التمدّد عسكرياً نحو آسيا .. والإمساك بأمن الشرق الأوسط

تاريخ الإضافة الثلاثاء 10 كانون الثاني 2012 - 6:19 ص    عدد الزيارات 788    التعليقات 0

        

 

التمدّد عسكرياً نحو آسيا .. والإمساك بأمن الشرق الأوسط
هل ترضي ميزانية الدفاع طموح واشنطن المزدوج؟
«سنبقى متيقظين، لا سيما في الشرق الأوسط».. قالها الرئيس الاميركي باراك اوباما الخميس الماضي خلال اعلانه عن اكبر تحول في الاستراتيجية الدفاعية الاميركية منذ حرب فيتنام، ونية بلاده بداية زمن التقشف المالي، قاصداً التأكيد ان اميركا قادرة على التوفيق بين سياستها الامنية في المنطقة من جهة وتحوّلها - وفقاً للخطة الجديدة - الى منطقة آسيا والمحيط الهادئ من جهة اخرى. مهمة من المرجح ان تكون صعبة بالنسبة للادارة الاميركية، اذ يرى محللون ان ميزانية الدفاع المنوى اقرارها قريباً ستقررّ اختيار الادارة احد الامرين: إما التحول الى آسيا لتحجيم التمدد الصيني وإما التركيز على أمن الشرق الاوسط والتحصّن ضد تهديداته.
لا شك ان مثل هذا التحول الجديد في الاستراتيجية الاميركية الدفاعية امر سليم في الوقت الحاضر، اذ لا يفرض على البنتاغون على مستوى الميزانية سوى اقتصاص ما مجموعه 487 مليار دولار لا اكثر، على مدى العقد المقبل. فتخفيض الميزانية اكثر من ذلك من شأنه ان يجعل وزارة الدفاع الاميركية عاجزة عن تحقيق اهدافها.
ان التحوّل باتجاه آسيا والمحيط الهادئ اساسي، خصوصا ان المنطقة مرشحة لأن تكون محور الاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين. التحديث العسكري في الصين يتواصل على قدم وساق، بعدما زادت سياسة بكين الخارجية عدوانية تجاه جيرانها خلال العامين الماضيين. في المقلب الكوري، لا تعني وفاة كيم جونغ ايل سوى ان كوريا الشمالية «النووية» بدأت عملية انتقال مهمة على مستوى قيادتها من الممكن أن تؤدي إلى زيادة عدوانيتها العسكرية، خصوصاً ان وريث الحكم كيم جونغ اون يسعى لتعزيز سلطته وإثبات سيطرته على البلاد.
في ضوء هذه الأخطار المحتملة، طلبت دول آسيوية عدة من الولايات المتحدة تعزيز وجودها الدبلوماسي والعسكري في المنطقة، بحيث تكون الضامن النهائي للسلم والأمن الدوليين. تعزيز الوجود الاميركي في آسيا كتعبير عن التزام واشنطن بأمن هذه المنطقة، سيُشعر الحلفاء الذين يتخوفون من الانحدار الاميركي عموماً، بالاطمئنان.
ولكن، في وقت تتحول منطقة آسيا والمحيط الهادئ الى منطقة مهمة ومحورية، لا يزال عدم الاستقرار يظلل «الشرق الاوسط الكبير»، من تونس الى باكستان، اكثر المناطق تخبطاً في العالم.. أطلق «الربيع العربي» العنان لسيل من التغييرات السياسية التي أعادت تشكيل المنطقة بطرق غير مسبوقة.. إيران تواصل السعي لامتلاك أسلحة نووية، وهددت مؤخراً بإغلاق مضيق هرمز.. اما إسرائيل، الحليف الدائم لأميركا والركيزة الأساسية في استراتيجية واشنطن للأمن الاقليمي، فمحاصرة وسط الاضطرابات. في الوقت نفسه، تواصل العلاقات الاميركية - الباكستانية الهبوط حتى الحضيض، ما يقلل من النفوذ الأميركي في دولة مسلحة نووياً، ينتشر فيها الارهاب، ويمكن القول إنها أكثر البلدان خطورة في العالم.
وبالرغم من ذلك، يبدو ان المصالح الأميركية في «الشرق الأوسط الكبير» لم تتغير إلى حد كبير: ضمان التدفق الحر للنفط من منطقة تحتوي على 51 في المئة من احتياطي النفط العالمي، وقف انتشار الأسلحة النووية، والتحصن ضد التهديد الحقيقي (ولو المنخفض حالياً) الذي تشكله هجمات الاسلاميين الارهابية. وعليه، سوف تتطلب حماية هذه المصالح مشاركة ناشطة من جانب الجيش الاميركي على مدى العقد المقبل وما بعده، من دون ان يعني ذلك تكرار القوات الاميركية بالضرورة لحملات مكافحة «التمرد» المكثفة التي طبعت العقد الماضي.
اذاً، تحاول الادارة الاميركية من خلال استراتيجيتها الجديدة ان تنتهج أداءً دفاعياً يوازن بين تركيزها الجديد على منطقة آسيا والمحيط الهادئ من جهة وبين متابعة عدم الاستقرار العميق في مناطق اخرى، حيث يبدو ان مصالح اميركا على المحكّ. اما تطبيق الاستراتيجية بنجاح فيعتمد على المبلغ الذي يُنوى اقتصاصه من ميزانية وزارة الدفاع، وهذا ما لم يتقرر نهائياً حتى اللحظة.
وإذا كان الهدف الرئيسي من هذه المراجعة التي استمرت لفترة تسعة أشهر، تقليص مبلغ 480 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة ضمن استراتيجية دفاعية تنقل التركيز الأميركي من العمليات البرية في العراق وأفغانستان إلى العمليات البحرية والجوية في المحيط الهادئ، فيبدو ان الرقم ليس نهائياً. اذ يشعر مسؤولون في الادارة بقلق بالغ إزاء «قانون ضبط الميزانية للحد من الانفاق التلقائي» المعروف باسم «الاقتطاع الآلي» والذي اُثير في تشرين الثاني الماضي بسبب الفشل في الحد من العجز. فوفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، إن «الاقتطاع الآلي» عملية تضاعف التخفيضات في ميزانية وزارة الدفاع إلى ما يقارب 900 مليار دولار في إجمالي التخفيضات، ومن المنوي ان يسري مفعوله في كانون الثاني 2013 إلا في حال سنّ الكونغرس تشريعات جديدة تحل محله.
ويرى مسؤولو «الدفاع» ان تطبيق «الاقتطاع الآلي» سيمنع تحقيق الاستراتيجية الجديدة، الأمر الذي نبّه منه وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا قائلا «سيرغمنا الاقتطاع على إسقاط مهماتنا والتزاماتنا، وقدراتنا الأساسية اللازمة لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة». وبالتالي، من المرجح في مثل هذه الحال ان تترجم اميركا تحوّلها الدفاعي باتجاه آسيا والمحيط الهادئ بشكل جيد، غير انها لن تكون قادرة على مواجهة «الاخطار» الآتية من المناطق الاخرى، وتحديداً في الشرق الاوسط، فستتقلص بشكل كبير.. إنها «وصفة» للمجازفة في عالم خطير ومتقلب.
(عن «فورين بوليسي» بتصرّف)

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,726,822

عدد الزوار: 7,001,627

المتواجدون الآن: 74