تقارير...النـفـط واحتـلال هجلـيـج... أكـثـر مـن مجــرد معــركـة...رفض الحريرية والجنبلاطية للنسبية يجعلها غير ميثاقية...هل تسعى جهات أمنية إقليمية لإحياء «فتح الإسلام»؟....تقرير أميركي حول شروط حرب الخليجيين بالوكالة في سوريا... وحدودها

ماذا بعد تشكيك الحلفاء والأصدقاء بـ«حماس»؟...عن الإسلاميين وسلطتهم العتيدة: اطمئنان أميركي وإسرائيلي لتغييب فلسطين

تاريخ الإضافة الخميس 19 نيسان 2012 - 7:02 ص    عدد الزيارات 2125    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

ماذا بعد تشكيك الحلفاء والأصدقاء بـ«حماس»؟
السفير...رأفت مرة
تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في الأشهر الأخيرة، إلى موجة من الانتقادات والتشكيك في مواقفها وتحركاتها بسبب مجموعة من التطورات والأحداث الحاصلة في المنطقة.
وكانت حماس عرضة لاتهامات صادرة من جهات سياسية بسبب مجموعة من المواقف التي اتخذتها الحركة أو التحركات التي أقدمت عليها، ومنها على سبيل المثال تخفيف تواجدها في دمشق، وعدم اتخاذ موقف منحاز تجاه الأزمة في سوريا، وزيارات قيادتها لكل من عمّان والدوحة وأنقرة، و«إعلان الدوحة» الذي نص على تكليف محمود عباس برئاسة الحكومة الفلسطينية الانتقالية المشرفة على الانتخابات، وصعود «الإخوان المسلمين» في كل من تونس ومصر وغيرها من الدول العربية، وصدور موقف من أحد قيادات الحركة في غزة يقول إن حماس لن تقف إلى جانب إيران إذا تعرضت الأخيرة لعدوان أميركي أو إسرائيلي.
والمؤسف أن حملة التشكيك والاتهام صدرت من أطراف تربطها علاقات تاريخية واستراتيجية بحركة «حماس»، وأن هذه الأطراف لها علاقات سياسية متينة مع حركة «حماس»، وبينها جميعاً آليات تنسيق دائمة.
وهذه الأطراف مطّلعة بالكامل على استراتيجية «حماس»، ولها إطلالة عميقة على مشروع المقاومة الذي تحمله الحركة، ولها معرفة بالكثير من المواقف السياسية التي اتخذتها «حماس» سابقاً، وتمسكّت من خلالها بمشروع المقاومة والتحرير والعودة، ورفضت من خلالها أيضاً كل ما يؤدي إلى التفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية. وهذه الأطراف لها إطلالة كبيرة جداً على الجهد الذي تبذله «حماس» لتحسين وضعها العسكري المقاوم، ورفع مستوى جهوزيتها القتالية للتصدي لعدوان إسرائيلي قادم حتماً، بعد الاستفادة من تجربة العدوان على قطاع غزة العام 2008.
فهذه القوى مطلّة على برامج التسليح والتدريب، كما كانت مطلّة على المواقف السياسية التي اتخذتها «حماس» في حواراتها السياسية، والتي انتهت إلى تأكيد «حماس» على تحرير كل فلسطين، وعودة اللاجئين، ورفض الاعتراف بدولة الاحتلال.
هذه التطورات والمواقف والأعمال، لم تكن «حماس» تخفيها عن حلفائها، بل كانت تضعهم بشكل دائم في صورة مواقفها ومختلف المراحل التي تمر بها، سواء من خلال آليات التنسيق الدائمة، أو من خلال الزيارات الخاصة، أو من خلال اللقاءات التي كانت تحرص قيادة «حماس» على ترتيبها عند كل حدث، وكان الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة أكثر من قام بهذا الجهد.
كان من اللافت أن يصدر التشكيك والاتهام من بعض القوى الإسلامية والقومية والوطنية التي في غالبيتها على علاقة وثيقة بـ«حماس»، ومنها قوى بينها وبين الحركة تعاون متميز يصل إلى مستوى التعاون الاستراتيجي أو الشراكة الدائمة.
وهذا التعاون قديم، ويقوم على أسس ومبادئ، وتجمعه قواسم مشتركة كثيرة، واختبر في مراحل كثيرة وأثبت صموده، وتخطى استهدافات خطرة. والمؤسف أن هذه القوى أطلقت مواقفها من دون أن تستمع إلى وجهة نظر «حماس»، ومن دون أن تعرف حقيقة مواقفها، ومن دون أن تطّلع على ما جرى في دمشق وعمّان، أو لماذا كان «إعلان الدوحة»، أو ما هو سقف العلاقة بين حماس وتركيا ومضمونها. لذلك، لم يكن من المفهوم مبررات توجيه هذا الاتهام أو التشكيك.
فإذا كان هذا التشكيك ناتجاً عن قراءة سياسية أظهرت تغير استراتيجية «حماس»، فهي قراءة خاطئة، للأسباب التالية:
1- إن حركة «حماس» لم تغير استراتيجيتها وأهدافها وخطها السياسي القائم على المقاومة ورفض الاحتلال مطلقاً. وهذا التغيير لم يحصل في أي ثابتة من ثوابت «حماس». وتغيير برامج «حماس» وخططها وأولوياتها أمر ليس سرّياً، ولا يمكن إخفاؤه، ولو حدث داخل أي مؤسسة من مؤسسات «حماس» القيادية، وكان له مؤيدون ـ على افتراض ـ فإن له معارضين كثراً، وهم لن يسكتوا على استبدال المشروع أو تحويل البوصلة أو تغيير الاستراتيجية، التي قامت عليها «حماس» ومكنتها من إحداث تميز سياسي كان علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني.
2- هذا في الاستراتيجية، أما في التكتيك، فإن القراءة السياسية العلمية والموضوعية تظهر أنه لم يحصل أي تبدل سياسي أو أي تغير جوهري في مواقف الأطراف الأساسية المعنية بالصراع في المنطقة، يدفع «حماس» لتغيير نهجها.
فالولايات المتحدة والكيان الصهيوني لم يقدما على أي تغيير في نهجهما السياسي، وبالتالي ما الذي يدفع «حماس» اليوم إلى التنازل، وهي التي صمدت في ظروف أصعب منها، على سبيل المثال العام 1993 وقت توقيع «اتفاق أوسلو»، وبين أعوام 1994-1997 مرحلة محاولة اجتثاث «حماس» بالكامل، وبينها مؤتمر لمكافحة الإرهاب العام 1996 في شرم الشيخ الذي أعلن حرباً على المقاومة في المنطقة (حماس وحزب الله)، ومنها مرحلة الاستئصال بين عامي 2005-2007 التي نفذتها السلطة في الضفة الغربية، بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي، و15 جهازاً أمنياً غربياً وعربياً، ومنها مرحلة الإنهاء العام 2008 (عدوان الرصاص المسكوب) الذي صمد فيه الفلسطينيون وصمدت فيه «حماس» وأفشلت المخطط.
فإذا صمدت «حماس» أمام كل هذه الموجات، فما الذي يدفعها اليوم للتنازل أو للانحراف ووضعها الشعبي والسياسي والعسكري أكثر قوة من السابق بكثير، والسلطة قدمت تنازلات ضخمة ولم تحصل على شيء وهو أمر يدركه الجميع؟
إن توصيف حملة الاتهام والتشكيك ضد حماس ناتج عن احتماليْن لا ثالث لهما:
1- وجود رغبات ونوازع ضيقة ومصالح فئوية، تقاطعت مع توجيهات معينة.
2- وجود قراءة سياسية خاطئة، وعدم إدراك دقيق لنهج حركة «حماس».
وإذا اجتمع العاملان الأول والثاني نصبح أمام واقع صعب عبّرت عنه هذه المجموعات التي استهدفت «حماس»، وبالتالي أصبحت الأزمة داخل هذه المجموعات وليس داخل «حماس». لكن ماذا بعد التشكيك بحماس؟!
هناك ثلاثة خيارات أمام هذه المجموعات:
1- البقاء في حالة التشكيك والاتهام، وهذا يعني إصدار مواقف سلبية ضد حماس، وهي حالة لا تقدم ولا تؤخر.
2- الانتقال إلى موقف عدائي أكثر ضد «حماس» ومعارض لها. لكن هذا الخيار له كلفته السياسية والشعبية ولا يستند إلى معطيات، وسيدخل أصحابه في مواجهة مع «حماس» وجمهورها الفلسطيني والعربي والإسلامي.
3- العودة إلى المرحلة السابقة، أي مرحلة التفاهم مع «حماس» وتفهم مواقفها، وهذه المرحلة إن لم تحصل بشكل علمي وموضوعي فستحصل عند أي تطور سياسي أو عسكري تصنعه «حماس»، وعندئذ تكون هذه القوى تعاملت مع ردود فعل وليس مع حقائق ثابتة.
لكن الخيار الأفضل يبقى في قيام المشككين بإجراء مراجعة نقدية لمواقفهم تقوم على قاعدة إدراك مشروع «حماس» وطبيعته ومعرفة الوقائع التي تعيشها الحركة. فإذا كانت هذه القوى التي تشكك في حماس اليوم، وهي على علاقة استراتيجية بها، قد اكتشفت بعد 24 عاماً أن حماس «منحرفة» أو «مفرّطة» أو «متذبذبة»، فهذه مشكلتها.
القراءة الموضوعية لحملة اتهام «حماس» تدفعنا إلى الإقرار، أن هناك مواقف أو تصريحات خاطئة أقدم عليها قادة في «الحركة» وتتعارض مع ثوابت «حماس» ونهجها، وهي في الوقت نفسه وفّرت فرصة للإساءة لـ«لحماس».
لكن لا يمكن لمن يعرف كيف تؤخذ مواقف «حماس» وكيف يعبر عنها ويعرف ثوابتها، أن ينحرف عن كل ذلك لمجرد سماعه تصريحاً لهذا أو ذاك من المسؤولين في «الحركة».
فنهج «حماس» الثابت تجاه المقاومة والأرض والتسوية ورفض الاعتراف بالاحتلال، والوحدة الوطنية، وحق العودة، كلها كانت ولا تزال منذ 24 عاماً، والمؤتمر الأخير للحركة في بداية العام 2012 أكد عليها جميعاً، ولا داعي للقلق أو للتخوف. فنهج الحركة صنيع المؤسسات، والمؤسسات تقوم على مبادئ شرعية ووطنية وثوابت سياسية، وعلاقة «حماس» مع دولة ليست مطلقاً على حساب أي دولة أخرى، فـ«حماس» كانت ولا تزال صلب المشروع المقاوم في المنطقة وتحالفاتها تقوم على أسس استراتيجية، وهي لم تغير خياراتها، ولا رهاناتها.
المسؤول السياسي لـ«حماس» في بيروت
 
عن الإسلاميين وسلطتهم العتيدة: اطمئنان أميركي وإسرائيلي لتغييب فلسطين
السفير..طلال سلمان
يتقدم الإسلاميون نحو مواقع القرار في السلطة في أكثر من بلد عربي، وإن ظلّت مصر هي ارض المواجهة الأخطر.
وإذا كان قد بات مكرراً ومعاداً القول إن هؤلاء المحازبين لتيارات إسلامية متباينة الشعار والهدف لم يكونوا هم قادة الانتفاضات التي حشدت الملايين في «الميدان»، بل ولم يشاركوا فعلياً فيها إلا في وقت متأخر وفي ظروف ملتبسة، فالواقع يؤكد أن هذه القوى كانت تملك ـ بالخبرة التاريخية - القدرة على المبادرة وطرح برامجها القديمة بعد إعادة صياغتها بما يتلاءم مع اللحظة السياسية الراهنة.
ولقد نجحت التجربة في تونس، حتى إشعار آخر، لأن الإسلاميين وعوا، ومنذ اللحظة الأولى، أنهم لن يستطيعوا احتكار السلطة، حتى لو كانوا الأقوى بين التنظيمات السياسية التي قاتلها النظام حتى شرد مناضليها بين المنافي والمعتقلات وقبور الصمت. وهكذا، لجأوا وبسرعة خاطفة الى إقامة تحالفات مرتجلة ولكنها تؤمن العبور الآمن إلى مشروع النظام الجديد الذي يجري استكماله وسط تفجرات للقلق من هيمنة «الأقوى» في هذه اللحظة، لأنه الأفضل تنظيماً وليس الأجدر بأن يكون «القائد» العتيد لتونس الجديدة.
ولقد تواضع الإسلاميون في ليبيا، بفصائلهم المختلفة، فلم يتصدوا لقيادة البلاد المهددة في وحدة كيانها وقدرة «القيادة» التي استولدها ضغط الخارج (دولياً وعربياً) على تشكيل واجهة سياسية تغطي الاستباحة الأطلسية بالنار، لتلك «الدولة» التي تجتمع لحماية تدفق نفطها الى أوروبا دول العالم كله، بذريعة تلبية نداء العجز العربي الذي أطلقته جامعة الدول العربية وأوصلته الى مجلس الأمن الدولي، فكان ما كان.
أما في المغرب فكان التواضع من جانب العرش، إذ قرر الملك - في لحظة ارتفاع المدّ الإسلامي هذه - أن يستبدل ركيزته السياسية ممثلة، بالأحزاب التقليدية التي دمرتها تجارب تولي السلطة بينما القرار ليس في يدها، بحزب «التنمية والعدالة» الذي ارتضى الدخول في شراكة غير متكافئة، لعل المثل الصارخ على اختلالها صور ولي العهد ـ الطفل وكبار القوم، مدنيين وعسكريين، يتزاحمون على تقبيل يده الشريفة!
ولأن للإسلاميين في سوريا صورة غير محببة شعبياً «بسبب من تجاربهم السياسية الملطخة بكثير من دماء الاغتيالات بالرصاص أو بالتكفير»، في العقود الماضية، فقد اجتهدوا ـ تحت الرعاية التركية - أن يعدلوا في برنامجهم السياسي العتيق، كما في واجهة قياداتهم، بما قد يجعلهم مقبولين أميركياً (ومن أهل النفط)، وقد يدخلهم عصر التغيير من بوابة الديموقراطية.
أما في اليمن فقد وزع الإسلاميون أنفسهم على معسكري الحكم والمعارضة، ليضمنوا لأنفسهم حصة في السلطة، كائناً من كان المنتصر تحت «رعاية مجلس التعاون الخليجي» معززاً بالخوف من تنامي القوى التي تنسب نفسها إلى تنظيم القاعدة الذي يحظى برعاية قوى متعارضة، ويتلاقى على أرض «الجنوب» مع المعارضة العائدة إلى ميدان المطالبة بالانفصال وإعادة جمهورية اليمن الديموقراطية بعاصمتها عدن إلى الحياة في «الجنوب» بعدما كان الظن أن هذا الجنوب قد عاد إلى وطنه الأم في العام 1990 سلماً ثم في العام 1994 حرباً.
على أن الامتحان الأخطر لمشروع الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، يبقى مصر ومستقبل السلطة، بل النظام فيها، خصوصاً أن مصر كانت مهد ولادة «الأخوين العدوين» اللذين يصعب تحديد حقيقة العلاقة بينهما، وهل هي علاقة تنافس قد يصل إلى الخصومة أم علاقة تكامل قد تنتهي الى الشراكة في مواجهة القوى المنافسة من «العلمانيين» الذين قد يقتضي التكتيك تكفيرهم، أو أقله فرض الامتحان اليومي عليهم في إيمانهم، أمام مجتمع متدين عامة.
يتبدى للمراقب، خارج مصر، أن الإسلاميين قد نجحوا في إثارة فوضى منظمة في لحظة فاصلة من تاريخ أكبر وأقوى دولة عربية، وبينما يعود شعبها الى الميدان وقد أنهى عصر تغييبه وتهميشه.
ويحار المتابع في تفسير العلاقات الملتبسة بين الإسلاميين ـ بشقيهم - وبين المجلس العسكري، خصوصاً أن تجربة «الميدان» قد كشفت نوعاً من التواطؤ بينهما في مواجهة الشباب الذين فجروا الانتفاضة وقادوا حركتها على امتداد شهور، حفلت بالعديد من المناورات والتحالفات المريبة والمواجهات، ولكنها صبت جميعاً في مصلحة الطرفين، حتى لقد ذهب الظن بالبعض إلى افتراض وجود شراكة من نوع ما، أو تلاق في المصالح يتصل بطبيعة نظام المستقبل في مصر ومواقع الأطراف الفاعلة فيه.
ولقد عزز هذا الانطباع قدر من الرضى الأميركي، بل الرعاية الاميركية، كما ذهب البعض إلى الافتراض، لهذا التحالف أو التكامل، ولو مؤقتاً وبما يخرج شباب الميدان ـ بتلاوينهم الفكرية والسياسية - من دائرة الفعل، مستبقياً لهم شيئاً من التمثيل الرمزي، للتدليل على ديموقراطية التحالف المستجد بين الخصمين التاريخيين: «العسكر» و«الإخوان».
ولقد تأكد هذا التحالف، او فلنعتبره تلاقياً في المصالح، خلال الإنجاز الأول الذي استولد قيصرياً ومشوهاً، وهو الإعلان الدستوري... فقد وضع هذا الإعلان ألغاماً قاتلة على طريق إنهاء النظام القديم، بل ومكن من مد عمره، خصوصاً أنه استتبع بمحاكمة سينمائية للرئيس المخلوع حسني مبارك ونجليه ولأركان نظامه.
لم تكن تلك فترة سماح للنظام القديم برئيسه وأركانه فحسب، بل لقد أمكن خلالها الإفادة من افتراق شباب الميدان، الذين حاولوا استدراك النقص في تنظيم قواهم وتوحيد صفوفهم لخوض الانتخابات التي فرضت مواعيدها وقوانينها قبل إنجاز الدستور.
في ظل هذه الظروف كان طبيعياً أن يحصد الإسلاميون أكثرية المقاعد في المجلسين، وأن ينحسر نفوذ شباب الميدان، وأن تتظهر عوامل فرقتهم وتوزعهم على تيارات متقاربة ولكنها غير موحدة، وأن تتبلور حقيقة كانت مطموسة أو مهمشة وهي أن أجهزة التواصل الحديثة «الإنترنيت» و«التويتر» و«الفايسبوك» لا تُنشئ أحزاباً ولا تنفع قاعدة لجبهة سياسية بين قوة شبابية لا تملك الخبرات التنظيمية ولا هي نجحت في التلاقي على برنامج سياسي موحد يواجهون به جحافل الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، الأغنى بالمال والتجربة والتحالفات، في الداخل والخارج.
وفي ظل هذه الظروف كان طبيعياً أيضاً أن تتكشف علاقات لم تكن واضحة للمجلس العسكري ببعض أركان النظام القديم(!) الذي لم يصبح قديماً بعد، وأن يندفع عدد من هؤلاء إلى إعلان ترشيح أنفسهم للرئاسة في ظروف مريبة، ووسط تشجيع معلن (بالصوت والصورة) وإحاطة عسكرية اتخذت شكل تظاهرة الشرطة العسكرية في حماية عمر سليمان وهو ذاهب إلى تقديم ترشيحه.
وبغض النظر عن التطورات المقبلة وكيف ستحسم معركة الرئاسة، وأين سيكون موقع المجلس العسكري ـ أو الجيش - في العهد المقبل، فلا بد من التوقف أمام بعض المظاهر المقلقة، ومنها:
÷ أن الإسلاميين، إخواناً وسلفيين، قد أكدوا أنهم الأكثر استعداداً لخوض هذه المعركة... فهم أصحاب الأكثرية في المجلسين، بما يوحي وكأنهم الأعظم شعبية في البلاد، ويهمش القوى السياسية الأخرى المختلفة عنهم ومعهم فكرياً وسياسياً، لا سيما أن الإسلاميين منظمون ومنتظمون خلف مرشحهم كالبنيان المرصوص.
ثم إنهم الأغنى مادياً، والأكثر كفاءة في إدارة المعارك، بمناوراتها وتكتيكاتها التي لا بد منها، ومما يسهل عليهم الأمر تعدد المرشحين الآخرين، والذين يمكن الطعن في ولائهم للثورة، باعتبارهم كانوا من أهل بيت «الطاغية».
÷ إن سوابق التواطؤ أو التكامل بين العسكر والإسلاميين، منذ بدء الكلام عن تعديل الدستور ثم إجراء الانتخابات، وصولاً إلى إرجاء البت بالدستور الجديد قبل معركة الرئاسة، وبحيث تجري بموجبه، ومن خارج شبهة التواطؤ بين الطرفين، كل ذلك يطلق في الجو شكوكاً وريباً جدية.. حول «مدنية» النظام الجديد وحول ركائز الديموقراطية التي ستعتمد قاعدة له.
÷ في ظل هذه الملابسات من الطبيعي أن تسود فوضى عظيمة في مصر بأرجائها كافة، وأن تتعاظم أسباب قلق المصريين على دولتهم بنظامها الجديد. ومن الطبيعي أن تتسع دائرة القلق، عربياً، لتشمل كافة الأقطار العربية، سواء حيث انتصر «الميدان» أم حيث ما زال في طور التحرك سعياً إلى التغيير.
ولعل الإسلاميين يعتبرون أن وصولهم إلى السلطة الآن، وبعد نضال استمر طيلة عقود، سواء خلال العهد الملكي، أو بعد اصطدامهم بثورة 23 يوليو، ومن ثم عبر «تحالفهم» أو «تواطئهم» مع الرئيس أنور السادات للتخلص من «الناصريين» وصولاً الى «تحالفهم المؤقت» مع مبارك، هو انتصار تأخر الاحتفال به لعقيدتهم ولجهادهم الطويل، وقد حان موعد قطف ثماره الشهية.
ومن حق الوطنيين داخل مصر، والعروبيين في مختلف أنحاء الوطن العربي، أن يقلقوا من هذا الهجوم الإسلامي لاحتكار السلطة فيها مع توجيه رسائل تطمين إلى الأميركيين، وعبرهم إلى الإسرائيليين، في حين أن هذه التيارات الإسلامية لم تجتهد كثيراً في طمأنة شباب الميدان، ومن ثم العرب خارج مصر، إلى ثوابت سياستها الوطنية وأولها فلسطين وهي عنوان المصير المشترك.
..وفلسطين هي العروبة وهي الإثبات القاطع على نجاح الانتفاضة وانتصار الميدان وفتح الباب أمام المستقبل في مصر- الثورة.
 
تقرير أميركي حول شروط حرب الخليجيين بالوكالة في سوريا... وحدودها
(«السفير»)
ثمة فرق شاسع بين تسليح المعارضة السورية وتمكينها من قلب المعادلة على أرض الواقع.. وثمة فرق أكثر اتساعاً بين تلويح الدول الخليجية بالدعم العسكري للمعارضة السورية وبين انخراطها الفعلي في تنفيذ خطة مماثلة.. فالتورط المباشر في قلب المعركة يلزمه توفر معطيات ضرورية تفتقر اليها دول الخليج، مع الإشارة إلى ما يتركه هذا التدخل من تداعيات سلبية على مستقبل الطرفين: من يتدخل ومن يتعرض للتدخل.
ولعلّ الاعتبارات المتعلقة بتدخل دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا، السعودية وقطر تحديداً، لا يرتبط بقدرة تحكّم هذه الدول في مسار الصراع الدائر حالياً بقدر ما يثيره من مخاوف بشأن تأثيرها في تحديد الشكل الذي ستكون عليه سوريا والمنطقة مستقبلاً... وتجربة التطرف الليبي المستفحل بعد سقوط النظام لم تغادر المشهد «الربيعي» بعد.
في الواقع، ما نشهده من «تهافت» خليجي على الانخراط في الأزمة السورية ليس جديداً على دول مجلس التعاون الخليجي، فسجل الأخير حافل بتجارب التدخل العسكري في البلدان العربية، لا سيما عبر وكلاء من داخل هذه البلدان... وفي مختلف هذه التجارب، كان هناك قاسم مشترك رئيسي: استفحال التيارات الإسلامية المتطرفة.
ما سبق كان محور التقرير الذي أعدّه الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية والعسكرية للعراق وإيران والدوول الخليجية مايكل نايتس، ناقش فيه تجارب التدخل الخليجي في دول المنطقة وصولاً إلى إمكان التدخل في سوريا. وفي سياق مناقشة الباحث الأميركي في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» لأشكال التدخل العسكري المحتمل، وصل إلى خلاصة «واضحة» مفادها: لا يمكن للتدخل الخليجي في سوريا أن يتحقق إلا إذا حصلت السعودية وقطر والإمارات على تفويض من القوى الدولية كشرط أول، وإذا شارك حلفاؤها العسكريون كتركيا والأردن في هذا المسعى كشرط ثانٍ.
يقسّم نايتس بداية وجوه الدعم الأمني الخارجي للدول أو للتنظيمات الفرعية داخل الدول إلى شكلين: الأول هو الدفاع عن الأمن الداخلي لدولة ما بمساعدة الخارج (مكافحة الدول الغربية للتمرد على أراضي دول أخرى تسمى الدول المضيفة)، أما الثاني فيكون عن طريق الحرب غير النظامية. ويشمل الأول تقديم الدعم الأمني للحكومات بهدف التغلب على الجماعات المتمردة والإرهابية على أراضيها، في حين أن الحرب غير النظامية هي دعم لاعبين خارجيين للجماعات المتمردة ضدّ النظام. وفي كلتا الحالتين، يشمل الدعم الخارجي توفير المعدات ووسائل التدريب والعمليات وصولاً إلى إمكان التدخل من خلال إرسال قوات قتالية أجنبية في بعض الأحيان.
وفي هذا الصدد، وفقاً لنايتس، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي خبرة في مجال الحروب غير النظامية... إذ ان العوامل التي عرقلت تاريخياً الفعالية العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجية مع التدخل النظامي ـ محدودية القوى العاملة وعدم القدرة على إرسال وحدات مساعدة ذات كفاءة عالية - تمّ تحييدها جانباً، وتعويضها بخيار أكثر جاذبية لممالك وإمارات الخليج القلقة: الحرب بالوكالة عبر دعم الجماعات المسلحة.
يجري نايتس جردة حساب لتجارب سعودية لافتة في مجال الحرب غير النظامية: شاركت المملكة بشكل محوري في حرب الثماني سنوات الأهلية في شمالي اليمن وفي الجهاد ضدّ السوفيات الذي استمر لأكثر من عقد في أفغانستان. في الصراع اليمني، أمنت السعودية برنامجاً جوياً طويل الأمد للدعم العسكري، وفي أفغانستان قدمت مئات الملايين من الدولارات للدعم (بلغت ذروتها بـ 630 مليون دولار في العام 1987).
أما في الآونة الأخيرة، والكلام لنايتس، فتشارك دول مجلس التعاون الخليجي (وقد انخرطت الإمارات وقطر حديثاً) في الدعم الداخلي للنظام وفي دعم القوات غير النظامية في العديد من البلدان أهمها:
- أفغانستان: منذ العام 2006، نشرت الإمارات كتيبة من القوات المدرعة في أفغانستان. وتقوم هذه القوات الخاصة في قندهار بالتنسيق مع القوات الخاصة الأردنية بعمليات قتالية ضدّ عناصر طالبان. ويأتي هذا الانتشار الإماراتي في أفغانستان عقب إرسال قوات حفظ سلام إماراتية إلى الصومال ولبنان (قوات الردع العربية) والبلقان منذ السبعينيات.
- اليمن: منذ انسحاب القوات المصرية في العام 1970، زادت السعودية من نفوذها السياسي والعسكري على الأراضي اليمنية، مباشرة أو عبر وكلاء. وفي العام 2009، شنت السعودية حملة من القصف الجوي على الحوثيين في الشمال استمرت لتسعة أسابيع. وفي الآونة الأخيرة، زادت السعودية من دعمها للمشايخ السلفيين في الشمال، بما في ذلك ضخهم بالمال والمؤونة والعربات المصفحة والسلاح. ومن جهتها، قدمت الإمارات لليمن العربات المصفحة والأسلحة عبر الجيش الأردني، فضلاً عن تمويل عمل المدربين الأردنيين للقوات الخاصة.
- ليبيا: لعبت قطر والإمارات دوراً محورياً عبر قواتها المسلحة في الإطاحة بنظام معمّر القذافي. فكلا البلدين نشر قواته الخاصة في خضم المعركة الدائرة في ليبيا. استخدمت الطائرات القطرية والإماراتية لنقل المدرعات والسلاح للثوار الليبيين في بنغازي وجبال النفوسة في طرابلس. كما شارك الطرفان بشكل أساسي في التنسيق مع القوات الجوية للناتو. ومنذ سقوط القذافي، تنافست الإمارات وقطر على توفير المساعدات للحكومة الجديدة والميليشيات الفردية، كما لجأتا لاستخدام مراكز التدريب التركية والأردنية لتوفير البرامج التدريبية اللازمة. وقد أدت مواصلة دول الخليج دعم الوكلاء الداخليين إلى زعزعة الاستقرار في البلاد كما إلى إضعاف سيطرة الحكومة المركزية. إذ ينحو الدعم الخليجي للمتمردين باتجاه تمكين التيارات الإسلامية المتطرفة في أوساط المتمردين.
- لبنان: منذ العام 2006، دعمت الإمارات لبنان بمئات من الآليات العسكرية والأسلحة الخفيفة والذخيرة والدروع وأجهزة مكافحة الشغب لقوى الأمن الداخلي. ومع اندلاع القتال بين جماعة «فتح الإسلام» والجيش في مخيم نهر البارد في العام 2007، مدّت الإمارات لبنان بتسع طائرات هليكوبتر من طراز «غازيل» من مخازنها الخاصة، نشرت في غضون أسبوعين من اندلاع القتال.
يعود نايتس لاحقاً ليشرح «شكل الصيغة التي تسهّل انخراط دول مجلس التعاون في الحرب غير النظامية»، ملخصاً إياها في ثلاثة عناصر: ضغينة مسبقة أو مصلحة كبيرة لديها في خلع النظام، دعم دولي قوي للعملية، فضلاً عن التعاون مع شركاء إقليميين موثوقين يمتلكون قدرات عسكرية قوية مثل باكستان او الأردن او تركيا. ويظهر النموذج الليبي مثالاً صارخاً على ان دول الخليج تتحرك عندما تحظى بتفويض دولي بوجه نظام لا يحظى بشعبية أو معزول. ويمكن للروابط القوية بين القوات العسكرية لدول مجلس التعاون مع القوات الأردنية الخاصة ان تلعب دوراً في التدخل في سوريا.
وفي هذا الإطار، يؤكد نايتس مجدداً أن تدخل الدول الخليجية في الأزمة السورية يعطي دفعاً كبيراً لاستمرارية الجيش السوري الحر كقوة عسكرية. لكن هذا التدخل يمكن أن يتحقق إذا حصلت السعودية وقطر والإمارات على تفويض من القوى الدولية، وفي حال شارك الحلفاء العسكريون كتركيا والأردن في هذا المسعى. وفي هذا الإطار، يشير الباحث الأميركي إلى ان المساعدات العسكرية الخليجية للجماعات المسلحة لا تزال غير مباشرة وبحجم منخفض (مساعدات ضئيلة لمهربي الأسلحة من لبنان والعراق).
علاوة على ذلك، يحذّد نايتس أنه إذا انخرطت الممالك الخليجية في العمل السري ضدّ سوريا، فإن الصراع العراقي سيتداخل مع السوري في ظلّ وجود المتمردين في البلدين اللذين يديرهما نظامان حليفان لإيران. ويحذر واشنطن كذلك من أنها إذا رغبت في دعم ذلك التدخل، فهي ستواجه مشكلة ردع دول الخليج عن تقديم المساعدة العسكرية للمعارضة السورية، في ظل عدم وجود عوامل تمنعها عن ذلك. أما إذا أعطيت دول الخليج الضوء الأخضر للتحرك العسكري فعلى دول الخليج أن تقدم ضمانات عالية للدول الغربية التي يهمها بالدرجة الأولى استقرار الدول الخليجية على المدى البعيد.
النـفـط واحتـلال هجلـيـج... أكـثـر مـن مجــرد معــركـة
السفير..انور عوض
ليس اكتشافاً أن صوت الرصاص الذي يعلو فوق أي صوت آخر في السودان اليوم، بعد احتلال «دولة جنوب السودان» لمنطقة هجليج النفطية الشمالية، هو رصاص اقتصادي - نفطي بامتياز. هو واقع تؤكده الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي يجرّها على الجانبين منع الإنتاج السوداني الشمالي من هجليج، والذي يشكّل نصف الإنتاج العام، ووقف ضخ النفط الجنوبي عبر الأنبوب السوداني.
وكما يحدّق العسكريون نحو منطقة هجليج، فإن أنظار الاقتصاديين ومعها بورصة السلع والتجار والمواطنين تصبّ في الاتجاه ذاته. إذ انه، وبعيد ساعات فقط من احتلال هجليج، ازدحمت السيارات على محطات الوقود في الخرطوم إثر ما أشيع عن «انعدام الوقود خلال زمن قصير لا يتعدّى الساعات». الأمر الذي دفع حكومة الخرطوم إلى طمأنة المواطنين حول وجود مخزون ملحوظ من الوقود يكفي حاجة البلاد، متهمة المعارضة ببث الشائعة. وفي خط مواز، شهدت جوبا، عاصمة الجنوب، الازدحام نفسه، وهي التي كانت قد أغلقت آبارها النفطية عقب خلافها مع الخرطوم حول سعر نقله عبر الأنبوب السوداني. وما بين احتلال الجنوب لهجليج، وبين مسعى الخرطوم لتحريرها، تبدو التأثيرات الاقتصادية جلية في الجانبين، في مناخ لا يخلو من القلق العام.
في الواقع، الكل يتفق على أن معركة احتلال هجليج، كما جهود تحريرها، ليست أمراً عسكرياً خالصاً، بل هو صراع على الطاقة يمكنه أن يفجر الأوضاع في بلدين يملكان موارد ضخمة وإرثاً من الخلافات المتراكمة.. وذاكرة حرب أهلية تعد الأطول في أفريقيا.
ويرى الخبير الاقتصادي السوداني محمد الناير، في حديثه لـ«السفير»، أن «الوضع سيصبح مقلقاً بالنسبة للحكومة السودانية إذا استمر احتلال منطقة هجليج المنتجة للنفط لفترة طويلة، وإذا لم تنجح الحكومة السودانية في التأمين الكامل للمتبقي من حقول النفط السودانية الأخرى عقب سقوط هجليج في أيدي جيش حكومة جنوب السودان». ويغمز الناير هنا من زاوية وقوع آبار النفط الأخرى في السودان في منطقة «بليلة» بالقرب من جنوب كردفان وعلى الحدود من «دولة جنوب السودان» اللدودة، وهو ما يجعلها في دائرة الخطر.
ويعود الناير ليوضح أن «احتلال الجنوب لهجليج، وحرمان السودان من نفطها لن يحدث تأثيراً كبيراً على المدى المتوسط، حيث تؤكد التصريحات أن الجيش السوداني سيحرر هجليج خلال ساعات». ولذلك يشير إلى أنه «بعد استعادة الحكومة للمنطقة وتحريرها، ستعمل الحكومة على تشغيل آبار النفط بالسرعة المطلوبة، وبالتالي لن تتأثر أوضاع السودان النفطية إلا على مدى قصير، لن يتعدى الستة أو سبعة أسابيع تقريباً».
ويقول الناير إن خريطة وضع النفط في السودان تبدو واضحة جداً لمن يريد قراءتها، حيث أن البلاد تنتج يومياً حوالى مئة وخمسين ألف برميل تقريباً، وتبلغ حصة إنتاج حقول هجليج المحتلة النصف تقريباً، أي ما بين الخمسة والخمسين والستين ألف برميل يومياً، بينما تنتج بقية الحقول في منطقة بليلة وبعض الحقول الصغيرة الأخرى بقية الإنتاج.
ويرى أن السودان لا يصدر منتجاته النفطية إلى الخارج عدا نسبة محدودة تصدر كوقود البنزين إلى الجارة أثيوبيا، بينما يستهلك السوق المحلي مشتقات الغازولين كلها. وعليه، فإنه من الوارد أن توقف الحكومة السودانية صادراتها النفطية لأثيوبيا، كما أنه من الوارد أن تلجأ أيضاً إلى توفير احتياجاتها عبر الاستيراد من الخارج في حال اضطرت لذلك.
وفي هذا الإطار، يوافق الناير على تأكيدات وزارة النفط السودانية والمسؤولين المطمئنة للمواطنين بأن «في البلاد مخزوناً جيداً من المواد البترولية، وهو ما يغطي احتياجات البلاد لفترة معقولة»، ويوضح «للحكومة احتياطياتها من النفط كما تفعل كل دول العالم، وستتم الاستفادة منها لتغطية الاحتياجات اليومية».
وحول التداعيات الاقتصادية غير المباشرة لاحتلال حكومة الجنوب لحقول نفط هجليج وانخفاض سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار، يشرح الناير أن «سعر صرف الدولار وارتفاعه مرتبط بالأساس بمعطيات وعوامل ومؤشرات أخرى، من بينها العامل النفسي للمواطنين»، لافتاً إلى أن «سوق الصرف يشهد ارتفاعاً غير مبرر في صرف الدولار، وان الوضع سيعود طبيعياً فور زوال المؤثرات النفسية التي أعقبت انفصال الجنوب».
ما سبق يدفع الخبير الاقتصادي لدعوة الحكومة السودانية إلى أن تباشر تنفيذ بعض السياسات الاقتصادية لتقليص الفجوة بين سعر الدولار في السوق الرسمي وسعره في السوق السوداء، حيث يتراوح بين ثلاثة جنيهات سودانية وستة في السوق الموازية. ويوضح قائلاً إن «المعادلة الآن مشوّهة، ولكن سياسات الحكومة المرتقبة بإدخال كل المطلوبين ضرائبياً إلى المظلة الضريبية كفيلة بمعالجة الوضع اقتصادياً». في المقابل، استبعد الناير لجوء الحكومة السودانية إلى رفع الدعم عن المحروقات في الموازنة السنوية التي أعلن أنها ستراجع ليتم إقرارها مرة أخرى عقب التطورات الماثلة. وأضاف «الموازنة وضعت بتفاؤل عند إجازتها، وبلغت قيمتها حوالي ثلاثين مليار جنيه سوداني، أي ما يعادل عشرة مليارات دولار، وفق السعر الرسمي للصرف، وبالتالي لم يكن بها مؤشرات للحيطة والحذر لما بعد الانفصال».
من جهة ثانية، كان الخبير في شؤون النفط سيد أحمد قدّم، أثناء حديثه لصحيفة محلية، وجهة نظر مغايرة، إذ أشار إلى أن الكميات المنتجة من النفط في السودان حالياً تخضع لاتفاقية توزيع الإنتاج بين الحكومة والشركات المنتجة نفسها. ورأى احمد، الذي عمل مستشاراً في وزارة النفط في السابق، أن «الاتفاقية تعطي الحكومة الحق في أن تشتري النفط المنتج وتدفع مالاً للشركات المنتجة، مما سيوفر للبلاد فرصة توظيف كل المنتج النفطي لمصلحة سدّ حاجة الاستهلاك».
وعلى «الجبهة» الاقتصادية الجنوبية، يشير الناير لـ«السفير» إلى أن القبضة الاقتصادية تضيق أكثر على حكومة جنوب السودان لجهة إغلاقها لأنابيب النفط إثر الخلاف مع حكومة الخرطوم حول سعر النقل عبر أنبوب النفط السوداني، بعد فشل التفاوض عليه في العاصمة الإثيوبية لأكثر من جولة تفاوضية خلال الشهرين الماضيين.
كلام الناير يؤكده واقع أن الجنوب كان ينتج عقب الانفصال حوالي 340 ألف غالون يومياً، كما أنه، ومنذ قرار إقفال الآبار، اعتمدت حكومة الجنوب على تعويض النقص النفطي بدعم خارجي من أميركا وإسرائيل.
من جهتها، دعت المعارضة الحكومة السودانية إلى مراجعة أوضاعها الاقتصادية إذا استمرت الحرب مع جنوب السودان. وتساءل الحزب الشيوعي السوداني المعارض، على لسان صحيفته «الميدان»، عما سيحدث إذا امتدت الحرب، وأخطر نتائجها تجمد النفط في الأنابيب وضياعها إلى الأبد، وهذا من الممكن أن يحدث خلال أيام إذا لم يتدفق النفط فيها. كما تساءل عمّا سيكون الوضع عليه في البلاد بعد خروج 55 ألف برميل من الإنتاج اليومي الكلي؟ وكم سيبلغ سعر الدولار إذا كان الآن ستة جنيهات؟
وطالب الحزب الشيوعي حكومتي البلدين بوقف الحرب والجلوس للتفاوض وحل القضايا العالقة بما فيها العدوان الذي وقع على هجليج، وليس العمل برد الفعل الذي يبتعد عن بؤس الواقع الاقتصادي الذي يعجز عن إدارة حرب بهذه الكثافة.
 
هل تسعى جهات أمنية إقليمية لإحياء «فتح الإسلام»؟
منذ أسبوع، شهد لبنان زيارة غير معلنة لوفد أمني أوروبي، التقى مسؤولين في دوائر أمنية لبنانية، محمّلاً بملفات أمنية حسّاسة، من بينها ملف يتعلق باحتمال عودة الاغتيالات الى الساحة اللبنانية لتطاول شخصيات سياسية بارزة وفاعلة، وخصوصاً في المعارضة، بعدما كانت محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع بداية الغيث في هذا الإطار.
الجمهورية...صبحي منذر ياغي
ملفات الوفد الأوروبي الأمنية تضمنت تقريراً ، وَردَ فيه أن السلطات السورية أطلقت أخيراً سراح مجموعات من الأصوليين الذين سبق لهم أن اعتقلوا في سجن فلسطين بإدارة المخابرات العامة السورية في كفرسوسة، وتوجّه عدد منهم إلى لبنان، في سابقة تشبه وصول خلايا "فتح الإسلام" من سوريا بقيادة شاكر العبسي، إلى مخيم برج البراجنة في بيروت خلال شهر تشرين الأول من العام 2006، ثم انتقال هذه الخلايا إلى مخيم نهر البارد، ما أدّى إلى معارك طاحنة بينهم وبين الجيش اللبناني.
تعبئة استخباراتية
ووفق الأوساط الأوروبية، فإنّ هناك محاولات لإعادة إحياء تنظيم "فتح الإسلام" واستخدامه من جديد من قِبَل "جهات أمنية إقليمية" في تنفيذ مخططات أمنية، تحت ستار شعارات "إسلامية طنانة"، وفي إطار مفاهيم الجهاد ومحاربة الطاغوت والكفر. فعناصر هذا التنظيم خضعوا لعمليات "غسيل دماغ" و"تعبئة استخباراتية"، وباتوا جاهزين لتنفيذ الأوامر من دون تردد.
ولاحظت الأوساط نفسها، أن تدفّق خلايا أصولية إلى لبنان عبر معابر سورية حدودية، يتمّ بتواطؤ من عناصر حرس الحدود (الهجانة)، ومن دون صعوبات أو عراقيل، ما يثير الشك بدور هؤلاء ومهمتهم.
وكانت التحقيقات مع اللبناني محمد أحمد.ت.، الذي ضُبط وهو يُهرّب كميات من الأسلحة والذخائر وأجهزة كاتمة للصوت بسيارته المرسيدس من مخيم عين الحلوة، أظهرت أنه كان ينقل هذه الأسلحة والذخائر الى ناشط أصولي يدعى عمار.غ.، الذي كان ينقلها بدوره إلى إحدى المناطق اللبنانية في الشمال، لصالح خلايا تنشط في إطار "فتح الإسلام".
تنشيط الخلايا
من جهة أخرى، أظهر تقاطع المعلومات التي حملتها تقارير متنوعة، أن التوجّه الجديد لدى "القاطنين في الغرف السوداء" يقضي بإعادة تنشيط المجموعات والتنظيمات والخلايا الأصولية في المخيمات الفلسطينية والمناطق اللبنانية، والعمل على دمجها في إطار "فتح الإسلام"، والسعي إلى وضع استراتيجية لهذا التنظيم، يتمّ تطبيقها تماشياً مع التطورات الدراماتيكية في عدد من الدول العربية.
وفي هذا السياق، كشف تقرير أمني، أنّ أحد مسؤولي التنظيمات الأصولية في مخيم عين الحلوة أعطى أوامره لعناصر من "فتح الإسلام"، للبدء بعمليات إرهابية، باستخدام أحزمة أو دراجات نارية، أو سيارات مفخّخة، تستهدف عدة أماكن وأهداف متنوعة، بعد صدور فتاوى بهذا الصدد من مراجع قيادية في تنظيم "القاعدة" في أفغانستان ووزيرستان.
ووردت في التقرير معلومات عن قيام هيثم. م. ومعه يحيى .أ.س. بتفخيخ دراجة نارية من نوع NAKSON، في أحد المنازل المهجورة في منطقة التعمير في عين الحلوة غير الخاضعة للجيش اللبناني.
تحضيرات للاغتيالات
وفي سياق آخر، توقفت أوساط أمنية أوروبية أمام الصور والمعلومات والوثائق التي حصلت عليها، وتظهر مركز تدريب في إحدى المناطق اللبنانية النائية، يشرف عليه مدربون من دولة غير عربية، تجرى فيه دورات لمجموعات وعناصر لبنانية، ما يدل على سعي بعض الجهات المخابراتية إلى تنفيذ مخططات تخريب في لبنان، قد تكون الاغتيالات في طليعتها.
بدوره، أكد الملحق العسكري في سفارة عربية في لبنان، أن هناك تحضيرات لسلسلة من الاغتيالات، قد تطاول شخصيات سياسية بارزة، الأمر الذي دفع بعدد من الشخصيات النيابية والسياسية في قوى الرابع عشر من آذار، إلى العمل جدياً لاتخاذ تدابير أمنية مشددة في تحركاتهم وتنقلاتهم. وقال الملحق في دردشة مع "الجمهورية": "نحن ندرك أنّ اللجوء إلى أعمال العنف والتخريب والاغتيال، هي من الوسائل التي قد تلجأ إليها بعض الأنظمة، في إطار تطبيق سياسة الهجوم كأفضل وسيلة دفاع، والسعي إلى ضرب الاستقرار أينما كان، واللعب بالأوراق الحساسة، خصوصا أنّ "الغرف السوداء" في عدد من الأنظمة، تعتبر أيضاً أن السفارات والمؤسسات الأجنبية والقوات الدولية العاملة في إطار الأمم المتحدة وغيرها من رموز دولية، هي من الأهداف الثابتة وفي دائرة الخطر، حتى إشعار آخر".
تحذيرات...
وأشار الملحق العسكري إلى أنه "تلقّى أيضاً، ومن مسؤولين في أجهزة مخابراتية في دولته، برقية عاجلة حملت تحذيرات من عمليات إرهابية قد تقع في لبنان وتطاول شخصيات ديبلوماسية عربية كردّ على مواقف معينة من التطورات الدراماتيكية في المنطقة".
وشدد على أنّ "لبنان يعتبر الخاصرة الرخوة لكثير من الجهات السياسية، وحسب المتابعات والمعلومات المتوافرة لدينا فإنّ عناصر حزبية في بيروت تلقّت أخيراً أسلحة خفيفة ومتوسطة، ربما حتى تكون مستعدة للمشاركة في تطورات أمنية معينة". وعَزا الهدوء الأمني في لبنان إلى "ضغوط دولية تمارس على بعض الأطراف، بُغية تحذيرها من مغبّة اللعب بالنار، كما أن أي فلتان أمني لن يكون في مصلحة الأطراف الداخلية اللبنانية، بسبب حال الفوضى المستعرة في المنطقة".
 
رفض الحريرية والجنبلاطية للنسبية يجعلها غير ميثاقية
الجمهورية..شارل جبّور
إقتراح النسبية سقط ونقطة على السطر. ولم يعد في الإمكان السير في هذا الاقتراح بعد رفضه من قبل الأكثريتين السنّية ممثلة بـ"تيار المستقبل" والدرزية ممثلة بـ"الحزب التقدّمي الاشتراكي". فالمسألة تتجاوز المعارضة والموالاة أو الأكثرية والأقلّية النيابية إلى البعد الميثاقي اللبناني، هذا البعد نفسه الذي جعل الرئيس فؤاد السنيورة يرفض استبدال وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" المستقيلين من حكومته بوزراء مستقلّين من الطائفة الشيعية، علماً أنّه كان باستطاعته تعبئة هذا الفراغ على قاعدة أنّ تشكيل الحكومة راعى المعايير الميثاقية وأنّ ثمّة ضرورة لانتظام عمل المؤسّسات الدستورية، فيما الاستقالة جاءت على خلفية تعطيليّة لمسار المحكمة الدوليّة والدولة اللبنانية. وما ينطبق على هذه الواقعة ينسحب على إعادة انتخاب الرئيس نبيه برّي رئيساً للبرلمان في العام 2009، إذ وعلى رغم التجربة المريرة معه بين عامي 2005 و2009 والتي قادته إلى إقفال البرلمان والمشاركة في أحداث 7 أيّار، سارع الرئيس سعد الحريري، حرصاً على المعيار الميثاقي، إلى تزكية ترشيح برّي، علماً أنّه كان يفترض في الحريري وقوى 14 آذار ربط هذه التزكية بسلّة شروط ليس على خلفية استفزازية أو ابتزازية، إنّما لنزع الورقة التعطيلية من جانب هذا الفريق والذي أثبتت الممارسة أنّ المساكنة معه في الحكم مستحيلة.
 وأمام هذه الاستحالة، أي فشل حكومات الوحدة الوطنية، تقلّصت الخيارات الحكومية إلى خيار أوحد وهو حكومة تكنوقراط مدعومة من 8 و14 آذار، وذلك بانتظار الظروف التي تتيح تشكيل أكثرية نيابية تعكس تمثيلا "مقبولا" لكلّ الجماعات اللبنانية، خلافاً للوضع الحاليّ الذي تفتقد فيه 14 آذار إلى التمثيل الشيعي داخل صفوفها، فيما تفتقد 8 إلى التمثيل السنّي. ولكن إلى حين الوصول إلى أكثرية عابرة للطوائف تعطّل سياسة الفيتو وتعيد انتظام الحياة السياسية والديموقراطية وتحيي تجربة الكتلتين الدستورية والوطنية، يجب استبعاد النسبيّة كونها تمكّن "حزب الله" من إقفال طائفته ومدّ نفوذه إلى داخل الطوائف الأخرى، وبالتالي الإمساك بمفاصل الدولة اللبنانية عن طريق الانتخابات النيابية.
ولكنّ رفض النسبية مع وجود السلاح لا يعني رفض إجراء الانتخابات مع وجود هذا السلاح، لأنّ هذه الانتخابات وعلى رغم أنّها حالت دون تمكين الفريق المنتصر، أي 14 آذار، من الحكم، إلّا أنّها وازنت مع السلاح وشكّلت بالمقابل عاملاً تعطيليّاً له، إذ حرمت أصحابه من القدرة على إعادة لبنان إلى زمن الهيمنة والوصاية، الأمر الذي دفعهم إلى الانقلاب على نتائجها بالقوّة بغية الإمساك بالقرار السياسي للبلد. فدمشق حكمت لبنان بواسطة مؤسّساته، والحزب يريد استنساخ التجربة نفسها.
ومن هذا المنطلق تتمسّك قوى 14 آذار بالانتخابات للموازنة مع السلاح، كونها ترفض أن تنجرّ إلى منطق هذا السلاح والعودة بالبلاد إلى زمن الحرب الأهلية، فضلاً عن أنّ نتيجة الاستحقاق القادم محسومة سلفا ًلمصلحة الفريق السيادي، لأنّ المعطيات التي أمّنت فوزه في العام 2009 ما هي سوى "نقطة" في بحر المعطيات الجديدة التي وفّرتها الثورة السوريّة.
وفي ظلّ هذه الوقائع يسعى فريق 8 آذار إمّا إلى السير بالنسبية للفوز في الأكثرية بالاتّكاء على سلاحه أو تأجيل الانتخابات. ولكن بعد موقف الحريري وقبله جنبلاط الرافض للنسبية أيّ بحث في هذا الاقتراح بات انقلاباً على الصيغة اللبنانية. ومن هنا، على رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور، العدول عن طرح النسبية وتوجيه النقاش باتّجاه القانون الذي يوفّق بين النصوص الدستورية والمبادئ الميثاقية والقواعد التمثيلية. فموقف الحريري بهذا المعنى سيعيد خلط الأوراق السياسية وفتح الحوار حول السقف المشترك أو الطرح الذي يمكن أن يشكّل نقطة توافق والتقاء بين القوى السياسية.
وأمّا لجهة صحّة التمثيل المسيحي فيمكن تصغير الدوائر بما يكفل تحسين شروط هذا التمثيل، لأنّه إذا كانت المفاضلة بين تحسين التمثيل المسيحي على قاعدة النسبية وبين خسارة الأكثرية، فمصلحة المسيحيّين هي في إبقاء الأكثرية ضمن صفوف 14 آذار والعمل على تصحيح التمثيل تدريجاً، كون مشكلة المسيحيّين الأساسية متأتية من خطف القرار الاستراتيجي للدولة، واسترجاع هذا القرار هو المعبر لاستعادة صحّة التمثيل المسيحيّ، واستعادة الدولة لعافيتها والحياة السياسية لرونقها. ويبقى أخيراً أنّ توافق المسيحيّين على التمثيل الصحيح، إن حصل، لا يعني وحدة صفوفهم، لأنّ المواجهة مع القوى المسيحيّة التي تغطّي سلاح "حزب الله" مفتوحة...حتى قيام الساعة...

المصدر: مصادر مختلفة

A Gaza Ceasefire..

 الأحد 9 حزيران 2024 - 6:33 م

A Gaza Ceasefire... The ceasefire deal the U.S. has tabled represents the best – and perhaps last… تتمة »

عدد الزيارات: 160,738,977

عدد الزوار: 7,176,093

المتواجدون الآن: 149