صورة حيّة عن تلكلخ: التعايش الجريح··· التهريب··· والإعتقالات

صدمة لبنانية تواجه مهمة فيلتمان اليوم

تاريخ الإضافة السبت 21 أيار 2011 - 5:36 ص    عدد الزيارات 2719    التعليقات 0    القسم محلية

        


صدمة لبنانية تواجه مهمة فيلتمان اليوم
السنيورة يدعو الحريري لتصريف الأعمال من السراي
على أرض الازمة، يتحرك اليوم بالتزامن، اللاعبان الدولي والاقليمي المتصادمان الاميركي جيفري فيلتمان والايراني رضا شيباني، وكلاهما كان سفيراً لبلاده في بيروت.

الاول: فيلتمان وهو يشغل حالياً مساعد وزيرة الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الاوسط، وتقضي مهمته، في الظاهر على الاقل، بتسويق الاستراتيجية الاميركية التي كشف عنها الرئيس باراك اوباما في خطابه امس، والتي قابلها اللبنانيون على مختلف اتجاهاتهم بما يشبه الصدمة والامتعاض من الانحياز الكامل لإسرائيل.

والثاني: شيباني، وهو يشغل حالياً منصباً رفيعاً في الخارجية الايرانية ويمتلك خبرة في الشؤون اللبنانية والعربية، ويحمل رسالة دعم للبنان <وتحذير من مخطط اسرائيلي - اميركي لهز الاستقرار الداخلي>.

وفي ظل هذا السباق الدبلوماسي المناوئ، تغرق الساحة الداخلية بالجمود، ويكاد الملف الحكومي يتراجع عن المسرح، الامر الذي حمل رئيس كتلة <المستقبل> الرئيس فؤاد السنيورة الى دعوة رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري للعودة الى بيروت، والمداومة في السراي الكبير لتصريف الاعمال بشكل كامل، لانه لا يوجد فراغ في السلطة.

وكشف الرئيس السنيورة، الذي خرج عن صمته للمرة الاولى منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، انه نصح الرئيس ميقاتي في ظل وجود انقسام صعب معالجته ان يلجأ الى حكومة مصغرة من 24 وزيراً وفيها اختصاصيون، وان يترك الامور الخلافية جانباً الى ان تهدأ الامور.

وتابع انه بعد ما جرى في تونس ومصر قلت له مجدداً ان هناك اسباباً اضافية ليست داخلية فقط، بل لاسباب عربية لحكومة مصغرة، وليس هناك من داع لحكومة تصادمية في لبنان، وكررت نصيحتي واعززها اليوم، بل قلت له اكثر من ذلك، انه إذا تألفت حكومة من هذا النوع من الخبراء والاختصاصيين وجاء بيانها الوزاري مقبولاً فهناك إمكانية لنعطيها الثقة>.

ولاحظ أن الفريق الآخر ظن انه قادر على تأليف حكومة بشكل سريع بعد الانقلاب الذي قام به، لكن تبين انه غير قادر، وأن لكل من أعضائه اجندته الخاصة، لافتاً النظر إلى أن الحكومة التي ارادوها للملاحقة والمعاقبة لم تعد الظروف الإقليمية والدولية تسمح بها.

وأوضحت مصادر المعلومات انه لم يسجل أمس، أي حراك على صعيد عملية تأليف الحكومة، التي تشهد حال <مراوحة شديدة>، بعدما عادت الأمور إلى المربع الأوّل، لا سيما وأن استعدادات المعاونين السياسيين لكل من رئيس المجلس النائب علي حسن خليل والأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، لم تأت أكلها لمعاونة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في تدوير الزوايا وتليين مواقف العماد ميشال عون الذي قال أمس في حديثه <للإخبارية> السورية أن تأليف الحكومة يحتاج إلى رجال لديهم شجاعة في وقت لا نشهد ارتياحاً على اكثر من صعيد وقلق امني واقتصادي على مستوى العالم، مشيراً إلى انه لا يمكن عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى السراي متسائلاً: <هل يريدون تعميق العجز الحكومي بعودة الحريري؟>.

ومهما كان من أمر، فان الاهتمام السياسي سينصرف ابتداء من اليوم إلى متابعة تفاصيل المواقف التي سيدلي بها كل من الدبلوماسيين الأميركي والإيراني في بيروت بعد جولاتهما على المسؤولين.

فيلتمان في بيروت وكان السفير فيلتمان قد وصل الى بيروت مساء أمس اتياً من عمان بالدرجة السياحية، حيث جلس مع مجموعة من المعوقين في الطائرة، واستقبلته في المطار السفيرة الاميركية مورا كونيللي مع عدد من أركان السفارة، ولم يشأ الدخول إلى صالون الشرف في مطار رفيق الحريري الدولي، رغم أنه كان مفتوحاً له، لكن لم يكن أحد من الخارجية اللبنانية في استقباله.

وبحسب المعلومات فإن الرئيس ميشال سليمان سيستقبل السفير فيلتمان قبل ظهر اليوم والذي سيزور الرئيس ميقاتي بعد الظهر، فيما لم يعرف ما إذا كان الرئيس نبيه بري سيستقبله خلال مدة زيارته إلى بيروت والتي تستمر يومين، وكذلك الأمر بالنسبة لرئيس جبهة <النضال الوطني> النائب وليد جنبلاط الموجود في العاصمة الفرنسية، والرئيس الحريري الموجود خارج لبنان، إلا أن المعلومات أكدت أن فيلتمان سيلتقي عدداً من قادة فريق 14 آذار.

أما الديبلوماسي الإيراني محمد رضا شيباني والذي وصل إلى بيروت أيضاً مساء أمس آتياً من دمشق، فإنه سيلتقي في التاسعة من صباح اليوم الرئيس سليمان، ثم يجول بعد ذلك تباعاً على كل من الرئيس السابق إميل لحود والنائب سليمان فرنجية والعماد ميشال عون في الرابية، والرئيس بري عند الثانية بعد الظهر، ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، على أن يلتقي الرئيس ميقاتي غداً السبت ومسؤولين آخرين.

وفيما استبق <حزب الله> وصول فيلتمان بإصدار بيان ندد فيه بالقرار الأميركي بفرض عقوبات على سوريا، واصفاً إياه بأنه قرار سياسي بامتياز ويأتي في سياق تصفية الحسابات معها لالتزامها خيار المقاومة والممانعة ضد اسرائيل والهيمنة الاميركية، فقد لوحظ أن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم دعا إلى عدم استخدام لبنان منصة للإضرار بسوريا في محنتها وواقعها الحالي، في إشارة إلى مهمة فيلتمان، مؤكداً أن المشروع الأميركي في المنطقة بأسرها مشروع فاشل ومتراجع، وأن أي شرط أميركي يوضع في طريق الحكومة هو لإسقاط لبنان وليس لمصلحته.

مواقف من أوباما اما تيار <المستقبل> فقد اتسم موقفه من خطاب الرئيس الاميركي بنوع من خيبة أمل، عبّر عنها الرئيس فؤاد السنيورة بقوله لقناة <العربية> مساء امس ان كلام الرئيس اوباما فيما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي، جاء فيه شيء من الخيبة، لكنه في موضوع الاصلاح في العالم العربي فقد كان واضحا وصريحا، وهو ما قاله ايضا عضو الكتلة النائب الدكتور عمار الحوري لـ <اللواء> بأن خطاب اوباما كان حازماً فيما خص المنطقة، لكنه فيما خص الفلسطينيين كان يمكن ان يكون اكثر وضوحاً، خصوصا وانه لم يتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني، وبدا منحازا الى اسرائيل، وكان عليه ان يتعاطى بمقاربة اقرب الى موضوع الحل بالنسبة لطرح الدولتين.

واعتبر منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار لـ <اللواء> ان خطاب الرئيس الاميركي هو بمثابة رسم خريطة اعادة تكوين منطقة الشرق الاوسط بما فيها القضية الفلسطينية، حيث ركز على السلام العادل واقامة الدولة الفلسطينية بحدود العام 1967، وان جاء في بعض محطات كلامه بعض الالتباس.

ولاحظ الرئيس السنيورة ان اوباما لم يتحدث عن القدس ولا عن حق العودة، وكان ينقصه وضع الاقاليم الاساسية لما طرحه، مشيرا الى انه (اي اوباما لم يقدم برنامجا واضحا بما يتعلق بعملية السلام، ولم يأت في خطابه بشيء جديد، ولم تكن لديه مبادرات، وكان اقرب ما يكون الى الطروحات الاسرائيلية من الطروحات العربية.

وشدد الرئيس السنيورة على ان الربيع العربي هو صناعة محلية وليست خارجية، لافتا الى ان كلام اوباما عن الاصلاح في العالم العربي كان جيداً، لكنه استدرك بقوله ان موضوع الاصلاح في سوريا متروك للشعب السوري، <ونحن اتخذنا موقفا واضحا في هذا الشأن بأننا لن نتدخل في الموضوع السوري>.

 


 
السنيورة يدعو الحريري للعودة الى السراي لتصريف الاعمال ولا فراغ في السلطة
رأى رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة أن <الرئيس الاميركي باراك اوباما تحدث 45 دقيقة وكان موقفه واضحا فيما يتعلق بالاصلاح وندعمه بهذا الامر، لافتا الى ان <هذا الخطاب جاء فيه الكثير من الخيبة فيما يتعلق طرح عملية السلام بين اسرائيل والعرب>·

واوضح السنيورة في حديث لقناة <العربية> أن اوباما حاول ان <يعطينا صورة ان الشرارة التي انطلقت في مظاهرات للاصلاح في العالم العربي انطلقت من تونس ولازال هناك خيرا في هذه الامة وقادرة على التعافي>، مضيفا: <خطاب اوباما لم يأت بجديد، وكان اقرب إلى طروحات>·

وفي الموضوع السوري، اشار السنيورة الى <اننا لن نتدخل بموضوع سوريا كما لا نتدخل باي شأن بلد عربي ولبنان كان موضع محاولات للتدخل في شؤونه الداخلية ويحب ان لا نتدخل بشؤون الاخرين>·

واكد السنيورة ان الربيع العربي هو صناعة محلية وليست مستوردة ، وهذه نتيجة الاحساس بالابعاد عن المشاركة في صنع المستقبل والاستمرار في هذا الاحساس هي نوع من المهانة المتأتية من اسرائيل·

واعتبر السنيورة ان الوزراء هم من يسيرون الاوضاع في لبنان، متمنيا لو كان حصل بقاء لشأن الدولة اكثر مما هو حاصل الان، لافتا الى ان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري يجب ان يأتي ويمارس عمله من السراي لان حكومة تصريف الاعمال عليها ان تتولى اعمالها بشكل عادي وهي ليست في حالة فراغ>·

وبحث السنيورة مع نائب مدير ادارة مصر والشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية الكسي لوكور غرانميزون خلال استقباله امس في الاوضاع في لبنان والمنطقة·

من جهة ثانية، رد المكتب الاعلامي للسنيورة على حملة الاضاليل من شخصيات ووسائل اعلام 8 آذار في بيان وقال فيه: <عمدت شخصيات ووسائل إعلام تابعة لقوى الثامن من آذار في اليومين الماضيين، إلى شن حملة تشويه وافتراء ضد الرئيس فؤاد السنيورة عبر مداخل ومواضيع مختلفة كان آخرها الترويج ان الرئيس السنيورة اشترى حصة يملكها الرئيس سعد الحريري في البنك العربي، إضافة إلى محاولة نسج شائعات عن أهداف ومضامين جولة الرئيس السنيورة الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية (نيويورك وواشنطن) وفرنسا·

واوضح المكتب الاعلامي في البيان <إن الشائعة التي حاول البعض ترويجها عن أن الرئيس السنيورة اشترى حصة آل الحريري في البنك العربي هي مجرد نسج خيال جموح ومغرض وغير علمي وافتراضات واهية وتخرّصات كاذبة من المعيب على مطلقيها الوصول إلى هذا الدرك، وهي بالتأكيد شائعات كاذبة لا أساس لها من الصحة· كما نلفت أن هذا الترويج الكاذب قد تمت إحالته إلى الوكلاء <القانونيين للرئيس السنيورة من أجل متابعته قضائيا·

واشار الى <ان ما حاول البعض من شخصيات ووسائل إعلام محسوبة على قوى الثامن من آذار ترويجه من روايات مختلقة عن ما جرى في جولة الرئيس السنيورة في الولايات المتحدة وفرنسا، فالرئيس السنيورة أعلن الهدف من رحلته وهي المحاضرات التي ألقيت في كل من جامعة جون هوبكينز ومجلس العلاقات الخارجية في نيويورك وويلسن سنتر في واشنطن ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي، كما إن اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين السياسيين، قد تم الإعلان عنها، إضافة إلى ذلك، فان النقاط والمواقف التي أثارها الرئيس السنيورة في الاجتماعات، قد تم عرضها في بيانات المكتب الإعلامي، وبالتالي فان الرئيس السنيورة ليس لديه ما يخفيه، وقد أثبتت الوقائع والتي كان آخرها ما كشفت عنه وثائق ويكليكس، أن ما يقوله الرئيس السنيورة في الاجتماعات، يعلنه في مواقفه السياسية>·

وشدد على ان <محاولات التشويه والتهجم واختلاق روايات كاذبة بغرض الإساءة، لن تؤثر على موقفه الوطني والقومي ولن تبدل به وهي لن تحقق إلا إلى نتيجة واحدة وهي ظهور مدى هزال المنطق الذي يستند إليه مطلقوا هذه الإشاعات>·

 


 
صورة حيّة عن تلكلخ: التعايش الجريح··· التهريب··· والإعتقالات
إستفاقت ذات يوم على الدبابات··· وهي تصرخ <سلمية سلمية··· حريّة حريّة>
وادي خالد تفتح أبوابها لحماية <جيرانها> الخائفين من حرب أهلية

وادي خالد - رلى موفق: تأخذك ثلاث ساعات ونصف الساعة من العاصمة بيروت لتصل الى تلك المنطقة الحدودية في لبنان الشمالي· منطقة وادي خالد التي كثيراً ما تسمع عنها وعن قاطنيها من العرب الذين حطوا الرحال فيها منذ عشرات السنين، لكنهم لم يحظوا بالجنسية اللبنانية إلا في التسعينات من القرن الماضي·

من الصعب عليك حين تصل أن تميّز بين أبناء المنطقة وأبناء القرى السورية على المقلب الاخر من الحدود الذين نزحوا الى وادي خالد والقرى المجاورة في الجانب اللبناني· اللهجة متشابهة الى أبعد الحدود، وليس في المظهر الخارجي ما هو مختلف· تذهب إلى هناك وفي رأسك صورة أنك ستجد شباناً بلحى طويلة متدينين يحدثونك عن الله والجهاد والآخرة ··· فإذا بك أمام جيل من الشباب اليافع الذي يريد أن يحلم بالغد، يريد أن يشعر فقط بأنه إنسان·

المشهد في وادي خالد مخيف··· محزن· تسمع روايات لا تُصدق أو في الأحرى لا تريد أن تصدقها، ولا تريد أن تقرّ أنها تحصل على بعد أمتار من حيث تقف· روايات تشبه ما جرى في سراييفو وما حصل في دارفور·

روايات عن <تطهير يشبه التطهير العرقي··· قتل وذبح··· قنص وتهجير· باختصار مجازر تحصل

!!!>· ويبقى المنطق يدفعك إلى التشكيك والعقل يحثك على التدقيق والتمحيص في كل كلمة تُقال ومن يقولها· أحياناً كثيرة تختلط الأمور لدى اولئك الذين يعيشون تحت الصدمة، فيتخيّلون أموراً ربما لم تحصل··· أو يروون حكايات من نسج الخيال·

الأكيد أن هناك من كسر حاجز الخوف··· كسر الصمت الذي كان مطبقاً لسنوات وربما لسنوات طويلة! غريب كيف أنك لا تشعر بخوف في قلوبهم· حين تبادرهم بالسؤال: ألا تخافون؟ أنتم تريدون العودة الى دياركم· وما تقولونه فيه خطر كبير على حياتكم· فيأتيك الجواب: <هل كنا نعيش؟ نحن لم نكن نتنفس أصلاً· ماذا هناك أكثر مما يحصل لنا· هناك مجازر· أهلنا لا نعرف شيئاً عنهم· كانت النار تُطلق علينا، على الأولاد والنساء من الخلف، كانت تُطلق على السيارات ونحن نهرب>

· ماذا جرى في تلكلخ؟

البداية كانت مع الربيع العربي، مع مشهد الثورات في تونس ومصر·· تلك الصور الآتية عبر الأقمار الاصطناعية عن شبان يخرجون الى الساحات والميادين، يتظاهرون، يطالبون بالحرية، فيطيحون من خلال وحدتهم وإصرارهم وتصميمهم بالرؤوس التي استبدت طويلاً بالبلاد والعباد··· صور حركت في داخلهم شئياً لم يستطع القابعون في القصور ولو كانت تسمى" قصور الشعب" فهمها·

حين تحركت درعا على وقع تعذيب أطفال كتبوا على حائط المدرسة: <الشعب يريد إسقاط النظام>· وبعدها تحركت بانياس، خرج أبناء تلكلخ في تظاهرة رافعين شعار: <سلمية··· سلمية·· بدنا أسرى الجوية>· ظن أبناء تلكلخ ذات الأغلبية السنية أنهم يستطيعون الضغط على النظام لإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين·

تقول روايتهم ان المخابرات الجوية قامت منذ نحو سنة ونصف السنة باعتقال ما بين 800 إلى 1000 شاب من تلكلخ من لون طائفي واحد· سمعة هذه المخابرات لدى الأهالي ليست طيبة، فهي <الأشد تعذيباً> في قاموسهم·

كانت حملة الاعتقالات التي ترافقت مع مصادرة بضائع من المحال التجارية ومداهمات للمنازل تهدف إلى ترويع أبناء المنطقة· وقد جاءت الحملة تحت ستار مكافحة التهريب والإضرار بالاقتصاد الوطني، وأحياناً شملت التهمة تحريك النعرات الطائفية· ولم يتم اعتقال سوى شبان من المسلمين السنّة·

وكي لا يذهب خيالنا بعيداً كان سؤالنا لمجموعة من الشباب الذين يتجمعون في مكان مطل على منطقة العريضة السورية: عن أي نوع من التهريب تتحدثون؟ فاذا بماجد، شاب في عمر الربيع، لم يكمل بعد الثامنة عشرة يعلق: <أنا اعتقلت بتهمة تهريب صندوقي دخان· نحن بلدة حدودية، نعيش من بيع البضائع· لا وظائف عندنا· أجني من بيع صندوقي الدخان مائتي ليرة سورية، أي ما يعادل ستة الآف ليرة لبنانية· نريد أن نعيش· كانت النتيجة أن أمضيت ثمانية أشهر معتقلاً من دون محاكمة· لم أخرج إلا منذ شهر بعدما بدأت الاحتجاجات في تلكلخ والمطالبة بإطلاق سراح الأسرى لدى المخابرات الجوية>·

ماجد الذي يحدّثك ويداه ترتجفان هو البكر في عائلة تتألف من ستة أولاد· حلمه فقط اليوم <أن يسقط النظام>· عندما تسأله ماذا يطمح للمستقبل يعيد إجابته: <الآن لا أطمح إلا إلى سقوط النظام· وبعدها لو متّ ما في مشكلة>· حين تكرّر السؤال مرة ثالثة ورابعة، تكتشف أن هذا الشاب لم يحلم يوماً كما يحلم الأطفال والفتيان والشباب·

خلال اعتقاله، لم يعرف أهله عنه شيئاً· حاله كحال الآخرين من المعتقلين الذين بينهم أطباء ومهندسون وصيادلة وليس فقط تجار تهريب أو باحثين عن لقمة عيش· يقول محمد: <ما فينا نسأل· إذا ذهبنا للسؤال لا نعود>· يرفع عبود ثيابه كي نرى آثار الرصاص على جسمه: أنا أصبت بأربع رصاصات من المخابرات الجوية وكان لي سنة معتقلاً· بيتي قصفته مدفعية الدبابات وهدّم· ولن نسكت"· وتعلو الأصوات لتتداخل مع بعضها البعض: <دخلوا إلى بيوتنا وعلى نسائنا··· قصفوا البيوت بالدبابات· دخلوا ومعهم الشبيحة وأبناء القرى المجاورة من العلويين وراحوا يطلقون النار على المنازل· في العريضة ذبحوا نساء···>·

اللافت أن من تتحدث معهم من نساء ورجال، يخبرونك عن وجود <الشبيحة>· وتسأل من يقصدون بالكلمة، فيأتيك الجواب: <عناصر من حزب الله وإيران>· فتعقب: كيف عرفتم أنهم عناصر من حزب الله وإيران؟ <من كلامهم ولهجتهم· يضع كل منهم إما شريطة سوداء على زند اليد أو شريطة بيضاء أو شريطة حمراء>· ولكن هل برأيكم أن النظام الأمني السوري يحتاج إلى من يعاونه؟ يُصرّون على كلمة <نعم> ويتابعون <هو بحاجة لأنّ ليس لديه سوى الفرقة الرابعة التي يثق بها· حين يريدون أن يرسلوا جماعتهم إلى درعا وبانياس وحمص وتلكلخ ودوما وغيرها، فهم عندها بحاجة إلى من يساعدهم· كانوا يضعون الجيش أمامهم ويأمروه بأن يقصف ويطلق النار وإذا امتنع أحد يقتلونه"· يحدثونك عن ملازم أول في الشرطة اسمه علاء الشويطي رفض أن يطلق النار فقُتل· ويرون قصة الجندي مؤيد مرجان اعتقل منذ شهر لأنه رفض أن يُطلق النار·" وتتوالى القصص والأسماء والشواهد من هنا وهناك·

الغضب عارم على الوجوه· تسأل: لماذا تلكلخ؟ ماذا يميزها؟·

هي منطقة إسلامية ذات أغلبية سنيّة فيها نحو أربعين ألف نسمة، من بينها نحو خمسة آلاف علوي أتوا على مرّ السنين من القرى المجاورة· تلكلخ محاطة بقرى ذات أغلبية علوية وأقلية سنية· ويصل عدد السكان العلويون في هذه القرى الى نحو ثلاثين ألفاً· هناك نوع من التوازن في هذا القضاء الذي كان يجب أن يصبح محافظة· كنا نعيش مع بعضنا البعض· نحن لا نُفرّق بين علوي ومسيحي ومسلم وتركماني· ولكن منذ فترة بدأنا نسمع أنه يتم تسليح العلويين في المنطقة· واليوم يحصل ما يحصل· يتم تهجيرنا"·

ماذا حصل تحديداً وما يحصل الآن؟·

خرجنا على أسابيع في تظاهرات وشعارنا لم يتغير <سلمية سليمة بدنا أسرى الجوية>· قلنا لهم نحن منطقة تلكلخ مسالمون· ليس لدينا طائفية أو سلفية· جاء من سأل ما هي مطالبنا فقلنا لهم نريد أن نعرف مصير أبنائنا· أطلق سراح بعض الشباب فقط· بعد آخر تظاهرة (الأسبوع الماضي)، استفقنا في الصباح فوجدنا البلدة مطوقة بالدبابات والرشاشات وبدأ إطلاق النار على المنازل وأخذت الناس تهرب· منهم من هرب إلى هنا إلى وادي خالد· وكان الشبيحة والأمن يطلقون النار على السيارات والناس· هناك قتلى سقطت في الطرق، وهناك من أصيب في السيارات أثناء هروبنا· وجرى نقلهم إلى المستشفيات هنا· ومن استطعنا أن نتصّل به أخبرنا أنه يتم قصف المنازل وتمشيطها وهدمها· في الليل تُسمع أصوات القصف المدفعي وخلال النهار نسمع طلقات الرصاص"·

الرواية نفسها تتكرّر على لسان من تتحدث معه· أم خالد تجلس منذ أيام عند المعبر بين وادي خالد والعريضة، تنتظر أن تسمع شيئاً عن فلذة كبدها، كان رافع في حقل الفريز، عندما بدأ إطلاق النار على منزلها في العريضة· فهرعت وأولادها الستة إلى وادي خالد تاركة ابنها هناك· تسألها: ليش صار هيك يا أم خالد؟ <من الظلم يا بنتي· من الظلم اللي صاير على الناس>·

لكن أم بلال المصدومة لا تجد ما تقوله: نحن منحب الرئيس كنا واقفين معه ونقول: بشار وبس· هيك بيعمل فينا· بيهجموا على بيوتنا وبيقتلونا و بهجرونا· وين بدنا نروح ومين بدو يطعم أولادي· شتتونا من أرضنا>·

ألا يمكن أن يكون هناك من يريد أن يجرّكم إلى حرب أهلية؟ وأن تقوموا بردّات فعل ضد العلويين؟ يجيب أبو محمد: نحن ليس لدينا سلاح·

نحن ما يحز في قلبنا أننا لم نظن يوماً أن جيراننا وأبناء بلدتنا سيحملون السلاح ضدنا· نحن ندري أن النظام يريد حرباً أهلية كي يتلطي وراءها· بعضنا يعي ذلك ومتنبه· لكن لا أدري كيف ستكون ردات الفعل إذا عاد الناس ورأوا كل القتل والدمار الذي حصل·

أم محمد أتت مع ابن واحد وبقي هناك ثلاثة شبان من عائلتها· لماذا تركتِهم هناك؟ لا يوجد سيارات تكفي· جئت مع ابني الصغير، على ان يلحقوا بي· بالأمس وصلها خبر أنه حصلت اعتقالات لمن كان قد بقي في البلدة كما أن هناك قتلى، وقد يكون أبناؤها في عداد المعتقلين أو القتلى· سألتها ماذا ستفعلين؟ هل تريدين العودة: قالت كيف؟ من يعود يموت· الأسبوع الماضي كانوا يُحيون ذكرى النكبة· ليأتِ العالم اليوم ويرى النكبة الجديدة· هل ستتحرك الأمم المتحدة أو أوباما أو الحبيب أردوغان؟ ماذا ينتظرون أن يفنى الشعب السوري كي يتحركوا؟·

يسخر أبناء تلكلخ حين تسألهم ما إذا كان لديهم سلفيون· يعلق أبو وائل على كلام الإعلام الرسمي السوري عن الإمارة السلفية:

الدكتور الذي قالوا انه كان يريد إعلان إمارة سلفية كان معتقلاً منذ اكثر من سنة وسمعنا منذ عشرة أيام أنه أطلق سراحه لكن أحداً لم يراه· وفجأة رأيناه على التلفاز· إنها مهزلة··· ساعة نحن مخرّبون ساعة نحن سلفيون· نحن ببساطة أناس نريد أن نعيش بكرامة· انتهى زمن الخوف والسكوت عن الظلم·

تغادر وادي خالد، وأنت تسمع صدى كلمات التقدير والاحترام لأهل الوادي الذين فتحوا منازلهم وقلوبهم لأبناء القرى الحدودية على المقلب الآخر· تغادر وتسمع صدى الألم في قلوب أبناء تلكلخ الذين فتحوا بيوتهم للبنانيين في حرب تموز 2006: <نحن لم نفرّق بين لبناني وآخر· نحن كنا خير نصير للمقاومة· أين هم هؤلاء اليوم؟ نحن لن ننسى وقفة أبناء وادي خالد معنا· هم وأبناء الشمال من استقبلونا هرباً من الظلم والقتل والمجازر في حقنا>·

تغادر وادي خالد، تلك المنطقة اللبنانية الفقيرة والمهملة التي تبلسم جراح جيرانها حاملاً السؤال الأكبر والأخطر: هل وقع أبناء سوريا في فخ الحرب الأهلية أم أنه سيكون لديهم المنعة الكافية لعدم السقوط في أتون الحرب المذهبية العبثية المناقضة تماماً لما يصبون إليه من أحلام تجسّدها كلمات صغيرة معبّرة: <نريد أن نتنشق الهواء···· نريد الحرية>

·

<كنا نقول بشّار··· وبس هيك عملوا فينا وشتّتونا من أرضنا!>


 

 


المصدر: جريدة اللواء

A Gaza Ceasefire..

 الأحد 9 حزيران 2024 - 6:33 م

A Gaza Ceasefire... The ceasefire deal the U.S. has tabled represents the best – and perhaps last… تتمة »

عدد الزيارات: 160,782,335

عدد الزوار: 7,177,495

المتواجدون الآن: 124