تقارير ...ثغرات عملية الناتو في ليبيا ستكون تحديا أكبر في سوريا...أسلحة أميركا لن تقدر على مواجهة إستراتيجية إيران الشرسة...تسييس العمل الإغاثي وتشتته يحرمان المتضررين السوريين من أموال المساعدات
سيناء هدف للجيش الإسرائيلي وعملية اغتيال بن لادن نموذج لتدريباته
الأربعاء 18 نيسان 2012 - 4:53 ص 2209 0 عربية |
منذ اطلاق ثلاثة صواريخ «غراد» على مدينة ايلات، جنوب اسرائيل، تحولت منطقة سيناء الى هدف للجيش الاسرائيلي متصدرة المناطق التي يدرجها في قائمة المخاطر الامنية. فعملية كهذه بالنسبة الى الاسرائيليين خط احمر تسرع عقارب الساعة نحو صدام عسكري في هذه المنطقة. وعلى رغم حساسية العلاقة مع مصر، خرجت اسرائيل بحملة تهديد ووعيد، حول ما سمّته «الدفاع عن حدودها» وصلت الى حد التلميح الصريح بتجاوز الحدود في سيناء والقيام بنشاطات ليلية تلاحق خلالها مجموعات متسللين ومهرّبي اسلحة وعناصر تنظيمات، تدعي اسرائيل انها ارهابية ومنتشرة في شبه الجزيرة المصرية. وعلى طول مئتين وخمسين كيلومتراً كثفت اسرائيل دورياتها على مدار الساعة فيما نفذت وحدة خاصة من المظليين طوال ساعات الليل تدريبات على عمليات انزال بالتعاون مع سلاح الجو تحاكي «إحباط عمليات تهريب اسلحة، وهي في طريقها نحو اسرائيل».
الجيش في ترويجه لنشاط وحدة المظليين لم يذكر تفاصيل العملية وإذا ما كانت تتضمن تدريباً على اختراق الحدود والدخول الى سيناء، لكنه اظهر صوراً لجنوده في واحدة من العمليات التي نفذت في ساعات الليل وهم يهبطون في المكان الذي تتصور مخابرات اسرائيل ان عناصر من هذه التنظيمات تتواجد فيه. والواضح من الصور ان سيناء هي المكان الذي رسموه ليناسب التوقعات بأن تنفذ فيه العمليات. وكما قال احد الضباط، فإن الجيش يعمل تجاه هذه الخلايا ومهربي الاسلحة كـ «لعبة الشطرنج» معلناً ان نشاط وحدة المظليين سجل نجاحاً غير مسبوق اذ قام بإحباط حوالى خمسة وتسعين في المئة من العمليات.
وجاءت تدريبات المظليين بالاعتماد على عملية «اسود البحر»، وهو اسم عملية اغتيال اسامة بن لادن في السنة الماضية في باكستان. وقد وضع سلاح المظليين في الجيش الاسرائيلي التقارير التي تلخص العملية من أجل الاستفادة منها في تدريباته وتحسين الأداء خلال عمليات الهبوط لملاحقة المجموعات المنتشرة في سيناء.
ووفق ضابط سلاح المظليين، يوفال غربي، فقد تم التدريب على عملية «اسود البحر» في شكل مكثف كما تم استخلاص العبر منها وخلال ذلك تدرب الجنود على عمليات الانزال الحر والانزال السري ايضاً. ووفق الجيش فهناك وحدتان للإنزال ويعمل الجيش حالياً على زيادة هذه الوحدات للتدريب على عمليات إنزال دقيقة في قلب ارض العدو في شكل سري»، كما يقول الجيش.
والاستعداد لعمليات الانزال بدأت في اسرائيل منذ انطلاق «الربيع العربي» فقام الجيش بشراء منظومات متطورة وخاصة لوحدة المظليين بينها منظومات لاستخدام طائرات نقل عسكري من نوع «هركوليس» قادرة على انزال وسائل قتالية على بعد عشرين كيلومتراً من موقع الانزال، كما شملت الاستعدادات استخدام نظام GpS. وضمن التدريبات التي أُجري ايضاً انزال جيب من نوع «هامر». وفي هذا الجانب تحدث الجيش الاسرائيلي، وفي شكل واضح، عن ان اهداف التدريبات تشمل ايضاً استهداف شخصيات بارزة في قطاع غزة او في لبنان الى جانب اشراك سلاح المظليين، وللمرة الاولى، في عمليات انزال على جبهتي غزة ولبنان في حال اندلاع حرب شاملة مع ايران.
والانزال السري هو الاهم بالنسبة الى الاسرائيليين، لأن المنطقة التي تضعها اسرائيل هدفاً لها، تقع داخل نفوذ مصر وقد سبق ان بعثت اسرائيل برسالة الى المجلس العسكري الحاكم في مصر تبلغه فيها انها ستكون «مضطرة» الى تنفيذ عملية عسكرية داخل سيناء اذا لم يقم الجيش المصري بواجبه ويقضي على التنظيمات «الارهابية» المنتشرة فيها. والتهديد الاسرائيلي جاء في اعقاب اطلاق صواريخ غراد، مع التلميح بإحباط عمليات قبل خروجها من الحدود المصرية. وقد بدأت القيادة العسكرية تتحدث عن الاستعداد لعملية عسكرية لكنها تنتظر قراراً سياسياً.
الخيارات الاسرائيلية
في رسالة التحذير والتهديد الى المصريين اعتبرت اسرائيل انها استنفدت كل ما يمكن ان تقوم به لضمان الامن في منطقة سيناء، مشيرة الى انها في السنة الاخيرة صادقت مرات عدة على زيادة حجم القوات العسكرية المصرية في شمال شرقي سيناء لتحسين مستوى الامن على مقربة من الحدود. ووفق الاسرائيليين، فإن القوات المصرية لم تنجح في تحقيق أي تحسن. فهي لا تنتشر في جنوبي قاطع الحدود، في المنطقة التي اطلق منها صاروخ غراد الى ايلات وبدل ان تأخذ مصر دورها وتقوم بمهمة ضمان الامن في المنطقة تختار ببساطة النفي في أن يكون الصاروخ اطلق من أراضيها.
هذه الوضعية الجديدة جعلت ملف سيناء يتصدر اجندة الاسرائيليين. واختار الجيش الترويج لموقفه في وسائل الاعلام باسم مصدر رفيع المستوى، اطلق تصريحات في اكثر من موقع الكتروني وصحيفة اسرائيلية كان المشترك بينها القول: «اسرائيل لن تستطيع الرد على أي هجوم من سيناء». وقال هذا المسؤول في واحد من تصريحاته: «اذا استمر إطلاق الصواريخ من سيناء فهذا يتطلب منا تغيير توجهنا لهذه المنطقة على ان تكون المرحلة الاولى في التوجه الى مصر والضغط عليها عبر الولايات المتحدة». وتابع: «إذا نظرنا إلى النظام المصري في وضعه الحالي، فإن التنسيق بين الحكومة المصرية والجيش الإسرائيلي يعتبر لغاية الآن جيداً جداً، لكننا لا نستطيع الطلب الى المصريين العمل وفي شكل مكثف ونحن غير راضين على الشكل الأمني المتبع ضد الخلايا الإرهابية في سيناء».
والخيارات المطروحة امام اسرائيل للتعامل مع سيناء تثير نقاشاً داخلياً، بخاصة الحديث عن احتمال تنفيذ عملية عسكرية. الخبير العسكري ارييه اجوزي، يرى ان مصر لا يمكنها السيطرة على سيناء «التي تحولت الى منطقة مشاع تعج بالمخربين» على حد تعبيره، مشككاً بأن مصر قد تكون تغض الطرف عما يحدث في سيناء.
ورأى اجوزي ان افضل الخيارات امام اسرائيل تكون في ما فعلته بعدم قبولها الوضع الحالي في سيناء وإبلاغها ان الجيش الاسرائيلي سيتحرك اذا وصلته معلومات استخبارية حول التخطيط لعمليات ضد اسرائيل. وطرح اجوزي الخيارات المتاحة امام اسرائيل للتعامل مع الوضعية الجديدة في سيناء بينها انهاء الجدار العازل عند الحدود ونشر وسائل دفاعية على طول الجدار مثل القبة الحديدية، غير انه اعتبر ان القرار ليس سهلاً وهو قرار سياسي، التعقيد فيه ان «المخربين»، على حد تعبيره، يستغلون نقطة ضعف اسرائيل في الوضع الشائك للعلاقة مع مصر. وانهى الخبير العسكري الاسرائيلي حديثه بضرورة حسم الموضوع بشأن التعامل مع سيناء قائلاً: «كان على حق من قال ان صاروخاً واحداً يسقط على «غوش دان» (أي منطقة تل أبيب التي تعيش فيها النخبة السياسية والاقتصادية الاسرائيلية)، سيغير التعامل الاسرائيلي في شكل جذري».
وفي اسرائيل اي تهديد لسيناء يكون لغزة قسط فيه، بل يكون التهديد اكثر وضوحاً. فقد أعلن رئيس اركان الجيش، بيني غانتس بصراحة ان الوضع في غزة لم يعد محتملاً وانه ابلغ جميع الوحدات في جيشه ضرورة الاستعداد لتنفيذ عملية هناك في اية لحظة. ويأتي حديث غانتس مع الاعلان عن تقرير لأجهزة الاستخبارات العسكرية يشير الى ان هناك ارتفاعاً في عمليات اطلاق الصواريخ الفلسطينية على اسرائيل خلال شهر آذار (مارس) الاخير. وجاء في معطيات التقرير أن الارتفاع كان كبيراً في ذلك الشهر، حيث نفذت 229 عملية ضد اسرائيل من غزة والضفة، معظمها اطلاق صواريخ، فيما لم تتجاوز المئة في شهر شباط (فبراير). وجاء في التقرير : «اطلق خلال شهر آذار حوالى 173 صاروخاً و19 قذيفة هاون باتجاه «إسرائيل» وذلك خلال 156 هجوماً مقارنة بـ 36 صاروخاً وقذيفة واحدة في شهر شباط خلال 28 هجوماً».
وبخصوص الضفة الغربية رصد التقرير وقوع 43 هجوماً معظمها كان عبارة عن رمي زجاجات حارقة خلال شهر آذار مقارنة بـ42 هجوماً خلال الشهر الماضي، وقد تعرض اثنان من ضباط الأمن الإسرائيليين للطعن من مهاجمين فلسطينيين في الضفة الغربية. وهذا التقرير، بحد ذاته، وفق الاسرائيليين، يتطلب خطوات جدية وحاسمة لضمان امن اسرائيل وحتى تغيير قواعد اللعبة تجاه غزة وسيناء.
التسابق على تشكيل جمعيات إغاثية، وتراشق الاتهامات بالاستحواذ على أموال المساعدات أو تبديدها، واحتكار «جماعة الإخوان المسلمين» العمل الميداني مقابل انسحاب شبه تام لبقية أطياف المعارضة، وإطباق تركي محكم على مخيمات اللاجئين، هي ما يلخص ببساطة عناصر المشهد الإغاثي السوري الذي يضاف إليه امتعاض من يفترض إنهم أول المعنيين به.
«إنها فوضى عارمة» يقول الدكتور طلال، الهارب من حماة إلى أنطاكيا وأحد العاملين في مجال الإغاثة في تلك المنطقة الحدودية التي تستقبل أكبر عدد من اللاجئين السوريين، والمفتوحة إلى حد ما على الداخل. وكان تم تهريب الطبيب إلى الأراضي التركية بعدما بدأ الخطر يشتد حوله لمشاركته في الثورة منذ بدايتها، فشارك في مؤتمر تونس بصفته ممثلاً لتنسيقية حماة لمتابعة شؤون الإغاثة والمساعدات، لكنه كغيره من الناشطين في هذا المجال يشكو الفوضى والتهميش. ويقول الطبيب: «يفترض أني مدير مكتب إغاثة أنطاكيا، التابع مباشرة للمجلس الوطني، والذي تأسس بناء على خطة عمل تقضي بإنشاء مكاتب إغاثية في الدول المحيطة، لكننا عملياً لا نزال بانتظار الأموال لنبدأ العمل الفعلي، فيما الجمعيات المستقلة عنا تعمل وتجمع التبرعات وترفع رصيدها بين اللاجئين والثوار على حساب المجلس الوطني الذي يفترض أن يمثل جميع السوريين».
ويتركز عمل الجمعيات الإغاثية غير التركية على إيصال المساعدات إلى الداخل السوري وهي تتنوع بين حصص تموينية وأدوية وأمصال ومعدات طبية بسيطة تستخدم في المستشفيات الميدانية للإسعافات الأولية ويساهم في نقلها إلى الداخل كتائب وعناصر من «الجيش الحر»، فيما اللاجئون يخضعون للإشراف المباشر للسلطات التركية ضمن المخيمات. وبالإضافة إلى ذلك، تهتم تلك الجمعيات أو بعضها بالمرضى والجرحى القادمين إلى تركيا لتلقي العلاج خارج إطار مخيمات اللاجئين فأنشأت لهذا الغرض «مراكز صحية» أو مستوصفات علماً إن غالبية نزلائها هم من المقاتلين الذين لا يملكون عائلة نازحة إلى تركيا يركنون إليها ولا يمكنهم العودة إلى الداخل قبل شفائهم.
ويدخل أنطاكيا في شكل يومي 15 جريحاً كمعدل وسطي، يرتفعون إلى 20 أحياناً ويتوزعون على 3 مستشفيات رئيسية هي المستشفى الحكومي، والمستشفى الجامعي، ومستشفى خاص حيث تجرى لهم العمليات الجراحية، ويتلقون الرعاية الأساسية ليتم نقلهم بعدها إلى تلك المراكز الصحية التابعة للجمعيات الإغاثية. وبجولة على المستوصفات الموزعة في مدينة أنطاكيا، يتبين إنها أقرب إلى بيوت ضيافة منها إلى مراكز صحية، إذ لا تتوافر فيها شروط الرعاية الطبية أو المتابعة الدقيقة للحالات والجروح كما تفتقر إلى الطواقم المتخصصة، ما عدا بعض المتطوعين من الأطباء والممرضين السوريين اللاجئين بدورهم. لكنها في المقابل تؤوي قاطنيها الى حين شفائهم وتؤمن لهم أسرّة وطعاماً ولباساً وتحفظ أمنهم في منطقة تشوبها توترات طائفية وعرقية. ذاك أن أنطاكيا ومحيطها تضم علويين وأكراداً مؤيدين للنظام في سورية وغير مرحبين بالثوار.
وإذ تحولت تلك «المراكز الصحية» محطة انتظار طويلة لكثيرين، باتت تستقبل نزلاء بما يفوق طاقتها الاستيعابية، وبالتالي باتت تستقطب أموال التبرعات وتبرر صرفها من دون أن ينعكس ذلك بالضرورة على المرضى أنفسهم.
ويقول أحد الجرحى وهو مقاتل في الجيش الحر «عالجوا رجلي المصابة بطلق ناري لكنني أصرخ من ألم في بطني منذ أسبوع ولا أحد يلتفت إلي! مسكن واحد يعطى للجميع مهما كانت حالتهم وأخشى أن أكون مصاباً بنزف في بطني، لكن لا أحد يمكنني التحدث إليه! فلا طبيب هنا!».
ويقول آخر تعافى كلياً لكنه لا يزال «يعيش» في أحد تلك المستوصفات: «العناية الصحية في المستشفيات التركية سيئة جداً وانتقامية في بعض الأحيان، ثم يأتون بنا إلى هنا ويتركوننا ليشحذوا المال علينا». ويتابع الشاب بغضب رافضاً كشف اسمه: «كنت أقاتل في أدلب ويوم وصولي جريحاً، أعطوني بذلة رياضية وعلبة مستلزمات شخصية و100 ليرة تركية، كما تمكنت من الاتصال بعائلتي لأطمئنهم، وأنا شاكر لهذه المساعدة، لكن مضى على وجودي هنا فترة، ولا أحد يسأل عني حتى شعرت أن وجودي بات لرفع عدد المحتاجين للمساعدة».
وفيما تبقى تلك الشكاوى مكتومة، خشية أو خجلاً، يصعب رسم خريطة واضحة للعمل الإغاثي أو تحديد جهة مسؤولة ترفع لها المظالم وتحاسب على التقصير أو التبديد.
مراكز انطاكيا
ويقول محمد فيزو، المشرف على «الهيئة العليا للإغاثة السورية» «كل شيء موثق وفيه فواتير بأسماء المرضى، ومناطقهم وحالاتهم الصحية، ومتطلباتهم من طعام ولباس ودواء ونحن نعتمد في شكل خاص على التبرعات».
وقد يكون المركز الذي يديره فيزو من أكبر المراكز الإغاثية في أنطاكيا، إذ يضم طابقاً كاملاً من الأسرّة تستقبل نحو 15 إلى 20 نزيلاً، بالإضافة إلى شبكة لإدخال المساعدات إلى سورية ومناطق أدلب في شكل خاص. لكن ذلك لا يمنع كثيرين من التشكيك بأداء الجمعية «بدءاً باسمها المضلل» على ما يقول مصدر فضّل عدم ذكر اسمه. فتسمية «الهيئة العليا للإغاثة» توحي بأنها تابعة للأمم المتحدة فيما هي أنشئت بمبادرة من ابن الشيخ محمد الصابوني وبعض الناشطين الذين بدأوا بجمع التبرعات ولا يخضعون لأي هيئة رقابية ولا حتى المجلس الوطني، لمعرفة كيف تصرف الأموال، وهو ما يرد عليه فيزو بأن «جمعيته معتمدة لدى المجلس وتعمل بتنسيق وثيق مع أعضائه».
وإذ يصر فيزو على أن عمله الإغاثي لا ينطوي تحت أي مظلة سياسية، وهو مستقل تماماً عن تجاذبات أطراف المعارضة، إلا أن ذلك لا يبعده عن تشكيك إضافي مصدره هذه المرة جهات «إخوانية» غير رسمية. وترى تلك الأوساط إنه تم استغلال اسم الشيخ الصابوني لجمع تبرعات ضخمة من بلدان الخليج، ما أبعد المتبرعين عن القنوات الأخرى الرسمية والأهلية كانت أولى بها.
ويقول الدكتور طلال: «غالبية العمل إعلامي وليس واقعياً. فكل علبة دواء توزع، ترافقها كاميرات التصوير لإقناع المتبرعين بأن أموالهم تصرف في مكانها، وترسل تلك الأشرطة إلى الجهات المانحة، لكن غالباً الناس متروكون لمصيرهم بالحد الأدنى، كما أن ما يفوت كثيرين هو مساعدة المرافق الذي يكون أحياناً أصعب من وضع المريض نفسه». وفي وقت تنصب العناية على «الأكثر تضرراً» يهمل الشخص الذي يرافق المريض مادياً ومعنوياً، ولوجستياً بعدما يكون منهكاً من قطع الحدود سيراً على الأقدام، وبالثياب التي يلبسها، بلا مال أو أوراق ثبوتية.
على أطراف مدينة أنطاكيا، في شقة تحولت مكتباً ومستوصفاً ينتظران اكتمال التأثيث، يروي الدكتور طلال معاناته مع «غياب العمل المؤسساتي وتحكم بعض الأفراد والجهات بالعمل الإغاثي»، فيقول: «في البداية طلبوا خطة عمل لجمع التبرعات على أساسها، وبالفعل وضعنا خطة تبدأ لحظة استقبال الجريح عند النقطة الحدودية، وتقدم له الرعاية خلال رحلة علاجه كما تقدم المساعدة للمرافق الذي يأتي معه. لكن التركيز كله منصب على السياسة والأعمال العسكرية فيما صارت المساعدات ذريعة للسياسيين ووسيلة ضغط على المجتمع الدولي. الجميع يطالبون بها، والدول تعد برصد المبالغ لها، لكن أحداً لا يراقب كيفية صرفها». ويوضح طلال الذي يقودك الجميع إليه بصفته «مسيحياً ومشاركاً بالثورة» فيما يرفض هو الخوض في «الأمور الطائفية»، إن الممسكين بالمساعدات ضمن المجلس الوطني يحتكرون العمل الإغاثي وينسبونه إلى أنفسهم لتصريفه في السياسة بعد سقوط النظام.
ويقول: «من يساعد لاجئاً اليوم، يحصد صوته غداً، لذا يجب على المجلس الوطني أن يضطلع بهذه المهمة وليس جماعة الإخوان المسلمين وحدهم». ولا ينفي الطبيب احتضان الجماعة له شخصياً لدى لجوئه إلى تركيا معتبراً أن تجربته الشخصية يمكن أن تشكل نموذجاً لافتاً. وأضاف: «كثيرون وصلوا ولم يحملوا معهم مالاً كافياً أو لباساً وأنا واحد من هؤلاء. استغرقتني الطريق 5 أيام لأعبر فاحتضنوني (الإخوان) واستقبلوني وسكنت في مخيم ليلدار لنحو شهرين انتقلت بعدها إلى مدينة أنطاكيا وأسكن اليوم مع مجموعة من الشباب، وهذا المكتب يعمل بالتعاون معهم، وهذا ضروري، لكن عتبي هو على تفردهم بالعمل في أحيان كثيرة».
ويعزو الطبيب الذي يعرف البيئة الإخوانية من خارجها ذلك «الاحتكار» كما يسميه، إلى أن الجماعة نشيطة وتعمل كفريق وشبابها مندفعون ومهاجروها أثرياء ومستعدون للتبرع، فيما أطياف المعارضة الأخرى متشرذمة. ويقول: «مثلاً إذا أخذنا صندوق دعم حماة وأنا أحد أعضائه، تصل مساعدات كثيرة من دون أن نعلم بها لأن غالبية المهاجرين من الإخوان المسلمين ويفضلون إيصال تبرعاتهم عبر قنواتهم، فهل نلومهم؟».
تجاوزات
وفيما تشتد المطالبة بتوحيد العمل الإغاثي تحت مظلة المجلس الوطني وإشرافه، منعاً لتفرد مجموعة من دون أخرى ومنعاً أيضاً لتحميل اللاجئين منة تجعلهم يغضون الطرف عن تجاوزات كثيرة ترتكب بحقهم يرى ناشطون ميدانيون من الجماعة إن من لديه اعتراض فليعمل أولاً ثم يعترض. «فمن يجلس في إسطنبول ولا يعرف ماذا يجري على الأرض في أنطاكيا لا يحق له معاتبة من يعمل»، يقول أحدهم. وبالفعل، يبدو الميدان في تلك المنطقة متروكاً كلياً لجماعة الإخوان التي يعرف شبابها شعاب المدينة وأزقتها ويتواصلون مع الثقة من سكانها. فهنا، لا زيارات من أعضاء المجلس الوطني ولا الناشطين «المدنيين» الذين يقيمون في إسطنبول وينشطون منها لدعم الداخل. ولدى مواجهتهم بالسؤال عن سبب تخليهم عن قضية إنسانية يفترض إنها على رأس الأولويات، يأتيك جواب بأنه «يتم العمل على زيارة ميدانية يقضي خلالها الرئيس (برهان غليون) ليلة أو اثنتين في المخيمات»!
وفي المقابل يرد المهندس عبد المهيمن السباعي المدير التنفيذي لـ «الجمعية السورية للإغاثة الإنسانية والتنمية» بأنه «إذا كان فعلاً الإخوان يعملون أكثر من غيرهم فهذا جيد وهو واجبهم أصلاً علماً أن كل السوريين يساعدون والشعب السوري اليوم لا يهمه من يقدم له المساعدة، المهم أن يحصل عليها. أما إذا قصر البعض، فهذا يؤخذ عليهم وليس على الإخوان». والجمعية، ومركزها إسطنبول «معتمدة (أيضاً!) من المجلس الوطني»، لكنها على ما يقول السباعي لم تحصل منه على أي دعم «علماً إنهم حصلوا على دعم إغاثي وتم إيصاله عبر المكتب الإغاثي لكن غالبية المال لم يصرف وما صرف تم عبر المكتب التنفيذي وهو من يجب أن يسأل عنه». وأضاف: «وصلنا مبلغ 300 ألف يورو وتم صرفها بالكامل». ويقدر السباعي الذي يعتمد جداول دقيقة وعلمية، الحاجة الإغاثية داخل سورية بما بين 50 و60 مليون دولار شهرياً، لافتاً إلى وجود «اكثر من مليون ونصف مليون نازح في الداخل، ونحو 17 مليوناً فقدوا مصادر دخلهم علماً أن رواتب كثيرة ما عادت تصل إلى الموظفين لمعاقبتهم».
ويشرح السباعي آلية تقديم المساعدات وهي عينية وطبية، فيقول: «غالبية المواد الغذائية متوافرة لدى التجار وبعضهم لديه حسابات مصرفية في الخارج يتم تحويل المال إليها فيقومون هم بتسليم المساعدات للناشطين المعتمدين في الداخل». وإذ تعتبر ازدواجية الحصول على المساعدات وتسجيل البعض أسماءهم في أكثر من لائحة مشكلة أساسية لكونها تحرم الآخرين منها، يلفت السباعي إلى مشكلة أكبر وهي أن «كل العمل الإغاثي الحالي لا يغطي ربع الحاجة الفعلية، وأن الوضع موشك على كارثة إنسانية».
المصدر: مصادر مختلفة