قمة الكويت تهيئ لـ "الربيع العربي" الثاني
الأحد 30 آذار 2014 - 7:47 ص 320 0
قمة الكويت تهيئ لـ "الربيع العربي" الثاني
سليم نصار – لندن.... كاتب وصحافي لبناني
الأربعاء الماضي، أنهت القمة العربية الخامسة والعشرون أعمالها في الكويت باصدار بيان مشترك تضمن خلاصة التوصيات والمقترحات التي تقدم بها 14 رئيساً، تناوبوا على تحديد مواقفهم وإعلان خلافاتهم.
خلاصة الخطب، التي شكلت خليطاً من الآراء المتباينة، عكست الى حد بعيد الوضع الصحيح لشتى أنواع المواجهات. ولكن أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح بالتعاون مع أمين عام الجامعة نبيل العربي، قررا إنشاء لجنة خاصة لمواصلة التحرك بهدف تطويق الخلافات قبل أن يتسع حجمها السياسي والأمني.
وفي هذا السياق، تؤكد مصادر القمة العربية أن اللجنة ستباشر نشاطها بتبديد غيوم الخلاف الذي نجم عن قرار المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين سحب سفرائها من قطر.
ووفقاً للتفسير الذي أعطته الدول الخليجية الثلاث، فإن إتهامها يشير الى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كونه رفض التقيّد ببنود إتفاق الرياض المبرم في 23 تشرين الثاني 2013.
ويبدو أن رفضه قوبل بالانتقاد لأنه وقّع الاتفاق بحضور أمير الكويت الشيخ صباح، مع تأييد من قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست. ويدعو الاتفاق الى الالتزام بالمبادىء التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول مجلس التعاون بشكل مباشر أو غير مباشر.
دشن الشيخ تميم عهده (26 حزيران 2013) بخطاب معتدل قال فيه: "إننا نحترم جميع التيارات السياسية المؤثرة والفاعلة في المنطقة. كما إننا لا نميل الى تيار ضد آخر". وبسبب الشكوى التي رفعتها دولة الامارات العربية المتحدة ضد الشيخ يوسف القرضاوي، منعه الشيخ تميم من إلقاء بعض خطب الجمعة.
وعندما حصلت الحركة التصحيحية في مصر، وأبعِد الرئيس "الاخواني" محمد مرسي عن الحكم، شنت قناة "الجزيرة"، بشقيها العربي والانكليزي، حملة عنيفة ضد الجيش المصري، مطالبة بعودة الرئيس المُنتَخَب. ويرى الاعلاميون في القاهرة أن أربعة من مراسلي "الجزيرة" دفعوا، باعتقالهم غير المبرر، ثمن تلك الحملة.
في قمة الكويت، أرسل أمير قطر إشارات سياسية تنبئ عن رغبة في تعديل أسلوب مخاطبة مصر. ففي حفل الافتتاح، تحدث عن "علاقة الأخوة مع الشقيقة الكبرى مصر." ودعا في كلمته الى حوار وطني معها، متجاوزاً الخلاف العميق بين البلدين.
ومع أن مصافحته الخاطفة للرئيس المصري الموقت، عدلي منصور، إعتُبِرَت من المسلمات البروتوكولية الصرفة، إلا أنها عبّدت طريق المصالحة بين الدوحة والقاهرة، خصوصاً بعد إنتخابات الرئاسة ومجلس الشعب في مصر.
وتعزو القيادة العسكرية المصرية هذا التأخير الى إحتمال إجراء محاكمة علنية للرئيس محمد مرسي على خلفية واقعة سياسية إكتشفها جهاز الاستخبارات الذي كان يراقب نشاط الرئيس وكبار أعوانه من جماعة "الاخوان المسلمين."
وتقول المعلومات المتوافرة عن تلك الواقعة إن الفريق عبدالفتاح السيسي زار الرئيس مرسي في مكتبه، وأطلعه على تسجيلات جهاز الاستخبارات. ثم أبلغه بأن الجيش سيزيحه بالقوة، وأنه من الافضل له أن يتنحى بكرامة. ورد مرسي بأن الادارة الاميركية لن تسمح للجيش، الذي تربطه بواشنطن مصالح ومساعدات، بالاقدام على مثل هذه المغامرة.
وبعد أقل من أسبوع، إعتُقِل الرئيس مرسي لأن القيادة العسكرية إكتشفت إرتباطاته الخارجية، وخشيت من إحكام سيطرته على مؤسسات الدولة خلال السنة الثانية من ولايته. وإعتمدت القيادة في قرارها الخطير على تطورَيْن مفاجئين:
الأول - تعهد الرئيس مرسي للادارة الاميركية بضمان أمنها الداخلي وسلامة رعاياها، مقابل تعهدها بأن تعترف بشرعية نظامه الاسلامي المعتدل، وتدعم خطواته في مواجهة الجيش.
الثاني - رقابة جهاز التنصت على مكالمات الرئيس مرسي، ضبطت إتصالاته بزعيم "القاعدة" أيمن الظواهري. وكان من نتيجتها إنتقال عدد كبير من مقاتلي "القاعدة" الى صحراء سيناء. ثم تبين بعد ذلك أن غاية مرسي، من وراء تلك العملية، تطمين الادارة الاميركية الى إحتواء "القاعدة" تمهيداً لتأسيس الخلافة التي نادى بها مؤسس الجماعة حسن البنا. وعليه، كان يأمل بنقل القوة المركزية لـ "القاعدة" الى سيناء بحيث تشكل جسر الاتصال بين مصر من جهة و"حماس" في غزة من جهة أخرى.
ظهرت حصيلة ذلك التعاون في هجوم مفاجئ على كتيبة من الجيش النظامي، راح ضحيتها 16 جندياً. وبعد التمثيل بجثثهم، إستولى الارهابيون على مركبتين عسكريتين فرّوا بهما الى غزة.
وحيال هذا التطور، إتخذ المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي قراراً بإدخال قوات إضافية (7 آب 2012) علماً بأن إتفاق "كمب ديفيد" لا يسمح بذلك. ولم يعد أمام الرئيس محمد مرسي من مجال للمناورة سوى التلطي وراء سلطته، الأمر الذي دفعه الى حلّ المجلس العسكري، وتبني مسؤولياته بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وكان أول قرار أصدره، من هذا المركز، قرار منع المواجهات بين الجيش والارهابيين، والامتناع عن تدمير الأنفاق المستخدمة لنقل الأغذية والأسلحة الى "حماس".
وفي ضوء هذه الخلفية، يتوقع الجيش إحالة مرسي الى المحاكمة بعد إنتخاب المشير عبدالفتاح السيسي رئيساً لمصر.
بالعودة الى البيان الختامي للقمة العربية، يتبين من ديباجته الطويلة أن المشتركين تبنوا الاقتراح الذي قدمه ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أي الاقتراح الذي يطرح الحل للخروج من المأزق السوري. وفي تصوره "ان المعالجة تتطلب تحقيق التغيير في ميزان القوى على الأرض، ومنح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ما يستحقه من دعم ومساندة باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري. خصوصاً أن الائتلاف مُنِح هذا الحق في قمة الدوحة."
ويُستنتج من هذا التلميح أن الأمير سلمان كان يعترض على رفض بعض الدول قبول أحمد الجربا ممثلاً شرعياً يحتل مقعد سوريا في قمة الكويت.
أما بالنسبة للمطلب الآخر الذي قدمه ولي العهد السعودي والمتعلق "بتغيير ميزان القوى على الأرض، ومنح المعارضة السورية ما تستحقه من دعم ومساندة..."، فان هذا المطلب يشير، مداورة، الى كميات الأسلحة المتطورة التي تقدمها ايران وروسيا الى نظام الأسد، إضافة الى مشاركة "حزب الله" و"فيلق القدس" الايراني والمساندة العراقية والبراميل المتفجرة التي ترسلها موسكو عبر ميناء طرطوس. وهي البراميل التي إستُعملت في مقاومة تمرد الشيشان.
كل هذه المضادات العسكرية لم تشجع إدارة الرئيس اوباما على إتخاذ خطوة عملية يمكن أن تبدل في ميزان القوى على الأرض. وبفضل هذا الموقف الاميركي المتردد إستطاع الأسد أن يستمر في الحكم. وغاية واشنطن - كما تفسرها الصحف الاسرائيلية - إطالة أمد الحرب الأهلية بحيث يتواصل الاستنزاف، وتغرق ايران و"حزب الله" والعراق وروسيا في مستنقعات الدماء والدموع.
بقي السؤال المتعلق بنجاح القمة العربية، التي عقدت في الكويت لأول مرة، وما إذا كانت توصياتها ومقرراتها ستساهم في حلحلة أو حل النزاعات القائمة على إمتداد رقعة العالم العربي!!
ويرى أمين عام الجامعة العربية، نبيل العربي، أن "إعلان الكويت" هو بمثابة حصانة جماعية لمواجهة الاضطرابات المتوقعة خلال "الربيع العربي" الثاني.
حتى منتصف 2012 لم تسقط من الأنظمة العربية سوى أربعة فقط، هي: تونس ومصر وليبيا واليمن. وبخلاف ما حدث في تونس، فان سقوط حسني مبارك تم بواسطة إنقلاب خفيف من الجيش.
معسكر التغيير والمقاومة هو الذي فرح بشكل خاص بالاهتزاز المفاجىء لنظام مبارك الذي أدى في نهاية المطاف الى إسقاطه. وكان بشار الأسد أول الشامتين بعدوه الاقليمي. وفسر سقوطه كدليل على عدالة مساره السياسي المختلف. في حين أصرت القيادة الايرانية على القول إن مبارك دفع الثمن لقاء قطيعة تعود لأكثر من ثلاثين سنة مع ايران... ولقاء قمع جماعة "الاخوان المسلمين" ومنعهم من تبني نموذج الثورة الاسلامية الايرانية.
ومع ذلك، فان المشير عبدالفتاح السيسي يفاخر بأن مصر هي دولة كبيرة ومستقلة أكثر من أن تسمح لعناصر خارجية بالتأثير على سياق تطوراتها الداخلية. وإستناداً الى هذه المعطيات، فقد أعلن عن ترشيحه للرئاسة بعدما خلع بزته العسكرية يوم الأربعاء الماضي، معتمداً على أصوات الغالبية المناهضة لتيار "الاخوان المسلمين".