تقارير ...بيوت العفاف والهيئة الشرعية للمتعة: إباحية سياسية من حزب الله يستنكرها الشباب الشيعي

تحقيقات أميركية في أنشطة مصرفية لبنانية...معركة الدستور في تونس وانعكاساتها على مصر وليبيا...هل كان نظام مبارك رئاسياً حقاً؟..."حزب النهضة" يتراجع عن عدم ذكر الشريعة في الدستور؟

تاريخ الإضافة الأحد 29 نيسان 2012 - 6:37 ص    عدد الزيارات 3122    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

بدافع القلق من استخدامها من قبل سوريا وإيران وحزب الله
تحقيقات أميركية في أنشطة مصرفية لبنانية
موقع إيلاف....عبدالاله مجيد
تشدد الولايات المتحدة رقابتها على النظام المالي اللبناني بدافع القلق من أن سوريا وايران وحزب الله تستخدم مصارف بيروت للتملص من العقوبات الدولية وتمويل أنشطتها.
إعداد عبدالاله مجيد: رغم تحرك بيروت وواشنطن خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية لغلق مصارف ومعاقبة أفراد، فإن وزارة الخزانة وادارة مكافحة المخدرات تواصلان إجراء تحقيق شامل في عملية مفترضة لتبييض الأموال وضلوع حزب الله في العملية. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين ان العملية تتعلق بمئات ملايين الدولارات من عائدات بيع مخدرات نقلها تاجر مخدرات لبناني الى حزب الله ، بحسب المسؤولين.
قال مسؤولون اميركيون كبار ان وزارة الخزانة الاميركية تطالب ايضا أجهزة الرقابة المالية اللبنانية بتشديد مراقبتها على المصارف المحلية التي لها تعاملات في دمشق وطهران. ويعتقد المسؤولون الاميركيون بان الرئيس السوري بشار الأسد يحاول استخدام هذه العلاقات المالية بعد أن اغلقت العقوبات الدولية ضد نظامه القنوات الأخرى لنقل الأموال بسبب حملة النظام المستمرة في البطش بالمعارضة. وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة له علاقة بالسياسة الاميركية في الشرق الأوسط لصحيفة وول ستريت جورنال "نحن قلقون من ان يستخدم السوريون لبنان كقناة محاولين التملص من العقوبات".
وكان لسوريا نفوذ واسع في نظام بيروت المالي طيلة الشطر الأعظم من العقود الثلاثة الماضية بسبب الوجود العسكري السوري في لبنان الذي انتهى عام 2005. واعرب مسؤولون اميركيون عن قلقهم من تنامي سيطرة حزب الله على الحكومة اللبنانية بعد ان قاد الحزب كتلة سياسية العام الماضي أسقطت حكومة سعد الحريري. ويرتبط حزب الله بتحالف عسكري قوي مع سوريا وايران.
وزار بيروت في الأشهر الماضية موكب من مسؤولي وزارة الخزانة الاميركية بينهم مسؤول ملف العقوبات ديفيد كوهن للتباحث مع المسؤولين اللبنانيين ومصارف أهلية في بيروت. وقال محافظ البنك المركزي اللبناني رياض سلامة في رسالة الكترونية الى صحيفة وول ستريت جورنال ان الحكومة اللبنانية كثفت جهودها خلال العام الماضي لمكافحة تبييض الأموال عبر بيروت. وكتب ان ودائع المواطنين السوريين في المصارف اللبنانية العاملة في سوريا ولبنان على السواء ، وكذلك قروض هذه المصارف للسوريين انخفضت بنسبة 40 في المئة خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية دون إعطاء أرقام إجمالية ، بحسب الصحيفة.
وجاء هذا الاجراء بعد ان أصدرت وزارة الخزانة الاميركية تقريرا رسميا العام الماضي زعم ان المصرف اللبناني الكندي ، ثامن اكبر المصارف اللبنانية وقتذاك ، قدم تسهيلات لنقل ارباح من تجارة المخدرات عن طريق شبكة تجارية واسعة تمتد الى اميركا اللاتينية وغرب افريقيا والولايات المتحدة.وذهبت وزارة الخزانة أيضا الى ان حزب الله كان يحقق ايرادات مالية من الأنشطة الاجرامية لهذه الشبكة وان المصرف اللبناني الكندي كان يقدم خدمات مالية الى مسؤولين في الحكومة الايرانية. وبادر المصرف المركزي اللبناني لاحقا الى وضع يده على المصرف اللبناني الكندي وبيع غالبية اصوله الى مصرف لبناني يملك مصرف سوسيتيه جنرال الفرنسي حصة فيه. وأصبح المصرف اللبناني الكندي الآن تحت الادارة القضائية.
ولكن وزارة الخزانة الاميركية وادارة مكافحة المخدرات تخشيان ان تكون مئات الحسابات المشبوهة في المصرف اللبناني الكندي نُقلت الى مؤسسات مالية أخرى تعمل في بيروت ، كما قال مسؤولون اميركيون مشيرين الى مخاوف من استمرار مسؤولي المصرف بالعمل في النظام المالي اللبناني ، بما في ذلك في مصرف سوسيتيه جنرال في لبنان "جي سي بي ال" الذي يملك مصرف سوسيتيه جنرال الفرنسي العملاق 19 في المئة من أسهمه.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة الاميركية مطلع على القضية ان العمل مستمر مع السلطات اللبنانية لمعرفة ما حدث بعد صدور تقرير الوزارة العام الماضي. وكان المدعي العام لمنطقة نيويورك الجنوبية قدم دعوى العام الماضي إلى المصرف اللبناني الكندي وكيانات لبنانية أخرى بتهمة استخدام النظام المالي الاميركي لتبييض اموال مخدرات لصالح حزب الله عن طريق بيع سيارات مستعملة. ولم يرد المصرف اللبناني الكندي على التهمة حتى الآن.
ونفى حزب الله أي علاقة له بتهريب المخدرات وقال ان الاجراءات الاميركية تهدف الى اضعاف الحزب ومقاومته ضد اسرائيل. وقال محافظ المصرف المركزي اللبناني رياض سلامة ان السلطات المالية في بيروت تواصل التحقيق في أنشطة المصرف اللبناني الكندي وان لجنة تحقيق مستقلة باشرت بإجراء تحريات في الحسابات التي تشكل مبعث القلق.
وقال مسؤولون في مصرف سوسيتيه جنرال ومصرف سي جي بي ال انهم اتخذوا إجراءات صارمة العام الماضي للتوثق من عدم تحويل اي حسابات مشبوهة من المصرف اللبناني الكندي الى سي جي بي ال. وتعاقد المصرف مع شركات المحاسبة العملاقة ايرنست اند يونغ ودليوت اند توش وآشكروفت غروب التي يرأسها وزير العدل الاميركي السابق جون آشكروفت للاشراف على مراجعة هذه الأصول ، بحسب المسؤولين.وقال آشكروفت ومسؤولون في مصرف سي جي بي ال ان مجلس ادارة المصرف اللبناني الكندي أُعفي من مهامه وان زهاء نصف موظفيه البالغ عددهم في الأصل 720 موظفا سُرحوا في اطار عملية الدمج بمصرف سي جي بي ال.
وان غالبية الـ 370 الباقين هم موظفون صغار ولكن بعض المدراء من المصرف اللبناني الكندي واصلوا العمل في مصرف سي جي بي ال. ومن بين هؤلاء مسؤولان كبيران سابقان في برايم بنك غامبيا لمتد الذي كان المصرف اللبناني الكندي يملك غالبية اسهمه قبل ان يُغلق العام الماضي ، كما اكد مصرف سي جي بي ال. والمسؤولان هما رئيس مجلس ادارة برايم بنك غامبيا ورئيسه التنفيذي.
وكانت الولايات المتحدة واسرائيل تراقبان نشاطات المصرف اللبناني الكندي ومصرف سي جي بي ال طيلة السنوات السبع الماضية للاشتباه في ارتباطهما بحزب الله ، بحسب برقية من وزارة الخارجية الاميركية نشرها موقع ويكيليكس.
 وفي اوائل 2005 زار اسرائيل وفد من وزارة الخزانة الاميركية لبحث الطرق التي يستخدمها حزب الله وحركة حماس في تمويل أنشطتهما والالتفاف على العقوبات الدولية. واشارت البرقية الى ان مسؤولا اسرائيليا كبيرا في جهاز مكافحة الارهاب زعم خلال المباحثات ان المصرف اللبناني الكندي ومصرف سي جي بي ال "يرتبطان ارتباطا مباشرا بالبنية المالية لحزب الله".وقال مسؤولون يعملون في مصرف سي جي بي ال ان تغيرا جذريا حدث في هيكل ملكية المصرف منذ عام 2007 لأسباب منها تهمة الارتباط بحزب الله.
 
بيوت العفاف والهيئة الشرعية للمتعة: إباحية سياسية من حزب الله يستنكرها الشباب الشيعي
 المصدر : خاص موقع 14 آذار
طارق نجم
عندما أطبق مشروع حزب الله في لبنان إن جاز التعبير، جاء ادخال هذا المشروع ضمن منظومة متكاملة سياسية اجتماعية مالية ناهيك عن البعد العسكري الذي كان سيفاً ماضياً في يد مندوبي الولي الفقيه في بلاد الأرز كي يخلقوا حيزاً لهم قابل للتوسع في قلب لبنان.
ومن اساليب الإختراق ومن ثم الإمساك في هذه المجتمعات، كان اسلوب الإباحية المشروعة وعلى رأسها ما عرف بزواج المتعة أو الزواج المؤقت وما رافقه من طروحات ما بات يسمى "بيوت العفاف".
وبحسب فتاة ارتادت إحدى جامعات بيروت الخاصة فإنّ مندوب التعبئة التربوية-حزب الله في هذه الجامعة كان يحمل لائحة "غب الطلب" تحتوي على أسماء الأخوة والأخوات ممن يرغبون بزواج المتعة وأرقام الهواتف الخاصة بهم. وبحسب هذه الفتاة التي صدمت لدى معرفتها تفاصيل ما يقوم به رفاقها في الجامعة، فإنّ الأخ ممثل التعبئة يعمل على "تأمين" زوج او زوجة وفق اللائحة التي بحوزته وينسق فيما بينهم قربة لله! وتنقل هذه الفتاة وهي التي تقطن الضاحية الجنوبية ما حدث عندما أكتشفت أحد ربات المنازل أنّ ابنتها (16 عاماً) ترتاد أحد "بيوت العفاف" والتي تقع في نفس البناية الذي يتمتع بحراسة من بعض الشباب لا بأس بها، مما قد يوحي أنها مكتب أمني. وعندما ارادت الأمّ معاتبة القيميين على هذا المكان كان جوابهم: "ابنتك لم تركتب الرذيلة بل عملها هو فضيلة".
شاب ملتزم أفادنا أنّ مكتب الهيئة الشرعية للمتعة التابعة لحزب الله يقع في منطقة بئر العبد حيثّ تسجل الأسماء والمواصفات التي يريدها الشخص المعني. وفي بعض الأحيان يقصد الشباب أحد رجال الدين في مسجد او حسينية ليؤمن له زوجة مؤقتة حيث يلعب مدى رضا رجل الدين على الأخ دوره في انتقاء أفضل ما عنده كزوج. ويفتخر هذا الشاب مبتسماً أنه يسلم العشرات من النساء في الضاحية الجنوبية عليهن باليّد لأنّه سبق له أن تزوج بشكل مؤقت من بناتهن! ولا يرى هذا الشاب أي غضاضة بزواج المتعة المؤقت مستشهداً بالآية الكريمة "وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً " وهي الآية 24 من سورة النساء.
لكن عدداً آخر من الشباب الشيعة وغالبيتهم من غير المقربين من حزب الله، قد استنكروا تماماً ما يفعله زملاؤهم من تشويه لصورة الطائفة معتبرين أنّ أعمالاً كهذا تلحق الضرر بسمعتهم كشيعة خصوصاً أنّ ما درج مؤخراً هو فتح باب المتعة حتى أمام الشباب غير المسلم مما يعني أن ما يُمارس بات اباحية سياسية من قبل حزب الله بكل معنى الكلمة تحمل غطاءاً شرعياً من أجل استقطاب أكبر للجمهور الشبابي في ظل حالة اقتصادية صعبة تعيق الزواج العادي، وبالتالي تغدو المتعة أرخص طريقة لممارسة الجنس من دون كلفة حقيقية حيث يشبهها هذا الشاب بأنها "مثل الدبق المستعمل لصيد العصفور". ولدى سؤالنا عن سبب رفضهم لهذا التشريع قال أن ما أستنكره بشدة هو إلصاق الأمر بالدين وبالمذهب ووفق اسلوب رخيص للغاية يحط من القيمة الإنسانية للزواج والعلاقات الإنسانية.
وتنقل مصادرنا أنّ ما راج مؤخراً في اوساط حزب الله سواء في الجنوب والضاحية الجنوبية هو بيوت العفاف التي تلعب دوراً مماثلاً لبيوت البغاء المعروفة حيث يمارس الشاب الجنس بطريق شرعية مقابل مهر اسمي يبدأ من حبة علكة "تشيكلس" الى عشرات ومئات الدولارات، وفق ما ترتضي الزوجة المؤقتة وفي بعض الأحيان قد تطالب الزوجة مصروفاً ثابتاً على أساس شهري وفق حاجاتها خصوصاً في حال كان لديها أولاد وتفتقر لمورد رزق. وبحسب المصادر عينها، فإنّ فتح بيوت العفاف وتسهيل زواج المتعة أصبح تجارة رائجة تدرّ مبالغ لا بأس بها وقد جرى الحديث أنّ اوتيل الساحة على سبيل المثال والذي يقع قبالة مسجد الرسول الأعظم يستعمل من قبل رواده لهذا الغرض وخصوصاً القادمون من الخارج. كما ترجع تلك المصادر أن حزب الله إعتمد هذا المخرج "الشرعي" كما تقول اوساطه "كي لا يتمكن أعداء الأمة من إيقاع الشباب المقاوم في شباك العمالة من خلال العنصر النسائي"!
وتفيد هذه المصادر، ومن دون الخوض في النقاش الديني الفقهي للمسألة، أنّ آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في ايران قد أصدر فتوى تناقلتها وسائل الإعلام في مطلع الثمانينات قام من خلالها بتسهيل شروط زواج المتعة واباحتها بشكل لا يتطلب وجود شهود ورجل دين عند عقد القران مع عدم ضرورة ان تكون مباحة. وترى تلك المصادر أنّ الهدف كان من وراء ذلك إرضاء رغبات الشباب في ذلك الحين وتجييشه في معركة ضد أعداء الولي الفقيه مع اباحة الكثير من المسال التي كانت تعدّ محرّمة بطريقة بديهية. وقد ذهب الخميني بعيداً حيث ينقل عنه أنه اباح التمتع بالرضيعة وفق ما ورد في كتاب تحرير الوسيلة ص 241 في المسألة الفقهية رقم 12.
ومنذ ما يقارب الثلاثة أسابيع، أقرّ البرلمان الإيراني قانوناً يوسع من اطار زواج المتعة في البلاد ومأسسته وهو قرار ومن دون أدنى شك لا بدّ أنه قد صدر بناءاً على طلب من الولي الفقيه الإمام الخامنئي وبالتالي يصبح ملزماً حكماً لأتباع الولي الفقيه في العالم وبطبيعة الحال لبنان.
وإذا كان زواج المتعة معروفاً ولكن بطريقة سرية للغاية ومحدودة في عهد الشاه, فقد أطلق له العنان مع الثورة وخصوصاً بعد سقوط مئات الآلاف من الشباب الإيراني على جبهة الحرب مع العراق في الثمانينات. أما مسألة بيوت العفاف التي ظلّت غير معلنة او مدعومة حكومياً في عهد خاتمي، فقد جاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ليقدم لها الدعم الكامل. فنجاد صادق في العام 2009 على قرار لتسهيل زواج المتعة من خلال هذه البيوت التي لم تعد تعتبر مخالفة للأخلاق فيما تم تفسيره آنذاك أنه محاولة لإمتصاص غضب الشارع الإيراني من الإنتخابات المزوّرة وما عرف بالثورة الخضراء.
وقد ساهمت المؤسسة الدينية في ذلك حين عرضت مراكز دينية تقديم مساحات مخصصة لهذه الغاية. ولكن يبقى الفارق حتى الآن على ما يبدو بين ايران ولبنان هو التسعيرة حيث تقدر الليلة بـ50 دولار اميركي في وقت يبلغ سعرها في لبنان بحدود العشرين دولار... هزُلت !

 


"حزب النهضة" يتراجع عن عدم ذكر الشريعة في الدستور؟

النهار...بقلم امين الياس – باريس

 

هل يتراجع "حزب النهضة" التونسي عن التزام كل قادته، وعلى رأسهم الشيخ راشد الغنوشي، بعدم النص على "الشريعة" كمصدر للتشريع في الدستور التونسي الجديد؟ وهل نكون عندها مع تراجع "اخواني" جديد بعد تراجع "الاخوان المسلمين" المصريين عن تعهدهم بعدم ترشيح أي منهم لانتخابات الرئاسة؟

طالعنا الأستاذ جهاد الزين بمقال عنوانه "لا لدين الدولة: هل يجرؤ الإخوان المسلمون السوريون؟" ("النهار" 3/4/2012) في محاولة منه لاستطلاع قدرة إخوان سوريا في التشبّه بزملائهم في حزب النهضة التونسي وبقبول بمبدأ "فصل الدين عن الدولة". ليست غايتنا من مقالنا هذا مناقشة بيان إخوان سوريا، إذ أنّنا لا نملك المعطيات الكافية التي تؤهّلنا لمناقشة فكرهم الذي لا يزال غامضاً لنا وللكثيرين. ما يهمّنا هنا هو مناقشة فكرة تبنّي حزب النهضة الإسلاميّ التونسيّ "عدم النص الدستوري على الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع"، والاكتفاء بالفصل الأوّل من الدستور التونسيّ الذي وُضع عام 1959 والذي ينصّ على أنّ "تونس دولة مدنية، حرة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها".
وقد ارتأينا أنْ نشارك الأستاذ الزين وقرّاء صفحة "قضايا النهار" بما حصلنا عليه من معلومات مؤكّدة أتتنا من أحد الأصدقاء التونسيين، الذي كان له العديد من اللقاءات مع أركان حزب النهضة خلال شهر نيسان 2012، والذي تمكّن من الحصول على مسودة مشروع الدستور التونسيّ الذي تتمّ مناقشته حالياً داخل الحزب. وقد تبيّن لنا من هذه المسودة أنّ ما أعلنه حزب النهضة في بيانه الصادر في 26 آذار 2012 حول الإبقاء على الفصل الأوّل المذكور من الدستور التونسيّ ليس سوى ذرّ للرماد في العيون.
ففي حين أنّه يبيع التونسيين والعالم فكرة أنّه لن يمسّ بهذا الفصل، فإنّه يسعى، وفق المسودة المذكورة التي بين يدينا، إلى إدخال مبدأ الشريعة في الفصل الثاني. ويبدو أنّ هناك تيّارات فكرية مختلفة تتصارع داخل هذا الحزب من الأكثر تشدّداً إلى الأكثر تساهلاً. وهذا يبدو واضحاً من الصِيَغ الخمس المطروحة في الفصل الثاني من هذه المسودّة والتي تَرِد بالتدرّج الآتي: "1 – الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 2 – الفقه الإسلامي مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 3 – القرآن والسنّة مصدر أساسي من مصادر القانون؛ 4 – لا يمكن سنّ أيّ قانون يتعارض مع الدين الإسلامي (ويبدو أنّ هذه الصيغة هي الأكثر تشدّداً)؛ 5 – لا يمكن سنّ أيّ قانون يتعارض مع ثوابت الدين الإسلامي". وبالتالي، فإنه سيتمّ اعتماد واحدة من هذه الصِيَغ في مشروع الدستور المقدّم من حزب النهضة، ما يؤكّد أنّ هذا الحزب لم يتخلَّ أبداً عن الشريعة أو ثوابتها كمصدر من مصادر التشريع. أمّا ما تمّ التصريح به فليس سوى تكتيك يبرع الإسلاميون في تونس ومصر وسوريا ولبنان وكل الدولة ذات الأغلبية المسلمة باستعماله بغية إخفاء أهدافهم الأساسية، والتي تقوم على اعتبار "الإسلام هو الحلّ" بما يقتضيه من دمج الإسلام بالدولة والشريعة الإسلامية بالقانون.
وبالعودة إلى الفصل الأوّل، صحيحٌ أنّ بيان النهضة يؤكّد الحفاظ عليه دون أيّ تعديل، غير أنّ المقطع الأخير من هذا البيان يقدّم تفسيراً مختلفاً له. فبحسب الكثيرين من العلماء الدستوريّين التونسيّين، فإن هذا الفصل صِيغَ عام 1959 بحيث يكون الإسلام دين تونس كأمة وكمجتمع وليس دين الدولة. فإذا استعدنا هذا الفصل نجد أن الضمير "ها" في عبارة "الإسلام دينها" إنّما يعود إلى تونس وليس إلى الدولة. فهذا الفصل يتضمّن التأكيد على أنّ "الشعب التونسي شعب مسلم في غالبيته الساحقة"، دون أن يعطي أية إشارة الى أنّ "الدولة التونسية إسلامية"، أو أنّ "الإسلام دين الدولة"، ولا القول بأن الشريعة الإسلامية هي "مصدر"، أو "أحد مصادر التشريع" أو "التأويل" أو "الاستلهام". غير أنّ المقطع الأخير من بيان حزب النهضة يفسّر هذا الفصل تفسيراً مناقضاً تماماً للتفسير السابق، إذ يعتبر أنّ هذا الفصل يحفظ "الهوية العربية الإسلامية للدولة التونسية [...] حيث أنّها تنصّ على أنّ الإسلام دين الدولة". بهذا يتحوّل الإسلام مع حزب النهضة من أن يكون دين الأمة والمجتمع التونسيَين [وليس للدولة التي هي مدنية لا دين لها]، إلى دينٍ للدولة.
الحقيقة، انّ هذا الأداء لحزب النهضة بقول الشيء والعمل بنقيضه ليس غريباً، خاصّة إذا تابعنا تصريحات زعيم هذا الحزب السيّد راشد الغنوشي حيث يعلن فيها أمراً ليعود ويعلن عكسه في اليوم التالي. فعند زيارته واشنطن أوائل العام الجاري لم يتردّد الغنوشي في نفي كلّ ما كان أعلنه سابقاً في منفاه اللندنيّ من تصاريح معادية للولايات المتحدة الأميركية، متفادياً الردّ على الأسئلة المحرجة حول الصراع العربيّ – الإسرائيليّ. وعندما سألته إحدى الصحافيات الأميركيات عن موقفه حيال تبوؤ يهوديّ رئاسة الجمهورية التونسية أتى جوابه بالموافقة. الأمر الذي يتناقض تماماً مع ما كان قد أعلنه في كتابه "الحريات في الدولة الإسلامية": "يمكن غير المسلمين من يهود ومسيحيّين وغيرهم الوصول إلى مراكز المسؤولية، لكنّهم لا يستطيعون تبوؤ الوظائف العليا [مثل رئاسة الجمهورية أو الوزارة وغيرها]". من ناحية أخرى، فهو قادر في الوقت عينه أن يقول إنّ الإسلام هو "مجموعة قيم" فاتحاً بذلك المجال نحو اعتماد مفهوم جديد للدين الإسلامي على أنّه مرجعية أخلاقية وقيميّة من جهة، ومن جهة أخرى بأنّ الإسلام "هو نظام شامل للحياة"، أي أنّه دين ودنيا ودولة، عقيدة ونظام، عبادة وتشريع إلخ.
إضافة إلى ذلك، فإن كلّ تصريحاته حول وضع المرأة، إن من حيث ارتداء الحجاب، أو تعددّ الزوجات، مبهمة تحمل الشيء ونقيضه، ما يدلّ على أنّ الغنوشي وبالتالي حزب النهضة، إمّا لا رؤية واضحة لديهم لتقديم أجوبة واضحة لهذه الإشكاليّات، وإمّا أنّهم يخفون مشروعهم الحقيقي بتصريحات مبهمة لا تلبث أنْ تتغيّر عندما تحين اللحظة المناسبة. أوليست هذه بالضبط منهجية الإخوان المسلمين في مصر، الذين صرّحوا والتزموا بالكثير من الأمور ثمّ ما لبثوا أن تراجعوا عنها، إن من حيث نسبة ترشّحهم إلى الانتخابات النيابية، وإن من حيث تشكيل اللجنة التأسيسية المخوّلة صوغ الدستور الجديد، أو من حيث تقديم مرشّح إخواني للإنتخابات الرئاسية؟
في اعتقادنا، واستناداً إلى تصريحات كبار مفكّري حزب النهضة، فإن المشروع الحقيقيّ لهذا الحزب لم يُعلن حتى الآن لما يتضمنّه من أمور قد تلاقي معارضة شديدة من التيار العلمانيّ في تونس. من هنا، فإن التكتيك الحالي يقوم على اعتماد "المرحليّة" في تطبيق الشريعة الإسلامية وإعلان الدولة الإسلامية. فمفكّرو النهضة يدركون أنّ الجيل الحالي من التونسيّين ليس مؤهّلاً للسير في مشروعهم الإسلاميّ بشكل كامل، من هنا فإنّ هدفهم اليوم هو السيطرة على الأجيال المقبلة من خلال وضع اليد على التعليم الابتدائيّ والمتوسط بحيث يصير إلى "فصل الآباء عن أبنائهم وبناتهم". بهذا، وخلال جيل أو جيلين يصبح المجتمع التونسيّ أكثر تقبّلاً للفكر الإسلاميّ كما يقدّمه حزب النهضة، عندها لا تعود الطروحات حول إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية تُجابه بالممانعة نفسها التي تُواجه بها الآن.    

 


عودة الى "الهلال"

النهار...بقلم محمد ابرهيم

 

مع الاشتباك الديبلوماسي التركي - العراقي، والاتهامات المتبادلة بين رئيسي الوزراء، التركي رجب طيب اردوغان والعراقي نوري المالكي، بإذكاء النزاع المذهبي، ومع التنسيق الوثيق بين تركيا والسعودية بشأن سوريا، في مقابل الدعم الايراني غير المحدود للمالكي، اكتملت صورة المواجهة السنية-الشيعية اقليميا.
الخريطة الاقليمية للنزاع هي تلك التي سماها الملك الاردني عبدالله الثاني قبل اعوام "خطر الهلال الشيعي"، الممتد من طهران الى بيروت، والذي يحظى بجيوب في الخليج واليمن، وكان يشمل، قبل "الربيع"، غزة. هذا "الربيع" الذي انطلق من الشمال الافريقي تحت عنوان الخلاص من الاستبداد وارساء الديموقراطية، استقر في المشرق وفق خريطة "الهلال" لا وفق "نسبة" الاستبداد في كياناته.
طبيعة المكونين الشبابي والاسلامي في "الربيع" تفسر هذا الانزياح المشرقي. فالحركة الشبابية هنا اضعف من مثيلتها، "الافريقية"، وتواجه انظمة مغلقة، والمكون الاسلامي ذو مصلحة في انتقاء "الاهداف" بما يخدم استراتيجيته على مستوى المنطقة.
حتى العامل الخارجي الذي كان ذا تأثير وازن في نجاح "الربيع الافريقي"، سرعان ما تكيف مع خريطة المشرق، داعما التغيير في سوريا ومتفهما لاخماده في المواقع الاخرى. وقد دفعت تركيا بهذا الاتجاه الى نهايته، فزاوجت بين موقف جذري تجاه سوريا وتحالف مع الانظمة الخليجية.
ولا تبدو القوى الاقليمية المنخرطة حتى اذنيها في الانقسام السني-الشيعي، قادرة على المناورة، فمن ناحية يعني بقاء النظام السوري، بصيغته القديمة او المعدلة شكلا، هزيمة للحلف الاقليمي السني تشكل خطرا على "قلبه" الخليجي، وحتى على "طرفه" التركي، ومن ناحية ثانية يعني انهيار النظام السوري خطرا مباشرا على الحكم الشيعي في العراق، وتهديدا لإيران نفسها.
وحدها القوى الدولية ما زالت تحتفظ بهامش من حرية التحرك يسمح لها بتفادي اندلاع معمم للنزاع المذهبي. فمن جهة نجد ان واشنطن صاحبة مصلحة في التقاط اي اشارة تصالحية من ايران في ملفها النووي، لما له من انعكاسات على مصالح اميركية كثيرة: اسرائيلية، وعراقية، وافغانية، ونفطية.
ومن جهة ثانية نجد ان موسكو صاحبة مصلحة في ان لا تذهب في دعمها للنظام السوري الى المساهمة في اندلاع النزاع المذهبي المعمم، لانه يجعل المنطقة بؤرة لنوع "النشاط" الاسلامي الذي تخشاه موسكو على نفسها.
المفتاح الاقليمي للأزمة بيد ايران، ومفتاحها الدولي شركة اميركية-روسية. يبقى ان يعقب التفاهم النووي، الذي يبقي ايران على مسافة "آمنة" من امتلاك القنبلة ، تفاهم على مستقبل سوريا تجد فيه المكونات السورية الداخلية، وكذلك "اللاعبين" الاقليميين، ما يطمئن "هواجسهم".

 

هل كان نظام مبارك رئاسياً حقاً؟
الحياة...عبد الله الأشعل *

في خضم الجدال الدائر الآن في مصر حول الدستور وشكل النظام السياسي المأمول، أظهر الكثيرون عداءً للنظام الرئاسي على أساس الاعتقاد بأنه المسؤول عن الاستبداد والتحلل من القيم اللذين سادا في ظل نظام حسني مبارك، فصارت المطالبة بالنظام البرلماني هي الوقاية من الحاكم المستبد. وفهم البسطاء أن النظام الرئاسي يجعل الرئيس متحكماً في كل شيء من دون ضوابط ولا سلطان أو قيد عليه، حتى ارتبط نظام مبارك بهذا الشكل البشع من النظم الرئاسية، ولذلك اقترح البعض أن الحل هو اعتناق النظام البرلماني الذي فهمه الناس على أنه يمكن ممثلي الشعب من مراقبة الحكومة ومحاسبتها وإلزامها بالقانون ومناقشة الموازنات وتنفيذها ورعاية المصالح العامة.

والحق أن المفاضلة بين النظامين الرئاسي أو البرلماني والمناقشة حول أشكال النظم السياسية جذبت الشعب إلى المشاركة في الثقافة السياسية التي لم يكن له علاقة بها، بل درج الناس على رسم صورة المواطن الصالح وهو أن من خصائصه أنه لا علاقة له بالسياسة وترك كل أموره للحاكم السياسي والتفرغ لعمله منقطع الصلة بالسياسة.

عزلة الجمهور

وتلك من سلبيات العصور السابقة التي هيأت لمجموعة من المحترفين المنتفعين أن يفعلوا ما يحلو لهم ضد المصالح العامة ما دامت ثقافة المجتمع تقضي بمنع الناس عن مجرد الاستفسار عما يجري؛ فكيف بالقدرة على مراقبة المسؤولين ومحاسبتهم، بل إن طوائف الصوفية دعت إلى الانصراف عن الدنيا، فانقض الحاكم عليها على أساس أنها اختارت الآخرة، وانطلقت أيدي حكامنا في هذه البيئة «الصالحة» للنهب والإفلات من الرقابة والحساب، بخاصة أن رأس النظام عطل أجهزة الرقابة التي انخرطت هي الأخرى في هذه الملحمة.

بعد الثورة مباشرة أصبحت صورة المواطن هي ذلك المواطن الذي انخرط في فهم ما يجري فودع الاهتمامات والتعصبات الكروية التي شغل بها نفسه في مرحلة الاستبداد السياسي لدرجة أن العلاقات المصرية الجزائرية مثلاً تعرضت للأذى المقصود، ولم تكن مصادفة أن نجل الرئيس المخلوع علاء مبارك أشعل الفتنة حتى نادى به الشعب، بإيعاز من الأجهزة الأمنية، رئيساً باعتباره الوطني المحبوب الذي يدافع عن كرامة مصر ضد «عدوان الجزائر».

وهنا لا بد من المطالبة بالتحقيق في هذه الفضيحة ومع من تورط فيها من أسرة مبارك ورجال الأمن وأصنام الكرة المصرية من مسؤولين ومعلقين رياضيين انفسحت لهم الساحات للولوغ في دماء مشتركة دفعتها أجيال في البلدين من الوطنيين، قبل أن تغزو مصر جحافل العدو وتشكل فرقاً للتخريب الإعلامي والسياسي للوطنية المصرية. حتى إن أحد هؤلاء عاب علناً على الجزائريين عجزهم عن التحدث باللغة العربية على سبيل التعريض بهم والطعن في نسبهم للعروبة مع العلم أن صاحبنا دخل الإعلام من أبواب معروفة للجميع، كما لا يعرف سوى اللغة العربية المتواضعة.

النفوس والنصوص

النظام الرئاسي إذاً في الدستور المصري صار قريناً بنظام مبارك الفاسد وكأن المشكلة تكمن في نصوص الدستور، ولذلك أصبح حتماً فك الاشتباك بين مبارك والنظام الرئاسي في الدستور، حتى لا يظن أن النظام البرلماني ينهي احتمال تكرار ما حدث لمصر في عهد مبارك. الصحيح هو أن مبارك ونظامه لم يحترما نصاً واحداً في الدستور وشكلا برلماناً مزوراً له ثلاث وظائف، الوظيفة الأولى، هي أنه وعاء للفساد في تكتل غريب ضد مصر والمصريين اتخذ البرلمان من البرلمان اسمه من دون أي مضمون، والوظيفة الثانية هي أن البرلمان جهاز لضخ التشريعات المؤكدة للفساد والاستبداد وتكريس الفساد بالقانون وهو ما اتضح في مجالات الحياة كافة، وأهمها سلب الملكية العامة للشعب في ما عرف بالخصخصة، وتمكين الأجانب من نهب ثروات البلد بالتواطؤ مع النظام، والوظيفة الثالثة هي تخريج طبقة من السياسيين البرلمانيين والحزبيين والوزاريين من المنتفعين فاقدي الوطنية والكرامة انخرطوا في مشروع إجرامي أسقطوا به شرعية الدولة واستخدموا الأمن في إذابة النظام في الدولة، فلم يبق سوى أسنان النظام الأمنية التي فقدها في المواجهات مع الثوار في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) 2011.

لقد تمكن مبارك بهذه الطريقة من الجمع بين صلاحيات الرئيس في الدستور والصلاحيات الاستثنائية من البرلمان، فأصبح يجمع في يده السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية واخترق السلطة القضائية، ولذلك كان امتهان أحكام القضاء من تقاليد نظام مبارك، ففسد النظام بكل مكوناته.

ومعنى ذلك أنه ولو ظلت سلطات الرئيس في الدستور وكذلك صلاحياته الاستثنائية، فإن انتخاب رئيس وطني وبرلمان حقيقي، سيؤدي إلى تطبيق الدستور في شكل جدي يكفل رقابة البرلمان على الرئيس بل واتهامه بالخيانة العظمى، ويسمح للأجهزة الرقابية بالعمل على كشف الفساد مبكراً، بما ينهي حال التواطؤ بين سلطات النظام الثلاث ضد مصر وشعبها في سابقة بالغة الخطر استطال عمرها أربعة عقود متتالية. خلاصة القول إنه وإن كان النظام السياسي في الدستور يوصف بأنه نظام رئاسي، وأنه كان يوصف أيضاً بأنه نظام ديموقراطي بضمانات محددة، كما أنه نظام جمهوري، ولكن المشكلة أن نظام مبارك لم يحترم القسم على صيانة الدستور واحترام القانون ورعاية مصالح الشعب، كما لم يطبق أي نص على ضمان النظام الديموقراطي لا سيما التعددية الحزبية الحقيقية والفصل بين السلطات وإعلاء مبدأ سيادة القانون واحترام الحريات العامة.

فإذا صح انتخاب الرئيس وليس تزوير انتخابه، وألزم بتطبيق القانون والدستور في إطار السلطات الثلاث التي يتم الفصل بينها في إطار التعاون للصالح العام، فإن النظام الرئاسي يصبح صالحاً لمصر، وذلك لتفادي أهم مساوئ النظام البرلماني وهو احتمال التواطؤ بين النواب والرئيس من الحزب نفسه، ما يعطل أهم مقومات الديموقراطية. ولما كان وضع الدستور أصبح إشكالية تثير الشك في نيات إكمال المرحلة الانتقالية، كما تثير الجدل حسني مبارك (ا ب).jpg في إجراءاته وربط انتخابات الرئاسة به، فهناك بدائل عدة لهذه الإشكاليات المصطنعة تقوم على أساس أن تُجرى انتخابات الرئاسة في موعدها كما هو مقرر في إعلان اللجنة العليا للانتخابات. أما البدائل، فهي إعادة قراءة دستور 1971 وتنقيحه بما يتفق مع مصر الجديدة، بخاصة نظامها السياسي المخطط وتعزيز موقع الحكومة ورئيس الوزراء وتعيين أكثر من نائب للرئيس وإسناد سلطات حقيقية اليهم بما لا يتصادم مع سلطات مجلس الوزراء. أما البديل الثاني فهو أن تُشكل لجنة خبراء لوضع المشروع بناء على مناقشات اللجنة التأسيسية. وفي هذه الحال لا بد من أن تكون تلك مناسبة لتقديم ثقافة دستورية وسياسية واسعة للشعب من خلال الشروح والندوات. وهذه العملية قد تستغرق عاماً، ولا ضير في ذلك ما دام الرئيس منتخباً وفاعلاً.

* كاتب مصري

 

 

 

 

معركة الدستور في تونس وانعكاساتها على مصر وليبيا
الحياة...هند خيري *
 

أفرزت ثورات الربيع العربي نموًا في الاتجاهات الدينية، ووصولها إلى سدة الحكم وقصور الرئاسة، ما أدَّى إلى دخول دول الربيع العربي في حال من عدم التوازن والاستقرار بين التيارات السياسية (الإسلامية والليبرالية العلمانية) والتي ظهرت بوضوح عند صياغة الدستور، إذ يسعى كل منها إلى فرض آرائه على الطرف الآخر، وبرزت انشقاقات داخل التيار الواحد، كما حدث في حزب حركة النهضة في تونس. غير ان المجتمع التونسي هو مجتمع متجانس من الصعب أن يتحول صراعًا بين التيارات داخله إلى صراع طائفي أو عشائري، وفي النهاية توافق الجميع وتم الانتهاء من معركة صياغة الدستور.

ترجع بداية نشأة الدستور الحالي في تونس إلى عام 1959، وهو يعد من أكثر الدساتير تقدمية في العالم العربي والإسلامي. ورغم أن معظم الدساتير في البلدان العربية والإسلامية كانت تنص في ذلك الوقت صراحة على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع. إلا أن الدستور التونسي انفرد بعدم ذكر الشريعة الإسلامية كمصدر للقانون مكتفياً بالمادة الأولى والتي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وظل الأمر كذلك حتى «ثورة الياسمين» في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وسقوط الرئيس زين العابدين بن علي.

حصد حزب حركة النهضة؛ المحظور سابقاً؛ ذو المرجعية الإسلامية 90 مقعداً من مقاعد المجلس الوطني التأسيسي في الانتخابات التي جرت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بنسبة 41.4 في المئة. وهنا ظهر جدل واسع داخل الأوساط السياسية حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً أساسياً في صياغة الدستور التونسي الجديد: فريق يعبر عن التيارات الإسلامية ينادي بأن تكون الشريعة هي المصدر الأول للقوانين والمنطلق الأساسي لصياغة الدستور، أي يتم تعديل الفصل الأول من دستور 1959 الذي ينص على أن «تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة والإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها»، وأكد ذلك كثير من أعضاء حزب حركة النهضة مستندين إلى أن النص على الشريعة الإسلامية يعتبر أمراً عادياً، رغم اعلان هذه الحركة من البداية تمسكها بمدنية الدولة واكتفائها بالمحافظة على البند الأول من الدستور السابق.

أما الفريق الآخر، وتتزعمه التيارات الليبرالية وأيضاً بعض أعضاء حركة النهضة، وحزب التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، فيرفض مبدأ اعتماد الشريعة كمرجع أساسي ووحيد لأنه سيضر بمدنية الدولة، ورأى أن النص على الشريعة غير ضروري، على اعتبار أنه ليس بجديد، إذ كانت الشريعة أحد المصادر للتشريعات القانونية في دستور 1959 ومن ثم فإنها ضمناً هي أحد المصادر التشريعية.

تبديد المخاوف

هنا ظهرت مخاوف حول إصرار حركة النهضة على نص يؤكد أن الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي ووحيد للتشريع في نص الدستور الجديد، ولكن سرعان ما تراجعت النهضة عن هذا الأمر، وأثار هذا التراجع ارتياحاً وترحيباً من قبل هيئات سياسية مختلفة التوجهات خصوصاً لدى أحزاب المعارضة باعتباره سيجنب تونس التوتر السياسي في هذه المرحلة الانتقالية. فضلاً عن أن الإجماع حول البند الأول من الدستور (السابق) سيساهم في تعزيز التوافق في شأن الدستور الجديد.

وظهر تساؤل حول كيف سيكون الموقف في بقية دول الربيع العربي. ففي مصر بعد إسقاط النظام وتولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة شؤون البلاد تم تعطيل العمل بدستور 1971 وصدر إعلان دستوري في آذار (مارس) 2011 يسند إلى مجلسي الشعب والشورى مهمة انتخاب جمعية تأسيسية من 100 عضو تتولى إعداد دستور جديد يطرح بعد ذلك للاستفتاء الشعبي.

كان دستور 1971 من البداية يحتوي على المادة التي تؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وظلت كما هي في الإعلان الدستوري. وهنا ظهر الجدل بعد الثورة حول من يؤيدها وعلى رأسهم بيان الأزهر الشريف في حزيران (يونيو) 2011 الذي أكد أن الإسلام ترك للأفراد إدارة مصالحهم ومجتمعاتهم شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للدستور، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية، وبين من يعارضها ويطالب بحذفها في الدستور الجديد، مثل التيارات الليبرالية وبعض الأقباط. ولكن إلى الآن لم يتم حسم الأمر نظراً لقرار محكمة القضاء الإداري بحل وإلغاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد. ويمكن التنبؤ، بسبب تشابه حزب حركة النهضة الإسلامية التونسية وحزب الحرية والعدالة المصري، بالإبقاء على تلك المادة وعدم حذفها، خاصة أن بعض الأقباط يرون أنهم يمارسون عقيدتهم بحرية في ظل هذه المادة.

في ليبيا جاء الإعلان الدستوري للمجلس الوطني الانتقالي الموقت - بعد سقوط نظام معمر القذافي - ليشتمل في المادة الأولى منه على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، وأعلن رئيس المجلس الانتقالي في حفل تحرير ليبيا في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 حول اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في البلاد ليدفع الكثير من النشطاء السياسين الى المطالبة بعدم إخضاع المادة المتعلقة بالشريعة الإسلامية للاستفتاء أثناء وضع الدستور بعد انتخاب الجمعية التأسيسية المقرر في حزيران (يونيو) 2012 ويتوقع الإبقاء عليها شأن الحال في مصر. وفي النهاية يمكن القول إن التجربة التونسية في التوافق حول صياغة الدستور مثَّلت نهجاً للوحدة الوطنية ونهجاً لبناء الدول المدنية الحديثة والديموقراطية التعددية، التي ستكون مهد الربيع العربي.

* كاتبة مصرية


المصدر: مصادر مختلفة

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,965,568

عدد الزوار: 7,652,370

المتواجدون الآن: 0