الإيرانيون يعلمون كيف يقومون بهذه الأشياء

تاريخ الإضافة السبت 16 تموز 2011 - 7:49 ص    عدد الزيارات 741    التعليقات 0

        

روبرت فيسك (الاندبندانت 2 ـ 7 ـ 2011)

مشهد سيارة الدكتور مسعود علي محمدي مرعب، لا تزال اللوحة رقم ـ 53 و392 ـ معلقة بها لكن السيارة المصابة بعدد كبير من الشظايا اخترقت حديد الهيكل ومزقت كرسي السائق. والدكتور محمدي واحد من أهم العلماء النوويين في إيران وقد انفجرت دراجة نارية بالقرب من سيارته لدى مغادرته منزله متوجهاً الى جامعة طهران.
وسارعت إيران بإلقاء اللوم على الموساد، وكان متوقعاً أن ينفي الإسرائيليون أي مسؤولية لهم. لم تظهر أي دلائل على أن محمدي عمل في مشاريع إيران النووية على الرغم من أنه علم بالتأكيد أنه سيكون هدفاً. قبل أشهر قليلة، لقي زميله الدكتور مجيد شهرياري المصير نفسه. وها هي سيارة البيجو الخاصة بمحمدي وقد مزقها الانفجار في وقت سابق من الأسبوع الحالي أمام مدخل مركز المؤتمر الإسلامي في رسالة ترحيب "خاصة" لوفود 60 دولة تشارك في "مؤتمر مكافحة الإرهاب" الذي تستضيفه طهران.
وحلق فوق المركز الذي يستضيف المؤتمر منطاد أبيض اللون حمل شعار "عالم من دون إرهاب". الإرهاب، هذه الكلمة البغيضة التي استخدمها أحمدي نجاد والقادة المسلمون على المنبر ورددوها بمقدار ما كان يرددها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في خطاباته، وتعهدوا بالدخول في "الحرب العالمية ضد الإرهاب" في ترداد لصدى كلمات (وزيرة الخارجية الأميركية) هيلاري كلينتون.
بالطبع، هذا الإرهاب لم يكن "نفسه" الذي يثير غضب بوش و(الرئيس الأميركي باراك) أوباما وكلينتون. ومقاومة الاضطهاد، احدى مؤسسات الثورة الإسلامية في إيران، ليست "إرهاب"، بل إرهاب "الدولة" هو كذلك. وأعتقد أن الإرهاب غير المنضبط لأسامة بن لادن كان كذلك. صحيح أن صور احتراق وتدمير مركز التجارة العالمي انتشرت حول العالم، لكن إسرائيل سارعت الى "استغلال" الإرهاب ولعبت ورقته بشكل كبير ولو أنه ليس الى الدرجة ـ وهنا السخرية ـ التي استخدمتها مجموعة "مجاهدي خلق".
لقد شنت هذه المجموعة العقائدية حربها ضد الشاه وحصلت على دعم ملحوظ مباشرة بعد الثورة في إيران، ثم حرمت من أي مشاركة في الانتخابات التشريعية الأولى التي نظمت بعد سقوط الشاه، فتحولت الى ألد وأسمّ أعداء الجمهورية الإسلامية في إيران. والسلطات الإيرانية التي بالطبع لم تمارس أي عمل أكثر دناءة من "الإرهاب" ترمي مسؤولية مقتل 17159 بريئاً على أعدائها من بينهم حوالى 12 ألفاً حملت مسؤولية مقتلهم الى مجاهدي خلق، فيما الباقون قالت إن مجموعات شيوعية ويسارية وملكية كانت وراء مقتلهم.
و17159 ضحية يشكلون خمسة أضعاف الضحايا الذين سقطوا في اعتداءات مركز التجارة العالمي، وها هم الأجانب المدعوون للمشاركة في مؤتمر مكافحة الإرهاب في طهران يتفحصون اللوحات المرعبة المعروضة في احدى قاعات المركز.
وتحولت لوحة خاصة التقطت بعد الثورة الإسلامية في العام 1979 ثم تم ترميمها بعد الحرب العراقية الإيرانية بين العامين 1980 ـ 1988 وتظهر الوجوه المسحوقة للضحايا، والأطراف المبتورة، الى واحدة من اللوحات الدائمة المعبّرة عن فظائع "الإرهاب". تشبه المعروضات واللوائح في هذه الصالة تصويراً لقاعة مشرحة مثيرة للاشمئزاز.
لكن لهذه الصالة رسالة سياسية. ففي عزّ قوتها، تمكنت منظمة مجاهدي خلق من تفجير مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في العام 1981 ما أدى الى مقتل أكثر من 70 شخصاً من أشد مناصري الإمام الخميني بمن فيهم وزير العدل في حينها آية الله محمد بهشتي. وتتصدر القاعة صورة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وهو يصافح قائد المجاهدين مسعودي رجوي بعد أن وافق الأخير على المحاربة الى جانب العراقيين ضد أبناء جلدته في الحرب بين العامين 1980 ـ 1988.
وفي صور أخرى تظهر مريم زوجة مسعود ـ وهما بالنسبة لمجاهدي خلق كزوجين آلهيين علماً أنه طلب من الأعضاء العاديين في المنظمة الطلاق من زوجاتهم للمحافظة على نقاء المنظمة. نعلم أنها لا تزال على قيد الحياة. لم يشاهد مسعود رجوي منذ غزا الأميركيون والبريطانيون العراق في العام 2003 ومنحوا بتسرّع أعضاء المنظمة صفة أسرى حرب داخل أكبر ثكناتهم في العراق المعروفة باسم "مخيم أشرف" علماً أنه كان على الحكومة الأميركية تصنيف المنظمة على "لائحة الإرهاب".
"إرهابيون" قد يكون هذا التحديد بمفهوم أميركا وإيران ـ وهناك ترابط معنوي غريب ـ غير أني وبعد ساعات قليلة من وصولي الى طهران في الأسبوع الماضي، تناولت طعام الغداء مع الرجل الذي اغتال واحداً من أشد معارضي الجمهورية الإسلامية وتحادثت هاتفياً مع رجل آخر أقدم فريقه الخاص بلاإعدام على قتل مواطنين فرنسيين بريئين في محاوة فاشلة لاغتيال معارض آخر للثورة. منذ فترة طويلة كنت قد أجريت مقابلات صحافية معهما متناولاً تحديداً هذه الأحداث. غير أن اليوم ـ وبعد أبو غريب (السجن العراقي السيئ السمعة) وبعد الحداثة (المدينة العراقية) وغوانتانامو (القاعدة البحرية الأميركية في كوبا) وسجن باغرام (القاعدة الجوية الأميركية في أفغانستان) "الأسود" والمجازر التي ارتكبت بحق الفلسطينيين واللبنانيين ـ فإن ردة فعلي المبدئية حيال اغتيالات زميلي على الغداء بدأت تخفت.
ليس أن لدى الجمهورية الإسلامية أي حق في التذرّع بالأعذار الأخلاقية. إن عمليات التصفية التي نفذتها ضد مجاهدي خلق وآلاف معارضي النظام من الرجال والنساء في العام 1988 والذين علّقوا على المشانق بناء على تعليمات وأوامر الخميني، تشكل صورة دموية واضحة عن إيران التي تحولت الى نظام الحكم بالدم.
لكن سيارة محمدي تبدو مثل سيارة أي ضحية أخرى للإرهاب، والضحايا 17159 من الرجال والنساء الإيرانيين يبقون جزءا من ملف "الاستشهاد" للدولة التي ستصبح قريباً قوة إقليمية نووية.

ترجمة: صلاح تقي الدين

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,564,167

عدد الزوار: 6,996,155

المتواجدون الآن: 64