بغداد ومأزق التوازن الإيراني - الأمريكي في العراق

تاريخ الإضافة السبت 24 نيسان 2010 - 6:16 ص    عدد الزيارات 3458    التعليقات 0    القسم دولية

        


آسيا تايمز


بقلم: جورج فريدمان (رئيس مؤسسة الاستخبارات الاستراتيجية ستراتفور):

شكل الوضع في العراق على الدوام تحديا استراتيجيا مهما لطهران، فحتى عام 2003 كان الاستقرار الاقليمي يرتكز على توازن القوة بين العراق وإيران.
لكن عندما غزت الولايات المتحدة العراق في 2003، اعتقدت واشنطن عندئذ ان بالامكان دحر القوات العراقية بسرعة وتفكيكها ومن ثم تنصيب حكومة اخرى متماسكة وفاعلة مؤيدة لأمريكا لتستعيد واشنطن بذلك توازن القوة الاقليمي.
إلا أن الولايات المتحدة وجدت نفسها، بعد ان تبين لها خطأ ذلك التوقع، مضطرة للقيام بمهمتين عندئذ: تأمين الاستقرار في العراق وتوفير القوة اللازمة لمواجهة إيران.
صحيح ان الولايات المتحدة وإيران ارادتا تدمير نظام صدام حسين البعثي، وتعاونتا الى حد ما في ذلك خلال الغزو الا ان اهدافهما اختلفت بعده.
ففي الوقت الذي طمح فيه الإيرانيون إلى إقامة نظام شيعي في بغداد يكون خاضعا لنفوذ طهران، سعى الامريكيون لاقامة نظام يعمل على صد مثل ذلك النفوذ تحديدا.
بيد ان استراتيجية الولايات المتحدة في هذا المجال افتقرت الى الانسجام. فعندما وقف الامريكيون وراء برنامج اجتثاث البعث، دفعوا مجتمع السنة الى التمرد والمعارضة. اذ لاقتناعهم انهم كانوا يواجهون مصيبة تتجسد في وجود الامريكيين من ناحية، وقيام حكومة مؤيدة لإيران في بغداد من ناحية اخرى، توحد البعثيون العراقيون السُنة مع الجهاديين الاجانب في المقاومة.

حرب ثلاثية الأطراف

وفي الوقت الذي كان فيه الامريكيون يناهضون السُنة، عمدوا ايضا لمنع تشكيل حكومة مؤيدة لإيران في بغداد مما ادى لنشوب حرب بين ثلاثة اطراف: الامريكيون، الشيعة والسُنة دفعت العراق الى حالة فوضى شاملة، واخلت التوازن مع إيران، وجعلت الولايات المتحدة القوة المعاكسة الوحيدة امام الإيرانيين.
وحول هذا كله ما كان يتعين ان يكون عملية قصيرة المدى الى حرب طويلة لم تستطع الولايات المتحدة تخليص نفسها منها.
نعم، لم يكن بمقدور واشنطن مغادرة المسرح لأنها اوجدت حالة كان فيها الجيش الإيراني هو القوة الاقوى في منطقة الخليج.
ففي غياب الولايات المتحدة كان لا بد ان يهيمن الإيرانيون على العراق ومن ثم ينتزعون تنازلات سياسية واقتصادية منه ومن شبه جزيرة العرب دون حاجة لغزوه.
بل بصرف النظر عن قدرتها النووية التي لم تتبلور تماما بعد، تمثل إيران ما لم يتم كبحها تهديدا استراتيجيا كبيرا لتوازن القوة في منطقة الخليج.
بل لو افترضنا ان القضية النووية قد تمت تسويتها دبلوماسيا أو عسكريا لبقيت المشكلة الاستراتيجية قائمة دون تغيير لأن المسألة الاساسية تتمثل في الاسلحة التقليدية وليس النووية.
لكن على الرغم من هذا، سوف تكمل الولايات المتحدة عملية سحب قواتها المقاتلة من العراق هذا الصيف، وتبقى بعدها قوة اسناد من حوالي 50.000 جندي. ويأتي هذا الانسحاب طبقا لخطة وضعها الرئيس السابق جورج بوش في 2008، وعجل تنفيذها الرئيس باراك اوباما بمقدار بضعة اشهر. لذا لا يمكن اعتبار هذا الانسحاب مسألة سياسية بل قضية استحوذت على الاجماع.


وضع حرج

سبب هذا الانسحاب - كما يقال - هو الحاجة للقوات الامريكية في افغانستان بل يمكن القول ايضا ان الولايات المتحدة نفسها لا تمتلك احتياطيا استراتيجيا لقواتها البرية. فبعد ان خاضت حربا على جبهتين لسبع سنوات، بات جيشها منهكا لدرجة يمكن القول معها ان الولايات المتحدة اصبحت تفتقر الى القوة البرية الكافية للرد بحسم اذا ما نشبت ازمة اخرى في مكان آخر من العالم.
لذا، لتجنب مثل هذا الوضع الحرج يتعين سحب القوات الامريكية من العراق، غير ان التخلي ببساطة عن الخليج للقوتين السياسية والعسكرية الإيرانيتين يمثل خطرا على الامريكيين مما يعني ان على واشنطن ان توازن بين واقعين غير مقبولين لذا، ولكي تستعيد التوازن الذي كان قائما قبل 2003، ينبغي ان تعمل الولايات المتحدة على قيام حكومة عراقية قوية متماسكة تتمتع بقدرات عسكرية وامنية كافية بما يمكنها من فرض ارادتها داخليا وردع أي قوة إيرانية خارجيا.
واذا لم يتحقق هذا على الوجه الاكمل، يتعين ان يتمكن العراقيون على اقل تقدير من الصمود امام الهجوم الإيراني بما يكفي من الوقت لوصول القوات الامريكية من جديد الى العراق.
ومن المرجح ان الإيرانيين سيمتنعون عن القيام بأي هجوم اذا تأكدوا من قدرة العراق على الصمود، صحيح ان الإيرانيين متطرفون في لغتهم وتصريحاتهم، لكنهم لا يميلون للمجازفة في اعمالهم عادة.
اذا تتوقف المسألة الآن: هل بمقدور العراقيين تشكيل حكومة قوية قادرة على اتخاذ القرارات ولديها قوة تستطيع تحقيق الاهداف المذكورة سابقا؟
لكن السؤال هو: هل لدى العراقيين اجماع استراتيجي على أي شيء؟ وهل هو مطابق لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية ان وجد؟ بل لو افترضنا ان العراقيين تمكنوا في النهاية من تشكيل الحكومة، وبناء قوة مهمة، هل سيعملون عندئذ وفقا لما يريده الامريكيون؟

تعريب: نبيل زلف

المصدر: جريدة الوطن الكويتية

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي...

 الثلاثاء 18 حزيران 2024 - 8:17 ص

آمال كبيرة: مستقبل الإنفراج الإيراني–السعودي... مجموعات الازمات الدولية..طهران/ الرياض/واشنطن/برو… تتمة »

عدد الزيارات: 162,172,128

عدد الزوار: 7,231,130

المتواجدون الآن: 116