قوة ليبيا غير المتوقّعة

تاريخ الإضافة الأربعاء 14 أيار 2014 - 7:14 ص    عدد الزيارات 615    التعليقات 0

        

 

قوة ليبيا غير المتوقّعة
المصدر: "نيويورك تايمز" ترجمة نسرين ناضر
ديرك فانديفال ونيكولاس يار
لا تزال ليبيا في حالة عارمة من الفوضى، حيث تتنافس ميليشيات عدّة على السلطة السياسية والاقتصادية، فتشنّ هجمات وتخوض مواجهات متكرّرة مع الحكومة الهشّة.
منذ فترة وجيزة فقط، بدأ العمل على وضع دستور جديد، أي بعد انقضاء أكثر من عام على المهلة المحدّدة في برنامج العمل السياسي الذي وُضِع مع انتهاء الحرب الأهلية في تشرين الأول 2011.
أنشئت الجمعية المكلّفة إعادة صوغ الدستور في شباط الماضي، وبصورة مجتزأة. فقد قاطعت بعض الأقليات الانتخابات التي أجريت لاختيار أعضاء الجمعية، إذ اعتبرت أن حقوقها لن تؤخَذ في الاعتبار. وحالت الهجمات المتقطّعة التي شنّها مقاتلون إسلاميون في الجزء الشرقي من البلاد، دون تمكُّن بعض الليبيين من التصويت. واختار كثرٌ عدم المشاركة في الاقتراع لأنهم يعتبرون أن المؤسسات السياسية - بما في ذلك "المؤتمر الوطني العام"، أي البرلمان الانتقالي - تفتقر إلى الفاعلية.
هذا واقعٌ مؤسف، لأنه على الرغم من المشكلات الأمنية الحادة وسواها من مكامن الضعف المعوِّقة، تتمتّع ليبيا هذه الأيام بقوّة غير متوقّعة: يتّفق معظم أبنائها على المسائل الكبرى التي غالباً ما تثير انقسامات يتعذّر تخطّيها، على غرار حقوق الأقليات والإسلام والفيديرالية.
فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة بنغازي في مطلع العام الماضي، أن 55 في المئة من السكّان يفضّلون منح بعض الاعتراف للغات غير العربية، بما في ذلك اللغات المكبوتة منذ وقت طويل التي ينطق بها الأمازيغ والتبو، وهما جماعتان تنتميان إلى الأقليات. ووفقاً لدراسة صدرت عن "المعهد الوطني الديموقراطي" في تشرين الثاني الماضي، دعمت غالبية الليبيين تخصيص مقاعد للنساء والأقليات الإثنية في الجمعية التأسيسية لصوغ الدستور (وقد جرى في الواقع تخصيص مقاعد لهاتين المجموعتين).
وأشارت تقارير أخرى صدرت عن "المعهد الوطني الديموقراطي" وجامعة بنغازي العام الماضي، إلى أن غالبية ساحقة من الليبيين تعتبر أنه يجب اعتماد الشريعة مصدراً للتشريع في الدستور الجديد (إنما ليس المصدر الوحيد).
وفي حين يدعم عدد كبير من الليبيين، لا سيما في الشرق، درجةً معيّنة من اللامركزية، يفضّلون دولة مركزية على الفيديرالية الشاملة أو أي شكل من أشكال نقل السلطات الموسَّع إلى المحافظات.
بيد أن هذا الإجماع الشعبي لم يُترجَم تقدّماً سياسياً ملموساً، والسبب الأساسي هو أن القوانين الانتخابية التي اعتمدتها ليبيا منذ انتهاء الحرب تسبّبت بعجز في القدرة التمثيلية لمؤسساتها السياسية الوليدة.
فالنتائج في الانتخابات الأخيرة لاختيار الجمعية التأسيسية وفي الانتخابات النيابية عام 2012، حدّدتها في شكل أساسي غالبية بسيطة من الناخبين: من حصل على العدد الأكبر من الأصوات فاز بالمقاعد، حتى لو لم ينجح في نيل الغالبية المطلقة. لقد جرى اعتماد هذه المنظومة بعد الحرب للحؤول دون سيطرة بعض الأحزاب السياسية، لا سيما الإسلامية منها، على النظام. لكن النتيجة الأساسية هي أن عدداً كبيراً من المسؤولين المنتخبين لا يمثّل سوى أقلية من الناخبين.
فمن أصل 120 مقعداً فاز بها المرشحون بغالبية بسيطة في انتخابات 2012 لاختيار البرلمان المؤلف من 200 عضو، كان ثلث تلك المقاعد تقريباً من نصيب مرشّحين نالوا أقل من عشرة في المئة من الأصوات. (وُزِّعت المقاعد الثمانون الباقية بحسب اللوائح الحزبية من طريق التمثيل النسبي).
ولم تتحسّن الأمور كثيراً منذ ذلك الوقت. ففي انتخابات الجمعية التأسيسية لصوغ الدستور التي أجريت أخيراً، نسبة عشرة في المئة فقط من المقاعد الـ51 التي حُسِمت النتائج النهائية بشأنها، فاز بها مرشّحون نالوا أكثر من خمسين في المئة من الأصوات (بعض المقاعد في الجمعية التي تضم 60 مقعداً لا تزال شاغرة بسبب الهجمات التي شنّها الإسلاميون وحملات المقاطعة في شباط الماضي). وقد فاز تسعة مرشّحين بأقل من ربع الأصوات.
المشكلة الأساسية في هذه المنظومة هي أنها تتسبّب بالانقسام داخل الهيئات المنتخبة التي غالباً ما تصطدم بحائط مسدود، حتى حول مسائل تُشكّل محور إجماع في أوساط الجزء الأكبر من الرأي العام. فعلى سبيل المثال، لم يتمكّن قادة الأمازيغ من التوصّل إلى تسوية مع الأعضاء العرب في "المؤتمر الوطني العام" حول حقوق اللغة، من جملة أمور أخرى، ما يُثير المخاوف بشأن الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في وقت لاحق هذا العام: فالمطروح الآن هو انتخاب جميع النواب، وعددهم 200، مباشرةً ومن طريق الغالبية البسيطة.
يتعيّن على الجمعية التأسيسية التي تعيد النظر حالياً في الهيكليات السياسية الليبية، أن تبحث في ترتيبات بديلة للتصويت. أحد الخيارات الممكنة هو اعتماد الاقتراع التفضيلي الذي يُصنّف الناخبون بموجبه جميع المرشحين بدلاً من التصويت للمرشّح المفضّل لديهم. إذا لم يتجاوز أي مرشح عتبة الأصوات المحدّدة - لنقل 51 في المئة من مجموع الأصوات - يُشطَب المرشح الذي يحصل على العدد الأقل من الأصوات، وتذهب الأصوات التي نالها للمرشّحين الذين احتلوا المرتبة الثانية في خيارات الناخبين، وهكذا دواليك إلى أن يظهر مرشح فائز.
من شأن هذه المنظومة أن تقود إلى انتخاب ممثّلين خاضعين للمساءلة أمام شريحة أوسع بكثير من الناخبين، بالمقارنة مع نظام الغالبية البسيطة المطبَّق حالياً.
تواجه ليبيا مشكلات بالغة التعقيد، لكن ثمة مسألة ملموسة واحدة على الأقل يمكن معالجتها بسهولة نسبياً. فمن شأن إصلاح القوانين الانتخابية أن يساهم في سدّ الثغرة بين الشعب وقادته، والإفادة من ميزة إيجابية تُحسَد عليها ليبيا لأنه من النادر إيجادها في مثل هذه البلدان الهشة، وتتمثّل في إجماع شعبي حول المسائل الكبرى يتجاوز الانقسامات حول المسائل الصغرى.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,656,437

عدد الزوار: 6,959,564

المتواجدون الآن: 87