الرسالة هي أن المسلمين غير مرغوب بهم في بريطانيا

تاريخ الإضافة الإثنين 7 آذار 2011 - 4:59 ص    عدد الزيارات 866    التعليقات 0

        

الرسالة هي أن المسلمين غير مرغوب بهم في بريطانيا
بقلم ياسمين أليباي براون - لندن

قبل أيام غير بعيدة، انتقدت رئيسة حزب المحافظين المفعمة بالحيوية، سعيدة وارسي، التشهير بالمسلمين على "موائد الطعام" الذي أصبح أمراً روتينياً وطبيعياً وعادياً وحميماً ولا اعتراض عليه. أنا أراه وأسمعه أيضاً – تُمرَّر الأحكام المسبقة مع الخل البلسمي أو الكتشاب. يستحقّ بعض المسلمين التأنيب لا بل أسوأ منه على الأشياء المريعة التي يرتكبونها. وأنا أندّد بهم في مقالاتي. بيد أن الشجب الكاسح والعشوائي لجماعة بكاملها أمر مقيت ويجب مواجهته. فعلت وارسي ذلك، وهي تدرك أن كلامها سيُغضِب المحافظين اليمينيين الذين لا يستطيعون تحمّل السمراء التي ارتقت فجأة إلى منصب رفيع.
والآن ماذا سيكون ردّ فعلها حيال قائدها الذي ضخّم اللغو المتعصِّب وأطلقه عبر مكبِّر للصوت، ربما بهدف توجيه توبيخ شديد لها؟ لا يمكن الدفاع في رأيي عن الخطاب الذي ألقاه كاميرون في ميونخ على الرغم من أنني أتّفق بالكامل مع بعض الملاحظات والأفكار في السياسات. ناقشنا هذه المسائل قبل عامَين عندما التقينا في مكتبه لأكثر من ساعة. الإقصاء الذاتي، والالتماسات الخاصة، وحقوق المرأة، وقمع الجماعات، وأنماط السلوك المناهضة للديموقراطية، والإرهاب، وانتشار الإسلام الوهّابي هي مشكلات جدّية ومتفاقمة. السياسات المتعدّدة الثقافة القائمة على عدم التدخّل لا تنفع في زمننا. يتعيّن على مؤسسات الدولة تمويل المساحات المشتركة والأفكار المتقاطعة والانفتاح والحداثة. كان عدد كبير منّا نحن المسلمين ليؤيّد ديفيد كاميرون لو أنه لم يظهر في خطابه انتقائياً ومرائياً وماكراً ولا يبالي إلى درجة مريعة بالمسلمين الذين يقعون ضحايا العنصرية والشوفينية القاسيتَين. نطق بكلمات المتطرّفين البيض إنما بأسلوب منمَّق. وكانت هناك أمور كثيرة مثيرة للاعتراض – المكان الذي تكلّم فيه، والكلام الذي قاله، والتوقيت، والأهداف الكامنة خلف الواجهة الجميلة لشخصيّته.
وقد وضع نفسه، من خلال خطابه في ميونخ، في صف أنجيلا ميركل المروّعة التي ألقت عظة استفزازية بالدرجة نفسها الخريف الماضي. العنصرية يانعة في البلدَين؛ وفي الدولتين، يتمسّك ملايين المواطنين بقوة بلغتهم وثقافتهم. لنأخذ على سبيل المثال الألمان الذين يسافرون في عطلة ويمكثون في معسكرات مغلقة بجدران فاصلة حيث لا يتكلّمون سوى اللغة الألمانية. ويعارض بريطانيون كثر أيضاً الاندماج مع شعوب بلدان غير مألوفة بالنسبة إليهم يزورونها أو يهاجرون إليها. أفضّل أن يُقطَع لساني على خسارة لغات وطني التي تنساب برقّة. لا يجوز أن يؤدّي تعلّم اللغة الإنكليزية وحبّها إلى تدمير لغات العالم التي يحالفنا الحظ بأن يكون معظمها موجوداً في جزرنا.
تذكّروا أن رئيس الوزراء كان في قمة عن الأمن الدولي عندما تفوّه بكلام مثير للغضب. التنوّع من أعظم مزايانا، وهو ترياق للتشدّد وليس مسبِّباً له.
 تُظهر دراسة جديدة صادرة عن مركز "رانيميد تراست" للدراسات والأبحاث في برمينغهام أن المواطنين الشباب أكثر تماسكاً وارتياحاً في التعامل مع الاختلاف من الأكبر سناً في تلك المدينة المتنوّعة. ومع تقدّم الخطاب، أدركنا أن مشكلة كاميرون ليست التنوّع الثقافي. إنهم الأشخاص الذين كان الصليبيون المسيحيون المغيرون يسمّونهم "الأوغاد"، المحمديين البائسين. ليس كاميرون قلقاً من الجيوب الحسيدية أو قواعد اللباس لدى اليهودية الأرثوذكسية أو عدم المساواة بين الجنسَين التي يجيزها الدين عند هذه الجماعات وتمسّكها بإقصاء أنفسها عن المجتمعات الأساسية. لقد صدّتني امرأة مسلمة محجَّبة وامرأة يهودية حسيدية عندما حاولت التكلّم مع أولادهما. ومنذ أيام، طلبت والدة بيضاء شابة من ابنتها الابتعاد عني، أنا "الباكستانية". فضلاً عن ذلك، يُعتبَر من يريدون العيش مع أبناء قومهم في مناطق محصورة بالبيض بأنهم لا يشكّلون تهديداً للاندماج – فهم يقومون فقط بما هو طبيعي. وقليلاً ما نسمع المسؤولين يبدون مخاوفهم من الجرائم التي ترتكبها مجموعات إتنية عدّة غير مسلمة ضد بعضها البعض أو ضد المسلمين أو البريطانيين البيض. والأكثر خزياً هو أن المحافظين يتجاهلون العنصريين الذين يزرعون الخوف والترهيب لدى السود. أليس هذا مجحفاً جداً؟
في الواقع، تماهى رئيس وزرائنا مع "رابطة الدفاع الإنكليزية" المقيتة عندما ألقى كلمته قبل يوم من تنظيم الرابطة مسيرة في لوتون أُطلِقت خلالها هتافات مسيئة. هل هذه هي القيم البريطانية الحميدة التي يجدر بنا تبنّيها؟ سوف يزداد المسلمون ذوو الرؤوس الحامية اقتناعاً بأنه ليس مرغوباً فيهم في الأرض التي وُلدوا فيها.
التهمة التالية هي النفاق. تُموِّل هذه الحكومة بحماسة مدارس للانفصاليين – من الطبقات الوسطى البيضاء المتغطرسة إلى الهندوس المتحذلقين الصفائيين والمسيحيين الإنجيليين الغريبي الأطوار والمسلمين المنطوين على ذواتهم والمتعنّتين. كيف يعزّز ذلك الاندماج؟ اتّهم مجلس مدينة برادفورد مايكل غوف بتشجيع الفصل عبر تمويل مدرسة مجانية جديدة أنشأها أيوب اسماعيل الذي يريد حماية تلاميذه من "الغرق في الثقافة الطاغية". تسمح حكومتنا للسعوديين بأن يغسلوا أدمغة المسلمين، ثم تحتقرهم. يتحرّك الردفان الأيمن والأيسر لحزب المحافظين في اتّجاهَين مختلفين. وهذا ليس تصرّفاً ذكياً ولا ينسجم مع رسالة الأسبوع الكبرى التي أطلقها رئيس الوزراء.
إذاً لماذا يفعل ذلك؟ عندما يكون السياسيون في ورطة، يستقوون على "الغرباء"، ويضعونهم في قوالب ليتحوّل الناس نحوهم وينفّسوا من خلالهم عن مشاعر الإحباط التي تتملّكهم. قال أندرو لانسلي، وزير الصحة الحالي، كلاماً معيباً عام 1995 بأنهم يستعملون ورقة مناهضة الهجرة لأنها تحقّق أصداء جيّدة لدى الناخبين. وحمّل أخيراً المهاجرين مسؤولية الزيادة في عدد الإصابات بداء السل في بريطانيا، مستغلاً بذلك المخاوف في مجال الرعاية الصحية لإثارة الذعر الذي ينم عن كره للأجانب. وكاميرون نفسه صمّم الحملة المخزية ضد اللاجئين التي شنّها مايكل هوارد عام 2005.
نشر "صندوق مارشال الألماني" للتو دراسة مقارنة عن أنماط السلوك حيال المهاجرين في البلدان الغربية. وقد أوردت مجلة "الإيكونوميست" أن البريطانيين يَظهرون في الدراسة بأنهم "مجموعة خبيثة في تفكيرها" – سلبية وعدائية ومصابة بالبارانويا. لا أعتقد أنها الصورة الكاملة. فبريطانيا تقبّلية أيضاً بطريقة فريدة من نوعها، ولهذا يرفض عدد كبير منّا العيش في أي مكان آخر. لكنها تمرّ في مزاج سيئ إلى درجة خطيرة، وكاميرون يستغلّ ذلك.
أتفّهم أن مواطنينا غاضبون من المسلمين البريطانيين الذين يرفعون مطالب لا تنتهي ويحرّكهم غضب شديد وخطط قاتلة، أو يختارون الانعزال في غيتوات. بيد أن التعاسة الوطنية المنتشرة على نطاق واسع تتسبّب بها سياسات هذه الحكومة. يُستعمَل المسلمون والمهاجرون لإلهاء الناس عن الفوضى المنظَّمة التي يطبّقها هذا الائتلاف غير الشعبي. إنها المناورة السياسية في أسوأ أشكالها. ولذلك يجب معارضتها بشدّة. قالت لي ابنة ناجٍ من المحرقة اليهودية في ذكرى المحرقة في كانون الثاني "علينا نحن اليهود أن ننظر إلى إخفاقاتنا وجرائمنا. لكن عندما يحاول غرباء استخدامها لغايات شيطانية، نعرف ما هو الموقف الذي يجب أن نتّخذه". وأنا أيضاً أعرف.


(صحافية وكاتبة بريطانية من أصل باكستاني. كاتبة عمود خاص في "الإندبندنت". ترجمت النص عن الانكليزية نسرين ناضر)      

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,226,313

عدد الزوار: 6,983,498

المتواجدون الآن: 71