مظاهر العيد تغيب عن المدن السورية
حي باب عمرو في حمص محاصر وتحت القصف.. وناشطون يوجهون نداءات لإغاثة الأهالي
الإثنين 7 تشرين الثاني 2011 - 5:20 ص 3226 0 عربية |
إذا نفذ النظام السوري بنود المبادرة العربية، شكل ذلك نصراً مرحلياً للثورة، ووفر حماية نسبية للتظاهرات السلمية، بما من شأنه أن يجدد زخمها ويوسع قاعدتها، ويفلّ سلاح النظام الأقوى، العنف المنفلت. وإذا لم ينفذ النظام البنود انكشف عربياً، وشكل هذا خطوة إضافية لرفع الغطاء الدولي، بما فيه الروسي والصيني، عنه.
في الحالين النظام في مأزق. لقد استطاع طوال شهور أن يواجه الثورة بعنف مهول، من دون أن تواجهه غير مواقف عربية ودولية متوانية. المبادرة العربية تشير إلى أن هذا لم يعد ممكناً. مزيد من العنف الأهوج من طرف النظام سيعني إباحة عربية للتعامل معه كمنبوذ، ما يفتح الباب لتجريمه دولياً. من المحتمل أصلاً أن قبول النظام المبادرة جاء تحت ضغط روسي، لأن روسيا لن تكون قادرة على حمايته مرة أخرى من اللوم الدولي إذا رفض المبادرة العربية.
ومن المستبعد هذه المرة أن ينجح النظام في الخروج من المأزق وفق الآلية المعتادة: قبول المبادرة وعدم قبولها في آن، أو القبول الشكلي وعدم الالتزام الفعلي، واختراع الحجج والذرائع للتملص من التنفيذ. هامش المناورة أضيق أمام النظام من أي وقت سبق، ويبدو أن ساعة الحقيقة تقترب.
وإن لم تحدد مرجعية لما يفترض أن يجري من «حوار» بين المعارضة والنظام، توفر المبادرة العربية إطاراً للاعتراف بالمعارضة السورية كطرف سياسي فاعل. هذا شيء يبنى عليه. وخلال الأسبوعين الفاصلين عن «الحوار»، يمكن المعارضة أن تقدم تصوراً لمرجعيته. ولا يمكن هذا التصور إلا أن يجمع بين مطلب الديموقراطية الذي تعرّف المعارضة السورية نفسها به منذ سنوات أو عقود، وبين قضية الثورة اليوم. وما يستجيب لهذا التطلب المزدوج هو التحول نحو سورية ديموقراطية خلال أمد زمني محدد، مع ضمانات عربية ومن الأمم المتحدة في هذا الشأن، ومع الضمانة السورية التي لا غنى عنها: التظاهر السلمي غير المرخص.
ليس من حسن السياسة أن يسارع معارضون، بعضهم محسوبون على المجلس الوطني السوري، إلى رفض المبادرة العربية. يمكن المبادرة والتفاعلات الجارية حولها أن تكون مناسبة لطرح القضية السورية وما لحق بالشعب السوري من اضطهاد ومهانة مديدين، وتقديم رؤية عن سورية المستقبل. قبل كل شيء، التسرع إلى رفض المبادرة خطأ شكلاً، ويدل على تواضع غير مفاجئ لمستوانا السياسي. لماذا لا نستطيع القول إننا أخذنا علماً بالمبادرة، ونحتاج الى مزيد من الوقت لبلورة موقف واضح في شأنها؟ أو أننا سنتدارس الموضوع ونراقب كيف سيتصرف النظام قبل أن نقرر ما نفعل؟ وهناك خطأ في الجوهر أيضاً. فالمبادرة وتفاعلاتها فرصة لمخاطبة الشعب السوري وللتدرب على السياسة، وتثبيت وضع المعارضة السورية كطرف لا يمكن القفز فوقه. السلبية لا تجدي في هذا الشأن، وهي مؤشر ضعف وليس قوة. وهذا كله لا يقتضي أن تسارع المعارضة إلى قبول المبادرة العربية، بل يلزمها بسياسة أكثر إيجابية وديناميكية. فالمهم ليس المبادرة العربية بحد ذاتها، بل ما نفعله بها أو منها.
والواقع أن المعارضة السورية بكل أطيافها تجد نفسها في وضع أخرق منذ بداية الثورة. فهي لم تفجر الثورة، ومشاركتها فيها محدودة، وتأثيرها فيها محدود بدوره، لذلك فإنها لا تكتسب وزناً إلا من اعتناق هدف الثورة المباشر: إسقاط النظام. إن قصرت عنه أو ترددت في شأنه تخسر اعتبارها، وقد سُمعت في التظاهرات السورية هتافات تندد بأسماء معارضة معروفة، تقول أشياء غير واضحة. لكن من شأن انضباط المعارضة بمزاج الجمهور الثائر أن ينال من قدرتها على أداء دور سياسي أكثر مرونة واستقلالية عن الانفعالات الشعبية، ويفقدها أيضاً القدرة على القيادة والمبادرة. هذا هو الوضع الذي تجد المعارضة السورية نفسها فيه اليوم، والأصل فيه أن عملية تكوّن تشكيلات المعارضة كلها منفصلة عن عملية تفجر الثورة وتطورها. وقد حالت الظروف السورية خلال الشهور الثمانية الماضية دون نسج شبكة من الروابط الوثيقة بين العمليتين. لكن الشيء الوحيد الذي يمنح معنى ودوراً للمعارضة التقليدية، وينقذ اعتبارها، اليوم، هو الانحياز القاطع إلى الثورة ودعمها بكل السبل. وهو ما لا يتعارض مع الانفتاح على مسارات سياسية قد تدفع قضية التحرر السورية إلى أمام، بل قد يكون تثميراً لبعض أفضل مؤهلات المعارضين السوريين التقليديين.
فتحت المبادرة العربية أفقاً للربط بين الثورة والمعارضة لم يكن متاحاً، فعبر ما تشترطه المبادرة من وقف العنف وسحب الآليات العسكرية والإفراج عن معتقلي الثورة، وإتاحة مجال لمراقبين عرب ولوسائل الإعلام العربية والدولية في تغطية الأوضاع السورية، تتوافق المبادرة مع انتشار حركة الاحتجاج واحتلالها مساحات أوسع في الفضاء العام واتساع المشاركة فيها. وهو ما من شأنه أن يثقّل وزن المعارضة في أي تفاوض محتمل مع النظام، وتالياً أن يكون عنصر دفع نحو تغيير سياسي حقيقي في سورية. بذلك، فإن المبادرة العربية «ثورية» أكثر من الجامعة العربية والنظام العربي، وأكثر مما يتصور معارضون يخلطون بين الراديكالية والسلبية.وخلافاً للانطباع المتعجل، لا يعترض الثائرون الميدانيون على العمل السياسي بحد ذاته، ولكن على التباس المواقع والمواقف وأنانيتها. فإذا كان لا لبس في احتضان التشكيلات السياسية قضية الثورة، وسّع ذلك هامش مبادرة هذه التشكيلات وأعطاها حرية حركة أوسع.
وفي حال بدأ النظام بالمماطلة واللعب على الحبال، وهذا مرجح، ستكون المعارضة التي أظهرت انفتاحاً أكبر على المبادرة العربية، ثبتت نفسها كطرف لا يمكن تجاهله. ولكن سيقع عليها في هذه الحال عبء أكبر للسير بالثورة السورية وبالبلد إلى أوضاع أصلح أو أكثر قابلية للإصلاح.
في كل حال، تبدو المبادرة العربية نقطة انعطاف مهمة في سير الأزمة السورية، ولا يبعد أن تدخل سورية في الأيام والأسابيع المقبلة في وضع معقد كثير المجاهيل.
انقضت سنوات طويلة لم يكن سهلاً خلالها أن يكون المرء سورياً. وفي غير قليل من الحالات كان هذا شاقاً كل المشقة. قد نكون اليوم مقبلين على طور أشد مشقة بعدُ ولعدد أكبر من السوريين.
ولكنْ أكثر من ذي قبل، لا مخرج اليــوم غير مواجهـة هـذا الشــرط وتغييره، والمجازفة بكل ما يتحتم أن يحمله ذلك من أخـــطاء وأخطار وعدم يقين.
أعرب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي عن «بالغ أسفه وقلقه الشديد إزاء استمرار أعمال العنف» في سورية، محذراً من «نتائج كارثية» في حال فشل خطة الحل العربي التي وافقت عليها دمشق، فيما سقط ثلاثة قتلى على الأقل بقصف مدفعي على حي بابا عمرو في مدينة حمص.
وحذر العربي في بيان بعد لقاء جمعه في القاهرة أمس ورئيس «المجلس الوطني السوري» المعارض برهان غليون والناطقة باسم المجلس بسمة قضماني، من «مخاطر استمرار أعمال العنف في سورية وعدم إحراز التقدم المنشود في تنفيذ بنود خطة الحل العربية»، لافتاً إلى أن فشل الخطة ستكون له «نتائج كارثية» على الوضع في سورية والمنطقة.
ودعا إلى «الوقف الفوري لنزيف الدم الجاري في سورية»، مطالباً الحكومة بـ «اتخاذ الإجراءات الفورية طبقاً لما التزمت به لتنفيذ بنود خطة العمل العربية، وتوفير الحماية للمدنيين حتى يطمئن الجميع ويشعروا بأن هناك مناخاً أمنياً للحوار والانتقال الى مرحلة من العمل السياسي السلمي تتيح تنفيذ برنامج الإصلاحات المطلوبة».
وناشد مختلف الأطراف المعنية بالشأن السوري إلى «تضافر الجهود من أجل إنجاح الخطة العربية ووضعها موضع التنفيذ الفوري». وأكد أن «الجامعة تعمل على تجنب فشل الحل العربي، حفاظاً على أمن سورية واستقرارها وتجنباً للفتنة وللتدخلات الخارجية».
وأعلن غليون أمس رفضه القاطع الحوار مع النظام. وقال في كلمة وجهها إلى السوريين لمناسبة عيد الأضحى وبثتها قناة «الجزيرة» الليلة الماضية، إنه تقدم الى الجامعة العربية والأمم المتحدة «بطلب لحماية المدنيين عبر قرارات ملزمة بإرسال مراقبين دوليين».
وبدا لافتاً أنه تجاهل الإشارة إلى المبادرة العربية. وقال: «نحن في المجلس الوطني نؤمن بأن غاية النظام وراء أي تحرك كسب مزيد من الوقت... لن نساوم ولن نقع في مطبات النظام». ودعا الجيش السوري إلى «أن يحذو حذو العسكريين الذين انضموا إلى الثورة لحماية الوطن والمواطن، لا حماية طغمة فاسدة، وألا يطلقوا النار على الشعب». وحيا العسكريين «الذين رفضوا تنفيذ الأوامر الجائرة».
وطمأن «المترددين والخائفين (من الأقليات) بأن الثورة ثورتكم». واعتبر أن «نظام الطغيان سقط ويغرق في النفق المظلم ويحاول دفع البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية». وأكد أن «الدستور الجديد سيشكل دولة الحق والقانون وسيحمي الاقليات وسينال الكرد ما حرموا من حقوق».
وأجرى العربي مشاورات واتصالات مع أعضاء اللجنة الوزارية العربية في شأن مستجدات الوضع في سورية وما آلت إليه الجهود المبذولة لتنفيذ بنود الخطة العربية. وقالت قضماني لـ «الحياة» إن اللقاء الذي جمعها وغليون مع العربي «تشاوري»، على خلفية «عدم التزام النظام منذ الأربعاء الماضي بما وعد به وزراء الخارجية العرب في خطة العمل». وأضافت: «أبدينا مخاوفنا وأكدنا أن هناك أعمالاً خطيرة تجري على الأرض وحذرنا من تسويق النظام لفكرة وجود طرفين متعادلين في الصراع».
ميدانياً، أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن ثلاثة مدنيين قتلوا صباح أمس في حمص التي تشهد حركة احتجاج واسعة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في قصف كثيف بالمدفعية الثقيلة، فيما قتل أربعة مسلحين موالين للنظام في محافظة ادلب في اشتباكات مع فارين من الجيش، كما «عثر على جثتي شخصين في حيي الخالدية وباب الدريب... تحملان آثار تعذيب وتنكيل». وتحدث عن «أصوات انفجارات في حي كرم الزيتون».
إلى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» أن السلطات أخلت سببيل 672 موقوفاً بينهم 553 شخصاً «تورطوا في الأحداث الاخيرة التي تشهدها سورية ولم تتلطخ أيديهم بالدماء»، لمناسبة عيد الأضحى المبارك.
واتهمت دمشق واشنطن بالعمل على «إثارة الفتنة ودعم القتل والإرهاب الذي تقوم به المجموعات المسلحة»، غداة دعوة الناطقة باسم الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند السوريين إلى عدم الاستجابة لعرض وزارة الداخلية تسليم أنفسهم للحصول على عفو فوري. ونقلت «سانا» عن مسؤول في وزارة الخارجية السورية قوله أمس، إن الإدارة الأميركية «كشفت مرة أخرى عن تدخلها السافر في الشؤون الداخلية لسورية وعن سياستها الداعمة للقتل وتمويلها للمجموعات الإرهابية فيها».
ودلل على ذلك بتصريح نولاند بأنها «لا تنصح أحداً من المسلحين بتسليم نفسه إلى السلطات السورية، رداً على قرار الحكومة السورية بالعفو العام عن كل من يسلم سلاحه غير المشروع إلى السلطات». وقال: «تدين الحكومة السورية هذه التصريحات اللامسؤولة التي لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تهدف إلى إثارة الفتنة ودعم القتل والإرهاب الذي تمارسه المجموعات المسلحة بحق المواطنين السوريين».
دعا المفتي العام في السعودية رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ الأمة الإسلامية إلى التمسك بنهجها ونبذ الفرقة، وقال: «إن الإسلام يرفض التخريب والغلو والإخلال بالأمن وسفك الدماء، ويغرس الانتماء».
ولفت المفتي في خطبة يوم عرفة في مسجد نمرة في مكة المكرمة إلى أن «الأمة الإسلامية تواجه تحديات عظيمة»، داعياً المسلمين إلى «السعي لحل مشكلاتهم من دون تدخل من أعدائهم»، محذراً إياهم «من الميل إلى الطائفية»، وقال: «على علماء الأمة أن يقوموا بواجبهم المأمول حرصاً على حماية المجتمع المسلم وتقديم برامج واقعية لحل مشكلاتهم وتجنب الفتن والمصائب».
وأوضح آل الشيخ أن المجتمع الإسلامي «مبني على التكامل والأخلاق إذا أدى كل فرد منا مسؤوليته الاجتماعية، مشدداً على أن دور رجال الحسبة هو «إصلاح المجتمع وإصلاح الأخطاء والأخذ بيد المخطئ وتوجيهه بحكمة وموعظة حسنة وطريقة سليمة، إقناعاً له بأن هذه أخطاء وضرر».
ولفت إلى أن «الولاية بين المسلمين قائمة على الحقوق الإسلامية لا على الوطنية والقبيلة والجنس»، مشدداً على أن «الدين الإسلامي لا يفرّق بين الجنسين»، وأن المجتمع الإسلامي مجتمع «مدني وديني في آن واحد».
وأكد أهمية إقامة العدل في المجتمعات الإسلامية ومحاربة الفساد، وقال: «أيها المسلمون، على قادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ومحاربة الفساد وجعل أولوياتهم مصالح الشعوب»، وزاد: «وعلى الرعية أن يلتفوا حول قيادتهم ويسعوا إلى حل مشكلاتهم بالطرق السلمية بعيداً عن الفوضى وسفك الدماء».
وتحدث آل الشيخ عن الإعلام المعادي للمسلمين الذي يرمي إلى إضعاف العقيدة والإيمان في قلوب الناشئة، وقال: «لقد ترك هذا الغزو الإعلامي أثره السيئ على الشباب والناشئة فأضعف الشخصية»، مطالباً المسلمين بأن «يقابلوا الغزو الإعلامي الشرس على الأمة الإسلامية بعمل منظم يتمثل في أحد جوانبه بإنشاء قنوات إسلامية تشرف عليها طواقم إعلامية تجمع بين التأصيل الشرعي والخبرة الإعلامية».
وشدد على أن «الإسلام سبق المبادئ المنادية بالحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية بأكثر من أربعة عشر قرناً»، وقال: «إن هناك دعوات تجرى في بعض الدول الإسلامية تنادي بالعدالة والمساواة بدعوة تحت مظلة ديموقراطية، نقول لهؤلاء إن الإسلام سبق تلك المبادئ كلها من أكثر من أربعة عشر قرناً»، وأضاف: «الحرية في الإسلام تحرير العبد من عبادة البشر ومن عبادة الشيطان والقبور واتباع الشهوات إلى أن يكون عبداً صالحاً».
وحذر من «مكائد المندسين بينهم الذين يريدون قتلهم وإشعال الفتنة بينهم وبين قادتهم، وأن يحترموا الدماء والأموال والأعراض، وأن يجعلوا المصالح العليا فوق كل اعتبار، وأن يتناسوا لأجلها أي خلاف فكري». وطالب مالكي القنوات الفضائية بأن «يتقوا الله بأنفسهم، وأن يعلموا أن مسؤوليتهم نحو دينهم ومجتمعهم جسيمة، وأن يحرصوا على أن تكون قنواتهم جامعة للأمة محذرة لها من الاختلاف».
وخاطب صناع القرار في المسائل الدولية، بقوله: «لا يخفى عليكم أن خلاص المسلمين تمسكهم بدينهم وثباتهم عليه، فكونوا على حذر أن نصل بأي سبيل في أي قانون يخالف شرع الله، بألا يكون مؤذياً للأمة وألا تمارس عليها ضغوط لأجل قبول هذه الآراء التي تخالف دينها وعقيدتها».
وهنا جانب من الخطبة: «أمة الإسلام، بعث الله محمداً صلّى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق، بشيراً ونذيراً برسالته إلى جميع الخلق، ليُخرج الناس من ظلمات الكفر والضلال إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم والرشاد، ومن عبادة النفس والشيطان إلى عبادة الملك الديان، ومن النزوات الشهوانية إلى سمو الأخلاق الإسلامية، ومن طغيان العقل والهوى إلى ضفاف الشرع ووحي السماء، ومن التعلق بالدنيا الفانية إلى التعلق بالدار الباقية في النعيم بالدرجات العلى».
وأوضح المفتي أن الإسلام قد رسم هذا المنهج بأعظم بيان وأقوم أدلة وأوضح معالم، قال الله تعالى «وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون»، بيّن لهم عقائدهم في الإيمان بالله وإخلاص التوحيد له وفرض كل العبادة له جلّ وعلا، وبيّن لهم أسماء الله وصفاته بأن تنسب لله الأسماء والصفات وما يليق بجلال الله، قال الله تعالى «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير»، مشيراً سماحته إلى الإيمان بكتب الله التي أنزلها على أنبيائه ومنها التوراة والإنجيل والقرآن والزبور، إلا أن القرآن الكريم أفضلها وأجمعها مهيمناً عليها كلها، يحق الحق، ويبطل الباطل».
ودعا إلى «الإيمان برسل الله الذين اصطفاهم لهداية البشرية جميعاً»، وقال: «لا نفرق بينهم وهم متفاوتون بالفضل وأفضلهم سيدهم وخاتمهم محمد صلّى الله عليه وسلم، مشيراً إلى أن الإيمان به إيمان بجميع الرسل والكفر به كفر بجميع الرسل».
وقال: «إن الله أعطى العبد إرادة واختياراً في الأسباب يختار فيها ما يشاء، فإن اختار الخير جزي به وإن اختار غير ذلك عوقب عليه».
وأكد أن «الإسلام أوضح للأمة الفوائد التي تقوم على الأسرة كونها الخلية الأولى لبناء المجتمع، وبيّن لهم الاقتران بين الزوجين بالزواج المشروع وما لكل من الزوجين من واجب وما عليه من حق، ودعاهم إلى تربية الأولاد تربية إيمانية لإنشاء جيل صالح في نفسه نافع لأمته، أفراده لبنات صالحة لبناء مجتمع صالح، وبيّن حقوق الآباء من البر والإحسان».
وأضاف: «أرشدنا ديننا الإسلامي إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب، وإلى محاسن الأخلاق في الصدق والإخلاص والبر والإحسان والعدل والصبر والحلم والكرم والجود، وحرم عليهم الخصال الذميمة من الغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء وقذف المسلمين، وحرم عليهم الفواحش صغيرها وكبيرها، وكل ما يقرب إليها، وحرم الزنا وما يقرب إليه من خلوة بلا محرم أو سفر بلا محرم أو علاقة تخالف الشرع، كما حرم عليهم السرقة والقتل والعدوان والظلم على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، قال الله تعالى «قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن».
ولفت إلى أن «الله عز وجل شرع لنا عقوبات شرعية لمن سلك طريق الإجرام وانتهاك الحدود والمحرمات ليكون رادعاً وليكون عقوبة لمن وقع فيها وعظة لمن لم يقع فيها، وشرع الله سبحانه وتعالى الحرابة في القتل والعدوان، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي بيّن لهم أن الولاية بين المسلمين قائمة على الحقوق الإسلامية، لا على الوطنية والقبيلة والجنس، وبيّن لهم حقوق الحاكم على رعيته بوجوب طاعة ولي الأمر فيما أمر، وفيما نهى، ما لم يأمر بمعصية أو ينهى عن خير، وحثهم على عدم منازعة الحاكم، وأرشدهم إلى الوقوف معه في كل الشدائد والتعاون معه فيما يحفظ الأمة ومكاسبها، وحث الحاكم على العدل في رعيته وتحقيق الحياة الكريمة لهم والإحسان والعدل بينهم وعدم ظلمهم وعدم المحاباة بينهم، كما حث مجتمع المسلمين على التعاون والتآلف».
وتابع أن «المجتمع الذي أقامه الإسلام على منهج رباني يميزه عن كل مجتمع لا يدين بالإسلام يختص بشيوع الأمن فيه وذلك لوجود رادع إيماني للمسلم يردعه عن الجريمة، لأن دين الإسلام يوجب على أتباعه احترام الدماء والأموال والأعراض، أما القوانين البشرية فإنها وإن قويت فلا تقوى على كل جريمة».
وأكد أن «من خصائص الشريعة الإسلامية الالتحام بين الراعي والرعية، الراعي يسعى لتفقد رعيته وحل مشكلاتهم، والرعية بمحبة راعيهم والدعاء له، وهكذا يريد الإسلام من المجتمع المسلم، مشيراً إلى تكاتف المجتمع المسلم بجميع مؤسساته كاملة الشرعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقضائية والأمنية، فالجميع في حمى الدين والحفاظ على هويته ومنعه من التميع والتغريب».
وقال: «من خصائص هذا الدين أنه لا يفرق بين الجنسين، فالمسلم يصوم ويصلّي ويحج ويذكر الله سواء في مسكنه أو في مزرعته أو مصنعه، فالدين معه في كل شؤون الحياة، والدين يدعوه إلى ذلك كي يكون مؤمناً صالحاً، فهو قائم بما طلب منه، وهكذا المسلم، إنه مجتمع مدني وديني في آن واحد».
وبيّن سماحة المفتي أن مميزات المجتمع المسلم تقود إلى مجتمع سعيد وتتكامل إذا أدى كل فرد منا مسؤوليته الاجتماعية وأمانته الوظيفية، فالمعلم يعلم تلاميذه ويغرس فيهم حب الخير والطريقة المستقيمة، ودعاة الخير فيفتون الناس في أمور دينهم ويحلّون قضاياهم ويجيبون عن مشكلاتهم بما في الكتاب والسنّة وقواعد الشرع العامة، والدعاة إلى الله يدعون الناس إلى البر والتقوى وينهون عن المنكر ويأمرون بالمعروف، ورجال الحسبة دورهم إصلاح المجتمع وإصلاح الأخطاء والأخذ بيد المخطئ وتوجيهه بحكمة وموعظة حسنة وطريقة سليمة إقناعاً له بأن هذه أخطاء وضرر».
وأشار إلى «ما يمر به العالم الإسلامي اليوم من مراحل هي أخطر ما يكون في حياته حيث يواجه ظروفاً وتحديات صعبة ويعاني من انقسام بين أبنائه ونزاع بينهم وهجوم شرس من أعدائه وتدخل سافر في شؤونه».
وأضاف: «ما يحزن المسلم هو ما يشاهده من هذه الفوضى والبلاء الذي أدى إلى انعدام الأمن واختلاف النظام والحياة اليومية ومصالح الأمة، وما حصل من تبديد الأموال ونهب للممتلكات وسفك للدماء البريئة، حتى ترك بعض المسلمين ديارهم فراراً من تلك الفتن والمصائب، إن ما يقض مضاجع العبد المسلم الذي يحمل شفقة على أمته ورحمة بهذه الدماء التي تسفك بغير حق، ولنا في هذه الأحداث الأليمة المحزنة وقفات لنتذكر ما حصل للخروج من هذه الأزمات والتحديات».
وأوضح ان «التحديات عظيمة، ولا يخفى على المسلم تمسك الأمة المسلمة بكتاب ربها وسنّة نبيها صلّى الله عليه وسلم، فكلما تمسكت بدين ربها كانت قوية عزيزة، ويحسب لها حسابها، وكلما تخلت عن دينها ضر بشأنها وانقسم أبناؤها وتكاثر أعداؤها».
ولفت إلى أن «الإسلام يرفض التخريب والإرهاب والغلو والإخلال بالأمن وسفك الدماء ويغرس الانتماء، مؤكداً أن الدين الإسلامي هو دين الحق حاجات الأمة، وتحديد مطالب أبنائها في وجود مجتمع تسوده العدالة وتتكاثر ظروف الحياة الكريمة بتحقيق العدالة وحفظ الحقوق».
ودعا «المسلمين جميعاً أن يتقوا الله في أنفسهم ويسعوا في حل مشكلاتهم من غير تدخل من أعدائهم، وحذّرهم من ميل الطائفية»، وقال: «على علماء الأمة أن يقوموا بواجبهم المأمول، حرصاً على حماية المجتمع المسلم وتقديم برامج واقعيه لحل مشكلاتهم وتجنب الفتن والمصائب».
وأهاب بقادة الشعوب الإسلامية أن «يعملوا على إقامة العدل ويحاربوا الفساد وقال: أيها المسلمون، على قادة الشعوب الإسلامية أن يعملوا على إقامة العدل ومحاربة الفساد، وجعل أولوياته مصالح الشعوب، وعلى الرعية أن يلتفوا حول قادتهم ويسعوا إلى حل المشكلات بالطرق السلمية بعيداً من الفوضى وسفك الدماء».
وأضاف: «إن من واقع هذا البلد الطيب المبارك ما نرى من اهتمام ولاة أمره بالشعب في سبيل راحتهم وسلامتهم، وتجنيبها الفتن، دليل ذلك ما نشاهده من التحام الرعية مع رعيتهم والعلاقة الأخوية بين الراعي والرعية، وأثر ذلك من أمن واستقرار البلاد، لنعلم أن هذا هو نموذج الحق، ويجب أن تتجه إليه الدول التي تعاني من الفوضى».
وتحدث عن دور وسائل «الإعلام المعادي لأمة الإسلام الذي يرمي إلى إضعاف العقيدة والإيمان في قلوب الناشئة وإضعاف شخصياتهم.
وقال: لقد ترك هذا الغزو الإعلامي أثره السيئ على الشباب والناشئة فأضعف الشخصية».
وطالب المسلمين بأن «يقابلوا الغزو الإعلامي الشرس على الأمة الإسلامية بعمل منظم يتمثل في أحد جوانبه بإنشاء قنوات إسلامية تشرف عليها طواقم إعلامية تجمع بين التأصيل الشرعي والخبرة الإعلامية، لتكون منارة عدل وصوت حق إلى العالم أجمع».
وقال مخاطباً المسلمين: «الواجب على المسلمين أن يحافظوا على هويتهم المسلمة والثبات على مبادئهم ومسلّماتهم عقيدة وشريعة وأخلاقاً مما أنزل في الكتاب والسنّة عليه، فهو يتعلق بالعقيدة أو بالعبادة أو بالشريعة أو بالحلال والحرام أو شأن المرأة أو بالأخلاق والقيم، يجب أن نحافظ على هذه محافظة عظيمة وألا نتنازل عنها تحت أي ظرف من الظروف».
وبيّن سماحته أن من معاني السلفية الصالحة اعتماد الصحابة للنصوص الصحيحة وأخذهم ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، مع سلامة معتقدهم واستقامتهم».
وزاد: «أيها المسلم من معاني السلفية أيضاً أن الإسلام منظومة متكاملة عقيدة وعبادة وتشريعاً وقيماً وأخلاقاً سياسية واقتصادية وأخلاقية واجتماعية، فالسلفية حركة متجددة، فمن زعم أن السلفية جامدة لا تصلح للحياة؟! وخير دليل على ذلك الملك عبدالعزيز - غفر الله له - لما أقام الدولة الإسلامية الجديدة على كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلم امتداداً للدعوة الإسلامية الصالحة التي قام بها الإمامان محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود - رحمهما الله -، أقاما هذه الدولة وأرسيا قواعدها وفق الكتاب والسنّة وعلى مبادئ ناصعة وعلى نهج سلفي صالح، الأمن يعمّها والاستقرار والطمأنينة مع الأخذ بمستجدات العصر وتطوراته في كل المجالات حتى أصبحت الدولة دولة يشار اليها بالبنان مع تقدمها والرقي مع التحرر والتمسك بهذه العقيدة السلفية الصالحة».
وأكد أن «الإسلام ساوى بين البشر وبيّن الذكر والأنثى في الكرامة الإنسانية والحياة الكريمة والتكاليف الشرعية والعقوبات الأخروية، إلا أن هناك لكل من الرجل والمرأة خصوصية في بعض الأحكام مع مراعاة الظاهر الخلقي والاجتماعي والنفسي، وقد حفظ للمرأة مصلحتها وحماها من ظلم الجاهلية، داعياً المسلمين للاعتزاز والثقة بدينهم والتمسك به كونه جمع خيري الدنيا والآخرة وأغناهم عمّا سواه من أنظمة البشر».
ودعا القادة الى اتقاء الله في شعوبهم، وقال: «عالجوا قضاياهم الاجتماعية من الفقر والجهل والبطالة والحرمان، إياكم وإضعافهم، وإياكم أن ترعبوهم أو توجهوا الأسلحة التي اتخذتموها لعدوكم في وجوههم، وإياكم أن تصرخوا في وجوههم من طريق التقتيل والحرمان والتجويع لأجل إسكات كلمتهم، فهذا أمر باطل لا يقره مسلم، أمر باطل لا يقبله الله جلّ وعلا».
وحض «حجاج بيت الله الحرام على أداء هذه الشعيرة بصدق وإخلاص واتباع كتاب الله وهدي نبيه صلّى الله عليه وسلم، مبرزاً ما منّ الله به على المملكة من أمن واستقرار واتفاق بين الراعي والرعية، منوهاً بما قدمته حكومة خادم الحرمين الشريفين من خدمات وتسهيلات كتوسعة للحرمين والمشاعر».
وقال: «إن هناك من بين الأمة من يريدون إفسادها، يريدون إفساد الحج والشغب والبلاء فكونوا عيناً ساهرة ويداً واحدة وكونوا سداً منيعاً أمام المفسدين».
وأكد أن الحج «لم يأتِ للمهاترات والمساومات والشعارات الجاهلية والشخصية إنما جاء لعبادة الله جلّ وعلا والتقرب إليه وجمع الكلمة وتوحيد الصف ووعي الأمة المسلمة، وقال: «احذروا مكائد الأعداء، لم يأتِ في سنَّة الحج أن يكون منبراً سياسياً منبراً للمهاترات، فكل هذا مما يمقته الإسلام فاتقوا الله في أنفسكم».
المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية