تقارير..قراءة المشهد في الشرق الأوسط....إيران تخسر رهانها في مصر....كيف أضحت الحرب الأهلية في سوريا حرباً مقدسة

أردوغان ومأزق سقوط «الإخوان» في مصر....قراءة كرديّة في الأوضاع السوريّة

تاريخ الإضافة الخميس 11 تموز 2013 - 5:16 ص    عدد الزيارات 2351    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

أردوغان ومأزق سقوط «الإخوان» في مصر
الحياة..اسطنبول - يوسف الشريف
لم يدمْ فتح حديقة «غازي» في ميدان «تقسيم» في اسطنبول أكثر من ساعات الاثنين، بعد إغلاقها أسابيع، بسبب عودة المحتجين إليها فور فتحها مجدداً. اذ ان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لا يريد مشاهدة حشود جديدة تتظاهر ضده، وتذكّره باحتجاجات ميدان التحرير في القاهرة التي أغضبته لدى متابعتها على شاشات التلفزيون، إذ وصف المتظاهرين بأنهم «انقلابيون وفلول»، منتقداً الغرب لرفضه اعتبار ما حدث في مصر «انقلاباً عسكرياً» على الرئيس «الإخواني» المعزول محمد مرسي.
وتسعى حكومة أردوغان إلى الإفادة من أحداث مصر، لتقارن بين متظاهري حديقة «غازي» ونظرائهم في ميدان التحرير، كونهم «انقلابيين» يرفضون الديموقراطية، لشحذ مشاعر الأتراك الكارهة لأي تدخل عسكري ضد محتجي «تقسيم».
لكن المتظاهرين والمعارضة في تركيا، باتوا يشبّهون أردوغان بمرسي، وحزبه الحاكم (العدالة والتنمية) بتنظيم «الإخوان المسلمين»، تساعدهم في ذلك اتهامات متزايدة لرئيس الوزراء بالتسلّط.
وتجاوز هذا الدعم المطلق من أنقرة لمرسي، حدود الديبلوماسية المتعارف عليها بين الدول، وسط حديث عن «تسخير» مكتب القسم العربي لوكالة أنباء «الأناضول» في القاهرة، لمساعدة مرسي على خرق عزلة إعلامية فرضها عليه الجيش يوم إطاحته، إضافة إلى معلومات أوردتها صحيفة «مللييت» عن ضغط مارسه أردوغان على مرسي، لرفض أي تسوية يقترحها الجيش، بينها نقل صلاحياته التشريعية إلى حكومة وحدة وطنية، في مقابل بقائه رئيساً.
وتورد وسائل إعلام تركية معلومات تعمّدت حكومة أردوغان تسريبها، تفيد بأن تقارير السفير التركي في القاهرة استبعدت تماماً فرضية حدوث انقلاب، فأُخِذت أنقرة على حين غرّة، على رغم أن الساسة الأتراك يدركون أن تقارير السفراء لم تعدْ ذات قيمة، بعدما بات الاعتماد في اتخاذ القرار على تقارير مستشارين ومقرّبين وأصدقاء، بينهم «الإخوان المسلمون» في مصر الذين يُعتبرون أبرز حليف لحزب «العدالة والتنمية» في المنطقة.
ويرفض وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مزاعم بأن حكومته خسرت أهم حليف لها، لكنه لا ينفي صفة الحليف عن «الإخوان»، بل يعتبر أن المشهد في مصر لم يُحسم بعد.
وكان لافتاً ردّ الفعل القوي لتركيا الذي حمّل الجيش المصري مسؤولية الصدام أمام دار الحرس الجمهوري في القاهرة، قبل اتّضاح ما حصل، وتجاهل التحريض «الإخواني» على عنف.
قد تكون ردود فعل الحكومة التركية، المؤيدة بقوة لـ «إخوان» مصر، الحلقة الأخيرة في إطار دعم أنقرة حركات «الإخوان» في المنطقة، منذ اندلاع شرارة «الربيع العربي» قبل أكثر من سنتين، والذي استلهم الجذور الإسلامية للحزب الحاكم، في شكل بات يطغى على الطابع العلماني للجمهورية التركية، في تحرّكها في الشرق الأوسط.
وباتت تركيا، المحايدة تقليدياً، طرفاً في صراعات المنطقة، كما أن صحافييها الذين كانوا يتمتعون بحرية تحرّك لا يحظى بها زملاؤهم في المنطقة، باتوا مشبوهين لدى السلطات العسكرية المصرية التي تابعت استخدام أنقرة لوكالة أنباء «الأناضول» الرسمية، في معركتها السياسية في القاهرة.
 
قراءة كرديّة في الأوضاع السوريّة
الحياة..محي الدين شيخ آلي *
تعيش سورية أزمة إنسانية رهيبة متفاقمة منذ سنتين، مركبّة ومستفحلة سياسيّاً، تتعقّد وتتشعّب باضطراد، ولا نهاية لها في المدى المنظور، نتيجة استمرار الحرب والصراع في، وعلى، سورية، إثر اندلاع انتفاضة شعبية محقّة في وجه نظام لطالما أهدر كرامة وحقوق المواطنين، واستخدم في قمع الانتفاضة أبشع وسائل العنف والإرهاب، حتّى استخدام الأسلحة الثقيلة كافة، وتجاهل المبادرات السلميّة كافة المقدمّة وطنياً (منها مبادرة الحركة الكرديّة في بداية الانتفاضة من أجل وقف العنف والبدء بعملية تغيير ديموقراطيّ حقيقيّ وآمن) وعربياً ودولياً. والأزمة باتت تهدد أمن وسلامة شعوب ودول الجوار كذلك، وباتت شأناً إقليمياً ودولياً ولم تعد سورياً فقط..
وفي خلفية التوافق الروسيّ - الأميركيّ على إدارة الأزمة السورية، يبدو أن اختيار الإدارة الأميركيّة عدم التدخل المباشر الحاسم، لاعتباراتها الخاصة، تزامن مع الإصرار الروسيّ – إلايرانيّ - الصينيّ المتين على الدفاع عن النظام ديبلوماسياً وعسكرياً ومالياً. وعلى رغم المخاوف الأميركيّة والإسرائيليّة، إلا أنّ ذلك لا يعني أن الإدارة الأميركية في حيرة من أمرها إزاء المشهد السوريّ أو أنها سلّمت هذا الملف الشائك للجانب الروسيّ، فالولايات المتحدة دولة عظمى على مستوى العالم ولن تقف متفرّجة على الأوضاع في سورية، في هذه المنطقة الحيوية والخطيرة من العالم. وتتمتع بقوة كبرى وقدرات هائلة تؤهلها لرؤية مصالحها وفق منظورها هي، ومن ثم ترسم سياساتها وترتب سلّم أولوياتها في تناول ملف الأزمات هنا وهناك وإيجاد مخارج أو حلول لها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. كل ذلك ترافقاً مع تداعيات المغامرة الأميركيّة في العراق وأفغانستان وكلفتها على الداخل الأميركي، والاقتصاد الأميركي الذي توليه إدارة أوباما الديموقراطية اهتماماً جديّاً.
القيادة الروسية أيضاً عازمة أكثر من أي وقت مضى على احتلال موقع قويّ على المسرح السياسيّ العالميّ والدفاع عن نفوذها ومصالحها الاستراتيجية، خصوصاً في شرق البحر المتوسط والعمل من دون تردد لتثبيت وجود دائم لأساطيلها الحربية هناك لضمان عدم عزلها عن مجريات الأمور في جوارها الشرق الأوسطي. ومصالح أخرى منها ما تتصل بإمدادات الطاقة والنفط، واكتشاف منابع جديدة لها في المنطقة، وأخرى متعلقة بالمخاوف الروسية من صعود الإسلام السياسي في جوارها.
في إطار هذه اللعبة المعقّدة والملغومة، بنت الولايات المتحدة تفاهمات مع روسيا الاتحادية بهدف درء الأخطار التي تهدّد السلم الإقليمي والدولي أو تنذر بنشوب واتساع حروب وحرائق من الصعب تطويقها. أما الجانب القيميّ - الأخلاقيّ بما فيه حقوق الإنسان وحرية وكرامة الشعب السوري أو إنجاح ثورته المحقّة في وجه الاستبداد والطغيان، فهذا أمر يخصّ السوريين، وليس في حسابات أية دولة كانت. بمقابل مطالبة بعض القوى السياسية والعسكرية المعارضة بالمزيد من التسليح، يبدو أن الرهان على تحقيق حسم عسكريّ رهانٌ عبثيّ وخاسر يدفع فاتورته الجميع، لا سيما الأبرياء والمدنيّون أين ما كانوا، ناهيك عن خراب العمران وتدمير الاقتصاد وتعميق الأحقاد. فلا النظام، بكامل بنيته العسكريّة - الأمنيّة ووحشيّته اللامحدودة والدعم الهائل الذي يرده من الخارج، استطاع إخماد الثورة وما رافقها من عمل عسكريّ مضاد، ولا المعارضة المسلّحة تستطيع هزيمة النظام على رغم التمويل العسكريّ والماليّ الذي تحصل عليه من الخارج، والتضحيات الباهظة.
وبالنظر إلى ما نجم عن تسليح المعارضة حتى الآن، وهو تسليح غير حاسم حتى الآن على أية حال، وقراءة موازين القوى المتحكّمة في الحرب السورية، حتى إن وضعنا جانباً كل قناعاتنا العميقة والمبدئيّة بضرورة انتهاج الكفاح السلميّ ونبذ العنف على طول الخط، وإدراكنا التام أن المسؤول الأول عمّا جرى ويجري من فظائع وويلات هو السلطة المتجبّرة في دمشق، وانطلقنا من الناحية العملية ومجريات الواقع، تبيّن لنا أن النتيجة حتى الآن كانت إنهاك السوريين جميعاً في حرب مدمّرة طويلة الأمد، ونزيف بشري ومأساة سورية رهيبة، واتساع نفوذ التيار العدميّ، التكفيري التفجيري، لتبقى سورية منهكة وتتحوّل مدنها وأريافها إلى معاقل لأمراء الحرب وصناعة الموت وساحة لحروب إقليميّة - مذهبيّة سنيّة - شيعيّة، وصراعات محاور دوليّة على حساب الدم السوريّ.
كرديّاً، وعلى صعيد غالبية أطراف الحركة السياسية الكردية، كان قرارنا هو بذل كل المساعي للحؤول دون تحويل المناطق الكردية إلى مسرح للعمليات العسكرية، حيث إن إسقاط النظام الأمني وإنهاء الاستبداد في دمشق غير متوقّف على إراقة مزيد من دماء السورييّن من أبناء القامشلي وبناتها أو عفرين وعين العرب، بصرف النظر عن انتمائهم القوميّ أو الدينيّ والطائفيّ، ما دفع بعشرات الألوف من العوائل السورية للنزوح صوب المناطق الكردية ومن أبرزها مدينة عفرين ونواحيها التي هي اليوم في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، والتي أضحت مكتظّة بالسكان النازحين من مناطق أخرى، وباتت الفوضى في المناطق الكردية تعني الفوضى لكل الشعب السوري وإساءة بالغة لثورته وطموحاته المشروعة، وهنا يترتب على جميع أطياف المعارضة السورية بتشكيلاتها السياسية والمسلّحة وجميع الغيارى والمخلصين الواعين أين ما كانت مواقعهم، النظر إلى هذه الخصوصية بعين الاعتبار، والمساهمة في حماية وحدة الصف الكردي وسلامة مناطقه، والتضامن مع تمثيله الأساس المتجسّد بالهيئة الكردية العليا (المنبثقة أساساً عن إرادة المجلسين الوطني الكردي ومجلس شعب غرب كردستان).
في الواقع كنّا، كحركة كرديّة وكتلة مجتمعيّة، في موقع المعارضة السلميّة دفاعاً عن الذات والخصوصية القوميّة طيلة العهود الماضية، ولم نكن مشاركين يوماً ما في إدارة أية مؤسسة من مؤسسات الدولة من أصغرها إلى أكبرها. ناهيك عن الإقصاء الممنهج للمكّون الكردي في السلك العسكريّ والأمنيّ والديبلوماسيّ. وكان مناضلو الحركة الكردية عرضة للاعتقال منذ نشوء أول تنظيم سياسي كردي في سورية عام 1957 وحتّى يومنا هذا، من دون توقف، منهم المئات من ناشطي حزبنا.
 * السكرتير العام لحزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سورية - يكيتي
 
قراءة المشهد في الشرق الأوسط
الحياة....توني بلير... رئيس وزراء بريطانيا السابق.
الأحداث التي أدت إلى قيام الجيش المصري بإزاحة الرئيس محمد مرسي وضعت المؤسسة العسكرية أمام خيار بسيط: التدخل أو الفوضى. إن وجود 17 مليون نسمة في الشوارع ليس مثل الانتخابات، بل هو تجسيد مخيف لسلطة الشعب، ولو حدث ما يعادل ذلك في بريطانيا فإن نحو 13 مليوناً سيخرجون إلى الشوارع. تدبروا هذا الأمر هنيهة. صحيح أن الجيش لن يتدخل هنا )في بريطانيا(، لكن الحكومة لن تبقى أيضاً.
لقد عجزت جماعة الإخوان المسلمين عن التحول من حركة معارضة إلى حكومة، وبالطبع فإن الحكومات تُحكمُ إما بطريقة سيئة أو جيدة أو بمعدلٍ متوسط، ولكن هذا الأمر مختلف؛ إذ إن الاقتصاد ينمو ببطء. كما أن الحفاظ العادي على الأمن والقانون تلاشى تقريباً، ولا تكاد توجد خدمات، وقد بذل عدد من الوزراء ما وسعهم من جهد، وكنت التقيت قبل بضعة أسابيع وزير السياحة الذي كنت أعتقد أنه وزير ممتاز لديه خطة معقولة لإنعاش قطاع السياحة المصري. بعد بضعة أيام استقال من منصبه بعدما اتخذ الرئيس خطوة مثيرة للدهشة بتعيينه محافظاً للأقصر، وهي وجهة سياحية رئيسية. كان منتمياً إلى الجماعة المسؤولة عن شنّ أسوأ هجوم إرهابي في الأقصر نفسها، حيث أسفر عن مقتل أكثر من 60 سائحاً في عام 1997.
ويواجه الجيش الآن المهمة الحساسة والمضنية التي تتمثل في قيادة البلاد للعودة بها إلى طريق الانتخابات، والعودة السريعة إلى الحكم الديموقراطي، ويجب أن يكون أملنا أن يتمكن الجيش من القيام بذلك من دون مزيد من إراقة الدماء، بيد أنه ومهما يكن الأمر، فإن جهة ما يتعين أن تدير البلاد وتحكمها، ويعني ذلك اتخاذ قرارات صارمة، قد تكون أحياناً غير شعبية. المسألة لن تكون سهلة.
إن ما يحدث في مصر يعد أحدث نموذج أمام أعين العالم كله للتفاعل بين الديموقراطية والاحتجاج وفاعلية الحكومة.
الديموقراطية هي أسلوب لاختيار من يتخذون القرار، لكنها ليست بديلاً عن اتخاذ القرار. وأذكر حواراً قصيراً دار بيني وعدد من الشبان المصريين بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، أوضحوا فيه أنهم يعتقدون بأن المشكلات ستحل مع انتهاج الديموقراطية، وحين سألتهم عن السياسة الاقتصادية السليمة التي يتعين على مصر أن تنتهجها، قالوا ببساطة إن الأمور ستكون طيبة بعدما أضحت لديهم ديموقراطية. وبحكم معرفتهم الضئيلة بالاقتصاد فإنهم لم يروا بأساً في بقاء كل شيء قديم ليست لديه فرصة تُذكر في العمل.
إنني مؤيد قوي للديموقراطية، غير أن الحكم الديموقراطي لا يعني بحد ذاته حكومة فاعلة. والفاعلية هي التحدي اليوم. حين تخفق الحكومات في تحقيق التطلعات يقوم الشعب بالاحتجاج. إنهم لا يريدون الانتظار ريثما تُجرى انتخابات. والواقع - كما هي الحال في تركيا والبرازيل - أنهم يمكن أن يحتجوا حتى حين تكون البلاد - من أي منظور موضوعي - حققت تقدماً كبيراً، ولكن حين تنتقل البلدان من وضع الطبقة المتدنية إلى الوسطى تزداد توقعات الشعب، فهم يريدون خدمات عالية الجودة، وإسكاناً أفضل، وبنية أساسية جيدة، وخصوصاً النقل. وسيرفضون ويقاتلون بسبب أي إحساس لديهم بأن زُمرة في القمة تعوق طريقهم.
هذا نوع من الروح الديموقراطية التي تعمل خارج حدود العرف الديموقراطي القائل بأن الانتخابات هي التي تحدد الحكومة. تذكيها بدرجة كبيرة وسائط التواصل الاجتماعي، وهي بحد ذاتها ظاهرة ثورية، وتتحرك سريعاً جداً خلال الأزمات الطارئة، وليست ثابتة أو معقولة. التظاهر ليس سياسة أو إعلاناً لبرنامج حكومي، ولكن حين تفتقر الحكومات إلى حجج واضحة لدحض تلك الاحتجاجات فإنها تواجه مشكلة.
في مصر تفاقمت مشكلات الحكومة جراء الاستياء من آيديولوجية وعدم تسامح الإخوان المسلمين، وشعر الشعب بأن الجماعة بدأت تفرض بشكل منتظم نظرياتها على أوجه الحياة اليومية المختلفة، وللمرة الأولى في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، وهو تطور إيجابي، هناك نقاش مفتوح حول دور الدين في السياسة، وعلى رغم التنظيم المُحْكَم للإخوان المسلمين، فإن الغالبية على الأرجح هي للنهج العلماني العنيد تجاه مسألة الحكم في المنطقة. قد يكون المجتمع مشبّعاً باتباع تعاليم الدين، غير أن الشعب بدأ يتبيّن له أن الديموقراطية لا تعمل إلا حين تكون فكرة تعددية، إذ يتم احترام المعتقدات المختلفة، وحيث يكون للدين صوت وليس حق النقض. بالنسبة إلى مصر، فهي أمة ذات حضارة عريقة ومتباينة، وفيها نحو 8 ملايين مسيحي، وعدد كبير من الشباب الذين هم بحاجة إلى التواصل مع العالم، ليس - في الحقيقة - ثمة مستقبل في أن تصبح دولة إسلامية تطمح إلى أن تكون جزءاً من خلافة إقليمية.
إذاً، ماذا يتعين على الغرب القيام به؟ تمثل مصر أحدث تذكير بأن المنطقة مضطربة، ولن تتركنا في حالنا مهما كنا نتمنى ذلك. وأي قرار بعدم اتخاذ إجراء ستكون له عواقب وخيمة. وفي أسوأ الحالات لن يسعنا أن نسمح لمصر بالانهيار، لذلك علينا التواصل مع سلطة الأمر الواقع الجديدة، ومساعدة الحكومة الجديدة على إحداث التغييرات الضرورية، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، ليكون بمستطاعها أن تحقق رغبات الشعب. بتلك الطريقة يمكننا أيضاً أن نساعد في صياغة الممر الذي يعيد البلاد إلى صندوق انتخاب يصممه المصريون بأنفسهم ومن أجل أنفسهم.
أما بالنسبة إلى سورية، فحين نتأمل أسوأ ما يمكن أن يحدث، يتبين لنا أنه غير مقبول، فقد ينتهي بنا الأمر إلى تقسيم فعلي للبلاد، تكون فيه دولة سنية فقيرة في الشرق، معزولة عن البحر وعن ثروة البلاد، يديرها متطرفون، وسيسود لبنان عدم الاستقرار التام، وسيتعرض العراق لمزيد من الزعزعة، ويكون الأردن عرضة لقدر أكبر من الضغوط (وما كان له أن يتماسك لولا شجاعة وقيادة الملك نيابة عنا جميعاً). وما سيبقى للأسد ليحكمه سيكون معتمداً على حزب الله - وهو منظمة إرهابية - وعلى إيران.
بالنسبة إلى إيران، قد يرغب الرئيس الجديد في التوصل إلى اتفاق مع العالم في شأن البرنامج النووي لبلاده، وقد لا يكون الأمر كذلك. ومهما يكن فإن السلطة لا تزال بيد آية الله. لا يسعنا أن نرى إيران وهي تملك سلاحاً نووياً، ولم نتعرض للتحديات الماثلة في ليبيا واليمن، وأبعد من ذلك في باكستان، ولا لوباء التطرف الذي يجتاح الطرف الشمالي من الساحل الأفريقي، أو بعض بقاع آسيا الوسطى.
النقطة التي يتعين توضيحها أن مصالحنا تتطلب أن نكون في حال ارتباط وتواصل. علينا أن نتخذ قرارات بعيدة المدى لأنه لا توجد حلول على المدى القصير، ولعل ما يقوم به جون كيري حالياً بذلك القدر من التفاني والاندفاع في شأن المسألة الإسرائيلية - الفلسطينية خير نموذج يجسد ذلك، وإذا كان الأمر يستحق فلنتخذ إجراءً حياله مهما كان شاقاً.
إننا نشهد انتقالاً طويلاً في الشرق الأوسط، وهو صعب ويستغرق وقتاً ومكلّف. إننا نشعر بأنها مهمة جهة ما أن تساعد في معالجة الأوضاع، بيد أنها مهمتنا، إذ إن هذا الكفاح يعني كثيراً بالنسبة إلينا، والخبر السار هو أن ملايين الأشخاص المنفتحين المُحدَثين يوجدون هناك. إنهم بحاجة إلى معرفة أننا نقف بجانبهم، وأننا حلفاؤهم، وأننا مستعدون لدفع ثمن أن نكون معهم هناك.
 
 
إيران تخسر رهانها في مصر
مهدي خلجي
مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
يُلقي انهيار حكومة مرسي بظلاله على تحديات جديدة تواجهها إيران في وقت تعرضت فيه سمعتها في الشرق الأوسط إلى العديد من الضربات الموجعة من جميع الاتجاهات. فعلى مدى العامين الماضيين، سعت إيران إلى وضع حبكة بديلة لقصة "الربيع العربي" تبلورت في مصطلح آية الله علي خامنئي "الصحوة الإسلامية". وتصف هذه الرواية الاضطرابات التي وقعت في تونس وليبيا ومصر والبحرين على أنها حركة كفاح ضد الغرب ألهمتها الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 وتهدف إلى إنشاء حكومات إسلامية تحاكي في منظومتها الطراز الإيراني.
ومع ذلك، فقد أفسدت التطورات المتلاحقة في سوريا والبحرين ومصر الحبكة الإيرانية. كما أن رد فعل إيران إزاء الاحتجاجات في البحرين أصاب الشيعة في جميع أنحاء المنطقة بخيبة الأمل، لأن وعودها لم تتجاوز الكلمات، ولأنها ساعدت حكام الجزيرة السنة على تصوير الانتفاضة على أنها صراع طائفي وليس حراكاً ديمقراطياً. وإبان ذلك، فقد ساهم دعم طهران الصريح للحكومة السورية -- وسط إراقة دماء هائلة -- في إلحاق الضرر البليغ بصورة الجمهورية الإسلامية في أوساط العالم الإسلامي.
وفي سياق متصل، فإن فشل حكومة «الإخوان المسلمين» في مصر يمثل ضربة كبيرة أخرى لطهران. فقد قام الزعماء الإيرانيون بقطع العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة في وقت سابق بعد توقيع الأخيرة معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، وغالباً ما تعارضت السياسات المصرية اللاحقة مع مخططات طهران. على سبيل المثال، إن دعم الجمهورية الإسلامية العسكري والمالي طويل الأمد لحركة «حماس» منح النظام الإيراني نفوذاً في الأراضي الفلسطينية وما وراءها، لكن معارضة حكومة مبارك للحركة هدد هذا النفوذ. وتبعاً لذك، فقد حاولت طهران تحسين علاقاتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» وإيجاد أرضية مشتركة مع الجماعات الإسلامية داخل مصر وخارجها. وقد نجح «الإخوان المسلمون»، الذي خلفوا مبارك، في إقناع طهران بإمكانية مد جسور التعاون مع الجماعة مع اختلافاتها العقائدية والسياسية، واستئناف العلاقات الطبيعية مع مصر وتقوية موقفها في غزة والمنطقة في النهاية.
غير أن جماعة «الإخوان المسلمين» فشلت في تلبية توقعات إيران، باعتراضها على موقف طهران من سوريا، ومن ثم فشلت في إحكام قبضتها على المستوى المحلي. والآن بما أن خصوم الجماعة -- بما في ذلك السلطات العسكرية والعلمانية والإسلامية والمسيحية -- قاموا بحشد الجماهير وعزل مرسي، فقد أصبحت إيران في وضع لا تحسد عليه: فمن غير المحتمل أن تجد طهران أي حلفاء بين اللاعبين السياسيين في مصر في المستقبل القريب. وعلاوةً على ذلك، فإن حبكة "الصحوة الإسلامية" أخذت تفقد جوهرها وتصبح في غير محلها وباتت غير مقنعة لكل من الشعب الإيراني والمسلمين المؤيدين لطهران في بلدان أخرى.
وإذا مضينا قدماً، فإن فكرة التقارب مع القاهرة ستظل حلماً بعيد المنال لطهران على الأرجح، حيث اتخذت كل القوى المناوئة لـ «الإخوان المسلمين» موقفاً أكثر تشدداً تجاه الجمهورية الإسلامية، وذلك على عكس سايسة حكومة مرسي. وفي الوقت نفسه، فإن النفوذ الإيراني على الفلسطينيين سيصبح أكثر ضآلة، ليس فقط لأن علاقة «حماس» مع طهران تزداد سوءاً، بل أيضاً لأن الحكم العسكري في مصر سيجعل من الصعب جداً على إيران إرسال مساعدات إلى غزة عبر الحدود المصرية. وبصورةٍ أكثر عمومية، فإن الكثيرين سيفسرون عزل «الإخوان المسلمين» على أنه فشلاً للإسلام السياسي الذي لطالما شجعته طهران.
 
كيف أضحت الحرب الأهلية في سوريا حرباً مقدسة
توماس هيجهامر و هارون ي. زيلين
توماس هيجهامر هو زميل زوكرمان في "مركز الأمن والتعاون الدولي" في جامعة ستانفورد. هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.
في أواخر أيار/مايو، فُتح صندوق باندورا في الشرق الأوسط. كان ذلك عندما دعا العالم الديني المصري يوسف القرضاوي، الذي قد يكون رجل الدين السني الأكثر تأثيراً في العالم، المسلمين السنة في جميع أنحاء العالم إلى القتال ضد نظام الرئيس بشار الأسد و «حزب الله» في سوريا. وسيزيد بيان القرضاوي بكل تأكيد في الأسابيع والأشهر المقبلة من وتيرة المقاتلين الأجانب الوافدين إلى سوريا. ويمكن أن تتحول الحرب الأهلية في سوريا عما قريب إلى صراع طائفي شامل يضرب المنطقة بأسرها.
والقرضاوي البالغ من العمر 86 عاماً كان قد غادر مصر واستقر في قطر عام 1961 وأصبح منذ ذلك الحين رجل دين يحظى بشهرة واسعة بين القيادات الدينية الإسلامية. وقد ألّف ما يربو على 100 كتاباً تباع في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ويستقطب برنامجه التلفزيوني الذي يُبث على قناة "الجزيرة" عشرات الملايين من المشاهدين. ويرجع فضل ما يتمتع به القرضاوي من نفوذ واسع إلى قدرته على الموازنة بشكل يكسوه الدقة بين النهج الشعبوي والسياسة المحافظة. ويسعى القرضاوي إلى الجمع، على سبيل المثال، بين وجهات النظر المتشددة إزاء إسرائيل مع إدانة قوية لـ تنظيم «القاعدة». وقد نجح القرضاوي في بناء سمعة كشخص يقول الحق عند من بيدهم الحل والعقد ويحتفظ طوال الوقت بميزات عديدة -- من بينها إدارته لبرنامج تلفزيون والحصول على درجة الأستاذية -- لكونه قريباً من المؤسسة الدينية. وبمعنى آخر، فهو بالنسبة للمسلمين السنة أقرب ما يكون إلى البابا بالنسبة للمسيحيين.0}
وقد ألقى القرضاوي تصريحات مثيرة للجدل في خطبة الجمعة في الدوحة في 31 أيار/مايو. ففي خطاب مؤثر حول محنة أهل السنة في سوريا، صرح القرضاوي بأن "أي شخص قادر ومدرب على القتال...عليه التوجّه إلى سوريا؛ أنا أدعو جموع المسلمين إلى التوجّه ودعم إخوانهم في سوريا." وتُعد هذه إحدى الرسائل البارزة التي وجهها القرضاوي، خاصة لأنها من الرسائل التي لم تأتِ على لسان رجال الدين ممن هم في مكانة القرضاوي. وكثيراً ما يصرح رجال المؤسسة الدينية الإسلامية أن الكفاح المسلح المعني هو جهاد مشروع، بيد أنهم نادراً ما يقولون بأنه يتوجب على المسلمين في جميع أنحاء العالم الانضمام إليه. ومن المعروف أن رجال الدين المتشددين يتحدثون عما يطلق عليه فرض عين، والذي يعني أن كل رجل مسلم قادر يجب عليه القتال ومن يتوانى عنه يكون بذلك قد ارتكب إثماً. وفي المقابل نجد أن رجال الدين المعتدلين مثل القرضاوي عادة ما يتحدثون عن "فرض الكفاية"، وهو ما يعني ضمناً أن الأجانب يمكنهم القتال في ظل ظروف معينة لكن دون وقوع أي إلزام عليهم. وحتى في أوج الحرب على الأفغان في ثمانينات القرن العشرين، صرح الشيخ السعودي عبد العزيز بن باز بأنه "لا يجب على المسلمين سوى مد يد العون"— ولا يتعين أن يكون "القتال -- مع المجاهدين الأفغان -- فرض عين عليهم". وقد ترك الأمر إلى أكثر الشخصيات تطرفاً مثل المعلم الخاص المزعوم لأسامة بن لادن -- عبد الله عزام، للقول بأن القتال كان يتوجب على جميع المسلمين.
ويقيناً، لم يستخدم القرضاوي مصطلح "فرض عين"، وقد قيّد دعوته بأن على الرجال الذين تلقوا تدريباً عسكرياً في المقام الأول الذهاب للقتال. ولكن في المناطق التي يُعد فيها التجنيد الإجباري عرفاً سائداً، فإن ما تقدم ينطبق على الجميع. ولم يردد القرضاوي من خلال دعوة جميع رجال السنة القادرين إلى القتال في سوريا، ما يتناوله المنظرون الجهاديون فحسب، بل إنه يتعارض أيضاً مع ما صرح به في وقت سابق. فقد ألف كتاباً بعنوان "فقه الجهاد"، والذي رفض فيه إطلاق حكم فرض العين على الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان. كما أن استعداده لتقديم استثناءاً لسوريا اليوم هو مؤشر على مدى ما يشعر به العرب السنة بشدة خارج تلك البلاد حيال الصراع.
وكان رجال دين آخرون قد أطلقوا أيضاً دعوة العام الماضي مفادها بأن الجهاد فرض عين في سوريا، لكن ليس لأحدهم نفس تأثير القرضاوي. وبالتالي كان للتصريح الذي أدلى به القرضاوي تأثير مهم في تحديد المعايير لغيره من رجال الدين: إذ جعل من السهل عليهم التحدث بلهجة صارمة حيال الشأن السوري وجعل من العسير عليهم لعب دور الحمائم. ووفقاً لذلك، شهد شهر حزيران/يونيو سلسلة من تصريحات أدلى بها كبار رجال الدين في جميع أنحاء المنطقة يدعون فيها إلى الجهاد في سوريا. فعلى سبيل المثال، بعد أيام فقط من تصريح القرضاوي، أيد مفتي المملكة العربية السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، علناً ذلك الجزء من خطبة القرضاوي الذي أدان فيه «حزب الله» واصفاً إياه بـ "حزب الشيطان". ولم يتناول المفتي صراحةً مسألة المقاتلين الأجانب لكنه أعرب عن استحسانه للتصعيد الخطابي للقرضاوي. وبالمثل، بعد مرور أسبوع على ذلك، أصدرت مجموعة من العلماء اليمنيين فتوى جماعية تدعو إلى "الدفاع عن المظلومين" في سوريا. وعلى غرار مفتي الديار السعودية، لم يكرر رجال الدين اليمنيون دعوة القرضاوي لغير السوريين إلى القتال، لكنهم لم ينتقدوها كذلك. وبعد مُضي أسبوعين من خطبة القرضاوي، صرح رجل الدين السعودي سعود الشريم من على منبر المسجد الحرام في مكة أنه يجب على المؤمنين دعم الثوار ضد النظام في سوريا "بكل الوسائل." وفي اليوم التالي، تحدث الرئيس المصري (الذي خُلع مؤخراً) محمد مرسي أمام حشد من الجماهير في القاهرة، ملوحاً بعلم المعارضة السورية ومُديناً كل من نظام الأسد و «حزب الله». وقد نظم ذلك الحشد الهائل عدد من رجال الدين المتشددين ممن يدعون إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الشأن السوري، وعلى الرغم من أن مرسي لم يؤيد تدخل المقاتلين الأجانب صراحةً، إلا أنه قد جرى -- على نطاق واسع -- تفسير ظهوره أمام الجماهير على أنه إشارة إلى أولئك الذين يرغبون في خوض غمار تلك الحرب.
وبالنظر إلى كل هذا، نجد أنه سينجم عن هذه التصريحات توافد المزيد من المتطوعين السنة في هذه الحرب لخوض خضم المعارك في سوريا-- وهو الأمر الذي لن يثير الكثير من القلق إن لم تكن سوريا تعج بالفعل بالمقاتلين الأجانب. ووفقاً للبيانات التي جمعها كاتبا هذه السطور على مدى الأشهر التسعة الماضية من مئات المصادر الأولية والثانوية، فقد انضم ما يقرب من 5000 مقاتلاً سنياً من أكثر من 60 دولة مختلفة إلى الثوار السوريين منذ بدء الانتفاضة في عام 2011. وهذا يجعل سوريا ثاني أكبر وجهة للمقاتلين الأجانب في التاريخ الإسلامي الحديث (في ثمانينات القرن الماضي، جذب الجهاد الأفغاني ما يقرب من10,000 متطوع ولكن على مدى فترة دامت عشر سنوات).
وكل هذا قبل الأخذ بنظر الاعتبار الأجانب الذين يقاتلون على الجانب الآخر. فبالإضافة إلى المستشارين من "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني وعناصر «حزب الله» اللبناني، ينضم عدد متزايد من المقاتلين الأجانب الشيعة من العراق ولبنان للقتال في صفوف نظام الأسد. ووفقاً لتقارير غير مؤكدة، بدأ الشيعة من اليمن وأفغانستان والهند في الوصول إلى هناك أيضاً. ويعزي العديد منهم مجيئهم إلى حماية الأضرحة الشيعية فقط، مثل مسجد "السيدة زينب" في دمشق، بيد أن بعضهم يشارك في أنشطة أكثر إجراماً. وقد كان «حزب الله» اللبناني عاملاً أساسياً في استعادة السيطرة على بلدة القصير الشهر الماضي وهم يخوضون الآن معركة لاستعادة حمص. كما شهد الشهر الماضي أيضاً تدفق شيعة العراق التابعين لجماعتي "كتائب «حزب الله»" و"عصائب أهل الحق"، التي يعود تاريخهما إلى الاحتلال الأمريكي للعراق. وقد خاضت كلتا الجماعتين معارك ضد الثوار السنة في دمشق وحولها.
والآن مع تدخل القرضاوي، فمن المرجح أن تزداد وتيرة وصول الثوار السنة. ولا يتعلق الأمر باتخاذ جميع أتباعه قراراً بحزم أغراضهم فجأةً، بل من المتوقع أن يتأثر عدد معين ممن هم على الحياد جراء تصريحاته. وبهذه الطريقة، هناك احتمالاً قوياً أن يكون هناك أكثر من 10,000 مقاتل أجنبي على جانبي القتال في الحرب السورية في غضون عام أو عامين.
إن تدخل الجهات العسكرية الخارجية بهذا المستوى سيخلق مجموعة من التحديات الأمنية في سوريا وخارجها. إذ سيؤدي تواجد المقاتلين الأصوليين الأجانب في البلاد إلى جعل مفاوضات السلام وجهود إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع أكثر تعقيداً. وعلى المستوى الإقليمي، يوجد بالفعل عداوات طائفية آخذة في الانتشار من سوريا إلى لبنان والعراق المجاورتين. وبعيداً عن ذلك، فإن الديمقراطيات الوليدة في تونس وليبيا ومصر سيكون لها رأيها عندما يعود مئات الجهاديين المتمرسين في المعارك إلى وطنهم. كما أن الحكومات الغربية في كل من أوروبا وأمريكا الشمالية سيكون لديها أسبابها لتقلق بشأن المواطنين المسلمين الذي عادوا من سوريا متشبعين بالفكرٍ الأصولي. كما أن المشاهد الأكثر إزعاجاً من ذلك كله هي أن الدول في المنطقة ستتدخل بشكلٍ مباشر في الحرب للدفاع عن ما تعتبره إخوانها المتضررين. وقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب شاملة بالوكالة بتبعات لا يعلم مداها إلا الله.
ويوجد بالفعل شيء من التنافس بين الدول السنية للتأثير في الحرب السورية. وفي الواقع، هناك طريقة واحدة لتفسير بيان الشيخ القرضاوي وهي أنه أحد أعراض الصراع بين قطر والمملكة العربية السعودية بشأن رعاية الثوار السوريين. وقد يسعى القرضاوي، المصري الجنسية ولكن مقيم في قطر، إلى المزايدة على أقرانه المحافظين في المملكة العربية السعودية، ومعظمهم قد جادل بأنه ينبغي على غير السوريين ألا ينضموا إلى القتال بل دعمه من خلال وسائل أخرى. فمن خلال الحديث بشكل أكثر تشدداً، قد يأمل الشيخ القرضاوي أن يحظى ببعض النفوذ لمضيفيه القطريين بين الثوار السوريين بالإضافة إلى حصوله على مزيد من الأتباع في المجتمع السني الأوسع. وقد رأينا مثل هذه المزايدات في العديد من الصراعات السابقة في العالم الإسلامي. على سبيل المثال، في الثمانينيات، تنافست دول الخليج العربية على دور المانح الأكثر سخاءاً للمجاهدين الأفغان، وفي التسعينيات تنافست المملكة العربية السعودية مع إيران حول البلد الذي يمكن أن يرسل أكبر كمية من الأسلحة للمسلمين في البوسنة. وغني عن القول، إن هذه عملية فضلت التصعيد العسكري على الحل الدبلوماسي.
وبطبيعة الحال، ينبغي على المرء أن لا يبالغ في دور القرضاوي في الأزمة السورية -- فقد كانت هناك نار تحت الرماد قبل أن يقوم هو بسكب الزيت عليها. ومع ذلك، فإن بيان القرضاوي من 31 أيار/مايو يعتبر، على أقل تقدير، مؤشراً هاماً يدل على رأي رجال الدين السنة في الحرب السورية. بل هو علامة على أن ما اعتاد أن يطلق عليه صفوة رجال الدين والسياسة السنيين بأنه ثورة، أصبح الآن يتصدر المشهد. وعلى الرغم من أن العديد من المعلقين الإعلاميين، بما في ذلك بعض العرب السنة، قد انتقدوا القرضاوي واتهموه بتشجيع العنف الطائفي، إلا أن انتشار الإدانة لم يلق صدى واسعاً. كما أن القرضاوي نفسه لم يظهر أي نية للتراجع عن بيانه. وحتى لو فعل، فقد خرج شبح الفتنة الطائفية من قمقمه.
 
 
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة


السابق

تحذيرات من «تآكل» السودان نتيجة الصراعات في دارفور.....بغداد: إجراءات أمنية مشددة لحماية المساجد والأسواق خلال رمضان....المغرب: انهيار التحالف الحكومي بعد استقالة وزراء «الاستقلال»

التالي

تحالف «8 آذار» ينفرط.. وبري يؤكد بقاءه فيما يتعلق بالمسائل الخارجية... نائب عن كتلة التغيير والإصلاح: أصبحنا على يقين أن الثلث المعطل ليس له معنى...سليمان يجدد المطالبة بالتزام "إعلان بعبدا" وعدم التدخّل في سوريا وسيناريو قيد البحث لمعالجة أزمة التمديد...بري يطرح أفكاراً لتسهيل مهمة سلام ولكن أين التحالف الشيعي من رفض عون لها؟...إدانة «فاطمة غول» جاءت على لسان ديوان المحاسبة «ولا بُدَّ من التعويض»..

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff..

 الأربعاء 2 تشرين الأول 2024 - 6:21 ص

..Getting Past Libya’s Central Bank Standoff.. The long-running feud between Libya’s competing au… تتمة »

عدد الزيارات: 172,775,030

عدد الزوار: 7,711,883

المتواجدون الآن: 0