتل اللبناني وسافر إلى إدلب ومنها إلى تركيا.

عاش شفيع طوال السنوات الست الماضية قلقاً بعد اندلاع المظاهرات ضد نظام الأسد ربيع 2011. صحيح أنه لم يكن مسلحاً إلا أن خوفه ازداد بعد أن فقد أخوين مسلحين، سقط أحدهما في معركة ضد الجيش النظامي في جرود الوادي، في حين قُتل الآخر خطأً في مشاجرة لم يكن طرفاً فيها. بعد بضعة أيام من وصوله إلى تركيا، قرر شفيع أن يعود إلى الوادي. فتوسّط والده، تاجر السلاح، لدى ضابط في الاستخبارات العسكرية السورية، ليسمح لابنه بالعودة. واشترط الضابط أن يكفل شفيعاً أحدُ أعضاء «لجان المصالحة الوطنية» الموالية في المنطقة. كان من يمكن أن يدفع والد شفيع 2,500 دولار أمريكي، لكن ذلك سيبقيه «مطلوباً للأمن» بحكم خروجه مع مسلحي المعارضة. إلا أن الضابط «رحّب» بإعادة شفيع إلى الوادي و «نظّف» سجله العدلي، مقابل قبضه مبلغاً قدره 10,000 دولار أميركي واستلام قطع سلاح روسية - رشاش دوشكا وثلاثة رشاشات بي كي سي و4,000 طلقة بندقية كلاشنكوڤ، إضافة إلى قلادة ذهبية. و«فتح [الطرفان] شغلاً في تجارة السلاح». في المقابل، «عاد شفيع إلى الوادي فصار منزله سجناً وأصبح هو مواطناً صالحاً مخصياً»، على ما يقول أحد جيرانه ساخراً. في 30 حزيران (يونيو) قال الناطق باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أندريه ماهيستش إن المفوضية «تشهد اتجاهاً ملحوظاً إلى العودة التلقائية إلى سورية وداخلها في عام 2017». وتقدّر وكالات الإغاثة بأن يكون هناك أكثر من 440,000 شخص نازح داخلياً قد عادوا إلى مناطقهم في سورية في الأشهر الستة الأولى من هذا العام مقابل أكثر من 31,000 لاجئ سوري من البلدان المجاورة حتى تاريخه خلال عام 2017. ومنذ عام 2015، عاد حوالى 260,000 لاجئ تلقائياً إلى البلاد، لا سيما من تركيا إلى شمال سورية. وتقول مفوضية شؤون اللاجئين إنه منذ ربيع عام 2011، فرّ 5,500,000 شخص إلى خارج البلد، فيما نزح 6,300,000 شخص بعيداً من بيوتهم داخل البلاد.

عودة إلى حضن الاستخبارات

بعد أيام من عودة شفيع توسّط «صحفي» موال للنظام لم تُعرف هويته لدى «جهات أمنية» ليدخل جميل وفهد، 32 و21 عاماً، في «مصالحة وطنية» ويعودا من إدلب إلى «حضن الوطن». إلا أن الاستخبارات العسكرية قبضت على الشابين حال وصولهما إلى دمشق. وكان الشابان قد خرجا مع مسلحي المعارضة في الدفعة الأولى التي خرجت من الوادي إلى الشمال السوري أواخر كانون الثاني الماضي. وسبق لأحد الشابين أن «بايع» تنظيم جبهة النصرة. فيما كان الآخر قد «بايع» تنظيم «داعش». وتمكّن تحالف فصائل معارضة محلية في شباط (فبراير) 2016 من القضاء على «داعش» وإلقاء القبض على كثير من عناصره في المنطقة، فيما تمكن بعضهم من الهروب إلى لبنان. وسلّم مقاتلون كانوا قد بايعوا التنظيمين أنفسهم إلى الجيش الحكومي إثر معركة وادي بردى الأخيرة مقابل تسليم قطع سلاح والتوقيع على أوراق «لتسوية أوضاعهم» القانونية. وانخرط بعضهم في القتال إلى جانب القوات النظامية في تدمر وريف حمص ودرعا والقابون وغيرها. وتدخل إعلاميون موالون في الوساطة بين النظام ومسلحي المعارضة في مناطق عدة ومنها أثناء خروج مسلحي المعارضة مع عائلاتهم إلى إدلب. كما عرض بعضهم «خدماته» لإعادة الراغبين إلى مناطقهم. وفي 18 أيلول (سبتمبر) 2016، ترأست المذيعة في القناة الفضائية السورية الحكومية كنانة حويجة وفداً للنظام للتفاوض مع مسلحي المعارضة في وادي بردى. وشغل اللواء إبراهيم حويجة، والد كنانة، منصب مدير إدارة الاستخبارات الجوية السورية ما بين عامي 1987 و2002.

العودة إلى الخراب

عادت الحاجة فريزة، (61 عاماً) في أيار الماضي لزيارة منزلها في حي المحطة بمدينة الزبداني، 45 كيلومتراً شمال غربي دمشق. لا معالم تؤدي إلى منزلها ولا زاروب (طريق ضيق باللهجة المحلية). وقفت تقلّب ما تبقى من قطع الأثاث المحترقة. أحد ما استعصى عليه حمل الغسالة الكبيرة فاكتفى بسرقة محرّكها. الطبقة العليا التي بنتها في شكل مخالف للقانون لم تعد صالحة للسكن. السقف مطبق على الأرض وألعاب أحفادها الذين فرّوا مع والديهم إلى أوروبا مبعثرة هنا وهناك. لم يبقَ من الساعة ذات الرقّاص التي ورثتها عن جدتها سوى صندوق خشبي وبضع نوابض معدنية. خزانة عرسها محروقة ولا أثر للصندوق المصدّف. أغلب أشجار السفرجل والخرما في حديقة المنزل يابسة. بناء «السرايا» ومحطة القطار الأثريان شبه مدمرين. «ضاعت الذكريات مع تعب العمر ولا أحد يعوضني»، تقول الحاجة فريزة. وفي 13 حزيران أعلن المحامي العام بريف دمشق عبدالمجيد المصري عن افتتاح المجمع القضائي في منطقة الزبداني، وأن عدداً كبيراً من الأهالي يراجعون المحكمة وخصوصاً أصحاب العقارات. وأوضح المصري أن المجمع القضائي السابق دمر بالكامل إلا أنه «تم إنقاذ عدد لا بأس به من الدعاوى». واحتفلت وسائل الإعلام الحكومية والرديفة «بعودة الأمن والاستقرار» إلى الزبداني، وعرضت تقارير عن «عودة المصطافين» إلى المنطقة. واستعداداً لـ «مهرجاني الزبداني وبلودان» تسعى الحكومة لإصلاح طريق دمشق- الزبداني وسكة القطار ما بين بلدة الهامة والزبداني. تجلس الحاجة فريزة على رصيف أمام حديقة «المنشية» وتتمتم بحرقة أغنية شعبية للممثل والمونولوجست رفيق السبيعي (1930 - 2017) يقول مطلعها: «صفّر صفّر يا بابور وخدنا ع الزبداني... ببقين منعمل فطور العشا ببلودانِ».

«روج آفا» على تخوم غضب العرب والأتراك... والطائرات وحدها حليفة الأكراد

الحياة..القامشلي – حازم الأمين ... كان على محمد، سائقنا الكردي السوري الذي نقلنا من معبر سيمالكا بعد أن نقلتنا قوارب الحزب الديموقراطي الكردستاني إلى الضفة السورية من نهر دجلة إلى مدينة القامشلي، أن ينتظر تجاوزنا مسافة عشرين كيلومتراً حتى يتمكن من التقاط شبكة الهاتف الخليوي التركية لكي يعطينا إشارة الـ «إنترنت» ولنباشر بدورنا اتصالاتنا. فـ «روج آفا»، أي الإقليم الكردي السوري العتيد تتقاطع عند حدوده ثلاث شبكات هاتف خليوي، الشبكة السورية الضعيفة، والشبكة العراقية التي تتلاشى إشارتها بعد كيلومترات قليلة من معبر «فيش خابور» والشبكة التركية التي تعمل على طول الحدود السورية- التركية، لكنها تضعف ما أن تبتعد عن هذه الحدود. «روج آفا» يعيش على تخوم الشبكات الثلاث، وله مع الدول، صاحبتها، قصص توازي قصصه مع شبكات هاتفها. نهر دجلة يفصله عن كردستان العراق، فيما يتولى جدار إسمنتي هائل ومرتفع فصله عن عمقه الكردي في تركيا، وخطوط الجبهة مع «داعش» في الرقة وفي دير الزور ترسم حدود إقليم «شمال سورية» الذي يتصدره أكراد الجزيرة السورية. الطريق الذي قطعناه في السيارة من مدينة الموصل العراقية إلى مدينة كوباني السورية يبلغ طوله نحو 800 كيلومتر. وكان علينا أن نعبر نهر دجلة في قوارب الحزب الديموقراطي الكردستاني، ليتسلمنا على الجانب السوري من النهر موظفون في الإدارة المحلية التي أنشأتها قوات «سورية الديموقراطية». من العراق إلى سورية على خطوط حربين على «داعش» لا يربط بينهما سوى الدعم الأميركي للقوى التي تخوض الحربين على التنظيم الإرهابي. المقارنة تحضر من تلقائها أثناء عبورك العراق إلى سورية. ما يجمع البلدين في وعي العابر، حرارة مترافقة مع طقس جاف شديد القسوة، و «داعش» الذي يقاتل على تخوم المدن التي احتلها. الدمار الهائل أيضاً، واللغة الكردية التي لا نجيدها، على رغم أننا ألفنا عبارات كثيرة منها بفعل تغطيتنا الحروب الممتدة منذ التسعينات في بلاد الأكراد. طه، صديقنا الكردي السوري الذي كان ينتظرنا عند معبر سيمالكا على نهر دجلة، حمل أوراقنا وجوازات سفرنا وتوجه بها إلى إدارة المعبر، بينما كان عابرون قليلون ينتظرون مثلنا إنجاز معاملات الدخول والخروج من وإلى سورية. فالعلاقات بين الجماعتين الكرديتين العراقية والسورية لا تتيح كثيراً من التواصل ومن العبور. تركيا تقف هنا، ومجدداً، عائقاً بين تواصل الأكراد بعد أن تصدع «البعث». إيران أيضاً تشكل جزءاً من الانقسام الكردي أيضاً، ولا يبدو أن العلاقات التي تجمع الحزب العراقي والحزب السوري بالقوات الأميركية التي تتولى الحرب الجوية على «داعش» كافية لبعث الدفء في العلاقة بين الحزبين الكرديين. لكي نصل من سيمالكا إلى كوباني علينا أن نعبر معظم مدن الرميلان والقامشلي وعامودا والدرباسية ورأس العين وأن نجتاز مسافات صحراوية هائلة. القول أن هذه المدن كردية محفوف بأخطار «التكريد»، تماماً كما هو القول أنها عربية ينطوي على احتمالات التعريب التي واصلها البعث طوال فترة حكمه سورية. أثر البعث واضح في هذه المدن، والشفاء منه لا يبدو متاحاً. المباني على الطرق العامة بعثية، وكذلك وظائفها وأسماؤها، والغبار الذي لا يبدو أن أحداً قاومه منذ عقود طويلة. لكن طه، صديقنا الكردي، والمتحمس لتجربة الحكم الذاتي التي باشرها الأكراد السوريون منذ أكثر من ثلاث سنوات، يؤكد أن زمن البعث انقضى وأن السكان بصدد التأسيس لتجربتهم. صور عبدالله أوجلان ممتدة على طول الطريق. والمقاتلات الكرديات في حزب الاتحاد الديموقراطي الكردستاني (الأبوجي) منتشرات على الحواجز بين المدن والبلدات. الأكراد يحتفلون بمقاتلاتهم، ويقدمونهن بصفتهم علامة تقدمهم على محيطهم الذي لا يسمح لنسائه بالظهور وبالقتال. ففي الإدارة مثلاً فرضت قوات «سورية الديموقراطية» مديرة في موازاة كل مدير. الوثائق «الرسمية» تأتي موقعة من مديرة ومدير، ومعبر سيمالكا على رأسه ضابط وضابطة، ومخيمات اللاجئين العرب في المدن التي تسيطر عليها قوات «سورية الديموقراطية» يحرسها مقاتلون ومقاتلات كرديات. كنا فريقاً تلفزيونياً كبيراً، والأكراد لا يرغبون بإخفاء شيء عن الكاميرات الكثيرة التي كانت بحوزتنا. أو على الأقل هذا ما شعرنا به. طائرة التصوير (درون) التي أحضرناها لم تتمكن من التحليق بفعل الـ «نو فلاي زون» التي أقامها الأميركيون فوق منطقة القتال مع «داعش»، لكن تمكن زميلنا مازن من حجب الطائرة عن رادارات الأقمار الاصطناعية ومن ثم إطلاقها، لم يثر حفيظة الأكراد. بدت المدن لي هذه المرة مشاهد أكثر منها حكايات. فأنا الصحافي الباحث عن قصة أكتبها كان علي هذه المرة أن أؤلف القصة من مشاهد، ومن تناسل صور تلتقطها الكاميرا. كان علي أن أمشي أمام الكاميرا وأن أواصل المشي وأن أكرره. الفكرة أقل من الصورة هنا، والمشهد يجب أن يكون سياقاً لحكاية مصورة. الطريق الصحراوي الهائل قطعت مسافة قصيرة منه وفوق رأسي الـ «درون»، وهذا الأفق الذي يفصل بين مدينتي رأس العين وكوباني والذي يغور بين كتفي هضبتين صغيرتين علي أن أعبره لكي يُصدق المشاهد أنني كنت هناك. الأكراد الذين لطالما عرفتهم وألفتهم وغرقت في قضيتهم هم الآن على حقيقتهم أكثر مما كانوا حين كنت أسجل ما أعاينه وما أسمعه خلال زياراتي بلدانهم. الكاميرا حاجز بيني وبينهم، إلا أنها كاشفة لحجم الكارثة التي حلت بهم. حين كنت أؤلف الحكاية، حكايتهم، كنت أقترب فأصير واحداً منهم. اليوم الكاميرا تضعني خارجهم، ومن تلك المسافة يمكنني معاينة الفاجعة. في القامشلي مربع أمني تحت سلطة النظام السوري، فيما المدينة تحت سلطة الـ «بي يو دي». علينا هنا أن نعود إلى شبكة الهاتف السورية الضعيفة وغير المكترثة لخدمة المواطنين السوريين الأكراد. لم يعد للسلطة السورية سوى هذه الخدمة الضعيفة. الكهرباء تتولى توزيع ساعات تغذيتها القليلة الإدارة الكردية، وحقل الرميلان النفطي صار تحت سيطرة الحزب الكردي. مطار القامشلي يعمل أيضاً، فيومياً تهبط فيه وتقلع منه أكثر من ثلاث طائرات مدنية سورية من وإلى دمشق. المطار هو المنفذ الرسمي الوحيد لـ «روج آفا». والمربع الأمني المتبقي للنظام في المدينة مهمته الإبقاء على سلطة شكلية للدولة تتيح بقاء المطار. هذا ما شرحه لنا طه حين سألناه عن العلاقة بين الـ «بي يو دي» والنظام السوري. والقامشلي لا تبدو متوترة جراء وجود هذا المربع الأمني في وسطها، والطريق الذي يصل هذا المربع بالمطار والذي تعبر منه سيارات تابعة للنظام، هو أيضاً طريق عبور عادي للمواطنين الأكراد. في القامشلي اليوم نحو نصف مليون مواطن، وهذا العدد هو نتيجة تضاعف عدد السكان بفعل لجوء عشرات الآلاف من مدن الشمال السوري إلى المدينة. واكتظاظ المدينة مضافاً إليه غرابة واقعها الذي يعكسه تعايش السكان مع مربع أمني تابع لنظام لطالما استهدف الأكراد، يصبح باعثاً على الاطمئنان، فأنت الآن بين نصف مليون شخص، وهذا يشكل استثناء في مدن الحرب السورية والعراقية. ما أن تغادر القامشلي متجهاً نحو عامودا ومنها وصولاً إلى كوباني، عليك أن تباشر البحث في هاتفك عن شبكة الهاتف التركية. الجدار الأسمنتي الذي بناه الأتراك أخيراً على طول الحدود مع سورية لا يحجب إشارة الهاتف. الجميع هنا يملك شرائح هاتف تركية يتزودون منها أيضاً بالإنترنت. وعلى الكاميرا هنا أن تختفي، ذاك أن الجنود الأتراك على أبراج المراقبة لا يحبون التصوير على ما قال لنا طه. وهم يعتبرون أن العابرين على الطريق السوري الموازي لحدودهم عناصر من حزب العمال الكردستاني. الحصار يظهر هنا جلياً أكثر مما يظهر على الحدود مع العراق، أو في مناطق التماس مع النظام السوري أو مع «داعش». فالحدود مع تركيا تفصل بين مدن فقيرة وأخرى مزدهرة، وبين نمط زراعي متقدم وآخر متخلف، وبين جنود نظاميين، وآخرين حديثي التشكل ومتفاوتي التجهيزات. المدن على طرفي الحدود، بحسب طه، هي نفسها، لكن الفارق بين جزأيها السوري والتركي هو أن الأولى حكمها البعث والثانية استفادت من وجودها في دولة أحدث، على رغم أن الأكراد كانوا ضحايا النظامين في سورية وتركيا. في الرميلان استقبلنا الدار خليل، وهو أحد مسؤولي الإدارة المحلية، في أحد المقار التي كانت سابقاً مبنى لخبراء النفط الروس الذين كانوا يديرون حقل الرميلان النفطي. شرح خليل تجربة الإدارة الذاتية في «إقليم شمال سورية»، مؤكداً أن الكلام عن هيمنة كردية على مناطق العرب في هذا الإقليم غير صحيحة، وأن طموح الأكراد بإقليم الشمال ليس قومياً على الإطلاق، وأن التمثيل العربي في هذا الإقليم سيوازي وربما يفوق التمثيل الكردي. ولفت إلى أن «روج آفا» ليس اسم إقليم الشمال السوري إنما هو الاسم الذي يطلقه الأكراد على مناطقهم في هذا الإقليم. حدود «روج آفا» ضيقة، وإذا كان أكراد العراق أطلقوا في أيام محنتهم مع صدام حسين عبارة «لا صديق للكرد سوى الجبال» فإن أكراد سورية لا صديق لهم سوى «السماء» حيث الطائرات الأميركية تتولى تغطية حربهم مع «داعش» فيما جيرانهم الأتراك والعرب، والأكراد العراقيون، مرتابون وينتظرون فرص الانقضاض على تجربتهم. الركون لوعود أميركية للخلاص أمر اختبرته معظم جماعات المنطقة وحصدت خيبة كبرى، وهذه حقيقة لا يمكن لأكراد سورية تفاديها في سعيهم للخلاص.

مؤسسة «أديان» والعمل نحو مواطنة حاضنة للتنوّع

المستقبل.. «كانت قناعتنا أن لبنان لا يحتاج إلى منصة أخرى للحوار بين الأديان بسبب الأحاديث الكثيرة حوله وابتذال صور مثل صورة شيخ بجانب كاهن. لا بل اعتبرنا أن المطلوب أن نوجِد مساحة لأفراد من انتماءات مختلفة، سواء ثقافية أو إثنية أو دينية لكي يعملوا مع بعضهم البعض على قضايا يعتبرونها مشتركة ويتبنوها»، بهذه الكلمات قد يكون الأب فادي ضو، قد اختصر الدافع الأساسي لتأسيس «أديان» قبل أكثر من عشر سنوات. الأب فادي، وهو المدير التنفيذي وأحد المؤسسين الخمسة للمؤسسة اللبنانية عاد لُيضيف خلال مقابلتنا أن «أديان» هي «مؤسسة لبنانية تعمل لتطوير إدارة التنوع الثقافي والديني الإيجابي في المجتمعات، سواء في لبنان أو خارجه». وهكذا، عام 2006، وفي خضم الحرب الإسرائيلية على لبنان، اتّفق المؤسّسون الخمسة على أهمية المسؤولية المشتركة بين كل المواطنين في الحفاظ وبناء الأوطان لا الاستسلام لليأس والدمار وبدأوا العمل. وفي منطقتنا العربية حيث يكثر العنف ويزداد التطرف والخوف من الآخر وتنغلق الجماعات على بعضها وتتوقف حربٌ لتبدأ أخرى، يبدو أننا نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مؤسسات وجمعيات مماثلة من أجل كسر حاجز الصمت والخوف وتقريب المسافات بين الناس. مؤسسات تُدرك أن مهمّتها ليست سهلة. وهنا يقول الأب فادي «من خلال الدراسات التي نقوم بها، نلاحظ نزعةً للتعصب والانزواء والطائفية والمذهبية في لبنان. وما قد يكون تغيير عبر السنوات هو أنه، في السابق، لم يكن الوضع أفضل وكان الناس يظنّون أنهم متسامحون ومنفتحون في حين أنهم كانوا رافضين أن يروا التنوع والاختلاف. اليوم، نجد فئتَين من الناس: أولئك الذين يتحدثون علناً عن تعصبهم وآخرون ملتزمون فعلاً باحترام الاختلاف؛ شريحة تتضاعف في لبنان وهي التي نركّز عليها». وهنا تتدخّل داليا المقداد، منسّقة الإعلام في «أديان» لتُضيف «اللقاء مع الآخر له تأثير إيجابي وهذا ما نحاول العمل عليه. في لبنان مثلاً، الأمر يتعلق بالخوف على الوجود ما يعزز الشعور بالتهديد ويظن البعض أن التعصب يحمي الوجود. وبالتالي، موضوع اللقاء بالآخر يلعب دوراً كبيراً في التوعية وفي كسر الصور النمطية». على الرغم من كل هذه القيود والصعوبات، يؤكّد الأب فادي أنه لا يشعر بالإحباط لا بل يقول «أشعر بغضب أحياناً عندما نجد أن الأشخاص الذين يجب أن يعتمدوا الخط ذاته يُعرقلون العمل أو أن الناس ما زالوا يتبعون أو يصدقون الأشخاص الذين يلعبون على وتر الطائفية ويكذبون عليهم. لكنني تعوّدت أن يكون هذا الغضب دافعاً للذهاب أبعد من ذلك وألا أستسلم». تحويل الغضب والإحباط إلى عزيمة ودافع بغية مضافرة الجهود لإحداث التغيير؛ أمرٌ ينعكس بمختلف نشاطات ومبادرات وبرامج مؤسسة «أديان» التي تطوّرت مع السنوات. وهنا تفصّل لنا المقداد الأقسام الثلاثة في الجمعية. وتبدأ مع «معهد المواطنة وإدارة التنوع» وهو، على حد قولها، الذراع الأكاديمي للمؤسسة حيث يضم التعليم الإلكتروني والدورات الدراسية والتدريب ومختلف الدراسات والأبحاث والمنشورات إضافة إلى الندوات والمؤتمرات. وهنا تقول المقداد «ما يميّز نشاطاتنا هذه هي المقاربة العلمية والنقدية لإشكاليات لم نتعوّد أن نتحدث عنها بشكل موضوعي مثل الدين والسياسة، مواضيع نعتبرها تابو». أما قسم «الجماعة»، فيتضمّن مختلف الشبكات مثل شبكة متطوعي «أديان» التي تشرح لنا المقداد أنها مؤلفة من «متطوعين تابعوا تدريبات معنا وتحوّلوا إلى سفراء لـ «أديان» يحملون رسالتنا ويعملون على طريقتهم الخاصة لتطبيقها» إضافة إلى شبكة الأسرة وشبكة الشبيبة. من جهته، يعمل القسم الأخير وهو «الإعلام» على تعزيز القيم والمفاهيم التي تدعو إليها «أديان» من خلال تغطية نشاطات المؤسسة والأفلام الوثائقية القصيرة. وتضيف المقداد «أطلقنا أيضاً موقع «تعددية» في شباط الماضي بهدف تعزيز ثقافة قبول الاختلاف والتنوع الثقافي والديني بالعالم العربي تحت عنوان «متفقون على مواجهة التطرف من خلال التفكير النقدي». نُعالج هذه الإشكاليات من خلال التعاون مع كتّاب من العالم العربي وإنتاج أفلام قصيرة مع شخصيات عامة وخبراء وشباب». ومن بين الأمثلة الكثيرة حول ما يقوم به موقع «تعددية»، تذكر المقداد الفيديوات التي تسلط الضوء على مبادرات مختلفة مثل الشاب التونسي الذي يقنع رفاقه بعدم الالتحاق بداعش أو شباب الموصل الذين يعملون على موضوع الآثار وحمايتها أو حتى حملة «شو قصتك؟» في لبنان لمواجهة خطاب التطرف والخطاب الطائفي في لبنان بين الشيعة والسنة للذكر لا الحصر. ويتدخّل الأب فادي ليضيف «نعمل أيضاً على قسم جديد، «مركز رشاد للحوكمة الثقافية». وهو مركز لدراسة السياسات يهدف إلى أن نتعاون مع صناع القرار ومساعدتهم على إنتاج السياسات المناسبة». وهنا يضرب مثالاً بتعاون «أديان» مع وزارة التربية لتعديل المناهج في لبنان من أجل مواجهة التطرف وبناء مجتمعٍ مبني على التربية والعيش معاً. تطوّر مختلف أقسام «أديان» وتعدّد نشاطاتها قد يكون أفضل تقييم لعشر سنوات من العمل على الأرض. ويطلعنا الأب فادي «ساهمنا بالإصلاح التربوي على المستوى الوطني في لبنان كما ساهمنا، وإن بشكل محدود، بالمصالحة في لبنان وفي الترابط الاجتماعي ولاسيما في المناطق التي تعرضت لأزمات. وما أعتبره مميزاً جداً هو أننا جمعنا كل المؤسسات الدينية الرسمية في لبنان بلجنة مشتركة للعمل خلال ثلاث سنوات لإنتاج التربية الدينية على القيم المشتركة». ويتابع «في الخارج، نظّمنا عدداً من التدريبات لبناء القدرات أو العمل مع السوريين، سواء كانوا نازحين أو في الداخل، بهدف التربية على السلام ومواجهة التطرف». من أجل المتابعة، تعوّل المؤسسة على الهبات والمساعدات وتعمل على تطوير موارد جديدة لتوليد المزيد من العائدات. كما أنها، على صعيد آخر، تعمل على إقامة علاقات جيدة مبنية على التعاون مع صنّاع القرار لاسيما رجال السياسة ورجال الدين. ويقول الأب فادي «لا ننتظر من رجال الدين أن يتجاوبوا معنا فحسب لا بل نتوقع منهم أن يعملوا على هذه المواضيع والمفاهيم من تلقاء أنفسهم. أما مع رجال السياسة، فالأمر سيّان. نعمل معهم لأننا بحاجة إليهم لاسيما عندما نريد تغيير سياسات ومناهج دراسية. نحرص على إقامة علاقة إيجابية معهم بغض النظر عن مواقفهم السياسية. في النهاية، نحرص على استقلاليتنا من الطرفين». منطقتنا العربية تحتاج إلى مبادرات مماثلة من أجل تقريب المسافات بين المجتمعات والطوائف. وعندما سألنا الأب فادي «وبكرا شو؟»، أجابنا «بكرا مثل اليوم!» وذكر الوعود الأربعة التي أطلقتها «أديان» بمناسبة عيدها العاشر العام الماضي. فجاء الوعد الأول على مستوى لبنان من أجل الإسهام في تحقيق المسار التاريخي للعبور بلبنان من واقعه الطائفي إلى المواطنة الحاضنة للتنوع في إطار دولة حديثة وديمقراطية. أما على مستوى المشرق، فوعدت «أديان» الإسهام في تكوين قدرات القادة الجدد المخوّلين تحقيق نهضة دول المشرق المتعدّدة ثقافيّاً وخاصة العراق وسوريا. وعلى مستوى العالم العربي، تريد جعل التنوّع مقبولاً ومعترفاً به كواقع في الإطار الديني والسياسي والثقافي، وتعزيز تبنّي التعدّديّة كقيمة اجتماعيّة وسياسيّة. ولم تنسَ المستوى العالمي حيث تريد تطوير السياسات الجديدة التي تُعزز المناعة في مواجهة سائر أشكال التطرّف، وتنمي الترابط الاجتماعي والاستقرار. وعود طموحة ولا يخفى على الأب فادي حيرتي الواضحة حيال القدرة على الإيفاء بهذه الوعود فيقول ضاحكاً «نحن واقعيّون، ولذلك نستخدم مصطلح «الإسهام». أمضينا خمس سنوات نعمل مع وزارة التربية اللبنانية لتعديل المناهج وما زال الناس غير مصدّقين أننا حققنا انجازاً. أتعرفين؟ بدأت القصة مع مدرسة واحدة عانت من مشاكل بين طلابها المسيحيين والمسلمين. قمنا بورش عمل وحصدنا اهتمام منظمة اليونسكو ثم نظّمناها في 40 مدرسة وبعدها حصلنا على جائزة. بعدها، توجهنا الى الوزارة محملين بالمصداقية وحصدنا الثمار». الأمل والإيمان بأنه بالصبر يصبح حتى المستحيل ممكناً. وهنا تقول المقداد «التطرف والتعصب أقوى بكثير من الخطاب الإيجابي. معظم الناس فقدوا الأمل ومن الصعب إقناعهم بأنهم يضطلعون بدور لإجراء التغيير. إلا أن هذا النوع من المبادرات يبني الأمل بإمكانية إعادة بناء الأوطان».

 

 



السابق

أجندة «حزب الله» تُسابِق زيارة الحريري إلى واشنطن... مقتل السوريين الأربعة يتحوّل «كرة ثلج» وسط مطالباتٍ للجيش بتحقيقٍ شفاف..العماد عون: مصرّون على توضيح الحقائق من لحظة المداهمة حتى التوقيف والحريري يُناقش مع قائد الجيش غداً «تحقيقات عرسال»...جنبلاط لـ «الحياة»: أجندة إيران مختلفة عن روسيا في سورية...مهدي أبو حمدان أصغر عنصر لـ «حزب الله» يسقط في سورية...«حزب الله» يُعادل «شهادات الحياة» .. بـ«شهادة وفاة»...جعجع: عودة النازحين ممكنة والكلمة الفصل للحكومة اللبنانية...وكيلة أهالي النازحين الذين توفوا خلال التوقيف تلتزم الصمت بعد استدعائها من نقابة المحامين...فرنجية لمناصريه: حاذروا المتقلبين..بخاري يجول برفقة الشعار على مخيمات النازحين...

التالي

مقتل خبير روسي في طرطوس.. وموالون يشككون برواية النظام....«هدنة الجنوب» صامدة وواشنطن تأمل توسيعها..صمود «هدنة الجنوب» ... والمعارضة والقوات النظامية للانسحاب من خطوط التماس...معارك عنيفة على محاور شرق دمشق وغارات للطيران الحربي في البادية..تحرير الشام توضح لـ "أورينت" تفاصيل العملية الأمنية ضد تنظيم الدولة بإدلب..«جنيف 7» تنطلق اليوم والأمم المتحدة تأمل باستثمار «التهدئة»....«سورية الديموقراطية» تنفي انسحاب «قوات النخبة» العربية من معارك الرقة....

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,280,874

عدد الزوار: 7,626,753

المتواجدون الآن: 0