أربعة أسباب تمنع سيطرة الاسلام السياسي على تركيا

تاريخ الإضافة الثلاثاء 2 آذار 2010 - 4:42 ص    عدد الزيارات 3921    التعليقات 0    القسم دولية

        


بعد الموجة الأخيرة من التوقيفات في تركيا، بدأ الإعلام الغربي، وأخيراً، يبدي بعض الاهتمام بما يجري في ما يختص بالعلاقات المدنية-العسكرية التركية. كالعادة، تنقسم التعليقات بين من يعتقدون أن هناك خطراً كبيراً بحدوث أسلمة في البلاد ومن يرون في ما يجري مخاض الديموقراطية الحقيقية.
في رأيي، هذه التوقيفات تاريخية لأنها تضع حداً لزمن التدخلات العسكرية. من الآن فصاعداً، سوف يواجه الجنرالات الأتراك مخاطر قانونية غير مسبوقة لمجرد التفكير في تنفيذ "انقلاب". إنه خبر سيئ للبعض لأنهم يعتبرون أن للجيش دوراً شرعياً يؤديه في وجه الإسلام السياسي. ويتخوفون من أنه من شأن تركيا من دون الجيش العلماني أن تصبح دولة أصولية. إنهم مخطئون.
من غير المحتمل أن ترضخ تركيا للإسلام السياسي لأربعة أسباب بنيوية على الأقل، ولا علاقة لأي منها بالجيش الكمالي. أولاً، لدى تركيا تقليد قوامه تفوّق الدولة على الإسلام ويعود إلى ما قبل الجمهورية الحديثة. فمن نواحٍ عدة، استندت الامبراطورية العثمانية وتقليد الدولة إلى التفوق السياسي على الإسلام. يكفي النظر إلى القوانين التي أقرها السلطان. كانت هذه القوانين تُقَرّ خارج نطاق الشريعة ولم يكن لها أي تبرير إسلامي مباشر. كان السلطان يصدر قوانين تستند إلى المبادئ العقلانية أكثر منها الدينية في ميادين القانون العام والإداري والجنائي وكذلك في قطاع مالية الدولة. وبهذا المعنى، لم تكن الأمبراطورية العثمانية ثيوقراطية. في الواقع، كانت أقرب إلى العلمانية لأنه عندما كان "منطق الدولة" العثماني يتصادم مع الإسلام، كان منطق الدولة ينتصر على الدوام. تقليد الدولة القوي هذا ذو الجذور العلمانية التي تعود إلى آسيا الوسطى هو ما يميّز تركيا عن الشرق الأوسط العربي. إنها نقطة أساسية يجب ألا تغيب عن بالنا. في العالم العربي، الدولة هي وليدة الإسلام. أما في تركيا، فالدولة موجودة قبل الإسلام. تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الدولة العربية الحديثة هي وليدة مصطنعة لما بعد الكولونيالية في حين أن الدولة التركية الحديثة هي كيان عضوي ذو إرث إمبريالي قوي. نتيجة لذلك، الدول العربية بحاجة ماسة إلى الدين للحصول على الشرعية السياسية. أما الدولة التركية فلا تحتاج إلى الدين إلا لتحقيق الانسجام الاجتماعي.
السبب الثاني وراء استحالة الحكم الإسلامي في تركيا الحديثة هو تاريخ البلاد العريق في الدمقرطة التي تعود إلى النظام الدستوري الذي أرسي في القرن التاسع عشر. الديموقراطية هي الترياق الأفضل في وجه الإسلام السياسي. في غياب حرية التعبير وحرية الصحافة والأحزاب السياسية الحرة والانتخابات الحرة، يصبح الإسلام والمساجد المنافذ الوحيدة للتعبير عن الاعتراض. ويصبح الإسلام في هذا السياق السلطوي، لغة المقاومة الوحيدة في وجه الاستبداد، والحل لكل شيء. هذه كانت الحال خلال حكم الشاه في إيران، ولا تزال كذلك في العالم العربي. وليس مفاجئاً أن شعار "الإخوان المسلمين"، وهي الحركة الإسلامية الأكثر نفوذاً في العالم العربي، هو "الإسلام هو الحل". حمداً لله أن تركيا نجحت في تفادي هذه الحلقة المفرغة من خلال انطلاقة الديموقراطية المتعددة الحزب عام 1946. إذا كان الجيش التركي يريد تركيا أكثر إسلامية، فعليه ببساطة أن يسير على خطى العالم العربي ويلغي الحكم الديموقراطي.
السبب الثالث الذي يجعل تركيا بمنأى عن حكم الشريعة هو طبقتها الوسطى النابضة بالحياة التي تفيد من العولمة والرأسمالية والاستقرار الديموقراطي. نعمة تركيا هي أنها لا تملك كميات كبيرة من النفط والغاز. فوفرة الطاقة في العالم العربي لعنة تشل نمو الديموقراطية والرأسمالية. فبدلاً من النفط والغاز، يستمد الاقتصاد التركي حيويته من "نمور الأناضول" الذين يتميّزون بإنتاجية عالية جداً والموجَّهين نحو التصدير. لهذه الطبقة البورجوازية الأناضولية المتفانية والكثيرة التنقّل، مصلحة أكيدة في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي. يحلم رواد الأعمال في تركيا بالاتحاد الأوروبي وبزيادة أرباحهم إلى أقصى حد، وليس بثورة إسلامية تؤدي إلى فرض الشريعة.
أخيراً، السبب الرابع الذي يُبعد الأصولية عن مستقبل تركيا هو أن للإسلام التركي جرعة صحية من الصوفية، مما يمنحه بعداً اجتماعياً وثقافياً وتصوفياً على حساب الأجندة السياسية الراديكالية. وخير دليل على ذلك هو أن الحركة الدينية الأكثر نفوذاً في تركيا تهتم بالتعليم والإعلام والحوار بين الحضارات أكثر من اهتمامها بالسياسة. أجل، لكل هذه الأسباب، يجب أن نتوقف عن إثارة الذعر بشأن الشريعة أو الحكم الإسلامي في تركيا

عمر تاسبينار     


المصدر: جريدة النهار

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,284,012

عدد الزوار: 7,626,857

المتواجدون الآن: 0