تقارير..مغزى التصاريح الإسرائيليّة....نحن والإستراتيجية الأميركية الجديدة:الدفاع، الدَين العام، والغاز

مرحلة انتقالية قبل الإطاحة بالأسد!

تاريخ الإضافة الأربعاء 29 آب 2012 - 7:19 ص    عدد الزيارات 2388    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

مرحلة انتقالية قبل الإطاحة بالأسد!
جريدة الجمهورية...علي حسين باكير
عادت المعلومات التي تتحدّث عن إمكان إقامة منطقة عازلة في الداخل السوري إلى واجهة الأحداث مجدّداً، وذلك في موازاة أخبار عن أنّ إقامة منطقة حظر جوّي قد يكون أحد الخيارات الممكنة.
 
فقد برزت لقاءات أميركية وتركية على مستويات متعدّدة للتنسيق بين المعطيات الاستخباراتية الموجودة لدى الطرفين عن حقيقة الوضع الميداني داخل سوريا، والدعوة الفرنسية لدول الجوار إلى البحث في الأزمة السورية.

وعلى رغم كثرة التصريحات والتحرّكات، تشير مصادر تركيّة مطّلعة إلى أنّ شيئاً لم يتغيّر على مستوى الموقف الدولي ممّا يجري في سوريا، "فلا نيّة لدى الأطراف الدولية لاعتماد أيّ خيار عسكري أو إقامة منطقة عازلة، أو حتى منطقة حظر جوّي على الرغم من كمّ الأخبار الأخيرة حول هذا الموضوع وهي تندرج كلّها في إطار الـ"بروباغندا" الداخلية في هذه البلدان على ما يبدو، والتي تبقى في إطار الممكن بالمعنى المطلق".

وتضيف هذه المصادر: الأسوأ من ذلك أنّ دول الجوار لم تعد قادرة الآن على استيعاب ومساعدة هذا الكمّ من اللاجئين الهاربين من بطش النظام في الداخل السوري، فالمجتمع الدولي لا يزال مقصّراً في المساعدة على حلّ هذه الإشكالية، ناهيك عن مواضيع أكبر وأخطر وأكثر كلفة سياسيّاً واقتصادياً وعسكريّا".

في المقابل، تشير المعلومات إلى أنّ الفيتو الأميركي حول عملية تسليح منظمة ونوعية لـ"الجيش السوري الحر" لا تزال قائمة، وذلك تحت عناوين متعدّدة، منها الخوف من أن يتدفّق السلاح الى الجماعات الإرهابية وتنظيم "القاعدة"، ومنها أمن إسرائيل، ومنها الحرص على الداخل السوري، وهو الأمر الذي ما زال يمنع حتى الآن حصول "الجيش السوري الحر" على أسلحة من شأنها أن تصحّح الخلل في ميزان القوى في مواجهة الطائرات المقاتلة السوريّة والمروحيّات الحربيّة".

وتلفت المصادر إلى أنّ الأفكار الأميركية تدور في معظمها حول مرحلة ما بعد إسقاط النظام وليس سبل إسقاط الأسد، في اعتبار أنّ واشنطن لن تغيّر موقفها الحالي ما لم يحصل تحوّل جذريّ في الداخل السوري، كأن يسيطر الثوّار على مدن بكاملها، وهو الامر الذي لن يتمّ من دون حصولهم على أسلحة نوعية.

وفي هذا الإطار، تتداول أوساط ديبلوماسية غربية، ضمن المبادرات التي تناقش حاليّاً، خطّة تدور حول سبل المحافظة على المصالح الدولية في سوريا بنحو يسمح بتحقيق إجماع يمهّد لرحيل الرئيس بشّار الأسد.

وترتكز هذه الخطة على ثلاثة محاور، محور يرتبط بوضع الجيش السوري ودوره في المرحلة الانتقالية، ومحور يرتبط بإرسال قوّات أمميّة عند سقوط الأسد أو بعده، ومحور يتعلق بتأمين الأسلحة الكيماوية ومحاربة أيّ مجموعات إرهابية أو متطرّفة كـ"القاعدة" خلال المرحلة اللاحقة.

وتقضي الخطّة بالعمل على إقناع روسيا بأنّ مصالحها في سوريا المستقبل ستكون مصانة عبر العمل الثنائي لتسهيل المرحلة الانتقالية وقيام حكومة انتقالية، وذلك بعد رحيل الأسد كشرط ضروري، وأنّ ذلك يتطلّب منها بالضرورة تسهيل العمل في مجلس الأمن الدولي، في مقابل إعطائها المحفّزات اللازمة لذلك.

ويحظى الجيش السوري النظامي، وفق هذا الطرح، بأهمّية لافتة، في اعتبار أنّه قد يكون المفتاح لتغيير الموقف الروسي لاحقاً. وعلى الرغم من غرابة هذا الطرح، إلّا أنّ الخطة تقوم على اقتراح تقديم ضمانات للجنرالات العلويّين في الجيش والقادة الكبار والطائفة العلوية في سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، في اعتبار أنّ ذلك سيحفّزهم على التنحّي الآن، وأنّ في استطاعة روسيا المساعدة على الاتّصال بهم لإقناعهم بهذا الغرض، على أن يُصار في مرحلة لاحقة الى تعيين آخرين مكانهم لا ينتمون الى الغالبية السنّية أيضا.

أمّا المحور الثاني، فهو مرتبط بإرسال قوّات أمميّة الى سوريا، خصوصاً في مناطق الأقلّيات العلوية والمسيحية لمَنع ما سمّوه عمليات انتقام تنفّذها الغالبية ولضمان حقوق الأقلّيات، وهو ما يحتاج أيضاً الى قرار من مجلس الأمن، وبالتالي موافقة روسيا عليه.

ويحظى موضوع تأمين الأسلحة الكيماوية السوريّة باهتمام بالغ لدى الإدارة الأميركية، كذلك ما تعتقد أنّه إمكانية لعمل منظمات إرهابية أو متطرّفة كـ"القاعدة" في سوريا لاحقاً، وهو المحور الذي يتمّ التنسيق فيه مع تركيا، والذي من أجله تمّ إنشاء مجموعة العمل المشتركة أخيراً، على أنّ البعض في تركيا لا يعلّق كثيراً من الآمال على هذا الجهد الاميركي-التركي المشترك، خصوصاً أنّ آلية مماثلة كان قد تمّ التوصّل اليها سابقاً في حالات أخرى لكن من دون أن يكون لها تأثير فعليّ، كما أنّ المراهنة على تدخّل تركي أحادي من دون غطاء أممي أو أميركي يُعدّ أمراً بالغ الصعوبة، وهو ما يشير الى أنّ الأزمة السورية لا تزال مستمرّة وعلى أنّ المجتمع الدولي في حقيقة الأمر إنّما ينتظر ما يمكن المعارضة السورية أن تحصده في الداخل وتتقدّم به على النظام، وليس العكس، إلى أن تأتي مرحلة الحصاد بعد الإطاحة بنظام الأسد، فيتحوّل الامتناع عن التدخّل تدخّلاً لإنتاج نظام جديد يتمّ من خلال تفادي الفراغ في السلطة وتداعياتها المحلّية والإقليمية والدولية.
 
نحن والإستراتيجية الأميركية الجديدة:الدفاع، الدَين العام، والغاز
جريدة السفير...شبل سبع *..* أستاذ الاقتصاد في جامعات أوروبية
تعمل الإدارة الأميركية منذ بضع سنوات على وضع إستراتيجية جديدة، هدفها الأساسي تخفيف الاعتماد على الخارج وإعادة نفوذها الاقتصادي كما كان قبل ولاية بوش الابن. بدأت هذه الإستراتيجية تتوضح بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، وهي تتمفصل حول الدفاع والدين العام والطاقة.
تعاني الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من 30 سنة من عجز في ميزانيتها التجارية (بين 200 و600 مليار دولار سنويا، حسب السنوات) سمح لدول عدة مصدِّرة لها، أهمها الخليج واليابان والمانيا والصين (ابتدأ من سنة 2000 بالنسبة لهذه الأخيرة) بأنْ تُراكم فائضا كبيرا من الدولارات. أعيد استثمار هذه الأموال في الولايات المتحدة في سندات الخزينة بشكل أساسي، إذ تَرافق العجز التجاري مع العجز في ميزانية الدولة نتيجة الانخفاض المتواصل لإدخار الأميركيين بين 1982 و2008، والارتفاع الهائل للميزانية الدفاعية، خاصة مع بوش الإبن (+ 400 مليار دولار سنويا). فبالرغم من أن ميزانية الدفاع الأميركية أصبحت توازن ميزانيات أوروبا والصين وروسيا مجتمعة، فلقد تمكنت الإدارات الأميركية المتتالية من تمويل ذلك بطريقة غير مباشرة، من خلال الرساميل الاجنبية المستثمَرة في تلك السندات.
استطاعت الإدارة الأميركية لسنين طويلة أن تمتص كل الادخار العالمي ـ حوالي 6000 مليار دولار! ـ وكأن الدول ذات الفائض المالي موّلت الحروب الأميركية لسنين طويلة. وكان من الممكن ان يستمر هذا الوضع طويلا، كما حصل بعد الحروب السابقة (فيتنام، العراق)، إذ ينتخب الأميركيون بعد كل حرب تقريبا رئيساً من الحزب الديمقراطي يعمد إلى تخفيف ميزانية الدفاع والدين العام، وهو ما حصل مع كارتر وكلينتون وأوباما. ولكن هذه المرة، ونتيجة الأزمة الاقتصادية، وبالرغم من الانسحاب من العراق، لم يتمكن أوباما من تخفيف عجز ميزانية الدولة أو الدين العام، بل بالعكس ازداد ذلك العجز بشكل كبير، إذ تعدى 100 في المئة من الدخل القومي، بعد أن كان أقل من 50 في المئة في أواخر عهد كلينتون، بالمقارنة مع ميزانية سنة 2000. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي عانت من الارتفاع المفاجئ في عجز ميزانيتها خلال الأزمة، نفهم أن الادخار العالمي لم يعد كافيا لسد العجز في ميزانيات الحكومات الغربية. وهذا ما تعبر عنه أزمة الديون الحالية في أوروبا. «فالحلقة الفاضلة» كُسرت بعد سنة 2008، إذ لم تعد الولايات المتحدة تستطيع الاعتماد على الخارج لتمويل ميزانيتها وبالتالي حروبها.
والأصعب من ذلك ان الولايات المتحدة لا تستطيع بعد الآن ان ترد ديونها الا إذا بقي معدل الفوائد على الديون أقل من نمو الدخل القومي (حوالي 2 في المئة حاليا)، وإذا ألغت العجز في الميزانية العامة. فإذا كانت المسألة الاولى ممكنة لبضع سنوات بفضل سياسة البنك المركزي الأميركي (شراء سندات خزينة...)، فالمسألة الثانية تتطلب حتما تخفيض الميزانية الدفاعية والأمنية بأكثر من 400 مليار دولار سنويا، حتى لا تتعدى 3 في المئة من الميزانية العامة. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بسحب القوات الأميركية من أفغانستان وأوروبا والشرق الأوسط. وقد بدأ تخفيف القواعد العسكرية من أوروبا، وجرى تأكيد الانسحاب من أفغانستان. إلا أن معضلة انسحاب القوات من الشرق الأوسط، ما زالت ماثلة، حيث تعتمد الولايات المتحدة بحوالي 15 في المئة على النفط الخليجي.
بعد مسألتي تخفيض الدين العام وميزانية الدفاع، نصل إلى النقطة الثالثة من الإستراتيجية الأميركية: تخفيف اعتماد أميركا على النفط الخليجي، وهو ما سيكون بمثابة حجر الزاوية للإدارة الجديدة. تقول بعض التقارير ان الولايات المتحدة الأميركية ستستغني تماماً عن نفط الخليج قبل نهاية العهد الرئاسي المقبل، أي سنة 2016.
ولكن، كيف سيتمكن الأميركيون من الاستغناء عن النفط الخليجي؟ خاصة انه لا توجد طاقة بديلة للنفط يمكنها تعويض الفارق. هذه المعضلة وجدت لها حلاً في السنوات الأخيرة في الغاز الطبيعي.
الغاز الطبيعي متوفر بكميات كبيرة في الولايات المتحدة، إذ أن التقنيات الحديثة أسهمت باكتشاف أكبر مخزون غاز في الكرة الأرضية، وهو يقع في الولايات المتحدة. إذا أضفنا إلى ذلك ان سعر وحدة الطاقة المنتَجة من الغاز أقل بكثير من الطاقات الأخرى (نتيجة انخفاض سعر الغاز أكثر من 70 في المئة في السنوات الأخيرة)، وأن نقله واستخدامه بعد تسييله أصبح سهلا وغير خطر، نستطيع ان نتفهم توجه الإدارة الأميركية المقبلة بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، في تشرين الثاني/نوفمبر القادم. لا بل إذا علمنا ان كلفة الغاز الطبيعي الأميركي أقل بكثير من كلفته في أوروبا والصين، ندرك أن الولايات المتحدة ستحسن من تفاوتها النسبي، وبالتالي في ميزانيتها التجارية على حساب أوروبا على الأقل.
المؤشرات التي تدعم هذا الاتجاه عديدة. أهمها بعض التصريحات الرسمية (كخطاب الرئيس الأميركي أمام الكونغرس بتاريخ 26 كانون الثاني/يناير 2012)، وتحليلات الخبراء (وأهمهم T. Boone Pickens)، ثم وعلى الأخص، ومنذ سنة 2009، توجه الشركات النفطية الأميركية إلى شراء شركات الغاز (كما فعلت كبرياتها، أكسون، وشيفرون، وكونوكوفيلبس)، وتصاعد وتيرة الاكتشافات في أستراليا وكندا والبحر المتوسط...
خلاصة، نستطيع القول ان الانسحاب العسكري الأميركي من منطقتنا، وإعادة تموضعه في شرق آسيا وأوستراليا، واعتبار آسيا/الباسيفيكي هي نقطة الاهتمام الاولى للإدارة الأميركية في إستراتيجيتها الجديدة، (كما أعلن عن ذلك أوباما في اجتماع آسيان، وعاد الى تأكيده في استراليا نفسها)، وسياسة الطاقة الجديدة التي تركز في اعتمادها على الغاز... ستصبح السكة الذي يسير عليها القطار الأميركي خلال الولاية الرئاسية المقبلة.
يبقى انه من الصعب جدا تعيين كل المتغيرات التي ستحصل في منطقتنا نتيجة ذلك، إلا انه من الممكن منذ الآن استشراف مسائل قد تفسر بعض ما يجري الآن:
ـ صعود دور القوى الاقليمية (إسرائيل، تركيا، إيران) نتيجة الانكفاء الجزئي للولايات المتحدة من المنطقة.
ـ ارتفاع أهمية دولة قطر نتيجة اعتماد الغاز كطاقة رئيسة، وكذلك وربما أيضا، ارتفاع أهمية الشاطئ الشرقي للمتوسط.
- وعلى الصعيد العالمي، تصاعد نفوذ روسيا التي تملك احتياطيا غازيا كبيراً، بالإضافة إلى النفط والمواد الأولية الأخرى، على حساب الصين وأوروبا.
 
مغزى التصاريح الإسرائيليّة
جريدة السفير...هاني المصري
في الوقت الذي تزداد فيه الحكومة الإسرائيليّة تطرفًا وتعنتًا إلى حد إفشال كل الجهود والمبادرات الرامية إلى استئناف المفاوضات وإحياء ما يسمى «عمليّة السلام»، وشن حملة متواصلة من وزير الخارجيّة الإسرائيلي ليبرمان ضد الرئيس «أبي مازن» مطالبًا باستبداله، لأنه يشن حملة ديبلوماسيّة وقانونيّة ضد إسرائيل، ويهدف إلى التوجه إلى الأمم المتحدة فيما يعتبر إرهابًا ضد إسرائيل.
وفي الوقت الذي تسابق فيه إسرائيل الزمن وتكثف من تطبيق مخططاتها العدوانيّة والتوسعيّة والاستيطانيّة والعنصريّة، والتي بلغت مستوى غير مسبوق بإطلاق يد المستوطنين لنشر الخراب والتدمير والاعتداءات المتواصلة والمتصاعدة ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومزروعاتهم.
في هذا الوقت بالذات؛ أصدرت سلطات الاحتلال تصاريح زيارة مدتها شهر طوال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، وتفاوتت التقديرات في عددها ما بين 130 ألاف إلى 200 ألف، وترافقت مع صرف نظر الاحتلال عن عاصفة من الدخول البشري الفلسطيني لإسرائيل بتصاريح أو من دونها، بحيث وصل عدد الزائرين إلى نصف مليون على الأقل.
قبل الوقوف أمام أسباب هذه الخطوة، لا بد من التأكيد على الحق الفلسطيني الطبيعي والقانوني في التنقل بحريّة داخل أرضه من أجل السياحة والعمل والتجارة، وزيارة أهله ومدنه وقراه، والمقدسات الدينيّة والمعالم التاريخيّة، وإقامة الصلاة بين مختلف أجزاء الشعب الفلسطيني، وأن منع هذا الحق انتهاك صارخ تقوم به سلطات الاحتلال، يضاف إلى مئات الانتهاكات التي من ضمنها عدم تمكين أهالي الضفة، بما فيها القدس، وقطاع غزة من التواصل بالرغم من الاتفاقات سيئة الصيت المبرمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي التي تنص على ذلك.
ما مغزى هذه الخطوة الإسرائيليّة غير المسبوقة بهذا الحجم منذ قيام السلطة وحتى الآن، وما الذي يقف وراءها؟
هل يمكن القول إن ما أدى إلى إصدار هذه التصاريح هو سبب سياسي أم أمني أم اقتصادي على طريقة إما، أو أن هناك عدة أسباب مترابطة وراء هذه الخطوة، وهي:
أول هذه الأسباب هو أمني، لأن الهدوء والاستقرار الذي تحقق خلال السنوات الأخيرة لم يسبق له مثيل منذ وقوع الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وحتى الآن، ويعزز هذا الهدوء التنسيق الأمني المستمر ما بين الاحتلال والسلطة الفلسطينيّة الذي لم يتأثر، بالرغم من وقف المفاوضات وتدهور العلاقات بين الجانبين، والتهدئة ما بين الاحتلال وسلطة الأمر الواقع في غزة.
ثاني الأسباب هو اقتصادي، كون هذه الخطوة تتم في ظل متاعب اقتصاديّة إسرائيليّة ظهرت في رفع الضرائب والغلاء والاحتجاجات الاقتصاديّة الاجتماعيّة، وتراجع معدلات النمو، خصوصًا في ظل تأثيرات دق طبول الحرب مع إيران. ولا يجب التقليل من العامل الاقتصادي، بحجة أن الاقتصاد الإسرائيلي أقوى بعشرات المرات من الاقتصاد الفلسطيني، فهناك تقديرات تفيد بأن السوق الإسرائيليّة امتص مليار شيكل من الأموال الفلسطينيّة طوال شهر رمضان وعيد الفطر.
إن إعلانات الشكر التي نشرها محل «ماميلا» للإدارة المدنيّة لإصدارها هذه التصاريح، وقيام»كنيون المالحة» الشهير بسد نفقات استئجار المخازن المتخلف عن سدادها طوال العامين السابقين ودفع سنة مقدمًا، وما شهدته شواطئ يافا ووتل أبيب وغيرهما من المدن والأسواق الإسرائيليّة من غزو جماعي فلسطيني وزيارات متكررة طوال الفترة المذكورة؛ لا يجعل من السهولة بمكان التقليل من تأثير العامل الاقتصادي.
السبب الثالث والأكثر تعقيدًا لتفسير الخطوة الإسرائيليّة هو السبب السياسي، ويمكن القول في هذا الصدد: إن إسرائيل حريصة على أن تظهر أمام العالم بأنها تسمح بحريّة التنقل وزيارة الأماكن الدينيّة ومختلف مدن إسرائيل، لأن هذا يحسن من صورتها وسط وجود معالم ضيق في العالم من سياساتها، وتريد أن تنفس حالة الاحتقان والإحباط لدى المواطن الفلسطيني خشية من اندلاع انتفاضة ضد الاحتلال، في ظل تهميش القضية الفلسطينية؛ بسبب الانشغال العربي والدولي بالمتغيرات العربية والإقليمية، وأزمة اليورو، وانتخابات الرئاسة الأميركية، واحتمال الحرب على إيران، وبعد فشل حل الدولتين بعد أن بلغ عدد المستوطين في الأراضي المحتلة العام 1967 أكثر من 650 ألف مستوطن، والإعلان عن مشاريع لبناء عشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، وبعد فقدان الأفق السياسي، وتردي الوضع الاقتصادي، وزيادة الضغوط، والاعتداءات الإسرائيلية.
فإسرائيل تضغط على السلطة في جانب وتساعدها في جانب آخر، بدليل أنها قدمت موعد دفع العوائد الفلسطينيّة الشهر الماضي، وعقد اتفاق فلسطيني إسرائيلي يهدف إلى تحسين زيادة هذه العوائد، وأصدرت عشرة آلاف عامل جديد تصاريح للعمل فيها، يضافون إلى 100 ألف عامل يعملوا فيها وفي المستوطنات، ويضاف إليهم 15 ألف تاجر ورجل أعمال يحملون تصاريح دخول إلى إسرائيل، و30 ألف مواطن من غزة يدخلون إسرائيل سنويًا للعلاج والتجارة وأمور أخرى. وتصاريح العمل هذه تعزز الاقتصاد الفلسطيني من جهة وتربطه بالاقتصاد الإسرائيلي من جهة أخرى.
فالهدف ليس التخلص من السلطة التي تشكل مصلحة إسرائيليّة وتجعل الاحتلال خمس نجوم، بل إعادة صياغة إسرائيلية مستمرة للسلطة، لكي تكون دائمًا سلطة حكم ذاتي محدود ووكيلًا أمنيًّا للاحتلال، وتكف عن العمل من أجل السيادة والاستقلال وإقامة دولة فلسطينيّة على حدود 1967. فمثلاً استعادت سلطات الاحتلال جزءًا مهمًا من صلاحيات السلطة بعد إعادة احتلال الأراضي الخاضعة كليًّا لسيطرة السلطة، ونقلتها إلى الإدارة المدنية التابعة للاحتلال؛ استعدادًا لكافة الاحتمالات، خصوصًا إذا قررت السلطة مسارًا جديدًا يتضمن إعادة النظر بشكلها ووظائفها والتزاماتها.
تأسيسًا على ما سبق، السلطة حائرة في تفسير الخطوة والسياسات الإسرائيليّة في الوقت الحاضر، فهناك سياسات وإجراءات ضد السلطة وأخرى لدعمها (ثواب وعقاب)، فهي التي قدمت 90% من طلبات الحصول على التصاريح، فيما قدم 10% الطلبات مباشرة إلى الإدارة المدنيّة الإسرائيليّة، وأعربت عن تباين في تفسير الخطوة، بين من قلل من مغزاها الاقتصادي وبالغ في أبعادها السياسية والأمنية.
وظفت الحكومة الإسرائيلية التصاريح لترسيخ فكرة السلام الاقتصادي، وتقديم الخيارات الإسرائيلية التي طرحتها بديلاً عن الحل السياسي وإزالة الاحتلال وإقامة الدولة.
إسرائيل أعطت الفلسطيني الشاب الذي لم يغادر الضفة طوال حياته فرصة للمقارنة بين السلطة وإسرائيل، ومستوى المعيشة والحياة وجودة السلع والخدمات.
لو كان الوضع الفلسطيني سليمًا كان يمكن توظيف التصاريح لتعزيز الصلات مع شعبنا في الداخل، وتعزيز صمود القدس، وتطوير التعاون في كافة المجالات بين قطاعات شعبنا المختلفة.
كما يمكن تعزيز الثقافة الوطنيّة من خلال توسيع استخدام سلاح المقاطعة الإسرائيليّة والسياسيّة والاقتصاديّة والأكاديميّة بشكل عملي وليس رمزي كما حصل حتى الآن.
يمكن أن يزور المواطن الفلسطيني إسرائيل ويحمل طعامه وشرابه معه، مثلما يعمل السائح الإسرائيلي حينما يزور الأردن، كما قرأنا مرارًا وتكرارًا في وسائل الإعلام الأردنيّة. أو يمكن أن يتعامل مع المؤسسات والشركات والأسواق العربيّة، خصوصًا في القدس المحتلة ويقاطع الإسرائيلية.
وبالمناسبة، أين الحملة لمقاطعة الاستثمار في إسرائيل والمستوطنات، وأين الحملة التي نظمتها السلطة لمقاطعة الاستيطان عملًا وتعاملًا وتجارةً؟ فعلى ما يبدو أنها سحبت من التداول دون إعلان. فبضائع المستوطنات لا تزال تغزو الأسواق الفلسطينيّة، وعدد العمال والاستثمار فيها بازدياد.

المصدر: مصادر مختلفة

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff..

 الأربعاء 2 تشرين الأول 2024 - 6:21 ص

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff.. The long-running feud between Libya’s competing au… تتمة »

عدد الزيارات: 172,423,172

عدد الزوار: 7,682,746

المتواجدون الآن: 0