ليبيا من الجماهيرية إلى الفيديرالية وخرائط ما قبل الملَكية

تاريخ الإضافة السبت 10 آذار 2012 - 6:36 ص    عدد الزيارات 3028    التعليقات 0    القسم عربية

        


 
سوسن أبوظهر

ليبيا من الجماهيرية إلى الفيديرالية وخرائط ما قبل الملَكية

السنوسي يتطلّع إلى النموذج الأميركي ومعارضوه يخشون التقسيم

 

حين رفرف علم الملكية معلناً الانتفاضة على العقيد معمر القذافي، أطلق الثوار الليبيون القطيعة الكلية مع نظامه. سقطت الجماهيرية وتدحرجت رؤوسها، ولم تنته الأزمة. أشهَرَ الشرق سلاح الفيديرالية في وجه الغرب، فاضحاً، مرة أخرى، هشاشة السلطة المركزية، فأعاد عقارب الساعة إلى عهد الاستعمار وبدايات الملكية.

بعدما احتفلت البلاد قبل أسابيع بمرور سنة على "ثورة 17 فبراير"، دُعي اليوم الجمعة إلى "انتفاضة ثانية" و"يوم غضب على الفيديرالية" تحت شعار "إنا يا ليبيا لن نخذلك" في مدن عدة، شرقاً وغرباً.
وحيال التباين الحاد بين مؤيدي الطرح الفيديرالي ومعارضيه في ليبيا، لا بد من لمحة تاريخية عن التقسيم الذي كان سائداً قبيل الملكية، والدستور الذي استند إليه "إعلان برقة" الثلثاء.
في تشرين الأول 1912، تنازلت السلطنة العثمانية عن ليبيا لإيطاليا. وشهد دخول روما الحرب العالمية الأولى عام 1915 محاولات للقتال ضدها، وتكرر الأمر في الحرب العالمية الثانية. تحالف ادريس السنوسي مع بريطانيا، ودخل على رأس جيش من أعوانه برقة من مصر، وأُعلن أميراً على المنطقة. وفي الوقت عينه، حرر الشيخ حمد سيف النصر المتحالف مع فرنسا فزان الجنوبية. ومع هزيمة إيطاليا، سقطت طرابلس في أيدي بريطانيا. ثم صارت ليبيا في قبضة الوصاية، البريطانيون يديرون برقة، والفرنسيون فزان، والإيطاليون طرابلس، حتى تبنت الجميعة العمومية للأمم المتحدة في 21 تشرين الثاني 1949 قراراً يقضي بمنح البلاد استقلالها في الأول من كانون الثاني 1952.
وكان الليبيون أنشأوا في تشرين الأول 1950 جميعة تأسيسية تمثل الأقاليم الثلاثة، واتُفق على النظام الاتحادي، وإن يكن ممثلو طرابلس اعترضوا عليه. وقامت إدارات إقليمية ثلاث نقلت بعد سنة السلطة الدفاعية والخارجية والمالية إلى حكومة مركزية. وبعد إعلان الدستور في 24 كانون الأول 1951، اختير ادريس السنوسي رأساً للمملكة الليبية المتحدة ذات النظام الفيديرالي.
دامت هذه التجربة حتى عام 1963، حين عُدل الدستور وأُلغيت الفيديرالية. وفي الأول من أيلول 1969 قاد الملازم أول معمر القذافي، وهو من الشرق، انقلاب ضباط شبان. والباقي معروف. ركَز على مدينته وقبيلته، فنمت سرت وبقيت طرابلس عاصمة، واشتكت مناطق عدة من التهميش.

 

من هم الفيديراليون

في مصنع للصابون على مسافة 20 كيلومتراً من بنغازي، مهد الثورة، أُعلِن الشرق الثلثاء "إقليماً اتحادياً فيديرالياً" تحت اسمه القديم، برقة. وامتلأت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بالهجوم على أحمد الزبير أحمد الشريف السنوسي الذي اختير رئيساً لمجلسه الأعلى. وانتُقدت مراحل حياته، بما في ذلك مولده في مرسى مطروح في مصر، وجذوره التي تعود، كما قريبه الملك ادريس السنوسي، إلى مستغانم في الجزائر. خسر الرجل سريعاً الاحترام الذي حظي به باعتباره ذا أطول تجربة سجن في عهد القذافي، هو الحائز في تشرين الأول جائزة ساخاروف لحرية الفكر مع ناشطي "الربيع العربي". كما أنه لم يكن بعيداً من "المجلس الوطني الانتقالي"، إذ انضم إليه مع نشوب الثورة مسؤولاً عن تمثيل السجناء السياسيين.
وجاء في "إعلان برقة" الذي يقع في ثماني نقاط أن المجلس الأعلى للإقليم أنشئ ليديره و"يحمي حقوق شعبه"، عبر برلمان ومحاكم وشرطة محلية، في إطار نظام فيديرالي يستعيد الأقاليم التاريخية الثلاثة لدستور 1951. ورفضت آلية انتخاب المجلس التأسيسي في حزيران، وطولب بتمثيل أكبر للشرق فيه.
وحضر الحدث الثلثاء وجهاء من قبائل شرقية بارزة مثل العبيدات التي تضم 15 قبيلة أصغر حجماً وعشرات الأفخاذ وكان من أبنائها اللواء عبدالفتاح يونس، والمغاربة التي يصل عدد أبنائها إلى مئة ألف، والعواقير التي تقول إنها الأكبر في بنغازي. وشارك قادة ما يسمى "جيش برقة"، وهو تجمع لـ61 ميليشيا، ومسؤولون كبار في وزارة الدفاع الليبية. ورُفعت راية إقليم برقة التاريخي، وهي علم أسود يتوسطه هلال ونجمة.
وإلى السنوسي، يضم المجلس وجوهاً صنفها الثوار في "قائمة عار" مثل رجل الأعمال حسونة طاطانكي الذي كان مقرباً من سيف الإسلام القذافي قبل تخليه عنه، ونظيره علي دبيبة وهو من أصدقاء الرئيس السابق للمخابرات المصربة اللواء عمر سليمان. وكان يشرف على المشاريع الضخمة التي تنفذها الشركات الأجنبية بأوامر من اللجنة الشعبية العامة، الجهاز التنفيذي في النظام السابق.

 

أي فيديرالية

يشير معارضو الفيديرالية إلى أن السنوسي استند إلى دستور 1951، متجاهلاً تعديل عام 1963. وقالت المحامية والكاتبة الليبية وفاء البوعيسي لـ"النهار" إن ذلك "خطأ قانوني وتشريعي خطير هدفه واضح، استقلال الشرق"، وهي منه. وأضافت أن سائر سكان برقة لم يُستفتوا في الأمر، "وهذا تجاوز كبير". كما أن السنوسي وأنصاره أعلنوا أن "خطوتهم موقتة. أي أنهم سيعودون الى التبعية للعاصمة حين تحل مشاكل الغرب ولا تعود طرابلس غارقة في المشاكل والانتشار المسلح".
غير أن البوعيسي تشكك في نيتهم هذه، لأن "في ليبيا إفلاساً سياسياً ونخبوياً، فلا دولة أو أحزاب تُلصق أجزاء الوطن". وتالياً فإن تحرك الشرق "يعيدنا إلى الحالة التي أحدثها الملك ادريس الذي ارتكب خطأ فادحاً حين لم يسمح بإقامة أحزاب تُقلص المسافة بين الأقاليم المتمايزة باللغة واللون والخلفية، فبقيت الأقاليم التي رُفعت عنها الفيديرالية (عام 1963) معزولة بعضها عن البعض".
وأمس حذر مفتي الديار الليبية الشيخ صادق الغرياني من أن "الفيديرالية هي بداية التقسيم الذي يؤدي حتماً إلى الخلاف. ويفتح الباب للنزاع على أشياء كثيرة منها توزيع الثروات، وهذا ما يريده أعداء الإسلام". غير أنه أقر بأن استمرار الفساد سيؤدي إلى دوام الشعور بالتهميش.
وفي المقابل، يرد أنصار الفيديرالية بأنها قامت تاريخياً في ليبيا تحت إشراف الأمم المتحدة، وكانت سبيلاً إلى الاستقلال والوحدة. أضف أن نظام الحكم الاتحادي الفيديرالي، كما يُمارس في الغرب، يقلص التناقضات ويفوض السلطات من المركز إلى الأطراف. ويشيرون إلى نماذج الولايات المتحدة وسويسرا وألمانيا وإسبانيا وكندا وأوستراليا، وحتى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.  
وإذ رفض المفتي المقارنة بالولايات المتحدة، من حيث الجغرافيا وعدد السكان، رأى محللون أنه كان يمكن السنوسي المطالبة بلامركزية إدارية. وتوجسوا من توقيت قراره الذي يقفز فوق استحقاقات المرحلة الانتقالية. وذهب بعضهم إلى مقارنة برقة بكردستان العراق، واستعادة تجربة جنوب السودان التي أفضت إلى الانفصال. وتخوفوا من عدوى تمتد إلى باقي المناطق الليبية، أو حتى قيام فيديرالية أمازيغية. وفي كل الأحوال، لقد سبق خطوة الشرق تفرُد مصراتة في الغرب بانتخاب مجلس محلي.
طبعاً، لا يخفى أن للأمر تبعاته الاقتصادية. فلبرقة امتداد واسع على الساحل وفيها خمسة موانئ لتصدير النفط، وثلاث من المصافي الخمس في البلاد.
وإذا كان الرعاة الدوليون لإسقاط القذافي لم يبدوا رأياً بعد في مسألة الفيديرالية، فإن مصالحهم الاقتصادية تصب في خيار الوحدة. ذلك أن النفط الليبي هو أحد البدائل المطروحة لنظيره الإيراني المحظور أوروبياً وأميركياً.
وإذا كان رئيس "المجلس الوطني الانتقالي" مصطفى عبدالجليل محقاً في تكرار الحديث عن "إرث ثقيل" للقذافي "يصعب محوه في سنة أو اثنتين أو حتى سنوات"، فإن منع انزلاق ليبيا إلى نادي الدول الفاشلة يتطلب إدارة سياسية تتجاوز أداءه الخجول ورئيس الوزراء عبدالرحيم الكيب. فهل يتحقق ذلك أم تتجه البلاد فعلاً إلى "انتفاضة ثانية"؟

 


المصدر: جريدة النهار

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…...

 الخميس 19 أيلول 2024 - 11:53 ص

Sri Lanka’s Bailout Blues: Elections in the Aftermath of Economic Collapse…... The economy is cen… تتمة »

عدد الزيارات: 171,421,703

عدد الزوار: 7,632,691

المتواجدون الآن: 0