المحاكمة بالنار: سياسات المحكمة الخاصة بلبنان

تاريخ الإضافة الأحد 12 كانون الأول 2010 - 7:49 ص    عدد الزيارات 2909    التعليقات 0    القسم دولية

        


المحاكمة بالنار: سياسات المحكمة الخاصة بلبنان

Middle East Report N°100 2 ديسمبر 2010

 

 

الملخص التنفيذي

من الصعب التنبؤ بمن سيخرج منتصراً في آخر أزمات لبنان.  فالمحكمة الخاصة بلبنان التي تحقق في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005 ستصدر قراراها الاتهامي قريباً. وفيما تتنامى التكهنات حول توجيه الاتهام إلى أعضاء في حزب الله، أصدر هذا الأخير تحذيرات باتخاذ إجراءات حازمة إذا امتنعت الحكومة اللبنانية - برئاسة سعد الحريري (إبن الراحل رفيق الحريري) – عن إدانة هذه المحكمة. وإذا امتثل رئيس الوزراء لهذا الطلب، فإنه ومؤيديه سيتلقون ضربة سياسية قاصمة. وإذا لم يفعل، فإن النتائج - بالنسبة لهم جميعاً وبالنسبة للبنان كله - ستكون ايضاً مدمرة.  أما إذا لم يلتزم حزب الله بتهديداته فإنه سيخسر ماء وجهه، وإذا التزم بها فإن صورته كحركة مقاومة ستتلطخ أكثر. ليس هناك من خيارات جيدة، إلا أن أفضل الخيارات السيئة يتمثل في التوصل إلى تسوية يمكن من خلالها إبعاد لبنان إلى حد ما عن المحكمة، والمحافظة على موازين القوى في البلاد دون أن يفضي ذلك إلى تقويض كامل لما أنجزته المحكمة حتى الساعة. وتشير التقارير إلى أن المملكة العربية السعودية وسوريا تعملان معاً من أجل إنجاز هذا المشروع. لعله من الحكمة أن يدعم الآخرون مثل هذه الجهود كما وأن يطرحوا مقترحاتهم الخاصة. أما البديل قد يكون الاستيقاظ على حل لا يعجبهم أو تقويض الفرصة الوحيدة للتوصل إلى نتائج سلمية.

لقد تبددت الآمال في أن تصبح المحكمة سابقة مهمة للعدالة الدولية في سائر أنحاء المنطقة بعد أن غرقت التحقيقات في أوحال معارك شد الحبال وعض الأصابع المحلية والإقليمية على حدٍ سواء.  منذ البداية، وقفت وراء التحقيق الدولي مجموعة من اللاعبين اللبنانيين وغير اللبنانيين الساعين لتحقيق جملة من الأهداف المختلفة.  سعت بعض هذه الأطراف الى الانتقام والمساءلة،  وأراد البعض الآخر إيجاد رادع يمنع الاغتيالات السياسية في المستقبل ويعزز سيادة لبنان.   كما رأى بعض الأفرقاء، الولايات المتحدة وفرنسا على وجه الخصوص، رؤوا في المحكمة فرصة لإعادة تشكيل التحالفات في لبنان من خلال تثبيت التحالف الموالي للغرب، وتقليص نفوذ سوريا وحلفائها بشكل كبير أو حتى زعزعة استقرار النظام السوري – وهو هدف سعت إليه واشنطن وغذّته أكثر مما فعلت باريس.  كما شكلت المحكمة أملاً في تحقيق اختراق في العالم العربي لمبادىء العدالة الدولية ووضع حد لثقافة الإفلات من العقاب.  وكانت النتيجة إجماعاً واسعاً بين لاعبين تلاقوا حول عملية قضائية محددة بدقة تستند إلى الافتراض بأن سوريا مذنبة وإنه يمكن إثبات إدانتها دون أي شك.

إن استثمار مثل تلك الآمال العريضة في التحقيق كان ظالماً إلى حد ما ومفرطاً في التفاؤل أيضاً.  لقد استندت تلك الآمال إلى سلسلة من سوء التقدير لموازين القوى الفعلي في لبنان ولقدرة سوريا على تحمل الضغوط والعزلة ولإمكانية التحقيقات على ردع ارتكاب مزيد من الاغتيالات في المستقبل، تلك الاغتيالات التي استمرت دون هوادة.  كما يبدو أن الأطراف التي دعمت التحقيق الدولي لم تأخذ في الاعتبار تماماً الزمن الذي سيفصل بين أهدافها السياسية المستعجلة والإيقاع الأبطأ بكثير للمحكمة الدولية.

لقد شهدت السنوات التي تفصل بين اغتيال رفيق الحريري ونشوء المحكمة الدولية، شهدت  تغييرات جذرية للمواقف والأوضاع في لبنان والمنطقة.  فانسحبت سوريا من لبنان ولم تعد تعاني العزلة كما في السابق، بل أصبحت دمشق تجذب تودد أطراف محتلفة منها فرنسا بشكل خاص، والولايات المتحدة بدرجة أقل.  أما حرب عام 2006 فقد كرست قدرات حزب الله العسكرية، وعمّقت الانقسامات الداخلية في لبنان وأضرت كثيراً بالدول العربية الحليفة للغرب.  كما شكلت سيطرة حزب الله الوجيزة على بيروت في أيار 2008، والذي أعقبها اتفاق الدوحة بين الأطراف المتنازعة، شكلت مصادقة على توازن داخلي جديد أفضى إلى حكومة وحدة وطنية وسرّع في تفتيت التحالف الموالي للغرب والمعادي لسوريا، (أي تحالف 14 آذار بقيادة سعد الحريري).  وحذا سعد الحريري حذو السعودية بتحقيق نوع من المصالحة مع دمشق.

هناك شيء آخر تغير أيضاً في تلك المرحلة الفاصلة وهو هوية الجاني المفترض.  فكما تشير تسريبات إعلامية صدرت مؤخراً وكما تؤكد أيضاً تصريحات لمسؤولين في حزب الله، فإنه من المتوقع أن يأتي أعضاء في الحزب على رأس قائمة المتهمين بالاغتيال. وبالنسبة لـقوى 14 آذار، عادت المحكمة الخاصة بالبنان لتشكل أداة قيمة في المواجهة الداخلية، ووسيلة لكبح جماح الحركة الشيعية بالنسبة لداعميهم الخارجيين.  أما في ما يتعلق بحزب الله، فإن المحكمة باتت مسألة حياة أو موت حيث يُنظر إليها على أنها محاولة أخرى من سلسلة محاولات يلجأ إليها أعدؤه لإلحاق الهزيمة به،  إذ يمكن لهذه الاتهامات إذا قوبلت بأنها مشروعة في لبنان والمنطقة أن تُلحق ضرراً كبيراً بسمعة حزب الله، وتجعل منه مجرد ميليشيا مذهبية (وإن قوية)، وتعيد إحياء التوترات الطائفية وتبعث الحياة في الجهود الهادفة إلى نزع سلاحه.

وعليه، أطلق حزب الله وحلفاؤه حملة مكثفة وضارية لنزع الشرعية عن المحكمة الدولية وترهيب أولئك الذين يؤيدونها، وساعدته في ذلك بعض الأخطاء في بداية مسار التحقيق، فنجح في استقطاب المواقف وتسييسها، حيث أن الرأي العام في لبنان والعالم العربي قد توصل إلى قراره حتى قبل صدور القرار الاتهامي.  هناك من هم مقتنعون بأن المحكمة الخاصة بلبنان ما هي إلاّ أداة سياسية تعمل بأوامر من إسرائيل والغرب، وهناك من هم مقتنعون بإدانة حزب الله.  ومهما جاء القرار الاتهامي متكاملاً ويتمتع بالمصداقية، فإنه من غير المرجح أن يغيّر في هذا الوضع كثيراً  فيما يشغل بال الكثيرين تلويح "حزب الله" باتخاذ إجراءات لم يحددها.

لا يمكن لشيء جيد أن يتمخض عن هذا الوضع.  يعتقد البعض ضمن قوى 14 آذار وداعميها بأن تهديدات حزب الله غير حقيقية، وأنه لا يستطيع تحمل تبعات إثارة مواجهة خشية أن يؤدي ذلك إلى تعزيز الصورة التي يخشاها من القرار الاتهامي أي صورة الميليشيا المذهبية.  على النقيض من ذلك، يبدو أن حزب الله وحلفاءه يعتقدون أن الحريري سيرضخ للضغوط، وسيقطع صلته بالمحكمة ويدين أجندتها السياسية المزعومة.  كلا السيناريوهان ممكنان نظرياً إلا أن أياً منهما غير محتمل عملياً.  فالحركة الشيعية التي هددت بحدوث كارثة، لا تستطيع ألاَ تفعل شيئاً.  والحريري، الذي تولى زعامة الطائفة السنية، سيدفع ثمناً باهظاً لإدارة ظهره لمقتل الرجل الذي لم يكن والده فحسب بل كان زعيماً بارزاً للطائفة أيضاً.  إن المراهنة على مهادنة حزب الله أو على استسلام الحريري ستؤدي فقط إلى تشجيع الطرفين على التمسك بمواقف غير تسووية من شأنها أن تدفع بلبنان إلى الهاوية.

يُعتقد أن الرياض ودمشق تعملان للتوصل إلى تسوية.  لا زالت التفاصيل غير واضحة، لكن للمرء أن يتوقع سيناريوهات محتملة.  يمكن للبنان أن يطلب من مجلس الأمن أن يوقف عمل المحكمة الخاصة بلبنان حالما يصدر القرار الاتهامي حفاظاً على الاستقرار الداخلي؛ أو أن يقرن التعاون معها باتخاذها لبعض الخطوات (على سبيل المثال: التخلي عن خيار المحاكمة الغيابية؛ والموافقة على النظر في ما يسمى بشهود الزور)؛ أو أن يستمر التعاون رغم تعبير لبنان عن شكوك جدية بالأساس الذي بنيت عليه النتائج.  ينبغي أن يترافق ذلك مع توافق يسمح لرئيس الوزراء بالحكم بشكل أكثر فعالية – وهو الأمر الذي مُنع من القيام به بشكل منهجي. 

مثل هذه الصفقة لن تكون مُحكمة، كما أنها لن تكون جميلة.  لن يحصل حزب الله على كل ما يريده.  لكن أن يستسلم الحريري فإن ذلك يعني الانتحار السياسي. كما أن إضعاف زعيم الطائفة السنية من شأنه أن يمهد الطريق أمام مجموعات سنية قد تلجأ إلى العنف كرد فعل على الشعور بالغبن.  كما أن هذا الحل لن يكون مرضٍ بالنسبة لقوى 14 آذار وأن تقبل بقيود حقيقية على عمل المحكمة الدولية.  غير أن معارضتها أو معارضة حلفائها للتسوية تحمل خطر أن يروا الحصيلة نفسها التي تقلقهم، أي أن يقوم حزب الله بعمل أكثر عدوانية يزيد من نفوذه السياسي بدلاً من أن ينقصه.  وفي هذه الحال، ما الذي سيفعله حلفاء 14 آذار الخارجيون؟

لقد تلطخت سمعة حزب الله، وليس من المرجح أن يستعيدها في وقت قريب.  وقوى 14 آذار تظهر مرة أخرى في حالة عجز وتعاني  من اختلال هائل في ميزان القوى الفعلي؛ وهذا أيضاً لن يجد له حلاً سريعاً.  لن تحقق المحكمة أسما الأهداف التي ينتظرها البعض ولن يخرج أحد منتصراً من هذه المعركة. الأمر الضروري هو ألاّ يكون الشعب اللبناني الخاسر الأكبر.

بيروت/بروكسل، كانون الأول/ديسمبر 2010


المصدر: مجموعة الأزمات الدولية

..What is Behind Kenya’s Protest Movement?...

 الإثنين 8 تموز 2024 - 5:33 ص

..What is Behind Kenya’s Protest Movement?... Kenyan police have killed dozens of protesters sinc… تتمة »

عدد الزيارات: 163,087,998

عدد الزوار: 7,295,504

المتواجدون الآن: 87