تقارير ...الأبعاد الدولية للأزمة الإقليمية..«النووي» الإيراني .. والنظام الإقليمي الجديد..خيار «حزب الله» للإستراتيجية الدفاعية: تطوير «تجربة التناغم»...حكومة الظلام والظلاميين

لبنان: من الاشتباكات المسلّحة الى "تجارة" المطار والممنوعات.. الضاحية تستغيث طلباً لاستراتيجية دفاعية في وجه الفلتان

تاريخ الإضافة السبت 23 حزيران 2012 - 6:31 ص    عدد الزيارات 2162    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

من الاشتباكات المسلّحة الى "تجارة" المطار والممنوعات.. الضاحية تستغيث طلباً لاستراتيجية دفاعية في وجه الفلتان
المستقبل...كتب المحرر الأمني
لم يخطر ببال "حزب الله" وقيادته السياسية والأمنية والعسكرية أن مارد السلاح الذي تربى وترعرع في رحابه، وتدلّل في أحضانه يمكن أن يفلت من قبضته وأن يخرج عن طوره وإرادته في يوم من الأيام.. وأن يدفع بأهل الضاحية الى الاستغاثة طلباً لاستراتيجية دفاعية في وجه فلتان مسلّح لا مثيل له.
هذا الواقع يترجم الآن يومياً في ضاحية بيروت الجنوبية التي كانت ولا تزال معقل الحزب ومربعه الأمني الأول، والذي كان دائماً في رأي قيادة المقاومة عصياً على الإختراق أو التمرّد. كيف لا وهو الذي جعل من نفسه مرجعية المجموعات المسلّحة المتحاربة في أحياء الضاحية وشوارعها وأزقتها، خصوصاً أنه هو من سلحّها ودربّها وموّلها وأحياناً كثيرة إستخدمها في مهمات محددة.
وأظهرت الإشتباكات المسلّحة شبه اليومية في شوارع الضاحية وزواريبها والتي تحصد أعداداً ليست بقليلة من الضحايا، أن "حزب الله" لم يعد ضابط الإيقاع والممسك بأمن مناطق نفوذه، وبدأ يكتشف بنفسه هذه الحقيقة في أكثر من زمان ومكان، خصوصاً عندما ترتدي الإشتباكات طابع معركة كسر العظم بين العائلات التي تدين بالولاء له، وهو ما حوّله من الآمر الناهي الذي لا رادّ لحكمه الى قاضي صلح بين متحاربين.. كما عندما تستشري مظاهر التفلت وتجارة المخدرات وتعاطيها.
لكن ما بين هذا وذاك هو أن رقعة النقمة على الحزب واسلوبه وحمايته للمسلحين آخذة بالتمدد في كل مساحة الضاحية، التي فقد سكانها الأمن والأمان وباتت حياتهم تحت رحمة السلاح المتمرّد على مرجعيته، وباتوا أكثر قلقاً على مصير أبنائهم المرشحين لأن يكونوا ضحايا نزوات المحازبين والتابعين.
الخطير في الأمر أن الفلتان الأمني ليس محصوراً بمسلحي العائلات الذين يروعون الآمنين في الضاحية، بل إن ذراعه إمتدت الى ما هو أبعد. فهذا الجمهور المحازب بات متحكماً بمصير "مطار رفيق الحريري الدولي" فحوّله الى رهينة، كما حوّل المسافرين أو القادمين الى لبنان عبره الى أسرى، بفعل قطع كل الطرقات المؤدية إليه تارة من المحتجين على غياب التيار الكهربائي، وتارة أخرى من قبل ذوي المخطوفين اللبنانيين الـ11 في سوريا، وتارة أخرى إعتراضاً على توقيف مطلوب للعدالة هنا أو هناك.
وإذا كانت معظم الإحتجاجات تكتسب الطابع المطلبي فإن السواد الأعظم من منظميها هم من جمهور "حزب الله" المنتفض عليه، بإعتبار أن النقمة على الحكومة تعني أنها نقمة على صاحب القرار المطلق فيها أي "حزب الله"، الذي لم يكتف بالوقوف عاجزاً عن إقناع جمهوره بأنه غير مسؤول عن الأزمة التي وصلت اليها البلاد إقتصادياً وحياتياً وكهربائياً وبيئياً، عدا عن الفلتان الأمني الذي لم تسلم منه الضاحية المحصّنة. إنما تحوّل الى محامي دفاع عن حليفه التيار العوني الذي أغرق لبنان في ظلمة لم يسبق أن عاشها من قبل. والغريب في الأمر أن هذا الجمهور الحزبي لم يكتف بعزل المطار عن البلد، إنما جعل من ظاهرة قطع الطرق المؤدية عملاً تجارياً مربحاً، فالذين قطعوا طريق المطار يوم الإثنين الماضي في الإتجاهين، لم يكتفوا بإذلال المسافرين وتحويلهم الى رهائن في الطرقات، إنما عمدوا الى إستغلال حاجة البعض الملحّة للوصول الى المطار سريعاً بداعي التأخر عن الرحلة أم بداعي المرض، وتقاضي مبلغ 50 دولاراً عن كل شخص لإيصاله إما عبر الموتوسيكل وإما بسيارات يملكها المحتجون الذي يفتحون لها الطريق ومن ثمّ يقفلونها في مشهد دفع بوزير الداخلية والبلديات مروان شربل الى القول "إن ما حصل لهذه الناحية معيب للبنان واللبنانيين".
وإذا كان "حزب الله" يعتبر نفسه بمنأى عن المسؤولية حيال التفلت الأمني في الضاحية كما على طريق المطار وغيرها، ويلقي بمسؤولية الأمن على الدولة، فإن المواطنين على الأرض لديهم رأي آخر، فالحاجة "أم محمود" التي تقيم في منطقة المعمورة، ترى أن الحزب "أوصلنا الى أسوأ ما وصلنا اليه في زمن الميليشيات والحرب. وتقول لـ"المستقبل"، "ما عدنا نعرف إن كنا يعيش في منطقة سكنية أو في جبهة عسكرية. كل يوم نقع في قلب معركة بين مسلحين لا نعرف كيف وصلوا الى المنطقة". أما أبو مصطفى نزال فيسأل "من المسؤول عن الأمن في الضاحية غير حزب الله؟. من أين جاء المسلحون بكل ذلك السلاح؟ من يستطيع ادخال خرطوشة الى الضاحية غير الحزب؟، لماذا لا تجرؤ الدولة على الدخول الى أي منطقة في الضاحية الا بإذن من الحزب؟، بدنا نخلص بقى .. بدنا نعيش بامن وكرامة لمرة أخيرة وتتسلم الدولة المسؤولية. مش الحزب الذي لا يهمه من عاش ومن مات".
ولا تخفي سميرة المقيمة في الغبيرة قلقها على أولادها، فهي تؤكد أن "لبنان لن يصير دولة.. فيه 100 دويلة و100 جيش، ومسلحون أكثر من عدد الجيش والدرك". وقالت "ليتنا نتمكن من مغادرة هذا البلد الذي لم يعد فيه مستقبل لأحد. لا أريد لأولادي أن يعيشوا في هذا الجو وبين مسلّحين.أخاف أن أخسرهم".
أما في المشهد الأقرب الى الضاحية ـ اي طريق المطار، فتصف فريدة شحادة ما شاهدته بالـ"مرعب"، وتقول "ذهبت بسيارتي لإيصال إبنتي الى المطار لتسافر الى الإمارات، ففوجئنا بقطع الطريق. كادت الطائرة أن تقلع ونحن نتوسلهم (قاطعي الطريق) ولم يكن لدى أحد منهم الرحمة، كان البعض ينظر الينا بما يشبه الحقد ولا نعرف لماذا، قال لي أحدهم "خليهن يفلتوا المخطوفين وبتمرقو". وأضافت "ونحن في وطأة الشمس الحارقة تقدم أحدهم وسأل إبنتي "بتدفعي 50 دولاراً وبنوصلك عالمطار"، ظننته يهزأ، لكن تبيّن أن لديه سيارة وبالفعل شاهدنا المسافرين يترجلون من سياراتهم ويستقلون سيارات لهؤلاء تشرّع أمامها الطريق ثم تقفل من جديد". وتسأل فريدة "ما ذنب الناس؟ ومن هو المسؤول عن هؤلاء؟ اليس حزب الله وحركة أمل؟ هل من أحد غير هؤلاء يتحكم بطريق المطار وأمنها ويرعب الناس عليها؟".
وإذا كان ما قاله هؤلاء هو عيّنة عمّا يقوله الآلاف ممن لا تصل أصواتهم الى آذان المسؤولين عن هذا الواقع، فإن ذلك يطرح أسئلة عن المنحى الذي أوصل "حزب الله" البلد اليه، وما إذا كان سيقتنع يوماً بأن المكابرة لن تورثه الا النقمة التي قد توصل الناس الى حافة الإنفجار..

 

 "قوة المقاومة تكمن في قرارها المستقل الذي يمنحها سرعة المبادرة"

خيار «حزب الله» للإستراتيجية الدفاعية: تطوير «تجربة التناغم»
السفير..عماد مرمل
يدخل فرقاء الحوار الى جلسة الاثنين المقبل في قصر بعبدا، على وقع انقسام جذري حول تعريف الاستراتيجية الدفاعية التي لا تعني بالنسبة الى «فريق 14 آذار» سوى نزع سلاح «حزب الله» ودمجه في الدولة، بينما يملك «فريق 8 آذار» تفسيرا مغايرا لهذه الاستراتيجية، يقوم على قاعدة تكريس التناغم بين الشعب والجيش والمقاومة، استنادا الى ما حققته هذه المعادلة من انجازات حسية في محطات مفصلية، كتلك التي شهدتها أعوام 1993 (تصفية الحساب) و1996 (عناقيد الغضب) و2000 (التحرير) و2006 (حرب تموز).
من هنا، تبدو الهوة واسعة جدا بين أطراف الحوار، بحيث سيبدو واهما من يظن ان ردمها ممكن في المدى القريب، لا سيما أن التناقض يطال «البديهيات» والمفاهيم التأسيسية التي يفترض ان تكون خارج النقاش، إذ إن السلاح المصنف لدى الكثيرين بأنه «مقدس» نظرا الى دوره في التصدي للعدو الاسرائيلي، يستحيل غير شرعي من وجهة نظر المعارضة، وما يراه البعض إنجازات وبطولات في سجل المواجهات مع إسرائيل يتعامل معه البعض الآخر على اساس انه مصائب ونكبات، وحتى مصطلح المقاومة بحد ذاته، شُطب من أدبيات «قوى 14 آذار»، علما ان الدعوة الرئاسية الى الحوار تلحظ في أحد بنودها البحث في كيفية «الإفادة من المقاومة إيجابا» للدفاع عن لبنان.
ولعل المفارقة الأشد دويا في التعبير عن «صراع الثقافات» في لبنان، هي ان «رومانسيي 14 آذار» يستعدون لخوض معركة المطالبة بنزع سلاح المقاومة على طاولة الحوار، في وقت كان السيد حسن نصر الله يؤكد قبل أيام ان قوتها العسكرية باتت لا تقارن بما كانت عليه قبل سنوات، وأنها اصبحت قادرة على اصابة أي هدف في أي مكان من الكيان الاسرائيلي.
ولئن كان «حزب الله» يبدي انفتاحا لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية، الا ان الأوساط الحليفة له، ترى ان المشكلة الجوهرية تكمن في ان الفريق الآخر لا يريد أصل المقاومة ويرفض هذا الخيار من أساسه، بمعزل عن تفاصيل تطبيقاته العملية، وبالتالي لا توجد أرضية مشتركة يمكن البناء عليها، بل لعله يصح القول ان هناك لغتين على طاولة الحوار، تحولان دون ان يفهم الواحد الآخر.
ووفق هذه الاوساط الحليفة، يدخل «حزب الله» الى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية متسلحا بمنطق متكامل، قوامه المرتكزات الآتية:
ـ ان سلاح المقاومة هو شرعي بالكامل، خلافا لمحاولات صبغه باللون الميليشياوي، وشرعيته مستمدة من البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة، ومن ثقة مجلس النواب الممنوحة لهذه الحكومات، ومن مواقف رؤساء الجمهورية والمجلس والحكومة، ومن نهج المؤسسة العسكرية.. وقبل هذا كله من اتفاق الطائف الذي ظلت مفاعيله تسري على المقاومة الى حين صدور القرار 1559، وبالتالي دخول العامل الخارجي على الخط بشكل مباشر وصارخ، ليصبح نزع السلاح مطلبا غربيا بالدرجة الاولى.
ـ ان البحث في مبدأ دمج المقاومة بالجيش يستوجب، بداية، تأمين الشروط الضرورية لبناء جيش قوي، ليس فقط على مستوى تجهيزه بالاسلحة النوعية بل أيضا على مستوى تحصينه بالقرار السياسي المستند الى خيارات واضحة، وحتى ذلك الحين كيف يمكن ان يُطلب منه مواجهة العدو الاسرائيلي من الند الى الند، في حين انه لا يحظى حتى الآن بغطاء حقيقي للإمساك بالوضع في طرابلس او عكار، بل هو لا يجد في بعض الأحيان ما يحتاجه من وقود لآلياته بسبب الخلافات بين أهل السياسة على الشأن المالي، كما حصل مؤخرا على سبيل المثال لا الحصر.
ـ ان جعل سلاح المقاومة تحت الإمرة السياسية للدولة الراهنة سيكون مغامرة غير محسوبة، ذلك ان الانقسامات العميقة بين اللبنانيين حول الخيارات الكبرى والصغرى، تجعل الدولة مشلولة وعاجزة عن اتخاذ القرارات المناسبة، علما ان قوة المقاومة تكمن أصلا في قرارها المستقل الذي يمنحها سرعة المبادرة. وعليه، سيكون من العبث في حالة التعرض لخطر إسرائيلي داهم انتظار مجلس الوزراء حتى يتخذ قرارا بالتصدي له، لانه لن يصدر على الأغلب إلا بعد فوات الأوان. والسؤال المطروح هنا: إذا كانت الدولة تتعثر في معالجة أزمة الكهرباء وإقرار الموازنة وتعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى وضبط الوضع الامني في باب التبانة وجبل محسن، فهل يُنتظر منها ان تنجح في حماية لبنان من العدوان الاسرائيلي؟
ـ ان المصلحة العليا تتطلب الحفاظ على التمايز بين المقاومة كحركة شعبية تتمتع بالدينامية والرشاقة في نشاطها الميداني، وبين الجيش كقوة نظامية واضحة المعالم والانتشار ستكون معرضة لضربات إسرائيلية مدمرة، وبالتالي فإن الصيغة الافضل للاستراتيجية الدفاعية الواقعية هي الحفاظ على تجربة التناغم بين الدولة والمقاومة التي أثبتت جدواها عمليا، مع الانفتاح على تطويرها، بما يزيل أي هواجس محتملة.
ـ ان المقاومة ليست نقيضا للدولة، بل ان الاولى هي التي ساهمت في النهوض بالثانية وفتح الأفق امام إعادة بناء مؤسساتها، عبر الدور الذي أدته في تحرير معظم الارض من الاحتلال الاسرائيلي، وصولا الى استعادة السيادة والاستقلال اللذين لا يمكن لاي دولة ان تقوم من دونهما ولذا، لا يجوز وضعهما في مواجهة بعضهما البعض، وخصوصا ان التعايش بين منطقي المقاومة والدولة نجح على مدى سنوات طويلة.

 

حكومة الظلام والظلاميين

المستقبل...د. نقولا زيدان
ماذا تبقى لها من لبنان لتصر حكومة دمشق حزب الله المتداعية المتهدمة المنهوكة بالفساد والرشوة والفضائح التي لا تحصى، حكومة العجز والقصور والتخاذل لتحكم؟ ألم تكفها سياسة النأي بالنفس السيئة الذكر والصيت التي أطاحت بالبلاد عملياً خارج المجموعة العربية فبددت بسوء سلوكها وحماقة ادائها اية بارقة أمل في استعادة موسم السياحة والاصطياف عافيته المتعبة، أو على الأقل بعضها، وهو الموسم الذي تعلق عليه عشرات ألوف العائلات الآمال كمصدر لرزقها السنوي؟
كيف يجرؤ رئيسها على الوثوب إلى الطائرة التي أقلته إلى البرازيل للاشتراك في مؤتمر يتدارس مندوبوه الدوليون الفقر والعوز والتخلف، والفقر والعوز والتخلف يعشش في بلاده هو الذي زادتها سياسته تعاسة وحاجة وجوعاً، وفشلاً مدوياً في مختلف الميادين والصعد؟
ألم تصله إلى هناك الأنباء عن خروج الناس إلى الشوارع طوال نهار أمس الاثنين وخلال الليل، من قطع طرقات وإحراق اطارات وإلقاء القامة على مفترقات الطرق، وهياج جماهيري غير مسبوق تندد به وتلعن على رؤوس الاشهاد وزير الطاقة الذي يتهمه اللبنانيون بالفساد والصفقات المريبة والفضائح؟.
ها هي بيروت تئن في ظلام دامس، هذه العاصمة التي نهض بها من دمار الحرب والركام والعتمة الرئيس رفيق الحريري فأعاد لها بريقها واضواءها ونبض الحياة بل عنفوانها وتراثها الثقافي والحضاري، فإذا بقوى الأمر الواقع والردة الظلامية تفتح علينا باستشهاده أبواب الجحيم.
انظروا إليها كيف أصبحت تعيش في عتمة حالكة وسكون الاموات الآن. لا قيمة للإنسان في لبنان هذا هو الشعار المتداول على كل لسان بعد الفضائح المخيفة التي تضرب لبنان ابتداء بالغذاء ومروراً بالعناية الصحية وآفة الكهرباء وانتهاء بانعدام الرقابة على الجسم الطبي والمستشفيات. فحياة المرء مرهونة بالمال والثروة والنفوذ السياسي فمتى تضاءلت أو انعدمت هذه المقومات فهو إلى هلاك محتوم. هذه هي لسان حال مئات الألوف من الفقراء وصغار الكسبة والمستخدمين والاجراء وأصحاب الدخل المحدود، فقراء شعبنا يا دولة الرئيس الغائب عن الواقع. ولن يكون بمقدوركم طمس مطالبهم أو تغييبها والالتفاف عليها عن طريق استنبات اتحاد عمالي مزيف يلعب لعبة طائفية مذهبية بعيداً عن مسارها الصحيح، أو بافتعال مشكلات جانبية مع الفلسطينيين وهي لعبة تعود الى زمن ولّى عهده.
تتدهور بسرعة مذهلة القدرة الشرائية لدى الفئات الشعبية كما ترتفع أسعار السلع الغذائية الضرورية بجنون محموم. باللصوصية والبغاء والاتجار العلني بالمخدرات، وغياب الأمن والاستقرار تطبع حياتنا اليومية. ضحكة الناس مغتصبة والوجوم يسيطر على المارة، يسيرون مطأطئي الرؤوس لا يلوون على شيء فالقلق هو خبزهم اليومي، لا يعلمون عن غدهم شيئاً، والغد يحمل أياماً أسوأ على الدوام. فكيف نقنع هؤلاء بقيمة الحياة ما دام الأمن والصحة بعيدَي المنال؟
أو تنطلي على اللبنانيين تلك اللعبة الجهنمية التي تُدار ببراعة وذكاء، بافتعال مشكلات وصدامات جانبية من حين لآخر مع المخيمات الفلسطينية وتصويرها كأنها هي سبب كل مآسي شعبنا ومعاناته، فالأصابع التي تديرها من داخل المخيمات وخارجها معروفة الولاء والانتماء. والسلطة تعلم جيداً مَن يضخ دون توقف باتجاه هذه المخيمات الخارجين على القانون والارهابيين فتتحول الى بؤر جاهزة لخدمة وتنفيذ العديد من المخططات. ولعل احد هذه المخططات صرف الأنظار عن حقيقة الأزمة الأمنية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي ينوء تحتها لبنان.
إن النظام الأسدي الماضي حتى الهاوية في سياسته الدموية في قمع وقتل وتصفية وإبادة كل معارضة جدية أكانت سلمية أو مسلحة يبديها الشعب السوري، حيث لا يتورع عن تدمير المدن وتسويتها بالأرض وحرق الأحياء واغتصاب النساء والتمثيل بالجثث، ما زال مصراً على تصدير أزمته هو الآخر إلى الداخل اللبناني ظناً انه بذلك يحرّف مسار معركته باتجاه آخر.
فهو بكل قحة وصلافة وتسلّط يجتاح بكتائب الاسد وشبيحته والقتلة، بل آكلة لحوم البشر في العصر الحديث، القرى الحدودية عندنا والبلدات القريبة كعرسال وبلدات وقرى عكار. بل يعاونه في ذلك مسلحون وعملاء وميليشيات ممتثلون لإرادته يسرحون ويمرحون في طول لبنان وعرضه، يمارسون الاغتيال والخطف في وضح النهر. هذا والحكومة الأسدية عندنا تتفرج وتبرّر وتغمض عينيها خدمة لنظيرتها القابعة في دمشق، فهل وصلنا يوماً الى حال أسوأ من الذي نحن فيه الآن؟
فليكن واضحاً جلياً أمام الشعب اللبناني الذي يتخبط في تعاسة لا مثيل لها وأزمة متعددة الجوانب ما زالت هوة فاغرة فاها بلا قرار، ان مشكلاتنا ليست قطعاً الشعب الفلسطيني المشدود أبداً الى الارض المحتلة، وليست في مساندة القوى الوطنية والديموقراطية للثورة السورية وقواها الحية وانعكاساتها، ولا اصرارنا على لبنان معافى من كل اشكال الاحتلالات، بل مع المشاريع السياسية الآخذة بنا عنوة الى دمار لبنان وهلاك اهله والتي تفرض على اللبنانيين منطقاً يرفضه المنطق نفسه وذلك بقوة السلاح والمتمثل بحكومة من صناعة أسدية يديرها حزب الله، والتي لا يمكن ان تستمر في السلطة حتى ولو تمترست وراء الف طاولة حوار.

 

 

الأبعاد الدولية للأزمة الإقليمية

السفير..سمير كرم
يتحول الوضع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط حثيثاً الى ازمة دولية تهدد بصراع عسكري عالمي.
الولايات المتحدة تتصرف ازاء الازمة السورية الراهنة على نحو يترك انطباعاً قوياً بأنها تعتبر استمرار دورها الذي تنفرد فيه بالهيمنة العالمية استراتيجياً وسياسياً ـ من اجل ضمان الهيمنة الاقتصادية ـ متوقفاً على التدخل عسكرياً في سورياً من اجل مناصرة «المعارضة» ضد النظام. وهي في هذا التصور تتجاوز بمسافات بعيدة موقفها الذي برر لها التدخل في ليبيا بالمشاركة مع قوات حلف الاطلسي. فهي لم تصل في تشكيل استراتيجيتها تجاه ليبيا الى نقطة اعتبار مصير هيمنتها العالمية متوقفة على هذا التدخل. اما بالنسبة لسوريا فالأمر مختلف، بمعنى انه اشد خطورة حيث يبلغ تقدير الولايات المتحدة الى نقطة فاصلة. فإما الهيمنة على سوريا، وبالتالي استمرار الهيمنة على المنطقة والعالم، وإما فقدان الفرصة في سوريا، الامر الذي يعني انهيار المعارضة السورية وعودة سوريا الى دورها في مواجهة النفوذ الاميركي والتوسع الاسرائيلي في المنطقة.
اذا استخدمنا تعبيراً معروفاً في علم المنطق الحديث فإن اميركا تعتبر انها اصبحت في موقف «إما .. أو». وهذا معناه انه لا ثالث بينهما او بعدهما. ولا غرابة ازاء هذا التقدير الخطير ان يصل الامر بكاتب من مؤيدي سياسات إدارة الرئيس باراك اوباما ازاء هذه المشكلة الى حد وصف موقف اوباما بأنه في حالة «تخبط «. ويعزو هذا الكاتب وهو جاكسون ديل (واشنطن بوست) هذا التخبط الى «عامل مهم متمثل في حملة الرئاسة الاميركية التي تتطلب تهدئة اندفاع تيار الحرب في الشرق الاوسط». لكن ديل يضيف الى هذا ما يعتبر انه سبب كامن في الاوضاع الاقليمية، هو ان اوباما يعرف انه يواجه التحدي الايراني وليس التحدي السوري وحده. فإن «الحسابات بشأن سوريا وإيران أكثر تعقيداً مما تبدو للوهلة الاولى. اذ لا يقتصر الامر على التحالف القائم بينهما، بل هو نتيجة لواقع كون اميركا وحلفاؤها لديهم اهداف مستقلة وملحة ... فهم بالنسبة لسوريا يهدفون الى الإطاحة بالرئيس الأسد ...وفي إيران يهدفون الى منع الاسلحة النووية». وليس واضحاً السبب الذي يجعل الكاتب الاميركي يستخدم صيغة الجمع متحدثاً عن حلفاء اميركا، في حين انه يقصد اسرائيل، اسرائيل وحدها. ولكنه لا يلبث ان يتوصل الى استنتاج صحيح حين يقول «لقد اصبح واضحاً ان الخطوات التي قد تنجح في احد الموقعين ستؤدي قطعاً الى تعقيد الأمور بشأن الاستراتيجية الغربية في الموقع الآخر». ويتساءل شارحاً ما يعنيه «اذا تورطت اميركا في عملية عسكرية في سوريا، هل سيمكنها بعد ذلك ان تشن هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية؟ وماذا لو اقدمت اسرائيل على هجوم بينما العملية السورية لم تزل بعد؟ تتمثل الإجابة بوضوح في ان ذلك قد يسفر عن فوضى تخرج عن السيطرة. ولهذا السبب سألت أحد المسؤولين الاسرائيليين مؤخراً عن رأيه بشأن التدخل الغربي في سوريا وكانت إجابته: تركيزنا هو على إيران وأي شيء قد يسبب الشوشرة على ذلك لا نعده افضل ما يمكن عمله ... لكن هذه الإستراتيجية الإسرائيلية تصطدم مع المفاوضات الديبلوماسية لوقف البرنامج النووي (الايراني). وتضيّق مجال الاختيار في سوريا امام اوباما، اذ تتطلب الصفقة مع ايران دعما من روسيا». دعم من روسيا لصفقة اميركية مع ايران؟ هذا كلام من الكاتب المؤيد لسياسة الادارة الاميركية في المنطقة ضد سوريا وضد ايران فقد صدقيته تماماً، لان تحركات روسيا التي تتحدث عنها مصادر اميركية لدعم الحكومة السورية عسكرياً بدأت في الظهور من الاسبوع الفائت. هذا ما أكده اندرو كرامر (16 / 6 / 2012- في نشرة «بيونير بريس» من موسكو) حين اورد على لسان اكبر مصدّري السلاح في روسيا ان شركته «تشحن انظمة صواريخ متقدمة دفاعية الى سوريا من شأنها ان تسقط الطائرات او تغرق السفن اذا حاولت الولايات المتحدة او غيرها من الدول الغربية (اسرائيل؟) ان تتدخل في موجة العنف الذي يجتاح هذا البلد». وأضاف مصّدر الاسلحة الروسي اناتولي ايسايكين «انني احب ان اقول إن هذه الانظمة جيدة بالفعل كوسائل دفاعية وانها دفاعات يعتمد عليها ضد الهجمات من الجو ومن البحر. ليس هذا تهديداً انما يتعين على اي كان اذا كان يخطط لشن هجوم ان يفكر في الامر». ويجدر بالذكر هنا ان هذه التصريحات، بما حملته من معلومات على درجة عالية من الاهمية، جاءت قبل يومين اثنين من لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الاميركي اوباما على هامش اجتماع القمة للدول العشرين في المنتجع المكسيكي لوس كابوس.
بالاضافة الى هذا فإن مسؤولين اميركيين اكدوا في اليوم نفسه «ان الولايات المتحدة تتعقب سفن شحن روسية تشق طريقها الى سوريا حاملة اسلحة وذخيرة وعدداً صغيراً من القوات الروسية».
الموقف الاقليمي يتحول اذن الى مواجهة دولية. وما كان يعتبر ازمة في سوريا بين الحكومة والمعارضة يتحول تدريجياً الى مواجهة بين القوتين العسكريتين الأعظم في العالم. فهذه حقيقة لم تسقط بسقوط الاتحاد السوفياتي. والسؤال ازاء هذا التحول هو ما اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة من اجل مساندة اسرائيل بالنسبة لمواجهة التحالف السوري الإيراني لأن تواجه القوة العسكرية الروسية، التي يبدو انها لا تنظر الى الشأن السوري على انه شان يهم سوريا وحدها، او الى الشأن السوري الايراني على انه يهمهما وحدهما؟
إنه سؤال مشروع، وهو في الوقت نفسه يؤكد تحولا خطيرا لهذه الازمة الشرق اوسطية من المجال الدبلوماسي الى المجال العسكري. ولعلنا لا نبتعد عن حدود الموضوعية اذا قلنا ان هذه اخطر ازمة بين القوتين العسكريتين الاعظم في العالم منذ انهيار الدولة السوفياتية في اوائل تسعينيات القرن العشرين. ولهذا فإن من المتوقع ان تتخذ ازاءها كل القوى الكبرى مواقف حدية تؤكد بطبيعتها ان العالم لم يتغير كثيرا من الناحية الإستراتيجية ومن ناحية المصالح العسكرية منذ ذلك الوقت. وهذا على الرغم من كل مظاهر التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا التي تتمثل ـ على سبيل المثال ـ بحضور روسيا مؤتمر القمة للدول الغربية العشرين.
هل تشكل التطورات في الموقف الروسي ازاء الازمة السورية ـ وبالتالي ازاء الصراع الايراني ـ الاسرائيلي ـ مفاجأة استراتيجية او سياسية للولايات المتحدة؟ لا توجد اجابة جاهزة لهذا السؤال انما يتوقف نوع الاجابة على مدى معرفة الولايات المتحدة بأن لروسيا في الشرق الاوسط مصالح مختلفة عن المصالح الاميركية اختلافا تاما، ولكنها لا تختلف ربما بأي درجة عما كانت «المصالح السوفياتية». وقد تميل الولايات المتحدة الى تفسير المواقف الروسية بمعايير اميركية في تقدير ما يعنيه تعبير «المصالح». وغالباً فإن الولايات المتحدة ستعتبر ان روسيا تبدي اهتماما بأن يكون لها منفذ على البحر الابيض المتوسط، ومن خلال اهتمامها بالشأن السوري تبقي على هذه الإطلالة الخارجية. ولكن الحقيقة ان مصالح روسيا في المنطقة اوسع من ذلك بكثير وربما لا تقل في اتساعها عن المصالح الاميركية الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية. انما يبدو في كل الاحوال ان اهتمام الولايات المتحدة بالسير على الطريق الإستراتيجي الاسرائيلي في الشرق الاوسط قابل لأن يربك الولايات المتحدة في المنطقة على النحو الذي شرحه الكاتب الاميركي جاكسون ديل. وحتى الآن فإنه لا يوجد تفسير مقبول او منطقي لاستمرار تردد الولايات المتحدة في تلبية رغبة اسرائيل في مهاجمة المنشآت النووية الايرانية سوى الخشية من النتائج المباشرة من رد ايران على مثل هذا الهجوم وما يمكن ان يلحقه من أضرار بالوجود العسكري الاميركي في المنطقة.
على انه لا بد من التنبه الى ان الولايات المتحدة تؤدي خدمة جليلة لإسرائيل في انتهاجها سياسة في الشرق الاوسط ترمي الى ابقاء التباعد بين اكبر قوتين إقليميتين في المنطقة، وهما مصر وإيران. والمفهوم انه ليس للولايات المتحدة اي نفوذ على إيران من اي نوع. هذا امر اكدته حقيقة صمود الأخيرة في وجه الضغوط الاقتصادية الأميركية (والأوروبية). وتضع الولايات المتحدة موضع التنفيذ سياسة التفريق بين مصر وإيران من خلال ضغوط غير علنية، ولكن من الممكن استنتاجها من استمرار الاتصالات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر. ان زيارات القادة العسكريين الاميركيين لمصر لا تنقطع منذ انطلاق ثورة 25 يناير 2011 حتى الآن. ومع ذلك فإن التصريحات المقتضبة التي تصدر عن الجانبين بشأنها لا تشرح شيئاً ولا تكشف حتى عن طبيعة القضايا والمسائل التي تطرح في هذه اللقاءات. غير ان معرفة المراقبين اليقينية باهتمام واشنطن بما ستكون عليه سياسة مصر الخارجية تجعلهم يؤكدون ان الولايات المتحدة ومن بين قضايا اخرى عديدة تهتم بشكل خاص بإبقاء مصر بعيدة عن ايران. ان اي تنسيق او تعاون من اي نوع بين هذين البلدين، وخاصة في الشؤون الإقليمية امر لا تطيقه اسرائيل وبالتالي الولايات المتحدة. وقد لجأت واشنطن الى حيل عديدة لإبقاء مصر بعيدة عن ايران بشتى السبل. وتبين هذا بشكل خاص عندما لمست واشنطن ان المناخ العام الديموقراطي الذي ساد في مصر اثر الثورة حبّذ التقارب مع إيران باعتبارها قد اصبحت قوة إقليمية مهمة تقف ضد خطط اسرائيل التوسعية في المنطقة. ولا بد ان الولايات المتحدة لاحظت صعود الشأن الإيراني في مصر إبان الحملات الانتخابية لمجلس الشعب وبعد ذلك خلال الحملات الانتخابية للرئاسة المصرية. وعلى اثر ذلك بدأت تظهر الحكايات المختلقة عن دور لإيران ودور لحماس وربما دور لحزب الله في احداث مصر، وخاصة تلك التي تخلق اضطرابات في شبه جزيرة سيناء.
ويبدو المجلس الاعلى للقوات المسلحة وحده مقتنعا بصحة هذه الادّعاءات ضد إيران، كما يبدو انه وحده الذي يتجاهل الدعوات الشعبية لتوثيق العلاقات بين مصر وإيران لما فيه المصلحة الأمنية للبلدين ولما فيه المصلحة الاقليمية للعرب وقضاياهم في مواجهة اسرائيل. وبطبيعة الحال فان الولايات المتحدة لا تبدو مطمئنة بالكامل الى استمرار السياسة المصرية على ما هي عليه بعد ان يسلم المجلس الاعلى للقوات المسلحة زمام الامور في البلاد الى الرئيس المنتخب. ولكن من المؤكد ان تستمر واشنطن في ممارسة ضغوطها السياسية والاقتصادية على مصر لتأمين بقاء المسافة الفاصلة بين مصر وإيران لمصلحة اسرائيل ولمصلحة النخب الحاكمة في الخليج، وخاصة السعودية وقطر والبحرين والامارات. فإن هذا جزء اساسي من إستراتيجية اميركية - اسرائيلية.
كيف تكون المحصلة النهائية لهذه العوامل التي تتفاعل مع الازمة السورية وفي الوقت نفسه مع الوضع الاقليمي الايراني؟
الإجابة تتوقف على مدى التباعد بين المصالح الاميركية والروسية وفي الوقت نفسه مدى التقارب الممكن بين القوتين الإقليميتين في المنطقة مصر وايران.
 
«النووي» الإيراني .. والنظام الإقليمي الجديد
السفير..حبيب فياض
لم تفلح الجولات التفاوضية المتعددة بين طهران والغرب في وضع أزمة إيران النووية على سكة الحل. قدر هذه الأزمة، على ما يبدو، المراوحة بين الحل المفقود والصدام الممنوع تبعاً لغيرها من الازمات العالقة بين الجانبين. مفاوضات موسكو الأخيرة كشفت عن ان اليورانيوم الإيراني المخصب بات يختزن كل وجوه الخلاف بين الإيرانيين والغربيين. النتيجة الوحيدة التي توصل اليها هؤلاء، في جولة التفاوض الاخيرة، هي ترحيل المفاوضات الى خبراء فنيين في اسطنبول اوائل الشهر المقبل. الترحيل هذا ليس خطوة في اطار تفاهم سياسي، بل هو للتعمية على المراوحة والدوران في حلقة مفرغة. هذا في ظل إدراك الجانبين ان عشرات الجولات التفاوضية على مدى عقد من الزمن، قد استنفدت النظر في كل المقترحات الممكنة ولم تبقِ جديداً قيد البحث والتداول.
أكثر من مفارقة تحكم المسار العام للأزمة النووية بين ايران والغرب: رغبة مشتركة في التفاوض لكن لا ارادات جدية للتفاهم. حذر متبادل في التقدم وتردد مثله في التراجع. استعداد لتنازلات متقابلة لا تفضي إلا الى التمسك بمواقف متصلبة. مقترحات على خلفية «خطوة خطوة» من دون المضي أي خطوة الى الأمام. مآل المسار التفاوضي الى حائط مسدود، لكن لا احد من الجانبين يريد الاصطدام به. الخيار العسكري دائماً على الطاولة ولا أحد منهما يريد اللجوء اليه. عامل الوقت ليس في مصلحة الطرفين، في حين ان سياسة التفاوض بينهما تعتمد على النفس الطويل. كما ان أياً منهما لا يريد الانتقال الى مرحلة ما بعد فشل المفاوضات، فيما واقع التفاوض لا ينبئ بغير الفشل. والنتيجة في كل ذلك: اتساع في الهوة على «أرضية مشتركة»، انسداد في الأفق مع جرعات من التفاؤل المفتعل، وانعدام شامل للثقة في ظل تطلب غربي ان تفي ايران بالتزاماتها، ومطالبة ايرانية للغرب أن يكون صادقاً بوعوده.!!
واقع الحال ينبئ ان لا حل لأزمة ايران النووية. تعذر الحل لا يقف عند حدود البعد النووي بشقيه التقني والسياسي، بل يتعدى الى عاملين اساسيين: الأول، معنوي ويتعلق بتظهير حسابات الربح والخسارة في إطار اية تسوية مفترضة. ذلك ان الغرب سيروج لقبول ايران المفترض بوقف تخصيب العشرين في المئة على انه تراجع من قبلها. بينما ستتعامل ايران مع اعتراف الغرب المرتقب بحقها في التخصيب المتدني النسبة على انه هزيمة له. الثاني، استراتيجي يرتبط بتلازم الملف النووي مع غيره من الملفات العالقة بين الجانبين. ايران تصر على حل شامل بشكل متزامن وضمن سلة واحدة، في حين ترى واشنطن وحلفاؤها ان الانتقال الى الملفات الأخرى يجب ان يكون مسبوقاً بالفراغ من هذا الملف. وفي كلا الحالتين، ثمة من التعقيدات ما يكفي من منع الوصول الى حل، سواء سلكت المفاوضات المنحى الذي تريده ايران او الذي يريده خصومها.
ثمة لدى الجانبين تمسك بسياسة الهروب الى الامام. المفاوضات باتت لكليهما خياراً قائماً بذاته لتجنب الأسوأ البديل عنها. الغرب يعي انه سيضطر، في نهاية المطاف، الى التصعيد عبر خيارات ما بعد العقوبات التي لن تردع ايران عن خطواتها النووية. ايران، من جهتها، تدرك ان إصرارها على التخصيب لن يدفع الغربيين الى تقبل واقعها النووي. هذا رغم تأكيدها الدائم على سلمية انشطتها النووية. غير ان الخطر النووي الايراني، وفق حسابات هؤلاء، يرتبط بقدرة الإيرانيين على إنتاج القنبلة حتى لو لم يذهبوا الى تصنيعها، خاصة ان الانتقال من السلمي الى العسكري في هذا المجال لا يستدعي سوى مراكمة كمية للتخصيب والبلوغ به عتبة التسعين في المئة.
بالجملة، لا مفر من القول إن ملف ايران النووي سيظل يدور في حلقة مفرغة من التفاوض بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث سيتسنى لواشنطن حينذاك التعامل مع هذا الملف وفق سياسة أكثر تشدداً. في وقت لا يستبعد ان يؤدي التقارب الروسي ـ الإيراني الى ولادة نظام اقليمي جديد قد يكون التمسك بحق ايران النووي أولى أولوياته.

 

 

بعد فشل الإغتيال بالقنص.. جعجع مجدّداً في دائرة الإستهداف

الجمهورية... أسعد بشارة..
إذا كانت محاولة اغتيال سمير جعجع قد افتتحت بداية مرحلة الانقلاب على التفاهم الضمني الذي طبّق بعد الدوحة، بين جهتين، الأولى توقّفت عن تنفيذ عمليات اغتيال، والثانية توقّفت عن دفع الأموال، فإنّ الكشف عن الإعداد لاغتيال الرئيس فؤاد السنيورة أتى ليشير إلى استمرار هذا المسلسل، الذي لم يتمّ تجميده على رغم جلوس السنيورة نفسه على طاولة الحوار، وهو ما يعني الكثير، في علم التفاوض على الحامي والبارد.
ليس مستبعداً أن تكون جهة عربيّة أو أجنبيّة قد سرّبت المعلومات للسنيورة ليأخذ ما أمكن من الاحتياطات، وهو غير مستبعد أيضاً أن يكون أحد الأجهزة الأمنية، تحديداً فرع المعلومات وراء التسريب، وذلك بقصد إيصال رسالة للمخططين عن انكشاف خطط الاغتيال، وبذلك يكون التسريب عملاً أمنيّاً وقائياً ومكشوفاً، وتكون لغة الرموز قد أصبحت من الماضي، ذلك على رغم أنّ من سرّبوا باتوا يملكون التفاصيل التي تؤكّد أنّ لغة التصفية الجسدية تمّ إحياؤها من جديد، هذا إذا لم تتحوّل هذه اللغة في وقت لاحق إلى تطوير لمنطق الفوضى والعنف، الذي يُراد منه فرض وقائع سياسية تسبق السقوط المحتمل للنظام السوري أو تعقبه.

ما حصل منذ أيام وما يتعلّق باستهداف السنيورة، ذكّر بمحاولة اغتيال جعجع التي وصلت خطورتها إلى حدّ التنفيذ العملي، وذكّر أيضاً بالتحضير لمحاولة اغتيال اللواء أشرف ريفي والعقيد وسام الحسن، اللذين اتّهما بمساعدة الثوار السوريين. والتسريب يذكّر بذلك التسريب الذي سلّط الضوء على إعداد لسيّارات مفخّخة، كانت لو لم يُكشف عن المعلومات ستوضع في أحد شوارع الأشرفية لتنفيذ الاغتيال.

ورُبَّ مَن يسأل اليوم بعد استعادة لغة الاغتيال السياسي، هل يمكن لكشف هكذا مخطّطات أن يؤدّي إلى تراجع الجهة أو الجهات المخطّطة عن المضي في الوصول إلى أهدافها، كما يسأل هل يُمكن لكشف من هذا النوع أن ينبّه مَن لا يفترض أن يتنبّه، إلى أنّه بات يعمل عكس الماضي خارج الغرف المظلمة، وأنّه مرصود إلى درجة لا يمكن أن يقوم بعملية من هذا النوع من دون أن يترك أثراً سواء أكان في مرحلة التخطيط أم التنفيذ أم مرحلة ما بعد ارتكاب الجريمة التي تفترض محو الآثار، إلى درجة الوصول إلى ما كان يُسمّى في الجرائم الماضية بالملفّ الفارغ؟

الأرجح أنّ طريقة تناول هذه المعلومات عن التحضير لعمليات اغتيال، تؤدّي إلى ضرر جسيم يُصيب مصادر المعلومات التي تُستقى منها سواءٌ أكانت تلك المصادر التي تسرّب معلومات بقصد التضليل والتعمية، أم تلك التي تنقل أقرب صورة عمّا يجري، لكن ومع هذا الضرر، فإنّ تعمُّد نشر هذه المعلومات من الجهات المختصّة لا يعدو كونه الخيار الأخير لمنع حصول الاغتيال، على ما يقوله الأمنيّون الذين باتوا يتّصفون على قاعدة كشف النيّات لمنع تحوّلها أفعالاً، "فلن ننتظر كما في المرّات السابقة ليتمّ وضع السيّارات المفخّخة وتفجيرها، لكي نتأكّد ونؤكّد للناس أنّنا نتعرّض إلى عمليات اغتيال، وليس إلى مؤامرات وهمية".

في الإطار عينه، يلفت مطّلعون إلى أنّ مخطّط استهداف المسؤولين اللبنانيين الذين ينتمون إلى جهة واحدة، لم يتوقّف عند سقف معين، فإضافة إلى السنيورة، تشير معلومات إلى رصد المزيد من محاولات استهداف سمير جعجع.

فبعد فشل المحاولة الخلّاقة لقتله في منزله قنصاً، تطوّر الأمر الآن إلى أسلوب خلاق جديد، استدعى قيام المعنيين المولجين أمن الرجل، من جهات رسميّة ومن أمنه الخاص، تفتيش الطرقات ورصدها خصوصاً التي يمكن أن يسلكها موكبه (إذا خرج من معراب)، للتأكّد أنّ هذه الطرقات خالية من الأدوات الخلّاقة التي لا يمكن كشفها بسهولة (صخور مفخّخة موضوعة إلى جانب الطريق، تفخيخ داخل العبّارات المائية أو ما شابه).

لا يخفى أنّ جعجع، الجميّل والسنيورة وغيرهم باتوا على رأس القائمة المطلوب اصطيادها، بما يشبه العودة إلى حرب الاغتيالات السابقة، التي كانت إيذاناً ببدء مرحلة لم تنتهِ مفاعيلها إلى الآن.
 
متى سيعود سعد الحريري إلى لبنان؟
الجمهورية.. كريستينا شطح.. قبل الهزيمة السياسية التي حلّت به وبحلفائه أمام قوى الثامن من آذار عبر اختيار الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، كان سعد الحريري يُعتبر الأقوى من دون أدنى شكّ، وربّما الأوحد، في صفوف الطائفة السنّية شعبياً وسياسياً، مدعوماً بتكتل نيابي «ضخم» وبمناصرين يمتدّون من صيدا وإقليم الخرّوب وعرسال إلى بيروت وطرابلس وعكّار.
إلّا أنّ غياب الحريري وازدياد وقع التعاطف الشعبي السنّي مع الثورة السورية، قد أدّى إلى بدء سحب البساط من تحت عباءة رئيس "المستقبل" ونوّابه في بعض المناطق، لصالح عدد من الجماعات المتشدّدة التي تغذّي وتوازن معدّل التعاطف المتطرّف والمستجدّ لدى الشارع السنّي، نتيجة تحوّل الصراع في سوريا الى شبه حرب سنّية - علويّة، يضاف إليه أصلاً شعور مغذّى بالتوتّر السنّي - الشيعي في لبنان والمنطقة، من دون إغفال الخلفية التاريخية والذاكرة الجماعية لسنّة الشمال تحديداً وارتباطهم الاجتماعي والتاريخي مع الشعب السوري والامتداد الطبيعي الجغرافي شمالاً.

والسؤال الذي يطرح نفسه انطلاقاً من هذا التراجع، لماذا لا يعود سعد الحريري الى لبنان؟ وهنا تفيد المعلومات أنّ الحريري لن يعود الى لبنان قبل انتخابات 2013 بأربعين يوماً تقريباً، وأسباب بقائه في الخارج هي الآتية: أبلغت قيادات أمنية رفيعة محلية وإقليمية إلى الحريري أنّه موضوع على لائحة الاغتيالات السياسية، وولّدت محاولة اغتيال الدكتور سمير جعجع "نقزة" نفسيّة في ذهن الرئيس الحريري ومحيطه، وبالتالي أصبح هناك قناعة بأنّ الثابت الوحيد في البلد حاليّاً هو أنّ لبنان مكشوف أمنيّاً إلى أبعد حدود، ومفتوح على تطوّرات أمنية ستؤسّس لوقائع سياسية لا العكس.

وتشير أوساط تيار "المستقبل" الى أنّه في الدول المستقرة أو على الأقل تلك التي تتمتع بالحدّ الأدنى من الاستقرار، يكون الأمن نتيجة الجوّ السياسي، إلّا أنّ هذا الواقع لا ينطبق على الظروف التي يمرّ بها لبنان في هذه المرحلة، وهذه المخاوف الأمنية بحدّ ذاتها منعت الحريري من العودة الى لبنان للمشاركة في ذكرى والده.

وتلفت إلى أنّ الوقائع التي ظهرت في الآونة الأخيرة قطعت الشكّ باليقين وصار واضحاً أنّ الحريري هدف أوّلي لأنظمة وقوى محلّية تسعى إلى تغيير معادلات سياسية ناشئة في المنطقة، لجهة سطوع ديموقراطيات في مراحلها الأولى وسقوط ديكتاتوريات تلفظ أنفاسها الأخيرة.

أمّا السبب الثاني فهو الضائقة المالية والاقتصادية التي تعيشها مؤسّسات الرئيس الحريري الإعلامية والخدماتية والتجارية، والتي هي جزء أساسي أيضاً من أسباب وجود الحريري في الخارج الذي يعمل على تسوية أوضاعه المالية العالقة. وتهدّد الاختلاسات المالية التي تعانيها الشركة اللبنانية - السعودية استكمال مشاريع عدّة تنشئها المجموعة في عدد من المدن السعودية، ويحاول الحريري اليوم إعادة الشركة الى وضعها الطبيعي والمنافس في سوق البناء السعودية، خصوصاً أنّ غيابها عن الدخول في منافسات مشروع البنية التحتية لمدينة جدّة ترك استغراباً لدى العديد من كبار الاقتصاديّين والمهتمّين في مجال البناء.

وحسب المعلومات، فإنّ هناك قلقاً وانزعاجاً لدى الرئيس الحريري من المظاهرات "السلفية" المنظمة في طرابلس وغيرها، والداعمة للحراك الشعبي في سوريا، والتي تستهوي الشباب السنّي المتأرجح أصلا بين التزامه المعنوي مع تيار "المستقبل" بما يرمز إليه من زعامة سياسية بارزة على الصعيد الوطني، ومشاعره الدفينة ذات الأبعاد الطائفية المتديّنة التي ترقى إلى مستوى الانتماء إلى "الأمّة"، انتماءً عقائدياً مُستتراً لا يبرز في العلن، وتشكّل اليوم عاصمة لبنان الثانية مسرحاً ومقياساً غير مباشر لارتفاع رصيد الحركة المتشدّدة في لبنان، والتي تحتلّ الصدارة بفاعليتها على المسرح السياسي والشعبي في الشمال.

إضافة الى تنشّق بعض المنتمين إلى كتلة "المستقبل" نَفَسَ هذا الشارع "المستجدّ" وإطلاق مواقف سياسية تدوس السقف السياسي الذي يقف عنده الحريري في "منفاه" الموَقّت.
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

لمحة عامة: "سرايا الجهاد"..

 الجمعة 27 أيلول 2024 - 10:01 ص

لمحة عامة: "سرايا الجهاد".. معهد واشنطن..بواسطة ساري المميز, عبدالله الحايك, أمير الكعبي, مايكل ن… تتمة »

عدد الزيارات: 171,939,168

عدد الزوار: 7,651,595

المتواجدون الآن: 1