دبلوماسية واضحة المعالم: التحولات الاستراتيجية المطلوبة في المفاوضات مع إيران

تاريخ الإضافة السبت 22 شباط 2014 - 7:46 ص    عدد الزيارات 630    التعليقات 0

        

 

دبلوماسية واضحة المعالم: التحولات الاستراتيجية المطلوبة في المفاوضات مع إيران
مايكل سينغ
مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
في 18 شباط/فبراير، استُئنفت المحادثات النووية الإيرانية في فيينا بهدف التوصل إلى اتفاق طويل الأجل لإنجاح الخطوة الأولى من "خطة العمل المشتركة". إن التفاوض حول اتفاق يعزز المصالح الأمريكية، سيتطلب من إدارة أوباما نزع فتيل المعارك السياسية الدائرة في واشنطن والتركيز على القضايا الكبرى على المحك، مثل أنشطة إيران الإقليمية والمصير النهائي للبرنامج النووي. كما ينبغي عليها أن تسعى أيضاً إلى تحويل تكتل حلفائها المحليين والدوليين المتمردين من الضعف إلى القوة. وعلى الرغم من خلافاتهم التكتيكية، يشارك هؤلاء الحلفاء مصلحة واحدة ألا وهي منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، فضلاً عن تجنب نزاع عسكري وتعزيز الاستقرار الإقليمي والعالمي لحظر الانتشار النووي.
الحاجة إلى إستراتيجية طويلة المدى
على الرغم مما أثمر عنه هذا النقاش، إلا أن "خطة العمل المشتركة" هي اتفاق متواضع قصير المدى. فمن خلال إلزام إيران بالتخلص من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، فإن ذلك يزيد من الوقت المطلوب لتجاوز النظام للعتبة النووية بعدة أسابيع. بيد، من الممكن أن تقلل طهران بشكل كبير من هذا الوقت على المدى الطويل وذلك باستمرارها في إتمام تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة. ومن خلال استمرارها في تطوير أنظمتها الصاروخية، يمكنها أيضاً تحسين قدرتها على نشر هذه الأسلحة. وتزيد عمليات التفتيش المعززة من فرص الغرب في الكشف عن أي تجاوز، ولكن في حالة "خطة العمل المشتركة" لا تسري هذه الجهود إلا على المرافق المعلن عنها؛ فهي لا تقدم أي ضمانات تُذكر بشأن إمكانية الكشف عن المرافق السرية حيث سيكون من المرجح أن تحاول إيران تجاوز العتبة النووية. وفي نفس الوقت، فإن تخفيف العقوبات المنصوص عليه في الاتفاقية غير كافي لاستعادة الاقتصاد الإيراني لعافيته إلا إذا استخدمت طهران هذه النافذة لتقويض وإضعاف هذه العقوبات، التي من المرجح أن تجعل إجراء المزيد من المحادثات غير مجدية.
والنتيجة المتواضعة التي يمكن أن تحققها "خطة العمل المشتركة" هي دفع كلا الجانبين نحو إجراء مفاوضات جديدة. بيد أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تسمح لرغبتها في التوصل إلى اتفاق إلى دفعها نحو تشويش الغرض الإستراتيجي الأكبر من هذه المحادثات. فاتباع إستراتيجية دبلوماسية سليمة والتوصل إلى اتفاق نووي مجدي بإمكانهما تعزيز كافة الأهداف الدولية المشتركة المشار إليها أعلاه، وفي الوقت نفسه المساعدة في صقل النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. بيد أن تبني نهج متسرع أو غير مدروس لن يفضي إلى أي شيء سوى تقويض هذه الأهداف.
زيادة احتمالات النجاح
حتى في الوقت الذي يبحث فيه المفاوضون الأمريكيون الكيفية التي سيتعاملون بها مع قضايا محددة خلال المحادثات - التخصيب ومعالجة اليورانيوم والصواريخ وغيرها من المسائل - ينبغي عليهم أيضاً التفكير ملياً في تبني إستراتيجية دبلوماسية أوسع نطاقاً من أجل تعزيز موقفهم على طاولة المفاوضات وضمان نتائج إيجابية. وعلى وجه الخصوص، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تضع في اعتبارها الخطوات التالية:
تكثيف المشاورات مع الكونغرس والحلفاء. يمثل المفاوضون الأمريكيون بشكل ضمني ائتلافاً واسعاً من الفاعلين - داخل الولايات المتحدة وخارجها - الذين يعتنقون آراء متباينة بشأن ماهية الإجراءات التي من الممكن أن تشكل إنهاءً مقبولاً للبرنامج النووي الإيراني، ولكن لديهم مصلحة مشتركة في منع إيران من تجاوز العتبة النووية وتفادي نشوب نزاع مسلح. ويمكن أن يشكل هؤلاء الحلفاء قوة كبيرة بالنسبة للإدارة الأمريكية، إلا أنه من الصعب تطويعهم أيضاً. كما أنهم لن يرضخوا بالضرورة إلى أي اتفاق تتوصل إليه الإدارة الأمريكية مع طهران إذا شعروا أنه يقوض هذه المصالح المشتركة بدلاً من أن يعززها. وقد يرفض الكونغرس الأمريكي رفع العقوبات إذا رأى أن الاتفاق لا يضع ما يكفي من القيود على إيران. فمن الممكن أن تسعى الحكومات الإقليمية إلى مضاهاة قدرات إيران النووية المتبقية لضمان توازن القوى وهو الأمر الذي سيكون من الصعب على الولايات المتحدة مقاومته. كما أن الحلفاء الذين لديهم علاقات تجارية مع إيران من الممكن أن يعارضوا إعادة فرض عقوبات سريعة في حال وجود أي خداع من الجانب الإيراني. لذا ستكون النتيجة الصافية هي التوصل إلى اتفاق يضر بأمن الولايات المتحدة بدلاً من أن يساعدها ويترك أمريكا أكثر عزلة في المنطقة.
ولمنع مثل هذه النتيجة، ينبغي على الإدارة الأمريكية تكثيف تشاوراتها مع الحلفاء المحليين والأجانب وذلك من خلال التعاون معهم في المراحل الأولى من المحادثات بدلاً من مجرد إحاطتهم بملخصها بعد ذلك. يجب عليها أن تتفهم بأن إدارة هذا التحالف بنجاح يتطلب التأكيد على المصالح المشتركة بدلاً من الاختلافات في المواقف التفاوضية، وربما تعديل مواقفها الخاصة إذا ثبت أنها غير مقبولة للشركاء في التحالف. وفوق كل الاعتبارات، لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تفترض أن حلفاءها سيقبلون بالأمر الواقع - أي اتفاق، مشابه لـ "خطة العمل المشتركة"، يتم التفاوض بشأنه وراء أبواب مغلقة ويفتقر إلى قدر كاف من التنسيق.
وأخيراً، ينبغي على الإدارة الأمريكية أن تتبنى رسالة علنية أقل حدة تجاه الحلفاء الذين من الممكن تأمين دعمهم الذي هي في أمس الحاجة إليه عن طريق تبني نهج مرن. ينبغي على المتحدثين الأمريكيين أن يؤكدوا على نقاط الاتفاق وأن يقاوموا إصدار أي بيانات عامة انتقادية من عواصم دول الحلفاء. يتعين على الإدارة أيضاً تجنب المبالغة في فوائد "خطة العمل المشتركة"، التي قد تخدم غرضاً سياسياً محلياً ولكنها تقوض الثقة في الدهاء التفاوضي للولايات المتحدة.
تخفيف مخاطر الخداع الإيراني. رغم أن أي اتفاق طويل الأجل لابد أن يتعامل إلى حد كبير مع أنشطة تصنيع الوقود النووي الإيراني، إلا أنه يجب أيضاً أن يتضمن عمل المزيد لمنع إيران من صنع سلاح نووي. فأي اتفاق يركز بشكل غير متناسب على الوقود النووي قد يعطي إيران الوقت لإتقان عناصر أخرى من برنامجها - أجهزة الطرد المركزي وبحوث التسليح ومركبات التوصيل - وبالتالي وضع نفسها في وضعية أفضل لأي تجاوز مستقبلي للعتبة النووية. وخطر آخر هو احتمال قيام إيران بتطوير بنية تحتية نووية سرية موازية باستخدام الخبرات التي طورتها في برامجها المسموح بها.
وللوقاية من هذه المخاطر، يجب على المفاوضين الأمريكيين أن يصروا على أن أي اتفاق طويل الأجل سيحد من جهود البحث والتطوير التي تقوم بها إيران، المتعلقة بالتخصيب ومعالجة اليورانيوم والتسليح، وكذلك برامجها لإطلاق الصواريخ البالستية والأخرى الفضائية. يجب أن يطالبوا أيضاً بالتزام طهران بالشفافية والإفصاح عن برامجها النووية السابقة، لإعطاء المفتشين فكرة كاملة عن شبكتها التي تشمل الأفراد والمواقع والأنشطة ومساعدتهم على كشف أفضل لبرامجها النووية السرية ومنعها.
عدم التخلي عن فكرة منع التخصيب من الأساس. تشكل نقطة المنتصف لأي مفاوضات معينة نقطة النهاية الأكثر احتمالاً بين المواقف الأولية التي تبناها كل طرف، مع افتراض أن هذه المواقف الأولية منطقية. فعندما يصف المفاوضون الأمريكيون موقفهم السابق - والمتمثل بأنه يتعين على إيران تعليق كافة أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة - بأنه "متشدد"، فإن هذا الأمر يدل ضمناً على أنه لم يكن موقفاً منطقياً. وهذا يمنح إيران أفضلية تفاوضية هامة خاصة إذا صدق المسؤولون من البلدان الأخرى في مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا وألمانيا) تأكيد طهران المشكوك فيه بأنها تسعى إلى برنامج تخصيب واسع النطاق لتوفير الوقود لصناعة الطاقة النووية الوطنية. إن النتيجة النهائية وفقاً لهذا النهج لا يرجح أن تكون بين عدم الأحقية في التخصيب أساساً وبين برنامج إيران الحالي بقدر ما يرجح أن تكون بين التخصيب على نطاق محدود الذي تؤيده واشنطن حالياً وبين البرنامج الصناعي الذي تريده طهران.
وحتى لو يئس المسؤولون الأمريكيون في واقع الأمر من مطالبة إيران بالوقف الكامل لأنشطة التخصيب، فلا يزال في صالحهم من الناحية التكتيكية وصف موقف عدم أحقية التخصيب مطلقاً بأنه موقفاً منطقياً ورفض تطلعات طهران المعلنة إلى بناء بنية تحتية كبيرة للتخصيب باعتبارها غير منطقية. وتشير "خطة العمل المشتركة" إلى أن أي برنامج تخصيب إيراني يجب أن يكون "متسقاً مع الاحتياجات العملية"؛ وبالتالي يجب على المفاوضين الأمريكيين أن يؤكدوا أنه ليس لدى ايران حاجة من هذا القبيل نظراً لوفرة إمدادات الطاقة الأخرى التي تملكها وقدرتها على استيراد اليورانيوم المخصب إذا ما رغبت بامتلاك طاقة نووية. ومن شأن ذلك أن يضعهم في موقف أفضل في الإصرار على أن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» سوف لن توافق حتى على قدرة تخصيب "رمزية" دون تقديم تنازلات كبيرة من طهران.
ترسيخ المصداقية "وإلا فلا". رغم أن أي عدد من الإهانات الحقيقة أو المتصورة قد يتسبب في انسحاب إيران من مائدة المفاوضات بشكل مؤقت، إلا أنه من غير المرجح أن تتخلى عن المحادثات بشكل دائم ما لم تتوافر بدائل أفضل لها. فإذا كانت هذه البدائل - كما تشهد الإدارة الأمريكية - هي مزيد من العقوبات أو صراعاً عسكرياً، فمن المرجح أن تظل المحادثات الطريق الأفضل لكلا الجانبين. ويصح الشئ نفسه بالنسبة لموسكو وبكين - حيث تدعمان العملية التي تقوم بها مجموعة «دول الخمسة زائد واحد» ويعود ذلك جزئياً لأن جميع الخيارات الأخرى أكثر سوءاً. إن احتمال قيام أعمال عدائية في الخليج العربي أمراً مقلقاً للصين على وجه الخصوص نظراً لاعتمادها على إمدادات الطاقة التي تمر عبر مضيق هرمز.
وفي حين رفضت إدارة أوباما خطط الكونغرس الأمريكي لتمرير مشروع "العقوبات المحتملة" بغية مساندة الموقف الأمريكي في "خطة العمل المشتركة"، إلا أن هذا الأمر جعل البدائل تبدو - دون قصد - أقل تهديداً لإيران. ويذكر أن الإدارة الأمريكية قد وجهت انتقادات لبعض النقاد معتبرة إياهم دعاة حرب حتى عندما أكد الرئيس أوباما على أن الخيار العسكري لا يزال مطروحاً على الطاولة - وهو موقف مربك جعل على الأرجح التحذيرات الأخيرة أقل مصداقية. كما هدد الرئيس الأمريكي باستخدام "الفيتو" ضد فرض عقوبات ما، الأمر الذي يقلل من خطر وضع المزيد من الضغوط الاقتصادية. وهكذا، تمكنت إيران من زرع انقسامات في واشنطن بكل بساطة من خلال التهديد بالانسحاب من المحادثات، على الرغم من الدعم الموحد من قبل البيت الأبيض والكونغرس وحلفاء الولايات المتحدة لفرض المزيد من الضغوط إن كان ذلك ضرورياً. وللسيطرة على زمام الأمور، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين أن يؤكدوا على هذا الدعم الموحد لضمان أن ترى طهران بأن الاتفاق النهائي هو أفضل من البدائل المحتملة.
عدم إغفال النظر إلى الصورة الأوسع. حتى عندما تشرع واشنطن في مهمتها الضخمة المتمثلة في التفاوض على اتفاق نووي مع إيران، يتعين عليها أن تضع في اعتبارها أن مصالحها في المنطقة أوسع بكثير، مثلها مثل مصالح الجهات الفاعلة الأخرى. ويشعر حلفاء الولايات المتحدة بالقلق من أن تنذر التنازلات النووية بانسحاب الولايات المتحدة من المنطقة - وهي النتيجة التي سترحب بها طهران - حتى إذا نظروا بقلق متزايد إلى الأنشطة الإيرانية في سوريا والعراق واليمن وأماكن أخرى. وإذا لا تركز واشنطن سوى على برنامج إيران النووي، فمن الممكن أن ينتهي المآل بانتصارها التكتيكي ولكن بهزيمتها الاستراتيجية حيث أن مصالحها الأوسع نطاقاً - والمتعلقة بالاستقرار ومنع انتشار الأسلحة النووية - ستعاني في جميع أنحاء المنطقة.
ولمنع هذه النتيجة، لا يتعين على الولايات المتحدة التشاور فقط مع حلفائها بشأن الوصول إلى اتفاق نووي، بل الانخراط أيضاً بنشاط أكبر في معالجة مخاوفهم الأخرى، وأبرزها الصراع السوري. ينبغي على واشنطن أن تحدد أيضاً كيفية التعامل مع إيران بشأن هذه القضايا، لعدة أسباب : مواصلة تهدئة مخاوف الحلفاء ؛ اختبار قدرة الرئيس حسن روحاني على الوفاء [بوعوده] قبل رفع العقوبات، وإرضاء الكونغرس الأمريكي، الذي قد يطالب التقدم في قضايا غير نووية كشرط مسبق لتخفيف العقوبات كما فعل مع ليبيا في سنوات ماضية. وبسبب الحذر الذي ينتاب الحلفاء من المحادثات الأمريكية الإيرانية الثنائية كمنتدى لمعالجة القضايا الإقليمية، ولأن مجموعة «دول الخمسة زائد واحد»لا تشمل دول المنطقة التي لها المصالح الأكبر في هذه القضايا، ينبغي على المسؤولين الأمريكيين، بدلاً من ذلك، أن ينظروا في إجراء محادثات اقليمية متعددة الأطراف.
وأخيراً، يجب على واشنطن ألا تهمل جهودها الرامية إلى إشراك الشعب الإيراني. سيكون من العار ألا تستخدم الحكومة الأمريكية علاقتها الأقل عدائية مع الحكومة الإيرانية كفرصة لتوسيع التبادلات بين الشعبين فضلاً عن الوصول إلى الإيرانيين العاديين وتمكينهم.
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,930,595

عدد الزوار: 6,972,297

المتواجدون الآن: 87