تقارير..هل القبول بإيران النووية يجلب الاستقرار للشرق الأوسط؟....الإصلاحات العسكرية والأمنية في اليمن: بذور صراع جديد؟...شهادة أمام الكونغرس .. سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا

ضربات الطائرات بدون طيّار قد تكسب أفعال القاعدة شرعية تفتقدها....الشارع الحقيقي لا الفضاء الافتراضي هو ساحة مواجهة التطرف الآتي من الجهل.....إصلاح سياسي في الخليج لا ثورة

تاريخ الإضافة الأربعاء 17 نيسان 2013 - 6:39 ص    عدد الزيارات 2177    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

ضربات الطائرات بدون طيّار قد تكسب أفعال القاعدة شرعية تفتقدها
إيلاف..لميس فرحات          
يقول بن ايمرسون، الذي يقود تحقيقاً في استخدام الطائرات بدون طيار، إن الضربات التي توجه بتلك الطائرات ضدّ متشددين، غير شرعية بموجب القانون الدولي، وأنها يمكن أن توفر مبرراً للهجمات الإرهابية.
لميس فرحات من بيروت: يعمل الخبراء في الوقت الراهن على مقارنة برنامج وكالة الاستخبارات المركزية لغارات بطائرات بدون طيار على الأراضي الباكستانية، مع الهجمات التي يشنها تنظيم القاعدة، فيما يحذر محققو الأمم المتحدة لحقوق الانسان من مخاطر إعطاء أساس قانوني للإرهاب.
ضربات غير شرعيّة
بن ايمرسون، الذي يقود تحقيقاً في استخدام الطائرات بدون طيار، يقول إن الضربات غير شرعية بموجب القانون الدولي، وأنها يمكن أن توفر مبرراً للهجمات الإرهابية.
هذه التصريحات سوف تثير غضب ضحايا الهجمات الإرهابية وتهدد بتقويض التحقيق الذي أجراه وتطلب تسعة أشهر من العمل.
في مقابلة مع (سي ان ان)، قال ايمرسون، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان: "إذا كان يحق للولايات المتحدة أن تشن غارات بطائرة بدون طيار ضد أفراد تنظيم القاعدة أينما وجدوا، فهذا يعني أن القاعدة ستكتسب الحق باستهداف البنية التحتية والعسكرية للولايات المتحدة في أي مكان".
وطلب ايمرسون من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة البدء بالتحقيق في هجمات الطائرات بدون طيار بعد طلبات مقدمة من البلدان بما فيها باكستان وروسيا والصين.
وتركز الانتقادات على عدد المدنيين الذين قتلوا وتصريح الحكومة الباكستانية بأنها لم تعط الإذن للهجمات.
الارهاب لا شرعية له
قال شاشانك جوشي، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن المقارنة بين وكالة المخابرات المركزية والقاعدة لا تصلح، مشيراً إلى أن "مكافحة مجموعة إرهابية - عن طريق صحيح أو خاطئ - لا يجعل من الكيان المجرم مجموعة سياسية شرعية".
الشهر الماضي، أعلن ايمرسون أن الضربات غير قانونية لأن باكستان لم تعط موافقتها عليها، وذلك بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام الى اسلام اباد.
وفي مقابلة مع قناة (سي ان ان) قال ايمرسون إن تبرير الولايات المتحدة لهجماتها يهدد بإضفاء الشرعية على تنظيم القاعدة.
وقال "هناك خطر حقيقي بأن التحليل الذي يجري تطويره حالياً والذي تعتمد عليه الولايات المتحدة، يشرعن - في القانون الدولي - تنظيم القاعدة، من خلال تحويله إلى فريق يحارب في معركة تجعل من استخدام القوة من جانب تنظيم القاعدة وشركائها مشروعة".
ويقول معارضو هجمات الطائرات بدون طيار ان هذه الممارسة تؤدي إلى تغذية الأفكار الراديكالية لجيل كامل في المناطق القبلية الباكستانية النائية.
 
الشارع الحقيقي لا الفضاء الافتراضي هو ساحة مواجهة التطرف الآتي من الجهل
إيلاف..محمد الحمامصي      
أثمر الربيع العربي تسلق الإسلاميين سلالم السلطة في دول التحوّلات، ما يضع المثقف العربي أمام استحقاق مهم، هو ردم الهوة الموجودة بينه وبين الناس، من خلال التكلم بلغتهم، وحمل راية قضاياهم، لا التمسك بنبرة متعالية، وإلا يكون بطلًا على مواقع التواصل ونكرة في الواقع الحقيقي.
محمد الحمامصي: تمرّ المنطقة العربية بمرحلة انتقالية حرجة، سمتها الأولى صعود الاسلام السياسي إلى الحكم في بعض الدول، كتونس ومصر، واضطلاعه بدور توجيهي في أخرى، كليبيا، ولعبه على حافة الإمارة الإسلامية، كما يجري مع النصرة في سوريا.
إزاء هذا الوضع، كيف للمثقف العربي أن يواجه ما يشبه الحتمية التغييرية، التي تنحو بجديد الأنظمة العربية نحو التطرف والعنف؟. سؤال برسم كل المثقفين العرب، خصوصًا أنهم يمثلون الأمل الوحيد بعد تسمم السياسة والاقتصاد برجالات الفكر المتشدد.
كائنات فضائية
يرى الناقد الدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن الموضوع يتمثل في كل ما يهمّ الإنسان في حياته اليومية، وعلى رأسها الدين نفسه. يقول: "على المواطن العربي أن يعلم أن تفسير الدين والاجتهاد فيه ليسا حكرًا على جماعات الإسلام السياسي، لكنه باب مفتوح لكل مسلم له عقل، وتفسيره متجدد وفقًا لطبيعة كل عصر".
من وجهة نظر مجاهد، يكون ذلك بإحياء المستنير من كتب الفقه والتفسير والحديث وإتاحتها وجذب النظر إليها، لكنه لا يرى أي جدوى من ذلك، ما لم يغيّر المثقف العربي لغة خطابه وتوجهاته، ويتخلى عن نبرته المتعالية، "فهذا ما جعلنا نحن المثقفين أقلية غير مؤثرة، علينا أن نتحدث بلغة يفهمها البسطاء، وفيموضوعات تهمّهم، وأن نتوجّه إليهم في القرى والنجوع ومراكز الشباب، وحينها نتساءل ماذا قدمنا إلى الشارع، وما حجم دورنا فيه، فالشارع، الذي تعالينا عليه طوال السنوات الماضية، احتله المتخلفون، فصار شارعنا ينظر إلينا وكأننا كائنات فضائية".
النزول إلى الشارع
يقول الروائي حسن عبد الموجود إن معظم المثقفين العرب يعملون في السياسة، إذ يلتحقون بأحزاب أو حركات وتنظيمات ثورية، أو يكتبون في الصحف عن الأوضاع الراهنة، ويشاركون في المؤتمرات والمنتديات والفضائيات والمناقشات على مواقع التواصل الاجتماعي. يضيف: "مع الأسف، فشلت معظم الجهود في مواجهة غول التطرف، الذي هلّ مع الأنظمة الجديدة، فلا كيان واحدًا يتوافق عليه المثقفون، ولا مشروعًا قوميًا يجمعهم، مع أن هناك الكثير من الأفكار الصالحة".
ويرى عبد الموجود أن أحوال المجتمعات العربية لن تصطلح بالشجار في تلفزيون الواقع، أو من خلال التحذير من ازدياد الهجمة الدينية الشرسة، "فالتجربة أثبتت أن الإسلامويين يضعون أصابعهم في أذانهم، ويكرهون الحوار، وينشغلون بالتمكين وسرقة مؤسسات الدول، ولهذا على المثقفين أن ينزلوا إلى الشارع، إلى المواطنين، فيقتربوا منهم عبر كيانات مستقلة، صوتها مسموع، تعبّر بوضوح عن النخب، التي تمزقت وتشوّهت، وترصد أخطاء الأنظمة، وتكون على تماس دائم مع المعنيين بحقوق الإنسان في دولهم أو في دول العالم، وتواجه التطرف في الأنظمة التعليمية والمساجد، والحفر في هذا الاتجاه سينجح بالتراكم، أو سيعمل على إبقاء المتطرفين فى حيزهم، فلا يحققون إنجازات جديدة".
فتح المنابر
أمّا الناقد والروائي السوري نذير جعفر فيرى أن المعركة الرئيسة المفتوحة الآن لم تعد محصورة بين الأنظمة الديكتاتوريّة المستبدّة والشعب فحسب، بل بين قوى التكفير والتطرف الإسلاموي الظلامي والقوى الديمقراطية العلمانية، والانحياز إلى الوطن عندما ستهدده الأخطار هو البوصلة الحقيقية بالنسبة إليه.
يقول: "صارت دول ما يسمّى بالربيع العربي ساحة تجاذب مصالح إقليميّة ودولية، وساحة استقطاب للفكر المتطرّف ومسلّحيه تحت عناوين الجهاد، ومن هنا يبدو الدور الأساس للمثقّف هو التنوير ومواجهة الحرب الإعلامية بجبهة ثقافية قوميّة متعاضدة ذات مصداقية، تحدّ من تأجيج العنف والنزعات ما قبل الوطنية، وترسخ مفهوم المواطنة الحقّة وسيادة القانون، وتدعو إلى تحقيق تطلعات الشعب بالطرق السلمية".
يضيف: "تفعيل دور المثقّفين العرب منوط بفتح المنابر والوسائل الإعلامية والثقافية أمامهم بمختلف أطيافهم، ليدلوا بآرائهم المتباينة تحت سقف الوطن والحفاظ على أمنه وسيادته".
العقل والنقل
يلفت الكاتب والأديب المغربي إدريس الواغيش إلى أن الوسط الثقافي في عالمنا العربي والإسلامي يشهد زحفًا رهيبًا لكتب "عذاب القبر" و"هول القبور"، قادمة من كواكب "كنا اعتقدناها سقطت في بئر النسيان، وإذا بها ترجع في غفلة منا، وفق موجات ارتدادية متلاحقة، تكتنف خطورة كبرى، تكمن في ما تحمل من أفكار متآكلة، ترجع بنا كأمّة إلى الوراء، في وقت وصلت الأمم إلى اختراعات أبهرت العالم".
يهاجم الواغيش نمط التفكير الثقافي العربي السائد حاليًا، "إذ من السهل تلفيقه لهذه الجهة أو تلك، لهذه الدولة أو لأخرى، وفق أجندة معدة سلفًا وبعناية، تتزامن مع هذا الذي سمّوه تلفيقًا بالربيع العربي، الذي لم نرَ معه إلا الدم والعويل والقتل والخراب في الأمّة العربية".
ويوصف هذه العودة بأنها عودة أخرى للنقل على حساب العقل، الذي يظهر أن استخدامه في العالم العربي يخيف الكثير من الأنظمة، مضيفًا: "على المثقفين التصدي لهذه الظاهرة، التي يستفيد منها مشايخ النفط والدولار وتجار الدين، مهما أظهروا من حسن نية، وعلى العقل أن يتغلب، كما في كل مرة، على آلة النقل، التي تحنّط عقول الشعوب، وتجعلها جامدة تتفرّج على الأمم الأخرى تصنع الأعاجيب، ولا بد أن نساهم كمثقفين في إعلاء كلمة العقل وتطوير آليات التفكير، بعيدًا عن منطق التكفير، الذي يراد نموذجًا يحتذى به".
صخرة التطرف
يؤكد الكاتب حسونة فتحي أن التطرّف صخرة، تسدّ مداخل نور المعرفة، ولن يزيحها سوى المثقف. ويشير إلى أن الترجمات الفارسية والهندية واليونانية هي اللبنة الأولى، التي أنشأ عليها المجتمع الإسلامي المتعطش للمعارف خلال العصر العباسي الأول صرحًا من المعارف، وفتحت الأبواب لانطلاق الفكر خارج قيود الجمود والتقليد والرجعية إلى آفاق الإبداع في العلوم والرياضيات والفلسفة والآداب.
يضيف: "الصخرة التي قد تسدّ باب النور والحرية عن مصر والوطن العربي صلبة لا يزحزحها سوى المثقف، وهي متمثلة في دعاة الجمود والتطرف والظلمة من طلاب السلطة المتشحين بوشاح الدين، والذين لا يتوانون عن اتخاذ أي سبيل ووسيلة لبلوغ السلطة والتسلط على مقدرات العباد والبلاد، حتى وإن كانت الوسيلة إراقة الدماء وتفرقة الأبناء وتفتيت الأوطان والخداع والكذب والتضليل".
يشدد فتحي على أن الجهل هو الأرض الأكثر خصوبة وملائمة لنمو التطرف، وحاجب الجهل، الذي يمنع عنه المعارف، هو الفقر المادي والمعنوي، وحارس الفقر الذي يقيه التغيّر هو التغييب، "فالإنسان الجاهل الفقير المغيب هو الأشد خطورة على المجتمع، لذا وجب أن يكون هذا الإنسان هو هدف خطابنا وجهودنا، سواء كان الخطاب ثقافيًا أو سياسيًا أم اقتصاديًا أم دينيًا، ولا بد للإعلام والثقافة أن يكون كل منهما وسيلة للآخر للوصول إلى هذا المخاطَب بكثافة تناسب سنواتٍ طوال من الغياب، وبِلُغَةٍ وموضوعية يتناسبان ومداركه".
 معبد الجهل
تسمح الشاعرة غادة نبيل لنفسها بالحلم، "ولم لا؟، فمآساتنا هي الأمّية، التي أودت بنا للتهلكة"، كما تقول. تروي: "أذكر حين كنت في ميدان التحرير قبل التنحّي، سمعت صوتًا شابًا يقول بثقة (مش حنمشي من الميدان قبل ما كلنا نتعلم)، فكم مثقف أو حتى كم متعلم لدينا ممن لا يتحمّلون فكرة الحكم الديني؟، كثيرون، وعليهم واجب محو أمّية المواطنين".
تضيف: "يجب أن ننظم أنفسنا في كتائب تثقيفية للتحرك صوب مناطق العشوائيات والأرياف والصعيد، فبدون تعليم، قد يظل الأمّيون حراسًا لمعبد الجهل، الذي سينهدم على رؤوسنا جميعًا".
التعليم، ثم التعليم، ثم التعليم، هكذا رددت وأصرّت مصوّرة فوتوغرافية روسية أقامت في القاهرة، وأعدّت كتابًا عن مبانيها الأثرية التي تتعرّض للعدوان والهدم، حاورها نبيل مرة، وينقل عنها هذا الكلام.
وهي لا ترى فائدة من الاعتراض على وزارة الثقافة ومن الحديث المكرر عن الحاجة إلى إعادة هيكلتها، في ظل تفشي الأمّية والتعصب والكراهية في مجتمع مريض بالخجل من الحب، كل فرد فيه مهووس بالعرض الذي يقدمه كل صباح للآخرين، "فهذا مجتمع لم يعرف لحظة صدق، ولم يعش حسًا بالحرية إلا وقت الثورة، حين كنا نتطلع إلى أعين بعضنا البعض كنساء ورجال غرباء وغريبات، فنتبادل الضحك أو الابتسام من القلب".
وتتابع: "أحسب أن تعدادنا الكبير يكبر مشاكلنا، لذا أميتنا أفدح تأثيرًا، وستحلّ لعنة النخبوية على المثقف العربي إن لم يتحرك، وإن لم يواصل النقاش".
المثقف والشعب
من جانبه، يؤكد الناقد الليبي طارق الشرع أن الحقيقة لا تكمن دائمًا في فوهات المدافع المنتشرة على أسوار القلعة، بل داخل أروقة القصر. يضيف: "إن كنا نبحث عن آليات حقيقية لمواجهة أخطار الجهل والتخلف، فعلينا أن نستنير بالمصابيح المضاءة في داخلنا، وإلا فستنار مصابيح أخرى، والمثقف العربي اعتاد على الاستظلال بالاختلاف مع الأنظمة الدكتاتورية عبر التلويح بصوت عال بالقيم المناهضة للممارسات الدكتاتورية، وهي حقائق تجسدت في رسائل، أدت بنفي البعض، وسجن بعض آخر، وموت بعض ثالث، إلا أنها كانت مقتصرة على شرائح محددة، أي المرسل والمرسل إليه، ما أدى إلى مساحة ازدادت اتساعًا بين نخب تنتج قيمصًا وشعب لا يستهلكها، وهو ما أفرزته ثورات الربيع العربي عندما أراد أبناء القاعدة الشعبية اللحاق بركب الجندي المجهول، ليجد نفسه أمام قاموس مفردات غائبة عنه وعن ثقافته".
ويختم الشرع: "قبل الوقوف في مواجهة أي خطر يهدد الشعب، على المثقف إعادة بناء علاقته بهذا الشعب نفسه، ليتجنب التحدث بألسنتهم عبر لسان لا يعرفونه".
 
هل القبول بإيران النووية يجلب الاستقرار للشرق الأوسط؟
المستقبل..د. عبدالعظيم محمود حنفي()
النقاشات الحادة في إسرائيل، وكانت في قلب المعركة الانتخابية للرئاسة الأميركية بين ميت رومني وأوباما، حيث اتهم الأول الثاني برمي إسرائيل تحت الحافلة الإيرانية، هي نقاشات في جوهرها بشأن مقاربة أوباما للملف النووي الإيراني؛ فالرئيس الأميركي انتهج نهجاً مغايراً في التعامل مع التحديات الإيرانية، فقد كان المنهج المتبع في السياسة الخارجية الأميركية هو تجنّب إجراء مباحثات مباشرة مع إيران. وتجنّب اتخاذ خطوات ديبلوماسية أوسع في اتجاه السعي للتفاوض معها؛ أما مقاربة أوباما فقد استندت على ضرورة اتخاذ خطوات جدية على المسار الديبلوماسي تجاه طهران بدلاً من المقاطعة التي انتهجتها إدارة بوش. وفي حالة فشل استراتيجية التواصل الديبلوماسي مع طهران ترى تلك الإدارة أنه لا بد من أن يتوفر إجماع دولي على فرض سلاح المقاطعة والعقوبات على طهران سواء كان ذلك في مجلس الأمن الدولي أو غيره. وقرن الرئيس أوباما نهجه ذلك بأربعة إشارات لافتة تصالحية نحو إيران، بداية بقيامة أوباما بإذاعة رسالة الى إيران، يعترف فيها للمرة الأولى بآيات الله باعتبارهم الممثلين الشرعيين للشعب الإيراني. بمناسبة عيد النيروز، وكان الرئيس بوش يكتفي بتهنئة الشعب لا القيادة، مروراً بعرض التفاوض حول وقف سلمي للبرنامج الإيراني من دون شروط مسبقة، في حين أن إدارة بوش كانت تصر على قيام طهران بوقف التخصيب أولاً قبل التحاور واعتبر ذلك اعترافاً أميركي بحق الجمهورية الإسلامية بتخصيب اليورانيوم، الثالثة في خطابه في جامعة القاهرة (يونيو 2009)، أقر أوباما بمشاركة الـ(سي.آي.إيه) بالإطاحة بالحكومة الإيرانية منذ أكثر من نصف قرن مضى. الرابعة مع ملاحظة أن الرئيس الأميركي رفض الوقوف بقوة الى جانب المظاهرات الصاخبة ضد الحكومة الإيرانية على خلفية رفضهم نتائج انتخابات 12 حزيران (يونيو) 2009 التي أعلنت فوز الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لفترة رئاسية ثانية.
ونتيجة لعدم تجاوب المرسل إليه الإيراني، فقد انخرطت إدارة أوباما في فرض حزمة من العقوبات القاسية التي استهدفت قطاع النفط والمال في طهران، ولكن التجربة التاريخية تخبرنا أن تلك السياسات العقابية لم تثن تلك النظم الساعية لامتلاك القنبلة وآخر نموذج يدلل على ذلك هو كوريا الشمالية. وقد تواترت عن رفض أوباما توجيه ضربة عسكرية لإيران وهناك من يرى أن أوباما استبعد عملياً الخيار العسكري عن طاولة البحث، وتطالبه إسرائيل وحلفائها في واشنطن بتوجيه إنذار الى إيران، ومثل هذه المؤشرات تعني أنه ليس هناك فرصة حقيقية لقيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد إيران، وقد فهم الإيرانيون ذلك جيداً، وفي المقابل تعززت ثقتهم بموقفهم وسرّعوا من وتيرة التخصيب بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويبدو أن اتجاه أوباما العقائدي الرافض للحرب يتفق مع ما ذهب إليه عدد من المحللين البارزين الأميركيين، فسبق، مثلاً، لفريد زكريا أن دعا في عموده في صحيفة "واشنطن بوست" الى استصحاب تشبيهين تاريخيين دفاعاً عن وجهة نظره بأن على إسرائيل ألا تهاجم إيران وهو يرى ذلك الخيار سيكون خطأ استراتيجياً وإنما عليها أن تسعى الى "احتواء" إيران المسلحة نووياً إذا لزم الأمر.. ولدعم رؤيته يستشهد زكريا بقرار ألمانيا بغزو فرنسا عام 1914 وقرار الولايات المتحدة بعدم مهاجمة الاتحاد السوفياتي في أواخر الأربعينات من القرن الماضي. ولكن أنصار الهجوم استشهدوا بالفشل في مواجهة تصاعد النزعة العسكرية الألمانية في ثلاثينات القرن الماضي لتسليط الضوء على المخاطر السلبية، أو حالات من التدخلات العسكرية الناجحة لتوضيح مزايا اتخاذ إجراءات. كما أن كينيث والتز الأستاذ البارز في العلاقات الدولية وهو من روّاد التيار الواقعي الهيكلي طرح تساؤلاً في مقالته في الفورين افيرز: هل التوازن النووي بحصول إيران على القنبلة يجلب الاستقرار للشرق الأوسط؟ وكانت نتيجة تحليله؛ أن امتلاك القنبلة الذرية من قِبَل دولتين متنازعتين مثل باكستان والهند، ساعد على توقيع اتفاقية السلام بينهما سنة 1991. وقد اعترفت الهند أن الشعور بعدم الاستقرار الذي تنازعها، كان السبب في اندفاعها للحصول على سلاح الردع النووي. وهذا ما جعل ميزان الرعب ينحسر أمام ميزان التسوية السلمية. بل هذا ما قد يحصل بين إسرائيل وإيران بعدما تستقوي طهران بالقنبلة الذرية. ويثير الأمر التساؤل عن علاقة ذلك بدراسات أميركية سابقة مثل دراسة صدرت في مجلة أميركان بروسبكت تحدثت عن مثلث القوة المقبل وأنه يجب أن تكون تركيا وإيران حليفتي الولايات المتحدة المستقبلتين في الشرق الأوسط بعد إعادة تكييف النظام الإيراني؟ ووسط كل تلك النقاشات فإن النخبة السياسية والاستراتيجية الأميركية تكاد تتفق على أن البرنامج النووي الإيراني يمثل التهديد الرئيسي بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لما يتضمنه من مخاطر كبيرة أولها احتمالية استخدام إيران للأسلحة النووية، وهو ما يتعارض مع المصالح الأميركية من ناحية، ويدعم في المقابل حلفاء طهران في المنطقة وتنظيم "القاعدة" من ناحية أخرى. علاوة على إمكانية انتقال التكنولوجيا والأسلحة النووية الى الدول المتطرفة والمنظمات الإرهابية، سواء كان ذلك بعلم الحكومة الإيرانية أو من وراء ظهرها. كما يمثل البرنامج النووي دافعاً نحو اعتماد الجمهورية الإسلامية لسياسة خارجية أكثر تشدداً، فضلاً عما يترتب عليه من زيادة للنفوذ الإيراني على المستوى الإقليمي. علاوة على أن برنامج طهران النووي سيؤدي الى سباق نحو التسلّح في هذا المجال بالمنطقة، فقد أعلنت ما يقرب من 12 دولة، عزمها تطوير قدراتها النووية السلمية كرد فعل على الطموحات النووية الإيرانية. كما لا يمكن إغفال أن البرنامج النووي يمثل صدمة قوية للجهود الدولية الهادفة لمنع الانتشار النووي. وأخيراً السؤال الذي يطرح في هذا السياق يتعلق بالعداوات التي خلقتها الثورة الإيرانية، على اعتبار أن العدو الأول قد يكون إسرائيل. ولكن تهديداتها وصلت الى دول الخليج العربي، وتجاوزتها لتصل الى الدول الأوروبية. ومن ثم كيف يمكن أن تجلب إيران النووية الاستقرار بل أن ذلك سيؤجج العنف والتطرف وسيزيد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الخليجية ومن تمويلها للشبكات التخريبية من أفغانستان الى أقاصي إفريقيا.
() مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات – القاهرة
 
إصلاح سياسي في الخليج لا ثورة
الحياة...مهنا الحبيل..باحث سعودي
منذ أن تدافعت آثار الحراكين الفكري والسياسي لانعكاسات الربيع العربي على منطقة الخليج، انزوى الموقف السياسي لأنظمة الحكم الخليجية إلى دائرة متحفّزة للغاية ومنغلقة أمام الطموحات السياسية لشعوب المنطقة.
كل الإعلانات السياسية للتكتلات الثقافية، أو المعارضة في الخليج، تمسكّت بإطار أُسر الحكم، باستثناء جهات مثل حركة «حسن مشيمع» في البحرين، التي نادت بجمهورية بعمق ديني، وذلك لتوافقات اجتماعية، أو تقديرات وطنية، أو خشية من تأثيرات التغيير الكبرى في المنطقة، سواءً بإحداث فوضى دموية، أو مرحلة انتقال سياسي هائجة، تستدعي حالاً دموية، أو تقسيماً حتمياً، كون التشكيل الجغرافي للدولة يحوي مساحة وأقاليم متعددة، أو أن خريطة الحدود أصلاً في تماس خطر للغاية مع الاندفاع الإقليمي الإيراني، الذي قد يتحرك مداً أو جزراً، ليس بالضرورة كوجود بشري للإيرانيين لكن كصيغ مختلفة، قد يتعامل معها الغرب في نهاية المطاف، ويستمر استثماره لمنطقة الخليج العربي نفطياً، أو جيوستراتيجياً، خضوعاً لتغيرات شاملة في المنطقة في ظل أحداث عنف أو فوضى، في حين تعكس توجهات الرئيس باراك أوباما حلقة مزاوجة بين الإيمان بالحفاظ على منطقة الخليج العربي كحديقة خلفية، وبين قراءة التغيرات الاجتماعية والسياسية والتعاطي معها حين تحّل ساعة الانفجار في أي دولة خليجية، وذلك عبر ما يعتبره فريق أوباما الواقعية السياسية لسياسة التدخل عن بعد، والتعامل مع عوامل الصعود الجديد، حتى ولو كان مرتبطاً بإيران، أو دفعاً ذاتياً، أو صراعاً داخل مؤسسات الحكم ذاتها، تُفضي إلى واقع مختلف لخرائط الخليج أو واقعه الجديد.
وعلى رغم أنّ هذا الوعي الاستراتيجي للحركة الثقـــافية في الخليج العربي كسياسيين إصلاحيين، أو مثقفين، أو تكنوقراط، أَخذ في الاعتبار هذا المسار الخطر، وتمسّك بالتدرج والدسترة المنهجية، التي لا تتخطى وضعية أُسر الحكم، لكن تؤسس معها عقداً اجتماعياً يُنظّم السلطة فلا يفتحها على المجهول، ولكنه أيضاً لا يعوّم القانون بحسب رغبات السلطة التنفيذية فتتبخر الإرادة الشعبية، إلا أنّ هذه الرسائل لم تتحصّل على تجاوب يمكن أن يؤسس للعهد الجديد للطموح الشعبي في الحريات السياسية المنضبطة والتنمية معاً، بل إن ما جرى في المنطقة بعد عام 2001، وغضبة واشــنطن من دلالات العنف المضمر في بعض توجهات المجتمع، وضرورة أن تُغير حكومات الخليج منهجيتها للاحتواء الشعبي، قد انتهى كلياً، وليس خلافاً لرغبة واشنطن، بل تواطؤاً مع مؤسسة بوش الثاني وبقايا فريقه في فلسفة الأمن القومي الأميركي، الذي لا يزال حاضراً في فريق أوباما أيضاً، وهذا التوافق الأميركي برز بوضوح في عدم المصادمة، أو التشويش على مؤسسات الحكم، باعتبار أن صعود الخيار الشعبي قد يُحجّم من نفوذ الولايات المتحدة في الخليج العربي، هذا من جهة، ومن جهة أُخرى قد يترتب على هذه النصائح استفزاز يؤثر على بعض الصفقات والمصالح.
ورأى الأميركيون عوضاً عن ذلك، وهو ما يُفهم من توجهات البيت الأبيض، والدراسات المختلفة، وسلوك الكونغرس الأميركي نحو الخليج، حتى مع وجود بعض الضجيج، أن يُركز البيت الأبيض، ومن خلال مؤسسة الأمن القومي ، أو توجهاته التشريعية، على الاستعداد لمرحلة التغيير إن وصلت للخليج، أو انطلقت فجأة منه، أي أن المفارقة تبرز في أنّ خطوات الحركات الإصلاحية في الخليج، من إسلامية أو وطنية، قدمت مشروع وقاية وتأسيساً تأصيلياً لمرحلة معقولة من الإصلاح التدريجي، لا يهدم الآمال ولا يفتح الباب على مستقبل خطر على الخليج العربي.
ونلاحظ هنا أن ما كان يُسمّى بالهامش الديموقراطي لبعض الدول، كالكويت والبحرين، بعد الميثاق، وعُمان، بعد مشروع مجلس الشورى الخليط بين الانتخاب والتعيين، قد تراجع بصورة كبيرة وانسحب الى لخلف، وأضحى هناك تقارب بين الحكم الشمولي، أو حكم الهامش الديموقراطي، باستثناء مهم لقضايا الأحكام والسجن السياسي، الذي لا يزال يُعطي فارقاً في هذا المضمار في الكويت. المهم أن الخليج العربي يعيش أجواء احتقان سياسي متصاعدة من دون أي طرح لمشروع، أو آمال إنقاذ كلي تُعلن عهداً جديداً يُصفّي السجون السياسية وينتقل لحوار دستوري شامل.
غير أنّ السؤال المهم الذي أُغفل كثيراً هو: هل ما يُقال عن هدوء الخليج العربي حالياً له رصيد ضمن أحداث التاريخ، أو نظريات علم الاجتماع السياسي، أم أن تاريخ المنطقة ودولها وواقعها وتشكلاتها سجّلت ثورات قديمة وصراعات حادة على أو في مؤسسات الحكم، وبالتالي ما يُقال عن هدوء مياه الخليج الدافئة الدائم لا يعضده التاريخ؟ بإعادة قراءة التاريخ القديم والمعاصر يتبين لنا عكس ذلك تماماً، فالثورات في المنطقة قديمة منذ ثورة «الزنج»، وحركة «القرامطة»، ودورات عنيفة من الصراع الدموي لثورات تحالف عشائرية تتشكل منها دولة بعد أن تسقط الدولة الأخرى، ومنها استقرت بعض الدول استقراراً سياسياً وحضارياً لأكثر من 200 عام، ومنها من لم تتجاوز دورة الدولة فيه أربعة عقود، وهكذا في مدار مستمر، حتى عهد ما يُسمى تشكل الدولة القطرية في الخليج، التي جاء بعضها في سياق هذه النزاعات بين مناطق أو عشائر، خضعت لاتفاقات انتدابية أو سياسية مع التاج البريطاني قبل الاستقلال.
ما يهمنا هنا من هذا الاستدعاء التاريخي لتاريخ المنطقة، بعد مرحلة الخلفاء الراشدين حتّى عام 1970، أي إعلان آخر دولة في إقليم الخليج خروجها من التحالف العشائري المدعوم باتفاقات رعاية مصالح، إلى مفهوم الدولة القطرية، عاش مخاضاً صعباً، وعدم استقرار وصراعات، فضلاً عن النزاعات الشرسة والدموية داخل أُسر الحكم، وهذا يعني كمحصلة لقراءة علمية في علم الاجتماع، وسياسية، أنّه لا يوجد ما يُسمّى بضمانات استقرار دائمة، وأن هناك وهماً كبيراً في أن طبيعة الإقليم مختلفة كتاريخ اجتماعي سياسي، بغض النظر عن مفرزات «الربيع العربي».
وعليه فإنّ وجود عوامل تأثير تعكس تفاعلاً سياسياً وفكرياً كبيراً داخلياً، وتدافع في موازين القوى الدولية والإقليمية، بما فيها مرحلة سقوط نظام الأسد في الحلقة الزمنية الحرجة، يعني أنّ استقرار الخليج غير مضمون نهائياً، مع الأخذ في الاعتبار ما ذكرناه من سياسة تجنب الغرب الدخول في أي مواجهات عسكرية، لو اختلت الموازين في المنطقة، والتركيز على التعامل مع العهد المقبل، ولا يبقى أمام هذا المستقبل خيار يؤسس لثبات وطني لدول المنطقة، إلا بتوافقات سياسية كبرى، وتنفيذ استحقاقات لمصلحة شعوب المنطقة وإشراكها في القرار، وقد يكون لهذا التعاقد زمن محدد ينصرم فيه فرص تحقيقه، إن لم تستثمر الفرصة، فيصبح النظام الرسمي في الخليج أمام استحقاقات وجود لا شراكة أو حدود.
 
شهادة أمام الكونغرس .. سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا
معهد واشنطن..دينيس روس
في 11 نيسان/أبريل 2013 أدلى المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دينيس روس بشهادة أمام الكونغرس حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا وفيما يلي نص كلمته:"
لا يمكن أبداً أن تساورنا الشكوك في أن الصراع الدائر في سوريا يضعنا أمام تحديات خطيرة. فالكارثة الإنسانية هناك تسوء أكثر فأكثر حيث قد يكون الآن ما يقرب من ربع الشعب السوري من النازحين -- إن كان ذلك داخل البلاد أم خارجها، كما وصل عدد القتلى إلى ما يقرب من80,000 شخص وهو مستمر في الصعود لا محالة. غير أن ضمائرنا لم تكن هي الوحيدة التي تأثرت بهذه الحرب الضروس. وقد كان لذلك أثر على مصالحنا ايضاً لأنه ليس من المرجح أن يبقى الصراع محصوراً في سوريا. ففي الحقيقة كلما تخطو سوريا نحو الهاوية وتنهار الدولة بصورة أكثر ويزداد عدد اللاجئين الفارين إلى الدول المجاورة -- كلما بزغ تهديد جديد بحصول المزيد من عدم الاستقرار للدول المجاورة لسوريا.
وحتى ولو افترضنا أن تنظيم «القاعدة» لن يرسخ نفسه في الدولة السورية الناشئة التي ربما تكون فاشلة، فإن تدفق اللاجئين يمثل بالفعل مصدر خطر متزايد على الأردن ولبنان والعراق. ولا يمكن لأي من هذه الدول استيعاب الأعداد الكبيرة من هؤلاء اللاجئين بسهولة -- وفي حالة لبنان والعراق، فإن الخلافات الطائفية قد تعيد إشعال الصراعات الأهلية التي كنا نأمل أنها أصبحت شئ من الماضي. وفي هذا الصدد قد تواجه تركيا مشكلة أقل حدة ويمكن أيضاً أن تكون أكثر قدرة على إدارة التدفق المتزايد للاجئين، ولكنها أيضاً تواجه صعوبات متزايدة في استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين وإدارة المخيمات. وقد حدثت بالفعل حالات شغب وعصيان في المخيمات وعلينا ألا نرى تلك الأعمال على أنها حوادث عرضية لن تتكرر.
غير أن تدفق اللاجئين ليس فقط هو ما يعرض الدول الجوار لسوريا والمنطقة للخطر. فتفكك الدولة السورية في مرحلة ما، يعني أنه ستغيب عنها السيطرة المركزية على الأسلحة الكيماوية هناك. وإذا لم يقابل ذلك تحرك يستبق الأحداث في هذا الشأن من أجل إعادة إحكام السيطرة على هذه الأسلحة، فلن يكون الخطر محدقاً فقط بالدول المجاورة لسوريا.
والحقيقة هي أن الصراع السوري يقف متحدياً للقيم والمصالح التي نؤمن بها. فعادة ما نرى في عقيدتنا المتعلقة بالسياسة الخارجية مدرستين فكريتين: المدرسة المثالية والمدرسة الواقعية. إن المساعي والاهتمامات الأخلاقية والإنسانية هي التي تحرك أنصار المدرسة المثالية. فهم يرون أن هناك مصالح للولايات المتحدة أينما كانت قيمها مهددة. كما أنهم يسوغون للتدخل الأمريكي بما يشمل استخدام القوة إذا كان هناك داعٍ أخلاقي قوي؛ ويرى أنصار المدرسة المثالية أن رواندا كانت تمثل شرخاً عميقاً في ضمائرنا لا يمكن إصلاحه. وقد يحتج المثاليون بأنه كان علينا أن نتدخل عسكرياً للحيلولة دون وقوع إبادة جماعية. وفي اعتقادهم أننا قد تأخرنا في تدخلنا في البلقان وكان لنا الحق في التدخل في ليبيا.
ومن ناحية أخرى يرى الواقعيون أنه لا ينبغي علينا التدخل إلا إذا كانت لنا مصالح حقيقية وحيوية مهددة بالفعل. فهم يرون التدخل للأغراض الإنسانية أمراً مكلفاً جداً يمثل صحوة نفسية ستنعكس علينا بالسلب لاحقاً لا محالة -- الأمر الذي يؤدي بنا فيما بعد إلى عدم القدرة على التدخل عندما تكون مصالحنا مهددة بالفعل. ويرى أنصار المدرسة الواقعية أنه لا ينبغي علينا التدخل إلا عندما نكون مهددين بصورة مباشرة، أو عندما يتعرض حليفاً استراتيجياً أو التدفق الأكبر للبترول إلى التهديد، أو عندما تكون مصداقيتنا الأوسع معرضة للتهديد. وقد نجحت حرب الخليج الأولى في هذا الاختبار غير أن حرب العراق وليبيا لم تكن على هذا النحو.
ونادراً ما يجد أنصار المدرستين المثالية والواقعية أرضية مشتركة ويتفقون على نفس التهديدات. ومن المفارقات، أن الأحداث في سوريا هي التي ينبغي أن تقرب بين المثاليين والواقعيين وعليهم الاتفاق حولها. فهناك وازع أخلاقي يحث على البحث عن وسيلة يمكن من خلالها التأثير على ما يحدث على أرض الواقع، ولكن هناك أيضاً ضرورة ملحة تتعلق بالأمن القومي -- على الأقل لاحتواء الصراع في سوريا وضمان عدم اختفاء أسلحة الدمار الشامل ومنع زعزعة استقرار المنطقة.
ويبدو الأمر جلياً واضحاً إذا ما نُظر إليه من هذه الزاوية. وتكمن المشكلة، بالطبع، في أننا نمر الآن في مرحلة تأتي بعد مرور أكثر من عقد كامل من الحروب -- وبعد إراقة الكثير من الدماء وتبذير الكثير من الأموال -- وأن سوريا تعمها الفوضى بكل ما تحمل الكلمة من معنى. ولم تكن المعارضة متماسكة أبداً من قبل. وفي الواقع يبدو أن الإسلاميين يمتلكون الآن اليد الطولى داخل المعارضة. وتخشى الأقليات غير السنية من النظام الذي قد يأتي بعد الأسد، الذي عمل من جانبه على تأجيج الصراع الطائفي في محاولة للحفاظ على نظامه.
إن طبيعة هذا الصراع الذي يتساوي فيه النصر والهزيمة بالإضافة إلى قيام نظام الأسد بقتل وتشريد الكثير والكثير من مواطنيه يجعل من الصعب خلق عملية سياسية تجمع بين عناصر من المعارضة وأفراد من النظام ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء بعد. كما أن الحماية الروسية المستمرة لنظام الأسد تمنع أيضاً احتمال اتخاذ الرئيس السوري خيار التنحي قبل نجاح المعارضة في الإطاحة به. وطالما يستمر في السلطة، فمن المستبعد جداً أن تكون هناك عملية سياسية.
إن الواقع المتمثل في وجهة نظر كل من أنصار المدرسة المثالية والواقعية على أننا نقف أمام خطر حقيقي ونحتاج إلى التأثير على مجرى الأحداث على أرض الواقع لا تجعل من السهل التعامل مع تلك المعضلات. وبعد بيان ما سبق، فمن الصعب أن نرى كيف لدينا خيار. لقد قال الرئيس أوباما أن استخدام الأسلحة الكيميائية -- أو فقدان السيطرة على الأسلحة الكيميائية -- سيكون تغيير للعبة في سوريا. وبالنظر إلى خط سير الصراع، فمن الصعب علينا عدم توقع حدوث -- عاجلاً أم عاجلاً -- ما قد يغير من مجريات تلك الأمور.
فما الذي يمكن وينبغي علينا فعله الآن إذاً؟ يتعيّن علينا التركيز على المجالات الثلاثة التالية. أولاً، على ما يمكن القيام به من أجل تغيير ميزان القوى ليس فقط بين المعارضة والنظام، ولكن الأهم من ذلك، داخل المعارضة نفسها. ثانياً، نحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لحماية الشعب السوري. وثالثاً، نحتاج إلى التركيز على احتواء الصراع بحيث لا ينتشر إلى خارج سوريا ويزعزع استقرار المنطقة.
وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، إذا تحدثتَ مع أحد أعضاء المعارضة العلمانيين -- كما فعلتُ -- فسيخبرك بأنه عندما يتعلق الأمر بالمال والسلاح فإنهم لا يحصلون على ما يحصل عليه الإسلاميون. وقد يدافع البعض عن هذا الأمر ويقول بأن الإسلاميين -- مثل "جبهة النصرة" -- قد أثبتوا أنفسهم في ميدان القتال أكثر من أي قوة علمانية أخرىذ. ربما كان هذا صحيحاً، ولكن كانت لديهم أيضاً الوسائل للقيام بذلك. وقد تكون التقارير التي تفيد بأن السعوديين ينتقون من يمدونهم بالسلاح حالياً تنطوي على قدر من الصحة. وبالمثل، يبدو أن ميل البريطانيين والفرنسيين إلى عمل المزيد هو أمر جيد، غير أن حقيقة الأمر هو أننا إذا أردنا أن يكون لنا تأثير في مجريات الأمور فعلينا أن نقدم المساعدات القتالية فضلاً عن تلك غير المهلكة. أضف إلى ذلك أنه من المهم بالنسبة لنا أن نسعى جاهدين من أجل التنسيق والعمل مع الآخرين لتحسين عملية الحوكمة في المناطق التي سيطرت عليها مجموعات المعارضة. ولكن إذا أردنا التأثير على المشهد الداخلي ونتائجه، يجب أن تكون الأسلحة جزءاً من المعادلة. كما أنه ليس هناك ثمة سبب يؤدي بنا إلى عدم القدرة على التعرف على أولئك الذين نحن على استعداد لتقديم الدعم إليهم واختبار الالتزامات التي يقدموها لنا، وكذلك قدرتهم على السيطرة وتحمل مسؤولية الأسلحة التي نوفرها لهم. فجودة وكمية الأسلحة التي نوفرها يمكن استغلالها في الحقيقة بحيث تنعكس على أدائهم ووفائهم لالتزاماتهم. فحقيقة الأمر بكل بساطة هي أننا واهمون إذا اعتقدنا أننا سنستطيع التأثير على الحقائق على الأرض دون تقديم مساعدات قتالية.
ثانياً، علينا تقديم المزيد من أجل الوفاء باحتياجات الشعب السوري. والأمر له بعدان: حماية من جهة وتلبية احتياجاتهم الإنسانية من جهة أخرى. وبينما أرى شخصياً وأفضل فرض حظر جوي مع عدم اعتقادي أن ذلك قد يؤدي إلى المخاطر التي يرددها البعض، إلا إنني قد أفرض على الأقل منطقة حظر جوي بشكل جزئي.فلدينا الآن -- نحن وحلفاؤنا في منظمة حلف شمال الأطلسي -- بطاريات "باتريوت" على الحدود التركية- السورية وأعتقد إن علينا أن نعلن أنه إذا حلقت أي طائرة حربية سورية في مجال 50 ميلاً من الحدود ستعتبر بأن لديها نوايا عدوانية، وسيتم إسقاطها. هل سيتحدى الأسد ذلك الأمر؟ قد يفعل ذلك مع تحمل مخاطر كبيرة في الوقت الذي يضع فيه تآكل قدراته الجوية عاملاً في حساباته.
قد توفر منطقة الحظر بمجالها البالغ 50 ميلاً الوقاية من الهجمات الجوية في حلب -- فضلاً عن إضفائها مزيداً من الحماية الحقيقية على المناطق التي تقع تحت سيطرة قوات المعارضة. ويمكن أن يكون لها فائدة إضافية تتمثل بعمل شيء مفيد لحماية المدنيين السوريين وأخيراً ستعني أننا غير مستعدين للوقوف مكتوفي الأيدي دون عمل شئ في ضوء الاستخدام العشوائي للقوة ضد هؤلاء المدنيين.
وبقدر ما توجد أهمية لتوفير الحماية، من الواضح أيضاً أنه يجب بذل المزيد من الجهود لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية لأبناء الشعب السوري الذين نزحوا بسبب هذا الصراع. ولم تبدأ الأمم المتحدة إلا مؤخراً في تقديم المساعدات التي لا تمر عبر النظام السوري -- الذي يمنع بالضرورة هذه المساعدات عن تلك المناطق الواقعة خارج سيطرته. واليوم، يسيطر النظام على أقل من 40 في المائة من مساحة البلاد. وتستحق الإدارة الأمريكية الثناء، لعملها من خلال المنظمات غير الحكومية خارج سيطرة النظام، ولكن ينبغي علينا العثور على طرق للعمل من جانب واحد، ومن خلال شركائنا الدوليين أيضاً للتوسيع بشكل ملحوظ من المساعدات التي تصل إلى الشعب السوري. فالحقيقة المرة هي أن معظم النازحين السوريين داخل البلاد لا يتلقون ما يقترب حتى من سد احتياجاتهم، الأمر الذي يوحي مرة أخرى على ما يبدو أنه عدم مبالاة المجتمع الدولي للحرب التي يتم شنها ضد سكان سوريا المدنيين.
والمتطلب الثالث من سياستنا الآن هو التحوط من تفكك سوريا. وأقول دائماً إن قوانين لاس فيغاس لا تسري على سوريا؛ ما يحدث في سوريا لن يقتصر على هناك. ما نحتاجه هو استراتيجية احتواء دون ترك البلاد تسير نحو هاوية الانقسام الحتمية. فمعظم المعارضة تتركز في مناطق معينة. نحتاج إلى التفكير في الكيفية الي يمكن بموجبها بناء مناطق فاصلة على الأقل في جنوب سوريا وعلى طول جزء من الحدود السورية/العراقية وفي شمال البلاد. إن التركيز على الحوكمة المحلية -- كجزء من تخطيط متماسك مع البريطانيين والفرنسيين والسعوديين والإماراتيين والأردنيين والأتراك وغيرهم -- قد يكون السبيل للتحوط مما هو غير معروف حدوثه في المستقبل وبناء طوق النجاة الذي يلتف حوله أولئك الذين يشعرون بالخطر في سوريا لكي يبقوا في مكان واحد ويحددوا مستقبلهم. أنا لا أقول بأن وضع استراتيجية احتواء قد يكون أمراً سهلاً، ولكن القيام بذلك الأمر بالنسبة إلينا لهو من الأهمية بمكان وهو الأمر بالنسبة للعديد من حلفائنا، لا سيما أولئك في منطقة الخليج، الذين لديهم مصلحة أيضاً في القيام بذلك. ويفهم السعوديون والإماراتيون بالتأكيد بأن هذه قد تكون منطقة فاصلة ضرورية لضمان حمايتهم مع تطور الأحداث.
فمع كل الصعوبات والمجاهيل القائمة حالياً في سوريا، لا يتضح لنا إلا شيئاً واحداً: إن كانت تكلفة التحرك باهظة بالفعل، فإن تكلفة التقاعس في هذه المرحلة تتزايد يوماً بعد يوم. قد نشهد بالفعل في الوقت القريب ما أعلن عنه الرئيس أوباما من قبل بأنه حدث قد يغير من مجريات الأمور. إن تقديم أنفسنا على أننا نحاول تشكيل المشهد بدون التحرك من أجل إحداث التغيير فيه يبدو موافقاً لوجهة النظر المرتبطة بمصالحنا. كما أن ذلك أيضاً يبدو موافقاً لوجهة النظر المرتبطة بقيمنا -- وخير البر عاجله.
 
الإصلاحات العسكرية والأمنية في اليمن: بذور صراع جديد؟
مجموعة الزمات الدولية....الملخص التنفيذي
لو سألت أي يمني من أي جزء من أجزاء الطيف السياسي، فإنه سيعبّر عن تأييده لوجود جهاز عسكري ـ أمني احترافي متحرر من النفوذ العائلي، والقبلي، والحزبي والطائفي. إلاّ أن هذه التأكيدات العلنية لا تعني أن هذا أمر سهل، بل إنه أبعد ما يكون عن السهولة. إن إعادة هيكلة الأجهزة العسكرية والأمنية يعتبر محورياً لعملية انتقالية ناجحة، إلاّ أنها عملية بالغة الصعوبة، لأنها تهدد بشكل مباشر جملة من المصالح المتجذرة. رغم أن الرئيس عبد ربه منصور هادي اتخذ خطوات أولى هامة، فإن الجزء الأصعب لا يزال ينتظر، وهذا الجزء يتمثل في إرث طويل من الفساد والتسييس. لا يزال ينبغي إحداث هيكلية إدارية وقيادية متماسكة، وفرض الانضباط والهوية المؤسسية الموحدة والاستمرار في إضعاف سيطرة النخبة القديمة دون التسبب برد فعل عنيف. ينبغي فعل كل ذلك بنفس الوقت الذي تواجه فيه البلاد مجموعة هائلة من التحديات الأمنية، بما في ذلك هجمات القاعدة؛ وتخريب البنية التحتية الرئيسية؛ والوجود القبلي المسلح المتزايد في المدن الرئيسية؛ والمكاسب التي حققها الحوثيون على الأرض في الشمال؛ واشتداد حدة العنف في الجنوب حول قضية الانفصال.
 لا يزال الطريق أمامه طويلاً. في ظل حكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تمتعت الأجهزة العسكرية والأمنية فعلياً بالحصانة ضد الرقابة المدنية وكانت تعمل إلى حد كبير خارج سيطرة القانون. كانت الولاءات تتركز حول قادة أفراداً يتحدرون في معظمهم من عائلة أو قبيلة الرئيس. ثم، ووسط انتفاضة عام 2011، انقسم أولئك القادة الجيش إلى نصفين، حيث وقفت احدى المجموعتين (حول اللواء علي محسن الأحمر) مع المحتجين ووقفت المجموعة الأخرى (عائلة صالح) مع النظام. ولا يزال هذان الفريقان لاعبان سياسيان قويان يسيطران على موارد كبيرة وقطاعات لابأس بها من الاقتصاد. لكن مهما بلغت مزاعمهم في دعم المرحلة الانتقالية، فإن ثمة ما يبرر الاعتقاد بأنهم سيحشدون مواردهم التي لا تزال هائلة لحرف الحوار الوطني أو حتى إفشاله، وهو الحوار الذي بدأ في 18 آذار/مارس 2013 والذي يزمع أن يدوم ستة أشهر.
 يتمثل الإصلاح العسكري والأمني جزئياً في إضعاف قبضة النظام القديم المنقسم، ومن خلال القيام بذلك، فتح الفضاء السياسي أمام تغيير حقيقي وفعال من خلال الحوار الوطني الذي يشكل حجر زاوية في العملية الانتقالية. لقد حقق هادي بعض الاختراقات؛ فمن خلال إجرائه بعض التغييرات الإدارية وإحداث بعض التنقلات ومن ثم حل مؤسستين عسكريتين إشكاليتين هما الحرس الجمهوري، بقيادة ابن علي عبد الله صالح أحمد علي، والفرقة، التي يقودها علي محسن ـ فقد قص جناحي خصميه الرئيسيين وعزز من سيطرته هو. إلا أن ثمة مخاطر لا تزال في انتظاره، حيث أن التنفيذ لا يزال في مراحله الجنينية وسيستغرق وقتاً؛ كما أن بعض تعيينات هادي تفوح منها رائحة نسخته هو من التحيز؛ كما أن مصير محسن الأحمر وأحمد علي لا يزال غير معروف؛ كما أن توجيه هادي الضربات الأكثر قوة لمعسكر صالح، فإنه، ودون قصد منه ربما، يعزز موقع علي محسن بشكل غير متناسب.
إن الإصلاحات المؤسساتية الدائمة تتطلب أكثر من مجرد تدوير بعض المناصب. وهنا تكمن مخاطرة ثانية، أو موطن خلل ثانٍ. حتى الآن، يبدو أن التغييرات التي أجراها هادي مدفوعة بشكل رئيسي، وهذا أمر مفهوم، بالاعتبارات السياسية والحاجة الملحة لإزاحة القادة الإشكاليين عن مواقعهم دون إحداث مقاومة عنيفة. لكن ثمة قضايا أخرى تعتمل تحت السطح ولا يمكن تجاهلها لفترة طويلة، مثل تعزيز احترافية القطاع العسكري ـ الأمني، والفرض التدريجي للقوانين غير المتحيزة التي تتحكم في التوظيف، والصرف من الخدمة، والتقاعد وتنقلات الموظفين؛ وإدماج رجال القبائل في قوات الأمن دون تشجيع العصبية القبلية؛ وضمان الرقابة المدنية وتثبيت عملية اتخاذ القرار بأي المدنيين؛ وبشكل أكثر اتساعاً، وضع إستراتيجية أمنية وطنية يتحدد من خلالها تفويض وحجم الفروع الأمنية والعسكرية المختلفة.
بشكل عام، فإن العقبة الأساسية أمام أي إصلاح ذي معنى تتمثل في غياب عقد سياسي شامل. من الصعب تخيل تخلي اللاعبين العسكريين والأمنيين الرئيسيين عن القوة "الخشنة[" أو القبول بشكل كامل بالتغيير الذي يمكن أن يتركهم ضعفاء أمام خصومهم المحليين بأي حال من الأحوال. ومن شبه المستحيل تخيل ذلك عندما تسود حالة عميقة من انعدام الثقة. هناك تعقيدات أخرى ذات صلة؛ حيث أن مكونين رئيسيين يتمثلان في الحركة الحوثية المتواجدة بشكل أساسي في الشمال والانفصاليين الجنوبيين يتشاطران شكوكاً عميقة حيال عملية إعادة الهيكلة التي تم إقصاءهما عنها بشكل فعلي. وهكذا، فمن غير المحتمل أن يؤيدا القرارات التي تتخذ دون اتفاق موسع على معايير الدولة في حقبة ما بعد علي عبد الله صالح.
وهنا يأتي الحوار الوطني. إن إدماج عملية إعادة الهيكلة العسكرية ـ الأمنية بشكل وثيق في الجهد الأوسع للوصول إلى إجماع سياسي شامل هو وحده الذي يمكن أن يفضي إلى نجاح ميثاق وطني ودستور جديد. ويتمثل التحدي في إيجاد حلقة مثمرة تسير فيها عملية إعادة الهيكلة والحوار بالتوازي وبشكل يعزز أحدهما الآخر. إنها رقصة تتطلب الكثير من البراعة. اللاعبون الدوليون يمكن، بل ينبغي، أن يساعدوا في هذه العملية. إلا أن اليمنيين يحملون العبء الأثقل والذي يتمثل في التوصل إلى الترتيب الزمني والتوقيت السليمين.
التوصيات:
إلى الرئيس هادي:
1. إيصال رؤية واضحة للجمهور حول الكيفية التي سيتمكن من خلالها الحوار الوطني من توجيه عملية إعادة الهيكلة العسكرية ـ الأمنية.
2. مضاعفة إجراءات التواصل وبناء الثقة التي تستهدف الجنوب لضمان قدر أكبر من التشميل والقبول بقرارات الحوار.
3. العمل مع المشاركين في الحوار الوطني، واللجان التقنية والمستشارين الأجانب لضمان التكامل الكامل بين عمليتي الحوار وإعادة الهيكلة.
4. تيسير تنفيذ عملية إعادة الهيكلة التي أقرتها وزارة الدفاع في كانون الأول/ديسمبر 2012 بتعيين قادة مناطق جدد في التشاور مع وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش؛ والمحافظة على التوازن السياسي سواء من خلال إقصاء أو تشميل أحمد علي صالح وعلي محسن الأحمر.
5. تجنب الظهور بمظهر "الحاكم بالمراسيم" وذلك بمنح اللجان التقنية ورئيس أركان الجيش أدوار أبرز في تحديد الخطوات التالية في عملية الإصلاح ونقل هذه الخطوات إلى الجمهور.
6. تجنب، إلى أقصى درجة ممكنة، التعيينات ذات الأساس المناطقي وشرح مبررات التعيينات والتنقلات الجديدة للشركاء المعنيين.
7. إظهار الالتزام بالإصلاح، خصوصاً الحد من السلطات الرئاسية، بتقليص حجم وحدة الحماية الرئاسية ونقل المسؤولية عن قيادة سلاح الصواريخ إلى التراتبية النظامية للجيش بأسرع وقت ممكن سياسياً.
 إلى اللجان الفنية لإعادة الهيكلة في وزارة الدفاع والداخلية:
8. تولي زمام القيادة في عملية التحدث عن التقدم المحرز في إعادة الهيكلة، بما في ذلك ما يتعلق بدور المستشارين الدوليين، من خلال إحاطات صحفية منتظمة وإقامة المنتديات العامة.
9. التفكير بإجراءات لتسريع حرفنة الأجهزة العسكرية ـ الأمنية بنقل بعض الضباط وإحالة بعضهم على التقاعد، على سبيل المثال بإيجاد حوافز مالية للتقاعد الطوعي.
10. وضع وتنفيذ خطط لدفع الرواتب بشكل مباشر لجميع عناصر الجيش والشرطة وتدريب ودمج مجندي ما بعد الانتفاضة في الأجهزة العسكرية والأمنية.
إلى وزارتي الداخلية والدفاع:
 11. الالتزام بالقواعد المعمول بها في التوظيف، والصرف من الخدمة ونقل الأشخاص العاملين في الأجهزة العسكرية والأمنية.
12. تجميد عمليات التوظيف إلى أن يتم اتخاذ قرارات فيما يتعلق بالحجم المناسب لقوات وزارتي الدفاع والداخلية، باستثناء إعادة دمج الموظفين الجنوبيين الذين تم طردهم من هذه القوات بشكل غير قانوني في أعقاب الحرب الأهلية عام 1994.
 إلى اللواءين علي محسن الأحمر وأحمد علي صالح:
13,   تنفيذ الأوامر الصادرة عن الرئيس هادي، ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش دون إبطاء.
14. الامتناع عن استعمال الجنود كعملاء سياسيين وتجنب النشاط السياسي.
 إلى المشاركين في الحوار الوطني والمستشارين المقدمين من قبل الأمم المتحدة:
15. تحدد أجندة للنقاش في مجموعة العمل العسكرية ـ الأمنية، بما في ذلك، وبين أشياء أخرى:
    أ‌. وضع آليات لضمان الرقابة المدنية على الأجهزة العسكرية ـ الأمنية؛
    ب‌. وضع رؤية وطنية تحكم الأدوار والمسؤوليات الإستراتيجية لوزارتي الدفاع والداخلية وعلاقتهما بمؤسسات الدولة الأخرى.
 إلى اللاعبين الدوليين الداعمين لمبادرة مجلس التعاون الخليجي وآليات التنفيذ (بما في ذلك المبعوث الخاص للأمم المتحدة، والولايات المتحدة والدول الأخرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، ومجلس التعاون الخليجي والأردن).
16.   الاستمرار في التعبير عن الدعم الواضح للقرارات التي يتخذها الرئيس هادي، واللجان الفنية لإعادة الهيكلة والحوار الوطني، وذلك بغرض إحباط جهود الأطراف المحتملة التي قد تسعى لإفشال هذه الجهود.
17. توفير التدريب والمعلومات لأعضاء البرلمان، ولمجموعات المجتمع المدني والأحزاب السياسية حول كيفية وضع استراتيجية أمنية وطنية شاملة.
 صنعاء، بروكسل، 4 نيسان/ابريل 2013
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

ملف فلسطين وغزة..في ذكرى 7 أكتوبر..

 الإثنين 7 تشرين الأول 2024 - 5:03 ص

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة.. لا يهمهم مَن يحكم القطاع بعد وقف القتال..والهجر… تتمة »

عدد الزيارات: 172,923,799

عدد الزوار: 7,717,350

المتواجدون الآن: 0