هل انتهى عصر الهيمنة الأميركية في العالم؟

تاريخ الإضافة الخميس 19 كانون الثاني 2012 - 5:15 ص    عدد الزيارات 851    التعليقات 0

        

 

هل انتهى عصر الهيمنة الأميركية في العالم؟
د. ستيفن والت*
عرض : د. ماهيتاب مكاوي
برغم كثرة تناول قضية استمرار الهيمنة الأميركية من عدمها دائما، إلا أن المسألة لا تتعلق بأن الولايات المتحدة ستلقى نفس مصير المملكة المتحدة، ولكن السؤال الذي يجب طرحه هو: هل ستبقى الولايات المتحدة على رأس النظام العالمي، ولكن دون أن يكون لها نفس التأثير الذي كانت تتمتع به سابقا؟
د. ستيفن والت - أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد طرح هذا السؤال في مقاله «انتهاء العصر الأميركي  The End of the American Era. بمجلة The National Interest في عدد نوفمبر/ديسمبر 2011 ، وسعى للإجابة عليه عبر سبر أغوار التحديات التي تواجه الهيمنة الأميركية في العالم.
أهمية المقال أنه تم اختياره من ضمن أفضل عشرة مقالات لشهر نوفمبر، وفق الاستطلاع الذي أجرته مجلة The Browser  الإلكترونية البريطانية.
مداخل الهيمنة
يبدأ ستيفن والت في مقاله بذكر أن الهيمنة الأميركية علي العالم قد بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945 – وذلك عقب ثلاثة قرون من السيطرة الأوروبية علي الأوضاع الدولية، تخللتها حربان عالميتان أنهكتا قوى القارة العجوز.
وهناك عدة عوامل عام  1945 عززت من تلك الهيمنة الأميركية، منها: إنتاج الاقتصاد الأميركي لنحو نصف الناتج العالمي – أصبحت الولايات المتحدة قوة دائنة رئيسية – وامتلاك الولايات المتحدة لأكبر قوة بحرية وجوية، وعدد كبير من القواعد العسكرية المنتشرة في العديد من الدول، وأنها القوة النووية الوحيدة في العالم.
بالإضافة إلى ذلك، وضعها الجيو سياسي على المستوى العالمي، حيث إن اقتصاد المنافس اللدود – الاتحاد السوفيتي - لا يتمتع بنفس الكفاءة، ولا قوة جيشه تقارب قوة الجيش الأميركي. ولقد عمل الزعماء الأميركيون منذ ذلك الحين على الحفاظ على تلك المكانة التي جلبت لهم العديد من المكاسب، من أهمها: خلق وقيادة نظام اقتصادي وسياسي وأمني فى مختلف بقاع العالم (باستثناء المنطقة التي تتمتع بالنفوذ الروسي)، ودور أساسي في إنشاء وإدارة العديد من المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي، وتقديم خطة مارشال التي ساعدت على إنعاش الاقتصاد الأوروبي، والعمل على تعزيز ثقافة حقوق الإنسان، وتقليل مخاطر أسلحة الدمار الشامل.
ولكن دوما كان هناك هاجس لدى الأميركيين من انحسار تلك الهيمنة،وقد بدأ ذلك الهاجس في الظهور بداية من عام 1950. فقد أوضح تقرير صادر عن مجلس الأمن القومي الأميركي أن امتلاك الاتحاد السوفيتي لأسلحة نووية من شأنه إحداث تغير جوهري في الخريطة الجيوسياسية العالمية لمصلحة السوفيت، وأن تصريحات الرئيس السوفيتى نيكيتا خروشوف «بدفن الرأسمالية الغربية» يمكن أن تتحقق.
أضف إلى ذلك، رؤية كل من الرئيسين الأميركيين، جون كنيدي وريتشارد نيكسون – فالأول كان يعتقد أن الاتحاد السوفيتي يمكن أن يصبح أغنى من الولايات المتحدة، والثاني رأى أن أميركا بدأت في أن تصبح «عملاقا بلا أنياب».
وقد تجسد ذلك الهاجس بعد ذلك بعقد من الزمان، بعد الهزيمة في الهند الصينية، وحدوث مشاكل اقتصادية خطيرة أدت إلى  اختيار رونالد ريغان رئيسا في عام 1980، وصدور العديد من الكتب، من أهمها كتاب لبول كنيدي تحت عنوان «صعود وهبوط القوى الكبرى»، حيث أشار إلى أن الولايات المتحدة من الممكن أن تلقى نفس مصير المملكة المتحدة التي أنفقت أموالا طائلة على مصالح بعيدة وحروب لا فائدة منها، ذلك أنها تسير على المسار نفسه.
أما جوزيف ناي، فقد كانت له وجهة نظر مختلفة، حيث أكد في كتابه  المهم «الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية» نقاط القوة التي تتمتع بها الولايات المتحدة، وأنها ستكون القوة الكبرى الرائدة على مستوى العالم لسنوات عديدة قادمة. وهناك عدد آخر من الكتّاب كانت لهم وجهة نظر ثالثة، عندما تحدثوا في مؤلفاتهم عن الفترة الزمنية للهيمنة الأميركية على العالم.
انحسار مبكر
إن انحسار الهيمنة الأميركية قد بدأ مبكرا، نطرا لوقوع عدد من الزعماء الأميركيين في أخطاء قاتلة. من أهم تلك الأخطاء:
- الوقوع في مستنقعي العراق وأفغانستان، والذي ساعد على تقويض الهيمنة الأميركية، بل وجعل أسامة بن لادن يبرئ تنظيم القاعدة من اتهامه بالارهاب. فتكلفة الحرب في العراق ستصل إلى 3 تريليونات دولار، والنتيجة النهائية هي خلق ديمقراطية منقوصة تستعدي إسرائيل بشكل واضح، وتتحالف مع إيران بشكل جزئي.
أما الوضع، فهو أسوأ في أفغانستان، وذلك على الرغم من تصوير القادة الأميركيين ما يحدث هناك على أنه نوع من أنواع الانتصار، خاصة بعد مقتل بن لادن. لكن المحاولات الشاقة والمكلفة للقضاء على حركة طالبان وجعل أفغانستان دولة ديمقراطية على الطراز الغربي قد باءت بالفشل. إذن، فالسؤال هو: متى سترحل القوات الأميركية من كابول: الآن أم لاحقا؟
- التدخل الأميركي في آسيا الوسطى قد أضعف العلاقات مع حليفتها باكستان، وزاد من العداء للولايات المتحدة.
- عدم توقع واشنطن لثورات الربيع العربي، ورد فعلها تجاهها يشير إلى تضاؤل الدور الأميركي في رسم الأحداث كما يشاء. فمثلا، بعد عدد من المحاولات الفاشلة لدعم مبارك، قامت الإدارة الأميركية بتغيير موقفها، وقامت بدعم القوى المؤيدة للتغيير. بل ألقى الرئيس أوباما خطابا للتأييد، ولكن أحدا لم يلتفت إليه.
- فشل الولايات المتحدة المتكرر في إيجاد حل عادل للصراع العربي - الإسرائيلي، أو أن تكون وسيطا كفئا لحل الأزمة، وذلك على الرغم من مرور نحو عشرين عاما على توقيع اتفاقية أوسلو في سبتمبر 1993. وبالرغم من الأمل الذي تجدد بعد إعلان أوباما في القاهرة عن ضرورة قيام دولتين، فإنه سرعان ما تبدد، نتيجة للضغط الإسرائيلي. وبالتالي، فقد ظهر جليا فشل  خطابات الرئيس الأميركي في تجميل صورة بلاده، بل وازدياد العداء لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط.
- فشل سياسة الاحتواء المزدوج التي تبنتها الولايات المتحدة في التعامل مع كل من العراق وإيران، هذه السياسة التى تم تبنيها لطمأنة إسرائيل أجبرت واشنطن على الإبقاء على الآلاف من جنودها في الأراضى السعودية، بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لتتبع أثر أسامة بن لادن.
- وقد تمادت واشنطن في ذلك الخطأ عقب أحداث 11 سبتمبر بتبنيها استراتيجية  «التحولات الإقليمية» الأكثر غباء، وفق تعبير الكاتب الأميركي. وقد أعطت تلك السياسات الخاطئة الفرصة لدول مثل إيران للتفكير في امتلاك سلاح نووي.
تحديات إقليمية وعالمية
يرى ستيفن والت أن الأمر لا يتعلق بسقوط الهيمنة الأميركية وإنما بمدى قدرة الولايات المتحدة على أن يبقى لها ذات التأثير  على العالم. لذا، فمن رأي الكاتب أن على واشنطن إعداد استراتيجية تعترف بتلك الحقيقة الجديدة من جانب، وتحافظ على الثوابت الأميركية من جانب آخر، وذلك بغية حماية المصالح القومية الأميركية. 
فهناك عدد من التحديات التي يجب أن تتعامل معها واشنطن، من بينها:
- ظهور عدد من القوى الإقليمية خلال العقدين السابقين، وتعد الصين أبرز تلك القوى، فقد حققت نموا اقتصاديا مرتفعا أذهل العالم. فعلى الرغم من أن اقتصاد الولايات المتحدة يعد الأقوى على المستوى العالمي منذ عام 1900، فإنه من المتوقع  أن تحتل الصين تلك المكانة بحلول عام 2025. كذلك، فإن الميزانية العسكرية للصين تزداد بنسبة 10% سنويا، ومن المتوقع زيادة تلك النسبة في المستقبل. وبالتالي، يجب أن تقيم الولايات المتحدة علاقات استراتيجية مع الدول الآسيوية بشكل عام، نظرا لتطورها الاقتصادي السريع، ومع الصين بشكل خاص، نظرا لأنها المنافس الوحيد لواشنطن.
- الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها الولايات المتحدة حاليا، والتي ستقيد من قدرتها في القيام بأدوراها على المستوى الدولي. فبعد أن ورث بوش فائضا في الميزانية عام 2001، قام بخفض الضرائب الفيدرالية بشكل ملحوظ مع الدخول في حربين كلفتا الخزانة الأميركية الكثير.
وقد أدى ذلك لزيادة سريعة في الدين الفيدرالي بالتوازي مع الأزمة المالية العالمية بين عامى 2007 و2009. وقد استمرت المشاكل الاقتصادية لواشنطن منذ ذلك الحين، مما أدى بمؤسسة ستاندر آند بورز لخفض مستواها الإئماني في أغسطس الماضى وسط مخاوف من حدوث ركود.
بالرغم من تلك التحديات وغيرها، فإن الولايات المتحدة لم تنته بعد - كقوة عظمى – بل على العكس فلا يزل لديها الكثير: أقوى اقتصاد، أكبر جيش، أكبر ميزانية تنفق على التعليم العالي والبحث العلمي  في العالم، ونسبة سكانها من الشباب تعد مطمئنة، خاصة إذا ما قورنت بدول أخرى مثل روسيا، واليابان، ومعظم الدول الأوروبية. ولكن للحفاظ على تلك المكانة، يجب إعادة التوازن لعلاقات الولايات المتحدة الخارجية، مع التركيز على إعادة بناء البيت من الداخل.
 أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,926,310

عدد الزوار: 6,972,202

المتواجدون الآن: 71