تقرير

اكبحوا جماح حماستكم: إسرائيل وفلسطين ما بعد الأمم المتحدة

تاريخ الإضافة الأربعاء 14 أيلول 2011 - 7:41 ص    عدد الزيارات 3051    التعليقات 0    القسم دولية

        


رام الله/القدس/واشنطن/بروكسل  |   12 سبتمبر 2011

ينبغي لأي قرار تصدره الأمم المتحدة بالموافقة على قيام دولة فلسطينية أن يحقق مكاسب ملموسة للفلسطينيين وأن يقدم في نفس الوقت بعض التطمينات للإسرائيليين، والأهم من كل ذلك أن يتبعه ضبط جماعي للنفس لمنع نشوء دورة من العنف المتبادل الذي من شأنه أن يلحق أبلغ الضرر بالجميع.

اكبحوا جماح حماستكم: إسرائيل وفلسطين ما بعد الأمم المتحدة، آخر تقارير مجموعة الأزمات الدولية يدرس التحرك الفلسطيني المزمع في الأمم المتحدة.  يصف التقرير المسار إلى الأمم المتحدة بأنه عبارة عن سرد لسوء الإدارة الجماعية.  فقد قام القادة الفلسطينيون، وبسبب مزيج من الجهل، والانقسامات الداخلية واتباع سياسة حافة الهاوية، بالترويج بشكل مفرط لما يمكن أن يحققوه في المنظمة الدولية، وهم يحاولون الآن أن يفعلوا أي شيء لتجنب خسارة مصداقيتهم الداخلية.  وإسرائيل، التي تصوّر الآثار التي سيحدثها التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة بشكل دراماتيكي مبالغ به، والتي لا تفوت فرصة لمعاقبة الفلسطينيين، هددت برد انتقامي.  أما الإدارة الأمريكية، غير القادرة على توجيه الأحداث، والتي سئمت من كلا الطرفين، والتي تواجه الكونغرس الذي سيفرض ثمناً لأي تحرك فلسطيني في الأمم المتحدة، فإنها تريد فقط لكل هذه العملية أن تتلاشى وتختفي.  إنها تضغط، بدلاً من ذلك، من أجل استئناف المفاوضات التي يرجح، بالنظر إلى السياق الحالي، أن تنهار – مما يجعلها علاجاً أكثر خطورة من المرض نفسه.  يقول روبرت بليشر، مدير المشروع العربي – الإسرائيلي في مجموعة الأزمات: " بالتعابير الدبلوماسية، يُعتبر أيلول/سبتمبر 2011 رمزاً لمحاولة الفلسطينيين الحصول على اعتراف رسمي بدولتهم في الأمم المتحدة وللإجراءات الانتقامية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة ولحالة من الانهيار. إن الانشغال بقرار الأمم المتحدة والطاقة المفرطة المستثمرة في إحباط هذه المحاولة بات يشكل عائقاً أمام التفكير الواضح".

لقد أصبح اتخاذ قرار من قبل الأمم المتحدة بهذا الصدد أمراً ضرورياً لأنه، ودون مثل هذا القرار، ستفقد القيادة الفلسطينية كل مصداقيتها.  إلاّ أن فحوى القرار وتبعاته ينبغي أن تدار بعناية.  الولايات المتحدة، التي رفضت لعدة أشهر أن تنخرط في صياغة النص الذي سيصدر عن الأمم المتحدة، أخرجت نفسها حتى الآن من السباق كي تركز على صياغة حل وسط.  وهذا يترك الأوروبيين، الذين يسعى الفلسطينيون جاهدين للحصول على دعمهم وبالتالي يمكن أن يفرضوا شروطاً مقابل دعمهم هذا وأن يحثوا جميع الأطراف على تجنب التصعيد.  لطالما سعى الاتحاد الأوروبي لذلك الدور؛ أما الآن فينبغي أن يكون على قدر هذه المسؤولية.

ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يضغط على الفلسطينيين للتخلي عن مطالبتهم بالعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والتي لا يمكن أن تنجح وستستثير عداء الولايات المتحدة.  بدلاً من ذلك، ينبغي تشجيع رام الله على عرض قضيتها على الجمعية العامة، التي ينبغي أن ترسخ المبادئ الأساسية لحل الدولتين (حدود 1967 ومبادلات متساوية ومتفق عليها للأراضي؛ وجعل القدس عاصمة للدولتين) بطريقة تعالج بعض المخاوف الإسرائيلية الرئيسية (بالنص على حل تفاوضي يضع حداً للصراع  وينتج عنه دولتين لشعبين).  ينبغي أن يرفع القرار صفة فلسطين إلى دولة مراقبة غير عضو.  وسيكون هذا ثاني أفضل خيار بالنسبة للفلسطينيين لكنه سيعبّر عن التأييد لحصول الفلسطينيين على دولة واحتمال المشاركة في بعض المؤسسات الدولية.

سيظل هناك مخاطر.  تخشى الولايات المتحدة وإسرائيل أن يستغل الفلسطينيون الامتيازات التي سيمنحهم إياها وضعهم كدولة مراقبة غير عضو ويجرّوا إسرائيل إلى محكمة الجنايات الدولية.  كما يمكن أن تتخذ إسرائيل إجراءاتها الخاصة بها، مثل وقف تحويل العائدات الضريبية أو تسريع توسع المستوطنات.  يمكن للكونغرس الأميركي الذي سيغضبه مثل هذا القرار أن يوقف المساعدات المقدمة للفلسطينيين.  بعد التصويت في الأمم المتحدة، سيترتب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يحثا جميع الأطراف على ضبط النفس ومنع تحقق النبوءات الكارثية.

يقول روبرت مالي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات: "لا ينبغي استبعاد إمكانية حدوث سيناريو القيامة؛ لكن بوسع صنّاع السياسات الفلسطينيين، والإسرائيليين، والأمريكيين، والأوروبيين أن يضمنوا عدم حدوث هذا السيناريو.  ولهذه الغاية ينبغي عليهم جميعاً إظهار قدر أكبر بكثير من الحكمة والمهارة السياسية في انتشال أنفسهم من هذا المأزق مما أظهروه في الوصول إليه".

 

الملخص التنفيذي والتوصيات

بالتعابير الدبلوماسية، يُعتبر أيلول/سبتمبر 2011 رمزاً لمحاولة الفلسطينيين الحصول على اعتراف رسمي بدولتهم في الأمم المتحدة، وما سيتبع ذلك من إجراءات انتقامية إسرائيلية وأمريكية، وباختصار رمزاً لقدر كبير من الأضرار والتداعيات الخطيرة.  ثمة مخاوف مشروعة حيال هذه التداعيات، غير أن الهوس بما سيحدث في الأمم المتحدة والطاقة المبالغة بها المستثمرة في إحباط هذه المحاولة باتت تشكل عائقاً أمام التفكير الواضح.  من شأن هذه المحاولة أن تنتج علاجاً أشد فتكاً وضرراً من المرض نفسه.  إذا تراجع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإنه سيسهم بشكل كبير في تقويض قيادته، وتقوية أعدائه وإطلاق العنان للقلاقل في أوساط شعبه.  كما أن العودة بسرعة لاستئناف محادثات السلام كبديل لذلك من شأنها أن تُفضي إلى انهيار هذه المحادثات مع ما سيسببه ذلك من تبعات أكثر خطورة من أي شيء يمكن لهذا الجهد أن ينتجه.  ينبغي أن يكون التركيز على صياغة حصيلة في الأمم المتحدة تُقدّم مكاسب ملموسة للفلسطينيين في مسعاهم للحصول على الدولة وفي نفس الوقت تقديم بعض التطمينات للإسرائيليين، والحد من مخاطر اندلاع العنف أو انهيار السلطة الفلسطينية وترسيخ المبادئ الجوهرية لحل الدولتين.  ومع ضيق مساحة الزمن المتبقي، فإن العبء تحول إلى الاتحاد الأوروبي كي يسعى للتوصل إلى هذه التسوية.  لطالما سعى الاتحاد الأوروبي لذلك الدور؛ أما الآن فينبغي أن يكون على قدر هذه المسؤولية.

لقد كان الطريق باتجاه الأمم المتحدة بمثابة سرد لسوء الإدارة الجماعية؛ فقد قام القادة الفلسطينيون، وبسبب مزيج من عدم المعرفة، والانقسامات الداخلية واتباع سياسة حافة الهاوية، بالترويج بشكل مفرط لما يمكن أن يحققوه في المنظمة الدولية، وهم يحاولون الآن أن يفعلوا أي شيء لتجنب خسارة مصداقيتهم الداخلية.  أما إسرائيل، التي تبالغ بشكل درامي في أثر هذا التحرك في الأمم المتحدة، وهي مصممة على وقفه، فقد هددت بكل أشكال الإجراءات العقابية، بداية بوقف تحويل عائدات الضرائب إلى إعلان موت اتفاق أوسلو، وانتهاءاً بإجراءات تكون هي الأسوأ.  الإدارة الأمريكية غير القادرة على توجيه الأحداث، وقد سئمت من كلا الطرفين، والتي تواجه الكونغرس الذي سيفرض ثمناً على أي تحرك فلسطيني في الأمم المتحدة، فإنها فقط تريد لكل هذه العملية أن تتلاشى وتختفي.  في الواقع فإن كل اهتمامها (المتلاشي) بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني خلال الأشهر الماضية كان مُركّزاً على تحقيق هذه الهدف: من خطاب الرئيس أوباما في 19 أيار/مايو الذي وضع المبادئ التوجيهية لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني إلى محاولة اللحظة الأخيرة للخروج ببيانٍ للرباعية من شأنه أن يدفع إلى استئناف المفاوضات.

بصرف النظر عن الصعوبات التي واجهت خروج الرباعية بنص مُرضٍ، فإن من شبه المؤكد أن هذا الجهد سيؤدي إلى أثرٍ عكسي.  لنبدأ بالهدف نفسه.  من الصعب فهم كيف يمكن للمفاوضات أن تساعد على إخراج الطرفين من المأزق الذي وصلا إليه إذا كانت المفاوضات (الفاشلة) هي التي أوصلتهما إلى ذلك المأزق في المقام الأول.  إذا كان ثمة شيئاً واحداً يتفق عليه المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون، فهو أن من المستحيل عملياً وفي السياق الحالي أن يتمكن عباس ورئيس الوزراء نتنياهو من تحقيق تقدم كبير، ناهيك عن التوصل إلى اتفاق.  وأسباب ذلك أكثر من أن تُعد؛ فهناك فجوات واسعة وعميقة بين الطرفين، وهناك السلطة المتراجعة للولايات المتحدة والقيود المحلية المتعاظمة في سياق الاستعدادات للانتخابات الرئاسية، والانقسامات الفلسطينية، والثقل الذي يتمتع به اليمين الإسرائيلي.  إن استئناف المفاوضات الآن لمنع ما يمكن وصفه بتدهور القطار في أيلول/سبتمبر من شأنه أن يؤدي إلى انهيار أكثر خطورة إذا تداعت المفاوضات.  لا يكفي الاهتمام بأيلول/سبتمبر عندما يكون عليك الاهتمام بما تبقى من أشهر العام.

إن المحاولات الهادفة إلى إقناع عباس أو الضغط عليه للتخلي عن التحرك في الأمم المتحدة يتجاهل – أو، الأسوأ من ذلك، يسيء قراءة واقع السياسة الفلسطينية.  إذا أجّل هذا التحرك أو إذا قبل بقرارٍ رمزي بشكل أساسي في الأمم المتحدة ومن ثم عاد إلى المحادثات الثنائية دون تجميد المستوطنات، فمن المرجح أن يواجه تحدياً داخلياً يشلّ حركته.  وسيأتي هذا التحدي من أبناء شعبه الذين فقدوا أي إيمانٍ بالمفاوضات منذ وقت طويل والذين قُدِّم لهم خيار اللجوء إلى الأمم المتحدة من قبل القيادة منذ عدة شهور.  معظم الفلسطينيين لا يدعمون خيار الأمم المتحدة بقوة، لكنهم سيعارضون بقوة أيضاً أي قرار بسحبه دون تقديم تعويضات مناسبة.  يُذكر أن عباس يعيش في خوف مستمر من احتمال "حادث غولدستون" آخر – في إشارة إلى الهجمات التي تعرض لها عندما وافق، تحت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية، على تأجيل النظر في تقرير الحرب على غزة، 2008 - 2009، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.  ولديه كل الأسباب التي تدعوه للخوف.

من الأفضل إذاً نسيان أي جهد للخروج ببيان من قبل الرباعية – الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا والأمانة العامة للأمم المتحدة – أو على الأقل عدم اعتباره بديلاً لحلٍ تقدمه الأمم المتحدة.  الحصيلة الأقل ضرراً في هذه المرحلة تتمثل في قرارٍ للأمم المتحدة يُنظر إليه بوصفه انتصاراً من قبل الفلسطينيين لكنه يتطرق إلى بعض المخاوف الإسرائيلية الأساسية ويحتفظ بخيار حل الدولتين.  يتطلب تحقيق تلك النتيجة بعض الدبلوماسية الماهرة التي يمكن أن يقوم بها طرف ثالث.  الولايات المتحدة، التي كانت حتى الآن غير راغبة في الانخراط في صياغة النص الذي سيصدر عن الأمم المتحدة، أخرجت نفسها من السباق.  وهذا يترك للأوروبيين، الذين يسعى الفلسطينيون جاهدين للحصول على دعمهم أن يفرضوا شروطاً مقابل دعمهم هذا.

 ثمة عدد من الاعتبارات التي ينبغي أن تمثّل القواعد الموجِّهة لجهود الاتحاد الأوروبي.  أولاً، عليه أن يقنع الفلسطينيين أن ينسوا محاولة الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن.  وهذا سيفضي إلى انقسام في الاتحاد الأوروبي الذي يرغب بشدة في البقاء موحداً، وسيفرض على الولايات المتحدة أن تستعمل حق الفيتو وهو ما سيصور واشنطن على أنها الجهة التي قضت على تطلعات الفلسطينيين – وهي بالتأكيد ليست السمعة المرغوبة وسط أتون الاضطرابات العربية.  إضافة إلى ذلك، فهو ليس مفيداً للفلسطينيين أنفسهم، حيث سيبدأون مسعاهم لتحقيق الدولة بعقبة، وما سيترتب على هذه العقبة من خسارة للزخم. 

ثانياً، ينبغي أن يتضمن قرار الجمعية العامة معايير جوهرية لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.  لقد عبّرت الولايات المتحدة عن مخاوفها من أن النص الذي ستصدره الأمم المتحدة سيؤدي إلى تصلب الموقف الفلسطيني بموافقته على مفاهيم – مثل حدود 1967 دون ذكر تبادل الأراضي.  أو حق العودة بالنسبة للاجئين – وهو ما سيجعل من الصعب عليهم التراجع.  هل من طريقة أفضل لمعالجة ذلك الخوف من ضمان أن تكون المعايير متوازنة؟  وهكذا، على الاتحاد الأوروبي أن يجعل دعمه للنص مشروطاً بأن يستجيب هذا النص ليس فقط للمتطلبات الفلسطينية الجوهرية (حدود 1967 والتبادل المتساوي للأراضي، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين) بل المطالب الإسرائيلية الهامة أيضاً، مثل الحاجة إلى المفاوضات؛ وضرورة أن تكون أية اتفاقية بمثابة نهاية للصراع؛ وهدف تأسيس دولتين لشعبين (وهي خطوة لا ترقى إلى الاعتراف بدولة يهودية لكنها تمثّل المطلب الإسرائيلي الذي ظل يشكل أحد المحرمات بالنسبة للفلسطينيين حتى الآن، لكن يمكن أن تُفهم على أنها خطوة  في ذلك الاتجاه).

ثالثاً، على القرار أن يرفع من الصفة الفلسطينية في الجمعية العامة إلى دولة مراقبة غير عضو.  وهذه ليست عضوية كاملة في الأمم المتحدة – حيث أن هناك حاجة لموافقة مجلس الأمن على مثل هذا الأمر.  لكن هذا يبقى ثاني أفضل خيار، وإشارة قوية لدعم الاعتراف بالدولة، ومساراً باتجاه المشاركة الممكنة في بعض المؤسسات الدولية.

لقد عبّرت الولايات المتحدة وإسرائيل عن عدد من المخاوف حيال هذا الخيار؛  وكلٌ منها جدير بالدراسة.  إنهما قلقتان من أن الفلسطينيين، حالما يدركون أن حقهم في التصويت في الأمم المتحدة لن يغير الظروف على الأرض، فإنهم يمكن أن يثوروا بسبب إحباطهم.  لا يمكن استبعاد احتمال تجدد الاضطرابات، خصوصاً في ضوء الأحداث الإقليمية الأوسع، رغم أن من غير المرجح أن تكون نتيجة لخيبة الأمل هذه، لكن يبدو أن الفلسطينيين يدركون أن ما يحدث في الأمم المتحدة لن يؤثر مباشرة وفوراً على حياتهم.  إذا اختاروا الانتفاض، فإن ذلك سيكون بسبب الواقع الراسخ للاحتلال والذي لا يبدو أنه قابل للتغيير، وليس بسبب ما يحدث أو لا يحدث نتيجة اكتسابهم لحق التصويت في الأمم المتحدة.  في واقع الحال فإن فشل عباس هو على الأرجح الذي سيؤدي إلى إثارة الاضطرابات خلال الشهور القادمة وليس نجاحه.

ثمة مخاوف أخرى تتعلق بوصول الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية واستعمالها كمنبر لملاحقة الإسرائيليين.  بصرف النظر عن التناقض الواضح المتمثل في السعي لمنح أي طرف حصانةً ضد وصول القانون الدولي إليه في وقت تعتبر فيه المحكمة الدولية منصة مناسبة تماماً بالنسبة للآخرين – حيث العقيد القذافي هو آخر المنضمين إلى هذا الدور، وبصرف النظر عن العقبات الكثيرة والكبيرة التي سيترتب على الفلسطينيين تخطّيها قبل وصول أي قضية إلى محكمة الجنايات الدولية، وبصرف النظر عن حقيقة أن بعض الفلسطينيين أيضاً يمكن أن يتم إحضارهم أمام المحكمة إذا اتهموا بارتكاب جرائم حرب – كما اتهموا فعلياً خلال حرب غزة الأخيرة، فمن الواضح أن هذا يشكل مبعث قلق ومن شأنه أن يدفع إسرائيل إلى الشروع في تحركات عقابية قاسية.  وفي هذا الصدد، فإن على الاتحاد الأوروبي، ويستحسن أن يعمل بالتنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة، أن يحث جميع الأطراف على ضبط النفس والحكمة في أعقاب تصويت الأمم المتحدة – كي لا يتصرف الفلسطينيون وكأنهم يمتلكون من القوة أكثر مما لديهم فعلياً، وكي لا يكون الرد الإسرائيلي مبالغاً به.

وأخيراً، ثمة احتمال قائم في أن يتم اتخاذ إجراءات عقابية كبيرة مالية أو غير مالية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة – بضغط من الكونغرس.  وهذه ليست تهديدات فارغة.  إن خفض المساعدات أو وقف تحويل العائدات الضريبية يمكن أن يحدث آثاراً كارثية على السلطة الفلسطينية؛ وسيكون على الدول العربية والاتحاد الأوروبي محاولة التعويض عن هذه الخسائر.  كما أن إسرائيل استحضرت إجراءات يمكن أن يكون لها أثرٌ شديد ومن شأنها أن تدمر السلطة الفلسطينية.  يؤمل أن تفهم إسرائيل أن اتخاذ مثل هذه الخطوات سيكون بمثابة إدخال هدفٍ في مرماها، حيث سيؤدي إلى وقف التعاون الأمني الإسرائيلي – الفلسطيني، وتعريض وجود السلطة الفلسطينية للخطر، وفي المحصلة إجبار إسرائيل على تحمل العبء الحقيقي والتكاليف المترتبة على الاحتلال.

لا ينبغي استبعاد إمكانية حدوث سيناريو القيامة؛ لكن بوسع صنّاع السياسات الفلسطينيين، والإسرائيليين، والأمريكيين، والأوروبيين أن يضمنوا عدم حدوث هذا السيناريو.  ولهذه الغاية ينبغي عليهم جميعاً إظهار قدر أكبر بكثير من الحكمة والمهارة السياسية في انتشال أنفسهم من هذه الورطة مما أظهروه في الوصول إلى هذا المأزق.

التوصيات

إلى منظمة التحرير الفلسطينية:

  1.   التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن إستراتيجية في الأمم المتحدة.
  2.   لتخلي عن فكرة تقديم طلب للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة في الوقت الراهن.
  3.   الترويج لإصدار قرار في الجمعية العامة ينص على:

أ‌. ترسيخ مبادئ حل الدولتين، بما في ذلك:

1. حدود تستند إلى خطوط ما قبل 5 حزيران 1967، مع مبادلات متساوية ومتفق عليها للأراضي؛

2. القدس عاصمة إسرائيل وفلسطين؛

3. ترتيبات أمنية تحمي أمن الدولتين، وتحافظ على سيادة فلسطين، والمعالجة الفعلية للتهديدات القائمة والناشئة التي تواجه إسرائيل؛

4. تسوية تفاوضية نهائية تضع حداً للصراع على أساس حل دولتين لشعبين؛

ب. رفع صفة فلسطين في الأمم المتحدة من كيان مراقب إلى دولة مراقبة غير عضو.

  1.   إظهار ضبط النفس في أعقاب التصويت بالإيجاب في الأمم المتحدة من أجل عدم إثارة رد إسرائيلي قاس.

 إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي:

  1.   التوصل إلى اتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية على قرار ينسجم مع ما تم وصفه أعلاه.
  2.   السعي للحصول على تفاهم ضمني مع الفلسطينيين والإسرائيليين وبدعم من الولايات المتحدة يقضي بممارسة ضبط النفس في أعقاب تصويت الأمم المتحدة، وخصوصاً:

أ‌. الضغط على إسرائيل كي لا تتخذ إجراءات عقابية قاسية، وبشكل خاص وقف تحويل العائدات الضريبية إلى السلطة الفلسطينية؛

ب‌. الضغط على الفلسطينيين كي لا يبالغوا باستعمال مكاسبهم الجديدة في المؤسسات الدولية.

  1.   السعي، بالتعاون مع البلدان العربية، للتعويض عن أي نقص في المساعدة المقدمة للسلطة الفلسطينية.

 إلى الحكومة الإسرائيلية:

8.  الاستمرار في تحويل العائدات الضريبية والامتناع عن الإجراءات العقابية الأخرى رداً على التحرك الفلسطيني في الأمم المتحدة.

9.  إفهام الكونغرس الأمريكي بأن قطع المساعدات سيضر بالمصالح الإسرائيلية، خصوصاً بتعريض بقاء السلطة الفلسطينية والتعاون الأمني للخطر.

10.  ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، خصوصاً فيما يتعلق باستعمال الرصاص الحي، في التعامل مع الاحتجاجات الفلسطينية.

 إلى حكومة الولايات المتحدة:

11.  الضغط على الكونغرس كي يستمر في تمويل الفلسطينيين إلى أقصى درجة ممكنة والمحافظة على تقديم المساعدة الأمنية.

12.  الضغط على إسرائيل للاستمرار في تحويل  العائدات الضريبية.

 إلى السلطة الفلسطينية:

13.  ضمان أن تبقى جميع الاحتجاجات لاعنفية وتجنب الخطوات التي من شأنها أن تفضي إلى العنف.

 إلى فتح، وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى:

14.  تسريع المصالحة الوطنية وإطلاق حوار حول أهمية الطلب المقدم إلى الأمم المتحدة والدور الذي يمكن أن يلعبه في الإستراتيجية الوطنية.

 إلى الدول العربية:

15.  الوفاء بالتزامات تمويل السلطة الفلسطينية فوراً، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي، زيادة المساعدات للتعويض عن أي نقص في الميزانية ينجم عن التحرك في الأمم المتحدة.

 رام الله/القدس/واشنطن/بروكسل، 12 أيلول/سبتمبر 2011

 


المصدر: مجموعة الأزمات الدولية

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,855,360

عدد الزوار: 7,648,005

المتواجدون الآن: 0