لبنانيون يفرّون «من الموت» إلى ريف العراق..
أكثر من 19200 نازح منذ بدء الحرب..
لبنانيون يفرّون «من الموت» إلى ريف العراق..
الراي.... القاسم (العراق) - أ ف ب - فرّ محمد فواز مع زوجته وابنته «من الموت» في لبنان، كما يقول، إلى مدينة القاسم في وسط العراق، بعد أن نزح من منطقة إلى منطقة داخل بلده هرباً من القصف الإسرائيلي. ويقول فواز (62 عاماً) الذي يسكن حالياً بلدة القاسم في محافظة بابل، «رأينا الموت بأعيننا. كلما انتقلنا إلى مكان، يصبح خطراً. بعد ذلك فكّرت بالمجيء إلى العراق». أمام منزله الصغير إلى جانب طريق تمرّ عليه مركبات «توك توك» وشاحنات صغيرة، ومحاط بأشجار نخيل، يضيف فواز المتحدّر من قرية جويا في جنوب لبنان، أن العائلة لاقت في العراق «استقبالاً يفوق الخيال». ووصل إلى العراق أكثر من 19200 لبناني منذ بدء الحرب عبر مطارَي بغداد والنجف ومنفذ القائم الحدودي، وفقاً للأمم المتحدة. ورحّبت الحكومة العراقية ومؤسسات دينية شيعية والعتبات المقدسة وجمعيات خيرية والحشد الشعبي، وهو تحالف فصائل عراقية موالية لإيران، باللاجئين اللبنانيين وبذلت جهوداً كبيرة لتسهيل إجراءات السفر والسكن. وتتمتع الفصائل الموالية لإيران بنفوذ كبير في العراق وداخل الحكومة، وهي جزء من «محور المقاومة» الذي تقوده إيران ويضمّ «حزب الله». ويروي فواز أنه نزح أولا من جنوب لبنان إلى حيّ السلم في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعرضت للقصف ايضاً، ما دفعه للهرب إلى منطقة الشويفات المجاورة حيث تقيم ابنته الثانية. فلحقه القصف. ويقول مجهشاً بالبكاء «تركت كلّ رزقي وتركت أهلي» في لبنان. «إخوتي مشرّدون، كلّ منهم في منطقة في مدارس» فُتحت لاستقبال نازحين.
«نشعر أننا بين أهلنا»
وتواصل فواز مع شاب ينسّق مع «الحشد» العراقي لتأمين رحلات يومية للفارّين من لبنان إلى العراق. فسافر مع عائلته أولاً إلى منطقة السيدة زينب جنوب دمشق، ثمّ في حافلة إلى الحدود السورية - العراقية. وحيا فواز «استقبال وكرم وشهامة» سكان مدينة القاسم حيث استضافهم أبومسلم، أحد سكان المنطقة الذين فتحوا منازلهم لإيواء عائلات لبنانية موقتاً حتى إيجاد مساكن أخرى لهم ليقيموا فيها فترة أطول. ومنذ 23 سبتمبر، نزح 1,3 مليون شخص من منازلهم في لبنان، بينهم أكثر من نصف المليون، غالبيتهم سوريون، توجهوا إلى سورية، وفقاً للسلطات اللبنانية. وسهّل العراق إقامة اللبنانيين بتمديد مدة تأشيرتهم في البلاد لأشهر. ووجّهت بغداد بمنح اللبنانيين القادمين الى العراق ولا يملكون جوازات سفر، وثائق سريعة بغية تسهيل وصولهم. أما في مدينة كربلاء المقدسة، حيث مرقد الإمام الحسين وشقيقه العباس، تولّت العتبات المقدسة إيواء عائلات لبنانية في فنادقها المخصصة للزوار. ويستقر ما يقرب نصف الوافدين الجدد في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين. كما سمحت الحكومة العراقية بتسجيل الأطفال في مدارسها. وتشير إحصاءات الأمم المتحدة الى أن نحو 62 في المئة من اللبنانيين في العراق، هم من النساء والأطفال. في منطقة الإبراهيمية في جنوب بابل، يستعد ابراهيم حمادة (21 عاماً) للانتقال مع والدته وشقيقه من منزل موقت إلى آخر. ويتابع حمادة دروسه عن بُعد مستعيناً بحاسوب حمله معه في حقيبته من لبنان حيث قُصفت قريته. ويقول «اخترنا العراق لأنه وصفنا بأننا ضيوف لا نازحين. نحن نشعر فعلاً أننا بين أهلنا وناسنا». وخلال رحلة استمرت نحو ثلاثة أيام من لبنان ثم سورية فالعراق، واجهت العائلة «صعوبات»، خصوصا أن الأب «بقي في لبنان لأنه يرفض ترك البيت الذي تربّى فيه والمنطقة التي عاش فيها»، وفق ما يقول حمادة. ويشير الطالب الذي يدرس الطب المخبري إلى أن جامعته في لبنان «أقفلت أبوابها أمام الطلبة لتستقبل نازحين»، كما فعلت صروح تربوية كثيرة هناك، ما دفع بالمدرّسين للتعليم عن بُعد. وتوضح والدته ريما حمادة «نحنا كبيئة شيعية واجهنا القصف بكل الأماكن التي تواجدنا فيها. لم نعد في أمان».
«بيتي الحقيقي»
وتبنت السلطات المحلية في محافظة بابل تجهيز 180 وحدة سكنية لاستقبال المزيد من اللبنانيين في الأيام المقبلة، وفق ما ذكر نائب محافظ بابل أحمد الغريباوي لـ "فرانس برس". وتقول عواطف موسى (44 عاماً)، من قرية حريص في جنوب لبنان، والمقيمة الآن في مدينة الحلة، مركز محافظة بابل، مع زوجها وابنتيها وعمتها، إنهم نزلوا في منزل شاغر صاحبه عنصر في الشرطة العراقية ينتظر الزواج قبل الانتقال اليه. وتضيف «عندما نذهب الى التسوّق، يصطحبنا متطوع من الأهالي بسيارة ويتكفّل بالمصاريف». وتتابع موسى بصوت منهك «اخترنا العراق لأنه مكان آمن ولا يوجد خوف. وهنا أهل البيت يحموننا أكثر». وهي الزيارة الأولى التي تقوم بها موسى الى العراق، رغم أن زوجها جاء من قبل في زيارة الى المراقد المقدسة في البلد. وخوفاً من مآسي الحرب التي خطفت أخت زوجها وهي كذلك بنت عمتها، لا تنقطع موسى عن متابعة أخبار لبنان على هاتفها النقال، ولا تنقطع عن البكاء وهي تتحدث عن الموتى وبلدها الذي تتمنى العودة اليه من جديد. وتقول «أنا مرتاحة في هذا المنزل، والعراقيون لا يسمحون بأن ينقصنا أي شيء (...) مرضت فأخذوني إلى المستشفى». و«لكنني أشتاق الى بيتي وبلدي، كذلك لجيراني وعائلتي. هناك بيتي الحقيقي»....