وثيقـة الحزب الشيوعي: لبنان في قلب الصراعات مجدداً

تاريخ الإضافة الثلاثاء 24 شباط 2009 - 11:55 ص    عدد الزيارات 1184    التعليقات 0

        

مشروع الوثيقة السياسية البرنامجية المعدة للنقاش في المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي اللبناني الذي سيعقد أواخر الأسبوع الحالي.
ـ الوضع اللبناني
1. تحدي المشروع الأميركي وتناقضات الوضع اللبناني
÷ دفع الصراع الضاري الذي أطلقه الغزو الأميركي للعراق، بالتناقضات القائمة في الوضع اللبناني الى ذروة تأزمها. وقد برز عجز مزدوج في التعامل مع نتائج ذلك الصراع الاقليمي ـ الدولي (بعد 11 أيلول وغزو أفغانستان ومن ثم العراق، ومحاولة تكريس الأحادية الأميركية في العالم عبر «مشروع الشرق الأوسط الكبير»):
أ . عجز الإدارة السورية واللبنانية المتعاونة معها، عن الاحتفاظ بقدرتهما على استمرار التحكم بمجريات الأمور على المستوى اللبناني، وبالتالي استمرار السيطرة على السلطة وأدواتها، بما أفضى الى الانسحاب العسكري السوري من لبنان في 26 نيسان من عام 2005 والى انهيار السلطة اللبنانية المتعاونة التي أقامتها سوريا فيه.
ب . عجز النظام اللبناني، بمؤسساته وأشكال تفاعله مع التطورات والأحداث المستجدة الصاخبة، عن احتواء تناقضات الخارج والداخل وتوجيه نتائجهما لمصلحة استعادة حلقات أساسية مفصلية مفقودة في ممارسة السيادة اللبنانية وفي تدعيم الوحدة الداخلية.
ج. شكل خروج القوات السورية من لبنان، حدثاً بارزاً في مجرى العلاقات اللبنانية ـ السورية، وفي مجرى الصراع الدائر في المنطقة. ولقد كان من المناسب أن يحصل هذا الخروج في مناخ من التفاهم بين البلدين والسلطتين في كل من لبنان وسوريا، إلا أن ما حصل كان معاكساً لذلك تماماً، مما دفع بالعلاقات بين البلدين وحتى الشعبين، الى مستوى من التوتر، لم يكن إلا تعبيراً عن جملة ممارسات وردود فعل خاطئة حكمت العلاقات السابقة، كما كان تعبيراً عن مستوى أعلى من الصراع في لبنان وعليه، ستستمر مفاعيله ارتباطاً بالنزاع الدائر في المنطقة.  ÷ كان النزاع الأميركي ـ السوري بشأن العراق، هو السبب الأول في دفع الإدارة الأميركية الى اتخاذ قرارات ومواقف لعبت الدور الحاسم في نزع الشرعية الدولية (واستطراداً العربية) عن الوجود السياسي ـ الاداري والعسكري السوري في لبنان (إصدار القرار 1559 بالتعاون الوثيق مع حكومة الرئيس الفرنسي جاك شيراك بعد تنافر أميركي ـ فرنسي في مرحلة الإعداد للغزو الأميركي للعراق ثم في مرحلة تنفيذه). وقد أدت التهديدات والإنذارات التي أطلقتها إدارة الرئيس بوش ضد النظام السوري، الى دفع الأمور الى حافة النزاع العسكري الأميركي ـ الاسرائيلي، من جهة، والسوري، من جهة أخرى. وكان ذلك أمراً تخشاه السلطة السورية، بشكل كامل، بسبب نتائجه المحسومة سلفاً نظراً لاختلال ميزان القوى العسكري (والاستراتيجي عموماً) لمصلحة واشنطن وتل أبيب (خصوصاً بعد احتلال العراق ووجود القوات الأميركية على الحدود السورية مباشرة).
وبالتوازي، فقد أطلقت تلك التطورات المجال رحباً، لاندلاع نزاع سياسي داخلي، غذّته أيضاً، الى تراكم الاعتراض على الأخطاء السورية في لبنان، نقمة عارمة على الاغتيالات التي بدأت في ت2 2004 وبلغت ذروتها في 14 شباط عام 2005 باستهداف رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري. إن التحرك الشعبي ـ السياسي الضخم الذي شهدته شوارع وساحات العاصمة بيروت خصوصاً، قد أشار الى تبدل راجح في ميزان القوى، السياسي والشعبي، في غير مصلحة استمرار الوجود العسكري السوري في لبنان والسيطرة السورية على مقدرات القرار والوضع اللبناني.
2. معادلة جديدة
لقد سار التحرك الشعبي ـ السياسي الداخلي المعارض للإدارة السورية ـ اللبنانية، في كنف التحرك الاميركي ـ الفرنسي وحمايته وتشجيعه وتحريضه (إصدار القرار 1559) والعربي أيضاً. وهما صنعا، كلاهما، المعادلة الجديدة التي حكمت تطور الأحداث في البلاد حتى «اتفاق الدوحة» الذي دشَّن مرحلة انتهاء الهيمنة شبه المنفردة الأميركية على القرار الرسمي للحكومة اللبنانية. وبموجب المعادلة المذكورة، انتقل لبنان الى نوع من الوصاية الأميركية. أما الشعارات التي ارتفعت عالياً وبضجيج غير مسبوق حول الاستقلال والسيادة والحرية، فلم يجد أصحابها أي تناقض بينها وبين إخضاع سلطة القرار في البلاد للنفوذ الأميركي، وإلحاق سياسة لبنان بالسياسة والخطة الأميركية في المنطقة.
2. الخلل في النظام السياسي اللبناني
÷ ولقد كشف هذا الواقع أي وقوع لبنان في قلب التجاذبات والصراعات مرة جديدة، خللاً جوهرياً في النظام السياسي اللبناني، وليس مجرد خطأ عابر من قبل فريق لبناني، أملته تحولات عاصفة أو ظروف طارئة. إن تداول الوصاية والأوصياء وبناء معادلات الداخل بالارتباط كلياً بالمعادلات الإقليمية والدولية، والمضي في سياسة الاستقواء والارتهان واستدراج التدخل الخارجي أو الإغراء بحصوله، إنما هي جميعاً أمور قائمة في صلب الأسس والتوازنات والمعادلات التي قام عليها النظام السياسي الطائفي اللبناني.
لقد بلغت الانقسامات الداخلية مداها الأقصى. أما شكل هذه الانقسامات، الذي كان يرتدي الطابع الطائفي تقليدياً، فقد تداعى (أيضاً في امتداد مثيل له على مستوى المنطقة) الى انقسام مذهبي عاصف، كان ولا يزال الأكثر تأثراً وتفجراً. وقد وضع كل ذلك البلاد على شفير حرب أهلية، بل إن هذه الحرب قد حصلت فعلاً، وبأشكال وصيغ جزئية ومؤقتة، في أكثر من مكان ومرحلة وبين أكثر من جهة وطرف... إن تقدم الانقسام المذهبي، قد عكس جزءاً من التحولات المتراكمة في موازين القوى السياسية الداخلية على مستوى السلطة وتوازناتها، كما عكس تنامي استخدام العامل المذهبي في المدى الإقليمي من قبل الإدارة الأميركية، خصوصاً بعد احتلال العراق. هذا دون أن نسقط أيضاً، مسؤولية قوى أخرى، اعتمدت التعبئة المذهبية أساساً لتنمية دور ومشروع وشبكة علاقات. ونتيجة لكل ذلك، اتخذ الاستقطاب في لبنان، من حيث المظهر والشكل أساساً، طابع انقسام مذهبي بين كتلتين رئيستين تحلقت حولهما القوى الأخرى، في صورة انقسام طبعت المشهد السياسي اللبناني منذ أواسط عام 2004 حتى يومنا هذا. إن ما يعانيه لبنان حالياً، من مظاهر ومخاطر المذهبية خصوصاً والطائفية عموماً، يطرح مسألة إيلاء اهتمام أكبر بهذه الظاهرة، وضرورة مواجهة آثارها السلبية، وذلك من ضمن معادلة الالتفات الى هذه الظاهرة في مسار تكونها ودورها التاريخي وفعلها الراهن من جهة، وعدم القبول بقدرية هذين الدور والتأثير على طبع حياتنا السياسية والاجتماعية، من جهة أخرى. لقد شكلت الطائفية صيغة أولية للدفاع عن الذات من قبل الأقليات التي واجهت الاضطهاد أو التهديد، في مرحلة من المراحل. لكن استمرار اعتمادها، بالإضافة الى تداعياتها الى المذهبية، قد بات عامل انقسام وخلل خطير يحول دون بناء وحدة وطنية حصينة ويبدد جهود اللبنانيين وإنجازاتهم المتنوعة.
4. القوة الحاسمة
ونستعيد هنا ما كنا أشرنا اليه في مؤتمرنا التاسع، لجهة أن النظام اللبناني، وخصوصاً بعد «اتفاق الطائف» (وبشكل عززه ووطده وكرسه عدم الأخذ بإصلاحات ذلك الاتفاق)، كان ولا يزال يفتقر الى «القوة القاهرة» أو «القادرة» الداخلية، في آلية عمله وبناء مؤسساته. ولا تفعل الأزمات في مقدمة ما تفعل، إلا كشف هذا الخلل ومعه تعمق المشاكل وتفاقمها، ومن ثم التفتيش عن الحلول عن طريق الخارج وعلى حساب وحدة البلاد وسيادتها، ووفقاً لتوازنات لن تلبث أن تنفجر هي الأخرى، في المنعطفات وبسبب الصراعات والمتغيرات الكبيرة.
إن المقصود «بالقوة القاهرة» أو «الحاسمة» أو «المهيمنة» الداخلية، هو امتلاك النظام السياسي من خلال بناه وآلية اتخاذ القرار فيه، ومن خلال القوى التي تستطيع أن تجندها هذه الآلية، القدرة على الحسم في المراحل الطارئة أو الاستثنائية أو في الأمور والعناوين التي يمكن أن تكون موضوع نزاع سياسي كبير وشامل. أما السبب في افتقار النظام اللبناني الذي يسيّر عمل مؤسسات البلاد الى تلك القوة «الحاسمة»، فيعود الى طابعه الطائفي ـ المذهبي. فقد تشكلت المجموعات الطائفية، ومن ثم المذهبية، بوصفها وحدات سياسية ومجتمعية، وتباعاً بوصفها دويلات داخل الدولة تستمر وتنمو على حساب مناعة الدولة وسيادتها ووحدة الشعب والوطن. واقترن ذلك دائماً بنسج نوع من العلاقات والارتباطات بالقوى الخارجية، كان يمثّل في آن معاً، أداة استقواء لتكريس توازن أو لتعديله، وعامل جذب لاستخدام الانقسام اللبناني في صراعات إقليمية ودولية. يحصل كل ذلك، طبعاً، على حساب سيادة الدولة وعافيتها، ووحدة مؤسساتها، وقدرتها على القيام بدورها في تأمين التماسك والاستقرار والمصلحة الوطنية.
5. مسؤولية أطراف البورجوازية
÷ تتقاسم أجنحة البورجوازية اللبنانية المسؤولية عن استمرار الخلل المذكور، وعن تفاقمه، وعن الأضرار الوطنية الخطيرة التي نجمت عنه في السابق وتترتب عليه اليوم. إن تمظهر الصراع السياسي والاجتماعي بصيغة مموهة ومشوَّهة هي صيغة صراع وانقسام طائفيين ومن ثم مذهبيين، لا يغير من حقيقة توحد أطراف البورجوازية اللبنانية منذ الاستقلال الى اليوم، في ارتكاب الأخطاء نفسها المشار اليها سابقاً، والتي أدت الى خلل جوهري في الوحدة الوطنية، والى انكشاف البلاد أمام فئويات الداخل وأطماع واستقطابات الخارج.
÷ كان من شأن طبيعة العلاقة بين الداخل والخارج في نطاق معادلات وتوازنات النظام اللبناني ذي المرتكزات السياسية والإدارية الطائفية، ان انكشف، مرة جديدة، طابع الارتهان المرافق للتحولات الكبرى والمتغذي منها أو المستقوي بها كما ذكرنا آنفاً. وبدلاً من تقاطع محدود تقرره في لحظة سياسية تطورات وتحولات محددة، كان ثمن الدور الأميركي (خصوصاً) في تغيير توازنات الوضع الداخلي اللبناني، ان فرض الأميركيون على القوى المستقوية بهم، وعلى لبنان، إقامة علاقة ارتباط كاملة بالخطة والسياسة الأميركية في المنطقة: لقد جرى نقل لبنان من موقع الى موقع نقيض، تكراراً، بالإضافة الى تعميق الانقسام الداخلي، بدل الاستفادة من المستجدات والتناقضات الوافدة سبيلاً الى تعزيز مقومات الوحدة والسيادة الوطنية.
6. لبنان ساحة ثانية للصراع بعد العراق: حرب تموز 2006
والواقع أن لبنان قد اكتسب أهمية استثنائية في مجرى سعي الإدارة الأميركية لتوسيع نفوذها، وخصوصاً لتدارك صعوباتها في العراق، وأساساً تلك التي توجه أصابع الاتهام فيها والمسؤولية عنها، الى السلطات السورية. كان لبنان ساحة نفوذ خاص ومؤثر للنظام السوري. وقد ركز الأميركيون ومعهم الفرنسيون وعرب «الاعتدال»، على إفقاد سوريا دورها ونفوذها في لبنان. وكان ذلك من أجل إخضاع السلطات السورية وتغيير سياساتها، أو حتى إسقاط النظام السوري بدءاً بإسقاط نفوذه في لبنان. ومعروف أن هذا النفوذ كان يسعى الى التأثير على الوضع الإقليمي عبر بوابة الجنوب ودعم المقاومة ودورها وانتصاراتها ضد العدو الصهيوني (كما حصل خصوصاً عام 2000 حيث فرض الانسحاب الذليل، مرة جديدة، وبشكل شديد القسوة، على القوات الاسرائيلية المحتلة).
في ضوء هذا الواقع تبلورت تباعاً لوحة للتحالفات في لبنان، انتقلت بموجبها قوى مؤثرة في اللوحة السياسية والطائفية اللبنانية، من موقع الى موقع. وتميز الوضع آنذاك باندفاعة كبيرة للحلف الجديد الناشط والمبادر، والراجح سياسياً وشعبياً، للالتحاق بالسياسة الأميركية، ولتسخير ما كسبه من مواقع ونفوذ في السلطة وفي سواها، من أجل المساهمة في تحقيق الأهداف الأميركية حيال النظام السوري خصوصاً، وحيال المنطقة، عموما. لا بل تبلورت بوضوح أكبر مواقف قوى مؤثرة في التحالف الجديد (فريق 14 آذار) لجهة ان استتباب الأمر لها في لبنان، مرهون بإسقاط النظام السوري. وهي معادلة سياسية ـ طائفية ـ مذهبية كانت قد بدأت قواها وملامحها بالبروز قبل ذلك بوقت غير قصير، ومفادها أن النظام السوري الحالي، لن يقيم من العلاقات والتحالفات الوطيدة والدائمة، إلا تلك التي تستند بالدرجة الأولى، إلى فريقي «أمل» و«حزب الله». إن ذلك كان في أساس جملة من العلاقات والاتصالات مع بعض مراكز النفوذ الأمنية والسياسية، في النظام السوري نفسه (وخصوصاً المكلفة متابعة الوضع اللبناني)، وذلك من أجل تحريض وتشجيع عمل تغييري ـ انقلابي ضد النظام السوري، وكان ذلك يحظى، بالتأكيد، بدعم من قوى عربية رسمية نافذة في محور «الاعتدال» العربي الحليف لواشنطن.
إن المراهنة (والتعويل) على الدور الأميركي قد بلغت ذروتها في السنوات الخمس المنصرمة. وقد اقترن ذلك بمحاولة حسم مسائل في المجال الاقتصادي والعلاقات الاقتصادية، كانت موضع جدل أو صراع، وخصوصاً مع الطبقات الشعبية. ومن ذلك ما يسمى بإصلاحات باريس3، في امتداد «لبرلة» اقتصادية، كانت «الحريرية» قد أسست لها على نطاق واسع، متغذية أيضاً من تنامي الاتجاه نحو العولمة الليبرالية المقرونة والمدفوعة بتقدم الدور الأميركي على مستوى العالم، قطباً وحيداً، يستخدم كل الوسائل لأمركة العولمة بالعسكرة وبسواها من وسائل الفرض والقوة، وبمزاعم نشر الرخاء والديموقراطية وقيم حقوق الإنسان وحرياته في العالم.
7. العلاقات اللبنانية ـ السورية:
÷ لقد طرحت الأحداث العاصفة والمتلاحقة، موضوع العلاقات اللبنانية ـ السورية على أوسع نطاق. وفي مقابل نمط خاطئ وإلحاقي من العلاقات بين البلدين، فرض في مرحلة الإدارة السورية للبلاد، جرى فرض نمط آخر، أكثر خطورة، يقوم على الصراع والعداء، وبدور نشيط ومتطرف لجزء من فريق لبناني أمسك بزمام السلطة، وسخّر كل الإمكانات السياسية والإعلامية لهذا الغرض.
ويطرح هذا الأمر مسألة في غاية الأهمية: إذا كان من مصلحة لبنان أن يقيم علاقات متكافئة مع سوريا تقوم أيضاً على احترام سيادته واستقلاله، فإنه ليست من مصلحته، على الإطلاق، الانخراط في نزاعات إقليمية أو دولية من شأنها توتير علاقاته، الرسمية والشعبية، معها. ذلك أن لبنان سيكون الخاسر الأساسي فيها على المدى البعيد، وبما يهدد مصالحه الكبيرة وأمنه واستقراره.
إن بناء علاقات طبيعية وسليمة وتكاملية بين البلدين هي مصلحة أساسية لكليهما. وذلك يحتاج طبعاً، الى مراجعة تجربة العلاقات بينهما، وخصوصاً منذ «الطائف»، وذلك لتحديد أشكال الخلل التي اتسمت بها، وخصوصاً ضرورة تحريرها من الفئويات الداخلية والارتهانات والمراهنات الخارجية. وفي هذا الصدد لا بد من الاستنتاج مبكِّراً، من أنه لا يجوز أن يستمر بعض قوى السلطة في سوريا، بالتعامل بحذر مع مسألة الاستقلال والسيادة اللبنانيين. كذلك، ليس من المقبول إطلاقاً، تصوير أن مسألة السيادة والاستقلال، هي مسألة موجهة ضد «السوريين» سلطة وشعباً، بشكل مطلق، وتحديداً في ظروف استمرار المشروع الأميركي في المنطقة، واستمرار العدوان الإسرائيلي على شعوبها (ومنها بلدنا) بشكل متصاعد.
7. الدور الخارجي في المعادلة الداخلية
إن معادلة تفاعل الانقسام الداخلي مع المؤثرات الخارجية الوافدة من المحيط الإقليمي أو من الواقع الدولي وفق ما وصفنا آنفاً، لم تعد معادلة بسيطة، بل هي بلغت مرحلة بارزة من التعقد والتفاعل. فلقد امتد النفوذ الخارجي عميقاً في ثنايا الواقع اللبناني. ونشأت وفقاً لذلك، شبكة علاقات كبيرة، بل ضخمة جداً. ولا يكاد يخلو أي حقل من الحقول، من تصاعد الدور الخارجي وتعمقه في نسيج الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية والدينية اللبنانية... ويتفاقم هذا الوضع الى درجة لا يضعف فقط فرص العودة الى كنف الدولة لتطوير مؤسساتها وتنميتها، بل هو يعمّق الانقسام اللبناني ـ اللبناني، ويدفع به الى مستويات واحتمالات غير مسبوقة من حيث الاستعصاء على الحلول والتسويات: إن التقسيم يصبح الأفق الواقعي للانقسام إذا تعذر التقاسم، وتصبح الدولة شريكاً ضعيفاً يتآكل رصيده باستمرار وباطّراد، في مقابل تنامي نفوذ الدويلات وتصاعد التناقضات في ما بينها، في كل الحقول والميادين.
8. عناوين الإنقاذ الوطني
لا شك بأن التخلص من النظام الطائفي وإقامة نظام ديموقراطي مدني، علماني، بديل، هو الحل الجذري لهذا المأزق (تعميق البحث حول شعاري العلمنة وإلغاء الطائفية السياسية)، إلا أن ذلك يبقى شعاراً نظرياً، ما لم يقترن بجملة تدابير ومستويات وتفاهمات، في الحدود الدنيا الضرورية والأساسية، بما يوصل الى تحقيق الشعار المطلوب. إن أزمتنا الوطنية تتجه الى مزيد من التدهور والتفاقم. وهذا ما يفترض إعمال الجهد لاشتقاق المبادرات، واستكشاف السبل الآلية الى وقف التدهور، ومن ثم تلمس الحلول. إن جهات عديدة باتت تدرك المدى الخطير الذي وصلت اليه الأوضاع. وهي تمثل في تحركها ومواقفها صوتاً عاقلاً، يحاول ايضاً، أن يعبر عن مواقع قوى اجتماعية، باتت تستشعر الخوف من المضي في سياسية «لحس المبرد» التي تدفع بالبلاد عموماً، وبمصالح هذه القوى خصوصاً، الى أسوأ الاحتمالات: تحول أزمة النظام السياسي، وأزمة العلاقة بين اللبنانيين، الى أزمة كيانية بالمعنى الشامل والداهم والمتفجر. ولن يحصل التحول المنشود بغير جملة شروط مترابطة:
1. عمل نشيط ومبادر، يحذر من المضي في سياسة تقديم الفئويات على مصلحة البلاد العليا، وعلى متطلبات بناء مؤسساتها، بشكل صحيح وحديث.
2. فضح عملية المضي في التنكر لموجبات بناء دولة ذات مؤسسات حديثة وراسخة، وعلى أسس من المساواة والديموقراطية (التركيز بدءاً على أحداث اخترق إصلاحي في قانون الانتخاب، بحيث يعتمد النسبة والدائرة الواسعة، وتحريره من القيد الطائفي...). وفضح خاصة التنكر لإصلاحات «الطائف» المكرسة في دستورنا، وخصوصاً منها ما يتصل ببندي إلغاء الطائفية السياسية وإصلاح نظام الانتخاب، وبنود أخرى مؤسساتية أو اقتصادية أو إنمائية، جرى إفراغ تشكيلها غالباً، من أي مضمون جدي (المجلس الدستوري، المجلس الاقتصادي الاجتماعي، اللامركزية الإدارية، الإنماء المتوازن...).
3. التحذير من خطر الارتهان للخارج، وتغلغل دور هذا الخارج في نسيج حياتنا الوطني والاجتماعي... وصياغة معايير في هذا الاتجاه، تستند أيضاً الى نقد تجارب قديمة وجديدة، حيث جرى ويجري إهمال أو إسقاط المصلحة الوطنية لحساب المصلحة الخارجية لقاء مكسب فئوي مشكوك في مدى فائدته حتى لأصحابه (على المدى البعيد).
4. إبراز قضايا اللبنانيين المشتركة: المساواة في المواطنية. مواجهة العدو الإسرائيلي. انتماء لبنان العربي وموقعه الطبيعي في مواجهة الغزاة والطامعين ...
5. بناء مقومات وعناصر الفعل والتأثير والقوة الثقافية والمعنوية والعملية لهذه التوجهات، عبر صيغ عمل مشترك ذات قدرة ضغط سياسية وإعلامية، تتوسل أيضاً كل الوسائل الديموقراطية المشروعة في التحرك وتأمين المشاركة والفعالية. إن تحديد أولوية من هذا النوع، تستحق، بما تمثله من مسألة مصيرية للشعب البلاد، أن تكون عامل تحفيز قيام تيار سياسي واسع يسعى من أجل وقف التدهور، ومن أجل التوحد، عبر محاصرة الأثر السلبي للعاملين الطائفي والمذهبي، وكذلك الدور الخارجي، في حياة البلاد.
6. تركيز خاص في هذا الصدد على الفئات المتضررة، وهي الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، وخصوصاً على دور الجيل الشاب الذي يدفع ثمن الانقسام والانهيار والأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية.
9. مؤتمر وطني للحوار
ما يحصل من حوار الآن، لا يتجاوز حدود تعديل موازين قوى أو تكريسها، ضمن الواقع المأزوم المشكو منه وفي عملية صراع على السلطة تتراصف فيها، كالعادة، عوامل وقوى داخلية وخارجية، وتنقسم أطراف البورجوازية اللبنانية الى فريقين أساسين (يبرز بشكل متزايد بينهما التمايز ما بين القوى الساعية الى دور ونفوذ أكبر، وبين الاتجاه النيوليبرالي الأكثر مبادرة والأكثر ارتباطاً بالمراكز العربية والدولية الرأسمالية). أما المطلوب، فحوار يذهب أعمق: أي الى جذور أسباب الأزمة المستعصية اللبنانية، في مكوناتها وأسبابها القديمة ـ التاريخية، والجديدة التي تتراكم باستمرار بسبب الصراعات المحلية والإقليمية والدولية. إن المطلوب المثابرة على الحوار واستخدامه أداة وحيدة لبلورة مقاربات جديدة في النظام والعلاقات والتوازنات. لكن ذلك لن يكون مفيداً، ما لم توضع أهداف محددة وواضحة ومتدرجة، للتوصل الى تفاهمات مقنعة ومتوازنة وذات طبيعة وطنية والى صيغ تطبيق هذه التفاهمات.
ويطرح في هذا الصدد:
أ . إقامة صيغة حوارية يجري فيها سد الثغرات التمثيلية والسياسية التي شابت الصيغ القديمة والجديدة للحوار وموائده ومؤتمراته.
لقد شكل عجز المؤسسات اللبنانية عن استيعاب الأزمات وامتصاص التوترات، علامة ضعف بنيوي في نظام علاقاتنا الداخلية. ولا ينبغي أن يكون هناك وهم لدى أحد، بأن لبنان يستطيع أن يتجاوز أزمته أو أن يضعها على طريق الحلول، دون إحداث تحول ذي مغزى في قدرة اللبنانيين على التحاور وإنتاج التفاهمات تباعاً. إن مآثر اللبنانيين وتضحياتهم وبطولاتهم في ميدان المقاومة والتحرير، وكذلك إنجازاتهم في مجال التعلق بالحرية وبالانفتاح وبالاستقلال وبالديموقراطية، هي أمور يجب تثميرها، في عمل واع لمصلحة تعزيز الوحدة الداخلية، وبناء هذه الوحدة على أسس راسخة من المساواة والعدالة. إن الانقسام مقروناً بالتدخل الخارجي المغرض، قد أثبت أنه عدو لدود لإنجازات التحرير والديموقراطية. وهذا أساس لاستخلاصات ذات طابع وطني عام، يجب أن تساعد على بناء عناصر وطنية لبنانية جديدة، تمثّل أساس الوحدة الوطنية، وضمانة حصانتها في الوقت عينه.
ب. لا بد في هذا الصدد، من العودة الى اقتراح مؤتمر وطني شامل للحوار. وهذا المؤتمر يجب أن يؤدي الى تأسيس جديد للجمهورية، وخصوصاً في بندي علاقات اللبنانيين في ما بينهم (إصلاح النظام السياسي على قاعدة المساواة وإلغاء الطائفية)، وفي علاقاتهم مع الخارج (التحرر من الارتهان والارتباط الفئوي المتعارض مع المصلحة الوطنية).
ج. إلا أن هذا الأمر لا يُستجدى من غير ذوي المصلحة فيه، عنينا أفرقاء السلطة المتحالفين أو المنقسمين لأسباب جزئية أو أساسية. إن التوصل الى عقد مؤتمر وطني يؤدي الى تغيرات جذرية، مرتبط ببناء نسبة قوى جديدة في البلاد، لمصلحة الاتجاهات الوطنية الديموقراطية، غير الطائفية وغير المرتهنة. وهذه مهمة كبرى تفضي في حال توافر شروطها الى الانتقال نحو بديل ديموقراطي للنظام الطائفي الراهن، أي نحو حكم وطني ديموقراطي ينقل لبنان من وطن ضعيف وهش وقيد الدرس، الى وطن حصين وموحد وجدير بإنجازات اللبنانيين وتضحياتهم. إن الحكم الوطني الديموقراطي، يجب أن يكون برنامجا مشتركا لعمل جبهوي على المستوى الوطني، يكتسب بدوره أهمية استراتيجية في مجرى النضال من أجل التغيير الوطني الديموقراطي في لبنان.
د. ضرورة إقامة تحالف جبهوي، يساري ـ ديموقراطي، يمثّل عامل استقطاب كبيراً في البلاد، وتتمحور حوله أيضاً، عملية بناء نسبة قوى جديدة متنامية من شأنها توفير الأساس المادي للتغيير الجذري المنشود. يستدعي ذلك مواصلة الحوار مع أطراف اليسار وتقويم تجارب العمل المشترك، وتحديد أكثر ملموسية للمهام والمفاهيم والبرنامج والأطر، في المستوى الداخلي والعربي، على حد سواء.
هـ . لا يمكن تصور عملية تغيير في ميزان القوى، إذا لم تقترن باستنهاض القوى الاجتماعية، صاحبة المصلحة في التغيير: الطبقة العاملة، وجماهير الفلاحين، والمستخدمين العاملين بأجر، وفئات المعلمين والموظفين في القطاعات الحديثة... هذا الى تعبئة قوى الشباب والمرأة على أساس مطالبهما الأساسية...
10. تناقضات أخرى:
لقد حاولنا، في ما تقدم، إبراز الخلل القائم في النظام السياسي اللبناني، والناجم عن إقحام الطائفية والمذهبية ركيزة في إقامة مؤسساته وفي تحاصص النفوذ والإدارة والقرار في هذه المؤسسات. ولقد ركزنا على ضرورة تنفيذ الإصلاح المتضمن في الدستور (إصلاحات اتفاق الطائف) أو المتجاوز له، تطويراً وتحديثاً، من أجل إيجاد بنية مؤسساتية عصرية، تقوم أيضاً على المساواة والعدالة والديموقراطية واحترام حقوق المواطن. غير أن التناقض ما بين البورجوازية اللبنانية في ممارستها وفي بنية نظامها السياسي الطائفي المتخلف، وما بين مصلحة الشعب اللبناني وموجبات معالجة الأزمة اللبنانية، لا يختصر التناقضات الناشطة في الداخل اللبناني، بل هو يتكامل ويتفاعل مع تلك الوافدة من المحيط الاقليمي ومن المدى الدولي على حدٍ سواء. لا شك بأن ثمة علاقة وثيقة بين تحصين لبنان، بالإصلاح السياسي (خصوصاً) والإداري والاقتصادي، وبين توفير قدرة أكبر للبنانيين على التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية. ذلك أن التناقضات الأخرى الناشطة في المديين الإقليمي والدولي، كانت وتظل كبيرة التأثير على الوضع الداخلي اللبناني. وتأتي في مقدمة هذه التناقضات تلك التي ولَّدها ولا يزال، العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني ومن ثم على شعوب عدد من البلدان الأخرى المجاورة، ومنها لبنان. كذلك ما تعرضت له منطقة الشرق الأوسط، ولا تزال، من الآثار المدمرة والخطرة الناجمة عن توسيع وتعزيز الهيمنة الأميركية فيها وعليها، خصوصاً منذ غزو أفغانستان والعراق، بذريعة الحرب على «الإرهاب» والدفاع عن أمن الولايات المتحدة وحلفائها، وعن مصالحهما.
وفي مجرى هذه التناقضات ذات المنطلق الاقليمي والدولي، تحوّل لبنان الساحة الثانية من حيث اندلاع الصراعات والأزمات والتوترات والحروب، بعد الساحة العراقية. وشكلت حرب تموز عام 2006 بعد جملة من النزاعات والانقسامات والأحداث الدامية في لبنان، نزاعاً إقليمياً، بل حتى دولياً، بكل المعاني المعروفة.
لقد أشار عنف عدوان تموز الإسرائيلي التدميري على لبنان الشعب والوطن والمقاومة، الى ضخامة الأهداف التي حاول تحقيقها. وهذه الأهداف كانت أميركية أكثر مما كانت إسرائيلية. هذا فضلاً عن أهداف كانت تراود ايضاً، قوى أساسية في «محور الاعتدال» العربي، جزء منها في لبنان نفسه، وجزء آخر قائم في الصراع الإقليمي الدائر، ارتباطاً بتفاعلات الغزو الأميركي للعراق. وإذا كان الخلل الداخلي قد ألقى بثقله، كالعادة على أشكال وأساليب وحتى مضمون التفاعل مع العدوان الاسرائيلي ـ الأميركي وأهدافه وفي صورة خطيرة، بلغت أحياناً حدود الخيانة الوطنية في التعامل مع عدوان تموز، فإن ذلك قد أكد بروز خيارات سياسية واضحة ومصممة سعت الى إلحاق لبنان بمحور «الاعتدال العربي»، وهو محور أقامته واشنطن لمواجهة خصومها، ولإعطاء مضمون جديد للصراع في المنطقة، تكون إسرائيل بموجبه شريكاً وحليفاً، لا عدواً ومغتصباً وطامعاً. ويطرح هذا الأمر، جملة مسائل أساسية:
أ ـ الموقف من الصراع العربي الاسرائيلي: لبنان عانى مبكراً وطويلاً، ولا يزال، من وطأة العدوان الاسرائيلي من خلال الغزو والدمار وعدم الاستقرار. وما زالت أجزاء من أرضنا في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، محتلة من قوات الصهاينة. ولئن وجد الاسرائيليون في البنية السياسية الطائفية للبنانية حقلاً يمكن اختراقه والاستفادة من تناقضاته، إلا أن العدوان الاسرائيلي استهدف في العمق، كل اللبنانيين، وكل لبنان، في دوره وأرضه وسيادته ومياهه... وبهذا المعنى فإن الموقف من إسرائيل ينبغي ألا يكون مجرد تداع عن الانقسام الطائفي، أو المذهبي، بل هو شأن سياسي أساسي، تتحرك بالتفاعل معه مصالح وسياسات وتوازنات، ذات تأثير حقيقي في الانقسام اللبنانية، وذات نتائج تنبثق عنها التزامات في خدمة المصلحة الوطنية اللبنانية أو بما يتعارض مع هذه المصلحة.
أما من حيث المبدأ فالشعب اللبناني ذو مصلحة أكيدة في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وفي دعم قضيته ومقاومته، حتى تحقيق أهدافه الوطنية في بناء دولته المستقلة على أرض وطنه، وعاصمتها القدس، وفي دعم حقه في العودة، في نطاق تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني. كذلك فلبنان ذو مصلحة مماثلة في التضامن مع ضحايا العدوان الصهيوني من الشعوب العربية التي شملها العدوان، وخصوصاً الشعب السوري الذي ما زالت أرضه في الجولان محتلة منذ العام 1967.
إن لبنان ما زال مستهدفاً من العدو الاسرائيلي. فالصهاينة يواصلون احتلال أرضنا ويهددون بالانتقام وبتكرار المجازر والجرائم ضد شعبنا ومؤسساتنا. وفي مجرى الصراع مع العدو تميز الشعب اللبناني ببناء مقاومة فعالة ضد المحتلين. وقد كان حزبنا سباقاً في إطلاق هذه المقاومة التي أنجزت، بكل أطرافها، انتصارات مدهشة جعلت الصهاينة يدفعون غالياً ثمن اعتداءاتهم على بلدنا وشعبنا، كما أدخلت عناصر مهمة في الصراع وتوازناته وأساليبه لغير مصلحة الصهاينة وحماتهم الأميركيين (التصدي للغزو وطرده من العاصمة وكل المدن اللبنانية في أعوام 82ـ85، هزيمة الصهاينة المذلة عام 2000 ، إفشال عدوان تموز 2006 الذي نفذته إسرائيل وحرصت عليه واشنطن وتواطأت على حصوله قوى محور «الاعتدال العربي»). ويمثّل الموقف من هذه المسائل، أمراً في غاية الأهمية، يملي على الحزب تطوير مساهماته الفكرية والسياسية والعملية في مجال المقاومة، كما يملي عليه بناء علاقات تعاون وتقاطع مع القوى التي هي ضحية العدوان وتلك التي تقوم بمجابهة، في غير جهة وساحة وموقع.
ب ـ الموقف من الخطة الأميركية: ذكرنا أن لبنان كان حقل النشاط الثاني بعد العراق، في مجرى الصراع الذي أطلقه الغزو الأميركي لذلك البلد.. وجاء عدوان تموز في سياق تفاعل فيه، على نحو بارز، العاملان المحلي والإقليمي، فضلاً عن العامل الدولي. وما زال لبنان ساحة صراع مستمر يستقطب قواه ويستنزف عافيته واستقراره ويبدد طاقته وإمكانياته.
ومن موقع رفض مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة، ورفض كل سياسات واشنطن الداعمة للصهاينة والشريكة في اعتدءاتهم وإجرامهم، ومن منطلق الحفاظ على موقع لبنان الصحيح في هذا الصراع، ورفضاً لسياسات وتحالفات وارتهانات فريق أعلن صراحة في امتداد ممارسة ما زالت قائمة، ارتباطه بالخطة الأميركية في المنطقة وانتماءه الى محور «الاعتدال العربي» (مؤتمر «البيال» في 14 آذار الماضي) ، يجدد الحزب تأكيد موقعه الطبيعي في مواجهة الخطة الأميركية ـ الصهيونية وفي مواجهة المرتبطين بها. وهو يقيم علاقات تنسيق مع القوى المعادية لهذه الخطة، وخصوصاً مع القوى التي تشغل موقعاً أساسياً في التصدي لها. إن علاقات التعاون هذه لا تلغي التمايز أو حتى التباين السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي... تأكيداً لموقع في الصراع، وتكريساً لاستقلالية يجب ألا تعني أبداً الحياد عندما يتعلق الأمر بالمواجهة مع غاصب أو محتل أو طامع خارجي.
إن إيلاءنا الاهتمام الضروري لمعالجة الخلل الطائفي والمذهبي في نظامنا السياسي وللقضية الاقتصادية ـ الاجتماعية، يجب ألا يحول دون التقاطع والتعاون مع القوى المنخرطة في مواجهة المشروع الأميركي والعدو الإسرائيلي، وبكل السبل والإمكانيات والأساليب الضرورية.
ج ـ حماية لبنان والاستراتيجية الدفاعية:
بلورت التجربة اللبنانية في مواجهة العدو الصهيوني، صيغة كانت فيها المقاومة الشعبية المسلحة، هي العنصر الأساسي والمستمر والمنتصر. والصيغة المثلى لمواصلة الكفاح لتحرير ما بقي من أرضنا، وللرد على التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والمتصاعدة (وبعد تحرير القسم الأكبر من أرضنا)، هي تلك التي يتكامل فيها الدور الرسمي والدور الشعبي عبر تنسيق مستمر ما بين الجيش والمقاومة، وما بين الإمكانات الرسمية والإمكانات الشعبية. وفي هذا الصدد تطرح المسائل الآتية:
ـ إن الإطار العام الذي يحدد سياستنا واستراتجيتنا الدفاعية، هو ما تقدم من تحديد لموقع لبنان في الصراع الدائر مع العدو الصهيوني، ومن التصدي لخطة الهيمنة الأميركية.
ـ ضرورة الاحتفاظ بقوة المقاومة وقدراتها الدفاعية، للتصدي خصوصاً للتهديدات الاسرائيلية ضد لبنان وشعبه ومقاومته وقواته المسلحة ولتحرير ما بقي من أرضنا المحتلة.
ـ إبراز الطابع الوطني للصراع، على حساب الانقسامات الداخلية بما يعني:
أ ـ رفض مطالبة البعض بنزع سلاح المقاومة كهدف آني، باعتبار ذلك مطلباً صهيونياً وأميركياً، يتناقض مع المصلحة ومع الحاجات الدفاعية.
ب ـ ضرورة المساهمة في بناء الدولة ومؤسساتها وفق منطق المساواة، ومن خلال خطة إصلاح تدريجي: سياسي وإداري وتنموي وقضائي...
4 ـ تحرير سياسة لبنان الخارجية من الارتهان لواشنطن، وبناء علاقات متوازنة لمصلحة دعم استقلال البلاد وتعزيز قدرات الجيش، وتطوير القدرات الاقتصادية للبلاد وفق خطة تنمية متكاملة. تعطي الأولوية لتطوير القطاعات المنتجة.
5 ـ تطبيع العلاقات مع سوريا، وتعزيز طابع التكافؤ فيها، وصولاً الى محاصرة عوامل التنافر والعداء غير الموضوعية والمتعارضة مع مصلحة الطرفين في إقامة علاقة ممتازة بينهما.
11. الأزمة الاقتصادية الاجتماعية:
مادتها ستوزع لاحقاً في ملحق خاص
12. البديل الديموقراطي للنظام الطائفي ـ الحكم الوطني الديموقراطي
كنا قد شددنا في مؤتمراتنا السابقة (وخصوصاً التاسع) على استحالة بناء دولة ديموقراطية عصرية موحدة وحصينة في ظل النظام السياسي الطوائفي القائم الذي يرتكز على إدماج واقع التعدد الديني والطائفي والمذهبي في بنية وفي آليات عمله. أما «الديموقراطية التوافقية» الناجمة عن هذا الدمج والمتفاعلة مع مجموعة عوامل تاريخية وإقليمية ودولية، فلم تنجح في جعل النظام السياسي عامل توحيد للبلاد وللشعب، وإطاراً قادراً على التعامل مع الأزمات الداخلية أو الوافدة من الخارج.
وتصبح مسألة تغيير النظام، مسألة مصيرية وإنقاذية، نظراً لكل الأضرار التي باتت ترتبها وتراكمها الحالة الطائفية على المصير اللبناني. إن إيجاد بديل ديموقراطي للنظام الطائفي اللبناني، هو مسألة تتعدى بعض الإصلاحات التي تم التوافق عليها في اتفاق «الطائف»، (وجرى إهمالها)، الى بناء نظام جديد، حكم وطني ديموقراطي، بالمعنى المتكامل سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وإدارياً...
÷ إنه نظام مدني علماني بخصائص لبنانية، يفصل الدين عن الدولة، أي يحيد العمل السياسي العام ووظيفة الدولة ومؤسساتها عن الاستخدام الطائفي المقيت. وليست العلمانية هنا شكلاً من أشكال الصراع مع الدين أو الإيمان. إن العلمانية هي رؤية ومنهج لتنظيم حياة الناس في واقعهم المعيوش والملموس، خلافاً لما يحاول البعض تحقيقه، باسم الدين وباسم الطوائف والمذاهب، من مصالح شخصية، أو من توجهات وعلاقات وسياسات.
إن التعدد الديني الطائفي في لبنان، إذا ما حرر من الاستغلال السياسي والفئويات، يمكن أن يكون مصدر غنى ثقافي ودافعاً الى التسامح والانفتاح، وبالتالي عامل تعزيز للديموقراطية في الحياة العامة. أما إذا اعتمد معياراً للفرز والتناقض والصراع، فيمكن أن يؤدي الى شرذمة الشعب والى دمار المجتمع، فضلاً عن تشويه الدين ذاته.
÷ إن بناء دولة عصرية، حديثة، دولة قانون ومؤسسات، دولة مساواة، دولة ديموقراطية، هو العنوان الثاني الأساسي من عناوين الحكم الوطني الديموقراطي. ويتجسد هذا الأمر في الإصلاح السياسي الشامل، بالتخلص من الطائفية وبتحرير قانون الانتخابات من القيد الطائفي وباعتماد النسبية في الدائرة الوطنية الواحدة سبيلاً الى تأمين صحة التمثيل واعتماد البرامج...
ويجب في هذا السياق، إصلاح القضاء وتحريره من الاستتباع السياسي والإداري، وإنشاء دور أجهزة الرقابة الدستورية والمالية والادارية وتفعيلها... منعاً لاستمرار خرق الدستور والعبث بالقوانين وعدم المساءلة والمحاسبة، مما يؤدي الى تسخير الدولة وأجهزتها فئويا وفرديا، والى الفساد والتحاصص والنهب والهدر...
÷ أما الركيزة الثالثة ففي بناء اقتصاد وطني سليم عبر تطوير القطاعات المنتجة وتعزيز التعليم الرسمي بكل مراحله وفروعه، وخصوصاً الموجهة الى تأمين الكوادر المهنية والمؤهلة علمياً وفنياً والتي يحتاج اليها لبنان والمحيط العربي.... كذلك يجب تطوير مميزات وأفضليات لبنان واللبنانيين، من خلال خطط تحدد الدور والوظيفة الجديدة لبلدنا، ومن خلال سياسات التكامل والتعاون مع المحيط العربي. إن من شأن توجهات من هذا القبيل، أن تضع الأساس الصحيح لمعالجة أزمتنا الاقتصادية، دون التفريط بثروات البلاد على مذبح الخصخصة والنهب والفئويات.
÷ ويتكامل كل ذلك بالضرورة مع ركيزة رابعة، وتتمثل في تأكيد دور لبنان وتكريسه، كما ذكرنا آنفاً، في موقعه الطبيعي في مواجهة مشاريع الهيمنة والنهب والاغتصاب والعدوان... عنينا مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة، ومشروع العدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية.
÷ أما الركيزة، الخامسة للحكم الوطني الديموقراطي، فهي ركيزة عربية تحررية، يتفاعل معها النضال الوطني اللبناني، في جوانبه المتعلقة بالكفاح ضد الاستعمار والنهب والاستغلال، بالنضال ضد الديكتاتورية والاستبداد. إن فعل التحرر العربي هو الحاضن الطبيعي لفعل التغيير التحرري في لبنان، وعلى المستوى العربي العام، في مواجهة قوى تحالف الهيمنة الخارجية والقوى التابعة المحلية المسيطرة بأساليب القمع والديكتاتورية.
12. الحزب:
يعيش لبنان كما تقدم، أوضاعاً معقدة. وتنشط في التأثير فيه والتفاعل في ساحته جملة عوامل وتناقضات محلية وإقليمية ودولية. ويلعب العامل الطائفي والمذهبي دوراً مستمراً ومتزايداً وخطيراً في التمويه على عدد من الصراعات الفعلية، السياسية والاجتماعية... كل ذلك يجعل مهمة التغيير شديدة التعقيد. ويستدعي هذا الأمر التركيز دائماً على محاور عملنا في المجالات الأربعة الآتية: موضوع التحرر والتحرير والمقاومة. موضوع الإصلاح والحريات والمساواة والتغيير الديموقراطي. موضوع التنمية وتطوير اقتصادنا مما يعزز قطاعات الإنتاج فيه على حساب النشاطات الريعية والطفيلية والمضاربات المالية والعقارية... موضوع العدالة الاجتماعية وتوفير الشروط المناسبة لمواجهة النهب والاستغلال والجشع والاعتداء على لقمة عيش الفئات الكادحة والمستخدمين...
إن قدرة الحزب على العمل في بيئة معقدة كهذه وعلى كل هذه المحاور مجتمعة، مرهونة بجملة عوامل: أولها شمولية تناول القضايا النضالية وعدم الانجرار الى سياسات وخطط وحيدة الجانب، أي مبنية فقط على عامل واحد من عوامل الصراع.
هذا لا يعني أبداً غياب الأولويات، وتقدم تناقض من التناقضات في مرحلة وظروف محددين على ما عداهما، وبناء أشكال تعاون على هذه الأولوية. أما قيام جبهات وتحالفات ثابتة، فهي تتطلب بالتأكيد توافر حد أدنى من التوجهات المشتركة حيال أكثر من مسألة من المسائل الأساسية، المذكورة آنفاً.
أما ثانيها، فيتمثل في الحاجة الى قدر كبير من المرونة في العلاقات، التي يمليها تحرك الحزب على مختلف أصعدة الصراع. وهذا يفترض في المقابل حداً أكيداً من التوحد. وشرط هذين تعزيز دور الهيئات في الحزب على كل المستويات. وضرورة أن يعمل الحزب عموماً كمؤسسة حية ونابضة بالحركة وبالنشاط. إن تحسين بيئة العمل في الحزب وفي هيئاته ومنظماته مرتبط الى حد كبير باحترام أصول العمل وبجماعية هذا العمل، وبتطوير المشاركة والديموقراطية، وكذلك تفعيل آليات المراقبة والمحاسبة.
ويجب أن يحتل الاهتمام بموضوع الجيل الشاب الأولوية في معالجة الصعوبات والثغرات وفي تأمين بيئة صحيحة وجاذبة يتوافر من خلالها الجو الضروري لكسب تعاون هؤلاء ولتشجيع مبادراتهم وانخراطهم تدريجياً في هيئات الحزب على مختلف الصعد.
وتتصل بكل ذلك اتصالاً وثيقاً، إعادة تأكيد أهمية عمل الحزب في الميدان الاجتماعي والنقابي، وخصوصاً في صفوف الفئات الكادحة في المدينة والريف، إضافة الى جماهير المستخدمين والعاملين بأجر في مختلف القطاعات. كذلك التركيز على تفعيل دورنا في قطاعات المهن الحرة وبين المعلمين في كل قطاعات التعليم الرسمي والخاص. إن الطابع الطبقي ـ الاجتماعي للحزب، هو عنصر محوري في نضاله الراهن والمستقبلي وفي تأمين أحد أهم عناصر قوته على المستوى الوطني.
ولا يقل أهمية عن ذلك إعادة الاهتمام بميدان الإعلام التقليدي والحديث، والثقافة والفنون... لقد تراجعت قدرة الحزب على جذب كادرات متقدمة. وهو أيضاً خسر الكثير ممن كانوا أعضاء فيه، من هذه الفئة، وذلك يجب أن يكون موضع عناية نظراً لأهمية كسب العناصر الطليعية في كل الحقول.
13ـ قرارات وخطط وبرامج عملية: على أساس ما تقدم، من الضروري بلورة صيغ عمل واضحة، مرحلية، تعرض على المؤتمر لاتخاذ قرار بشأنها.

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,648,103

عدد الزوار: 7,037,127

المتواجدون الآن: 75