الجبهة الشعبية تخطو نحو الخمسين مرحلة بهية تطوي أعوامها

تاريخ الإضافة الثلاثاء 23 كانون الأول 2008 - 7:48 ص    عدد الزيارات 1506    التعليقات 0

        

صقر ابو فخر

طوت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أربعين سنة من عمرها في العام الفائت، وطوى الموت أيضاً مؤسسها والضمير النقي للثورة الفلسطينية المعاصرة والأمين العام الأول جورج حبش، بعدما اغتالت إسرائيل أمينها العام الثاني أبو علي مصطفى، وها هو أمينها العام الثالث أحمد سعدات يقبع مغلولاً في الأسر. والجبهة الشعبية كانت الاسم الحركي لمجموعة من خيرة مناضلي العرب أمثال جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وأبو ماهر اليماني وصلاح صلاح وعبد الكريم حمد ومحمود الأسود (غيفارا غزة) وغسان كنفاني وغيرهم كثيرون؛ هؤلاء ورفاقهم قدموا طرازاً من المسلك الثوري المتقشف قلَّ نظيره في الالتزام والتضحية والمثابرة والنزاهة، حتى أن البعض بالغ في هذه الطهارة إلى حد رفض التبسم، والامتناع عن الدعوات والأعياد والاحتفالات البهيجة.
ارتبط اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باسمين من أبرز مؤسسيها هما جورج حبش ووديع حداد. الأول كان حارس المقاومة، والثاني كان قيدومها ورائد العمليات الخاصة فيها وأستاذاً لجيل من الشبان، في مختلف أنحاء العالم، ممن انخرطوا في سياق »العنف الثوري« لتغيير بشاعة العالم... والإثنان رحلا بينما العالم مابرح يزداد بشاعة وقسوة. إنه الحلم الثوري، بذلك »الخراب الجميل«. وما الضير في تلك الرومانسية حتى لو أجهضت ما دامت الفاعلية انصبت على عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وعلى توحيد العرب، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
[ [ [
ظهرت الجبهة الشعبية في ١١/١٢/١٩٦٧ عقب هزيمة الخامس من حزيران .١٩٦٧ لكن البدايات الأولى تعود إلى مجموعة »شباب الثأر« التي أسسها جورج حبش ووديع حداد وهاني الهندي وأحمد الخطيب في الخمسينيات، وإلى منظمة »أبطال العودة« التي أسسها كل من فايز جابر وصبحي التميمي سنة ،١٩٦٤ وهما المجموعتان اللتان التحمتا معاً لتشكلا مع نفر من الأفراد »حركة القوميين العرب«. وكانت هذه الحركة قررت في المؤتمر القومي المنعقد في أيار ١٩٦٤ تأسيس »الفرع الفلسطيني« في حركة القوميين العرب الذي صار اسمه »إقليم فلسطين«، وضمت قيادته كلاً من وديع حداد وصبحي عودة وأحمد اليماني (أبو ماهر) وعبد الكريم حمد وإبراهيم الراهب وصباح ثابت. وإقليم فلسطين هذا، أنشأ جهازاً عسكرياً كان من أعضائه القياديين مصطفى الزبري (أبو علي مصطفى) وعبد الكريم حمد (أبو عدنان) وأحمد اليماني (أبو ماهر) وزكي هللو. وبدأ هذا الجهاز إرسال الدوريات الاستطلاعية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة .١٩٤٨ وفي ٢/١١/١٩٦٤ اعترضت دورية أردنية إحدى هذه الدوريات وأطلقت النار على عناصرها فسقط خالد الحاج أبو عيشة، فكان أول شهيد للفرع الفلسطيني في حركة القوميين العرب.
[ [ [
في ١١/١٢/١٩٦٧ ظهرت إلى الوجود »الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين« جراء اندماج مجموعة شباب الثأر ومنظمة أبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية التي كان يقودها الضابط الفلسطيني في الجيش السوري أحمد جبريل. ومنذ ذلك التاريخ فصاعداً نفذت الجبهة الشعبية في سياق اعتناقها مبدأ »العنف الثوري« عدداً من العمليات المثيرة التي بدأتها باختطاف طائرة لشركة »إلعال« الإسرائيلية من روما إلى الجزائر في ١٥/٧/،١٩٦٨ ثم أتبعتها بمهاجمة طائرة لشركة »إلعال« أيضاً في مطار أثينا في ٢٦/٢/،١٩٦٨ وهي العملية التي تذرعت بها إسرائيل للقيام بهجوم على مطار بيروت في ٢٨/١٢/١٩٦٨ كانت محصلته تدمير ١٣ طائرة مدنية لشركة MEA. وفي ٢٩/٨/١٩٦٩ اختطف فدائيو الجبهة طائرة أميركية تابعة لشركة TWA وأنزلوها في مطار دمشق وفجروها. وقاد هذه العملية سليم عيساوي وليلى خالد. وقد فشلت محاولة أخرى لاختطاف طائرة من لندن قامت بها ليلى خالد في ٦/٩/١٩٧٠ فاعتقلت ثم أطلق سراحها في ٣٠/٩/.١٩٧٠ وكانت أكثر العمليات إثارة هي عملية مطار اللد في ٣٠/٥/١٩٧٢ التي نفذها مقاتلون يابانيون من الجيش الأحمر الياباني بالتنسيق مع »المجال الخارجي« في الجبهة الذي كان يقوده وديع حداد. وقد استشهد جميع أعضاء المجموعة اليابانية ما عدا »كوزو أوكاموتو« الذي وقع في الأسر، وأطلق سراحه في عملية »النورس« لتبادل الأسرى في ٢١/٥/،١٩٨٥ وهو يعيش منذ ذلك الوقت في لبنان لاجئاً سياسياً.
صحيح أن الجبهة الشعبية اشتهرت بالعمليات الخارجية الخاصة، لكنها مارست العمل العسكري في الأراضي المحتلة تحت شعار »نموت ولا نهاجر«، ونفذت عمليات جريئة مثل عملية سينما »حين« في تل أبيب سنة ،١٩٧٤ وعملية اغتيال الوزير الإسرائيلي المتطرف رحبعام زئيفي في ١٧/١١/.٢٠٠١ على أن أكثر العمليات جرأة كانت عملية تخليص جورج حبش من السجن في دمشق في ٥/١١/.١٩٦٨ وقد نفذ هذه العملية وديع حداد وساهم فيها أبو علي مصطفى، وتمكن أفراد مجموعة الإنقاذ من اعتراض سيارة السجون المحروسة جيداً، وإنزال جورج حبش منها، ثم تهريبه إلى لبنان.
[ [ [
تعرضت الجبهة الشعبية لثلاثة انشقاقات رئيسية كان أولها خروج جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل في ١٠/١٠/١٩٦٨ التي اتخذت اسم »الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة«. أما الانشقاق الثاني فكان خروج التيار اليساري بقيادة نايف حواتمة في ٢٢/٢/١٩٦٩ واتخاذه اسم »الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين«. وفي ١٠/٣/١٩٧٢ انشقت مجموعة صغيرة أطلقت على نفسها اسم »الجبهة الشعبية الثورية لتحرير فلسطين« بقيادة العراقي أحمد فرحان (أبو شهاب).
في خضم هذه الانشقاقات المتلاحقة خضعت الجبهة لتبدلات عميقة، فتخلت عن الخط القومي التقليدي وتبنت الماركسية في سنة ١٩٦٨ فصاعداً، ثم تخلت عن العلاقة المميزة مع الرئيس جمال عبد الناصر بعد قبوله »مشروع روجرز« في ٢٣/٧/،١٩٧٠ وتخلت عن تكتيك خطف الطائرات و»مطاردة العدو في كل مكان«، ورفضت فكرة »الدولة الفلسطينية« في سنة ،١٩٧٤ ثم عادت وقبلتها في نهاية السبعينيات.
[ [ [
بوفاة وديع حداد في ٢٨/٣/،١٩٧٨ وبعد الخروج من بيروت إلى دمشق في سنة ١٩٨٢ انضمت الجبهة إلى المعارضة الفلسطينية، ومالت إلى عدم الفاعلية النسبية. وعندما استقال مؤسسها جورج حبش من الأمانة العامة للجبهة في ١/٥/٢٠٠٠ انتخب أبو علي مصطفى أميناً عاماً، فأقام مقره في رام الله إيذاناً بعهد جديد للجبهة. لكن إسرائيل اغتالته في ٢٧/٨/،٢٠٠١ وانتخب بدلاً منه أحمد سعدات الذي اعتقلته القوات الإسرائيلية في سنة .٢٠٠٣ وبوفاة جورج حبش في ٢٦/١/،٢٠٠٨ صارت الجبهة الشعبية بلا حارس تاريخي، بعدما كانت دائماً المنظمة الثانية من حيث الحضور السياسي بعد حركة فتح، وبعدما شكلت إحدى علامات التاريخ الفلسطيني المعاصر في مرحلته الباهرة. لقد جاءت وفاة »الحكيم« في مرحلة انحسار اليسار الفلسطيني، بل أفوله، وفي الوقت نفسه، في مرحلة صعود »الإسلام السياسي« الفلسطيني.
طالما رفعت الجبهة الشعبية علم فلسطين في كل مكان على قاعدة »مطاردة العدو في كل مكان«. لكن العلم الفلسطيني اليوم ممنوع من الارتفاع حتى في غزة... إنها مرحلة جديدة تماماً التي ربما تشهد دفن المشروع الوطني الفلسطيني التي كانت الجبهة الشعبية أحد أعمدته القوية.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,703,183

عدد الزوار: 6,962,034

المتواجدون الآن: 69