الأسواق الناشئة: الطبقات الوسطى الجديدة تنتفض

تاريخ الإضافة الخميس 6 تشرين الأول 2011 - 6:22 ص    عدد الزيارات 773    التعليقات 0

        

الأسواق الناشئة: الطبقات الوسطى الجديدة تنتفض
"الإيكونوميست"

على الرغم من الانجازات الاقتصادية تعاني بلدان مثل الصين والهند واندونيسيا والبرازيل، وطبقاتها الوسطى تحديداً، من استياء عميق يكاد يوازيه التململ في الغرب.
شهدت الأعوام الأربعة الماضية تناقضاً حادّاً بين البلدان الثريّة التي ضربها الركود والعمالقة الناشئين المزدهرين. خلال العام الجاري، وصلت تداعيات المتاعب الاقتصادية للبلدان الثريّة إلى السياسات أيضاً: تتخبّط الحكومات الأوروبية في أزمة الأورو فيما جلبت أميركا لنفسها خفضاً لتصنيف ديونها السيادية. لكن المشكلة ليست كلّها في جانب واحد. فعلى الرغم من الإنجازات الاقتصادية، تعاني بلدان مثل الصين والهند وأندونيسيا والبرازيل – والشرق الأوسط بالتأكيد – من استياء عميق يكاد يوازي التململ في الغرب.
في الهند، واجهت حكومة مانموهان سينغ بقيادة "حزب المؤتمر" أكبر تحدٍّ لها حتى الآن، وذلك من خلال التظاهرات الحاشدة التي نظّمها أنصار آنا هازار، الناشط المخضرم في مكافحة الفساد الذي أضرب عن الطعام في دلهي. هذا الأسبوع، علّق هازار إضرابه باحتساء كوب من ماء جوز الهند مع العسل بعدما وافقت الحكومة على إقرار قوانين أشدّ صرامة لمكافحة ابتزاز المال. وقد جاءت الاحتجاجات عقب سلسلة من فضائح الفساد الكبيرة، بدءاً من ألعاب الكومنولث التي نُظِّمَت في دلهي العام الماضي وصولاً إلى توزيع ترخيصَين لإدارة الجيل الثاني من الطيف التردّدي للهواتف الجوّالة. يقول موهان غوروسوامي، المسؤول السابق في وزارة المال "ما ترونه في الشارع هو ثورة الطبقة الوسطى".
وتتصاعد رائحة الثورة في الصين أيضاً. في منتصف آب، نُظِّمت واحدة من أكبر التظاهرات منذ احتجاجات ساحة "تيان آن مين"، في شوارع داليان، وهي بلدة تشهد طفرة اقتصادية في الشمال الشرقي، مما أرغم السلطات على إغلاق مصنع كيميائي ألحقت به العاصفة أضراراً. التظاهرات والتنازلات بهذا الحجم غير اعتيادية إلى حد كبير، على الرغم من أنها ليست الأولى من نوعها. تذكّر التظاهرة الأخيرة بالاحتجاج الذي حصل عام 2007 في مدينة شيامن الجنوبية من أجل تحقيق هدف مماثل. يُعتبَر ذلك الاحتجاج عادةً المثل البارز الأوّل عن استعداد جديد لدى الطبقة الوسطى الصينية لمواجهة الحكومة حول الانتهاكات البيئية. فضلاً عن ذلك، اندلعت الاحتجاجات في داليان بعد أسابيع فقط من انفجار الغضب الشعبي، والذي جرى التعبير عنه في شكل خاص عبر المدوّنات الصغيرة مثل Sina Weibo التي حمّلت الإهمال الرسمي مسؤولية اصطدام قطارَين سريعَين جديدين مما أسفر عن مقتل 39 شخصاً. كان الانتقاد واسعاً جداً إلى درجة أنه حتى الإعلام الذي تشرف عليه الدولة انضمّ إليه.
وقد أثار حادث الاصطدام حساسية إضافية لأن البرلمان الصيني كان قد طرد في شباط الماضي الوزير المسؤول عن إنشاء شبكة القطارات السريعة، على خلفيّة اتّهامه بتقاضي رشاوى قدرها مليار يوان (152 مليون دولار أميركي) وإقامة علاقات مع 18 عشيقة. وأقيل مسؤول رفيع آخر في وزارة السكّة الحديد لاحقاً بتهمة الفساد، وقال المدقِّقون في الحسابات الحكومية إنه جرى اختلاس الملايين من شبكة القطارات السريعة.
لهذه الحكاية أصداء في البرازيل حيث ينغمس الوزراء في النهب. منذ حزيران الماضي، طردت الرئيسة ديلما روسيف كبير موظّفيها، ووزير المواصلات، وعشرات المسؤولين في وزارته، ونائب وزير الزراعة، ووُجِّهت إليهم جميعاً تهم بسوء السلوك. وقدّم وزير الزراعة استقالته. وأوقِف ما يزيد عن 30 مسؤولاً في وزارة السياحة، بينهم نائب الوزير، بتهمة السرقة. مجدداً، ليست هذه أوّل فضيحة فساد بهذا الحجم – فقد عُزِل الرئيس الأسبق فرناندو كولور دي ميلو على خلفية اتّهامه بالفساد – وأحد الفوارق الكبيرة بين البرازيل والبلدان الأخرى هو أنه يبدو أن الرئيسة هي من تقود الحملة لتنظيف الإدارات الحكومية. لكنّه بلا شك التحدّي الأكبر الذي تواجهه روسيف منذ تسلّمها منصبها قبل ثمانية أشهر.

 

الطفرة البورجوازية
 

في البلدان الثرية، كان التباطؤ الاقتصادي، إلى جانب المشكلات في ضبط الأموال العامة، السبب الأساسي وراء الإذلال الذي لحق بالحكومات. أما الأسواق الناشئة فقد حافظت على النمو، في حين بقي الإنفاق العام تحت السيطرة (إلى حد كبير). لا بد من أن تفسير المتاعب السياسية لهذه البلدان يكمن في مكان آخر. والسبب الأكثر ترجيحاً هو أن الهند والصين – وأسواقاً ناشئة أخرى على الأرجح – تشهدان البوادر الأولى للمطالب السياسية التي ترفعها الطبقات الوسطى الآخذة في التنامي.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن قيم الطبقة الوسطى متمايزة. ففي استطلاع شمل 13 سوقاً ناشئة أجراه "مشروع بيو لأنماط السلوك العالمية" في واشنطن، أعطت الطبقات الوسطى في مختلف تلك البلدان ثقلاً لحرية التعبير ونزاهة الانتخابات أكبر من ذاك الذي يمنحهما إياه الفقراء الذين ينشغلون أكثر من الطبقة الوسطى بالتحرّر من الفقر. ليست هذه الاختلافات مثيرة للصدمة. لكنها مهمّة لأنها تعني أنه فيما تنمو الطبقة الوسطى، تؤدّي الأفكار التجريدية عن الحكومة دوراً أكبر في السياسة.
ليست المفاجأة، في بعض النواحي، أن هذا يحدث الآن بل إن حدوثه استغرق كل هذا الوقت. طوال سنوات، كانت الطبقات الوسطى الجديدة هادئة سياسياً في الأسواق الناشئة. في الصين، ظلّت بمنأى عن السياسة نتيجة العقد الاجتماعي الضمني الذي قدّمه لها الحزب الشيوعي: تتركوننا نحكم، ونحن ندعكم تجمعون ثروة. ولأسباب مختلفة، كان الوضع في الديموقراطيات مشابهاً في الجوهر. كانت النخب الجديدة في الهند والبرازيل أقل تأثيراً على المستوى السياسي من الفقراء (الذين يرتدون أهمّية أكبر انتخابياً نظراً إلى أعدادهم) أو النخبة القديمة المتجذِّرة في مواقع السلطة. في الهند، يقال إن الطبقات الوسطى المدينية تُصوِّت بأعداد أقل من فقراء الريف، في حين أن روسيف وسلفها لويس إيناسيو لولا دا سيلفا في البرازيل فازا في الانتخابات بفضل الدعم القوّي من الأشد فقراً. وقد التزمت الطبقات الوسطى الهدوء أيضاً لأن السياسات التحريرية والتحديثية التي اتّبعتها الهند والصين والبرازيل أفادت أفرادها في شكل عام. حتى الآن، كانت ثورة الطبقات الوسطى ثورة صامتة.
ليس هناك تفسير واحد للحراك الجديد في صفوف الطبقة الوسطى. فربما كان حدوثه محتوماً في مرحلة معيّنة نظراً إلى الارتفاع في أعداد أفرادها. لا شك في أن انتشار المدوّنات الصغيرة أحدث بعض الفارق. هناك 140 مليون مستخدم لخدمة Sina Weibo للمدوّنات الصغيرة، ومعظمهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى المدينية في الصين. وقد نشروا عشرة ملايين رسالة عن اصطدام القطارَين في غضون أيام قليلة. خسر العمالقة الناشئون بعضاً من حماوتهم الاقتصادية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي مارس تأثيراً ربما – ليس عبر خفض الوظائف والخدمات الحكومية (كما في الغرب) بل عبر إثارة الشكوك حول هالة النمو. حتى إنّ بعض المراقبين (بما في ذلك الحزب الشيوعي الصيني على ما يبدو) تخوّفوا من أن المتظاهرين قد يتجرّأون على محاكاة الربيع العربي، على الرغم من أن هذا الأمر يبدو مستبعداً جداً.
خلافاً للاضطرابات في البلدان الشرق الأوسطية، لا يهدف حراك الطبقة الوسطى في الصين والهند إلى إسقاط الحكومات. بل إن همّاً أضيق يحرّك هذه الطبقة: الفساد...

 

من مناهضة الفساد إلى موالاة الديموقراطية
 

يشير هذا التركيز على الفساد إلى أن حراك الطبقة الوسطى هو في اللحظة الراهنة، حركة احتجاجية وليس قوّة سياسية بالمعنى الأوسع. إنها محاولة لإصلاح الحكومة وليس لاستبدالها. لكن يمكن أن يتغيّر الوضع. في معظم البلدان المتوسّطة الدخل، الفساد هو أكثر من مجرّد مسألة إجرام؛ بل هو أيضاً وليد أسلوب قديم في ممارسة السياسة، وهو أسلوب غير خاضع للمساءلة وغير شفّاف وغير ديموقراطي. يعتبر أشوتوش فارشني من معهد التغيير الاجتماعي والاقتصادي في بنغالور، أن السبب الأساسي وراء استياء الهنود الأثرياء من الفساد ليس المال المهدور – الذي يمكنهم تحمّل أعبائه – بل إنهم يريدون حكومة نظيفة: "تُثبِت الطبقة الوسطى مواطنيّتها للحصول على الخدمات الحكومية من دون رشوة".
في هذه الظروف، يمكن أن تتحوّل الاحتجاجات المناهضة للفساد بسهولة تحرّكاً أوسع نطاقاً. كان يُقال إن الطبقات الوسطى لن تكون ناشطة سياسياً. ويُردَّد الآن أنها تعترض "فقط" على الفساد. تُقلّل هاتان المقولتان من شأن نتائج صعود الطبقة الوسطى. فكما قال ماركس "تاريخياً، أدّت [البورجوازية] دوراً ثورياً جداً" في أوروبا. في الأسواق الناشئة، تبدو تلك الثورة أقرب الآن.


( ترجمة نسرين ناضر )      

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,114,298

عدد الزوار: 6,978,879

المتواجدون الآن: 64