عن السنوات التي أكلها الجراد!

تاريخ الإضافة الخميس 21 حزيران 2012 - 7:12 ص    عدد الزيارات 745    التعليقات 0

        

 

عن السنوات التي أكلها الجراد!
توماس فريدمان()
واحدة من أكثر ملامح الأزمة الاقتصادية العالمية إثارة للقلق في هذه الأيام هي غياب القيادة السياسية في أي من دول العالم. لا يملك أحد الشجاعة ليبوح لشعبه بالحقيقة. والحقيقة هي للأسف، أن أربعة من دعائم الاقتصاد العالمي اليوم أوروبا، أميركا، الصين والعالم العربي- أهدرت كلاً على طريقتها، الأرباح التي جمعتها خلال العقود الأخيرة، وعليها الآن الخروج من أزماتها بموارد أقل ووقت أقل، وبالتأكيد بألم أكبر. لا توجد طريقة سهلة للخروج، لكن بما أن مواجهة هذه الحقائق أصبحت واقعاً، أعتقد أننا سنشهد على الأرجح بعض السياسات الوحشية، الغاضبة والمزعزعة التي ستجعل من الانتعاش الاقتصادي مسألة صعبة. عندما تكون الأزمات عميقة والقادة ضعفاء، فذلك مزيج سيئ.
فلنبدأ بأوروبا. اليونان، إيطاليا، أسبانيا والبرتغال، جميعها استمتعت بأرباح المانية. أي أنها استفادت من الفوائد الألمانية المنخفضة كدول منتمية إلى منطقة اليورو، على الرغم من أنها لم تكن (هذه الدول) منتجة أو منضبطة مثل العمال الألمان. وعوضاً عن استخدام هذه الأرباح لتحديث اقتصادياتها وتحسين إنتاجيتها وتنافسيتها، انغمست هذه الدول في سوق العقارات والاستهلاك الحقيقي الذي اضر بمصارفها وميزانياتها الوطنية. اليوم، لم يعد هناك مفر من دفع الفاتورة.
وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل انتقدت بشدة في خطاب السبت الماضي ما وصفته "الفرصة الضائعة" لتطوير اقتصاديات هذه الدول. وأضافت ميركل أن خفض فوائد الاقتراض مع بدء العمل باليورو يعني أن "دولاً مثل إيطاليا أصبحت من حيث المبدأ على قدم المساواة مع ألمانيا في ما يتعلق بفوائد الاقتراض". وتابعت "الحرية التي نشأت نتيجة هذا الوضع لم يتم استغلالها لتحسين التنافسية على المدى الطويل. وعوضاً عن ذلك، تم استخدام الوقت من أجل إنفاق مبالغ كثيرة من الأموال في الاستهلاك ولم يتم توفير وقت كاف من أجل البحث في الإصلاحات".
ونقلت وكالة بلومبرغ عن نيكولاس بلوم، الكاتب السياسي الرئيسي في صحيفة بيلد الألمانية قوله إن على الدولة اليونانية "إعادة البناء كما لو أنها دولة نامية. يجب أن يقول أحد قادة منطقة اليورو إلى اليونانيين الحقيقة: البداية الجديدة لا يمكن تحقيقها سوى من خلال خطوة أولى جذرية وهذا يعني الاستغناء عن اليورو".
لقد مرّ على العالم العربي 50 عاماً من الحكم الديكتاتوري كان بإمكان قادة ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن إصدار الأوامر تدريجياً بالبدء بمسيرة إصلاحات من القمة إلى القاعدة. لقد استخدم الطغاة العسكريون في كوريا الجنوبية وتايوان فائض سلطاتهم من أجل بناء اقتصاديات قائمة على مبدأ التصدير وتوفير العلم لجميع أبناء البلدين وخلق طبقة وسطى بدأت بالوصول تدريجياً إلى السلطة. لكن قادة العالم العربي استخدموا فائض سلطاتهم وثرواتهم من أجل تجاهل تقرير الأمم المتحدة عن التنمية البشرية في العالم العربي في العام 2002 والذي أشار إلى الضرورة الماسة الفورية لتجاوز عوائق الحريات والمعرفة وعمل النساء. وعوضاً عن ذلك، أغنوا شريحة بسيطة من شعوبهم وألهوا البقية بأمور لمّاعة مثل إسرائيل أو الناصرية القومية. وعلى العرب اليوم أن يجهدوا كثيراً للخروج من أنظمتهم السياسية المتفككة وإرضاء النسبة الكبيرة من الشبان من بين شعوبهم. من سيقول لشعوبهم أن بناء اقتصاديات تنافسية مع مدارس حديثة سيكون تحدياً كبيراً؟ الفوضى التي تسود شوارع مصر هذه الأيام عينة عما سيأتي.
ولصالحها، استخدمت الصين أرباح صادراتها الفائضة من أجل إقامة بنية تحتية تصلح للقرن الحادي والعشرين ومن أجل تعليم أبنائها، وخلق طبقة متوسطة هائلة الحجم. غير أن القيادة الصينية الحالية لم تستخدم فائض نموها الاقتصادي من أجل إدخال برنامج إصلاح سياسي تدريجي. الفساد في أسوأ أوقاته والشفافية المؤسساتية تبقى ضعيفة في وقت تغيب فيه السياسات التوافقية وإذا تباطأ النمو وتوسع الفارق في المداخيل أكثر، فإن المزيد من البخار سيتشكل في هذا النظام ولا يوجد مكان يتبخر منه، وهذا أحد الأسباب التي دفعت بالتأكيد رئيس الوزراء الصيني السابق وين جيباو إلى التحذير منه في آذار الماضي بأن بلاده قد وصلت إلى "مرحلة خطيرة".
وقال جيباو إنه من دون "إصلاح سياسي من المستحيل للصين أن تدخل برنامج إصلاح اقتصادي صحيح والأرباح التي حققناها في هذه المجالات قد تتبخر ولن يصار إلى حل المشاكل، الجديدة بشكل جذري ومثل هذه التراجيديا التاريخية أي الثورة الثقافية، قد تحدث في الصين مجدداً".
أما بالنسبة لأميركا، فقد حققنا فائضاً في التسعينات نتيجة انخفاض أسعار النفط والسلام ساهم إلى حد كبير في خفض العجز في الميزانية الفدرالية. لكن أحداث 11 أيلول، والحربين اللتين تلتها إضافة إلى الاقتطاعات الضريبة وعدم زيادة الضرائب وبرنامج الرعاية الصحية وخطة إنقاذ ضرورية للمصارف لتجنب ركود محتمل، أدخلتنا في وضع مدين أكثر من أي وقت مضى.
لذا، فبالنسبة لأوروبا والعرب والصين وأميركا، كل على طريقته، هذه كانت السنوات التي أكلها الجراد. أن نستعيد صحتنا مجدداً ستكون مسألة موجعة بالنسبة لنا جميعاً. لو كنت الرئيس (الأميركي باراك) أوباما، لركزت كامل حملتي الانتخابية على جهد لإعادة إنتاج "تسوية كبيرة" مع الجمهوريين أساسها تحفيز البنية التحتية على المدى القصير إلى جانب الالتزام بمشروع (عضوي مجلس الشيوخ) "سيمبسون- بولز" المالي الطويل المدى لإعادة التوازن إلى الميزانية. وسيظهر ذلك في الحد الأدنى أن أوباما يملك خطة ملموسة لإصلاح الاقتصاد وهو أكثر ما يريده الناخبون من الرئيس ومن المؤكد أن العديدين في قطاع الأعمال سيدعمونه. لا يمكننا الانتظار حتى كانون الثاني المقبل لنبدأ بوضع سياسات جدية مجدداً. نحن والعالم نحتاج لأن تعود أميركا صخرة الاستقرار- الآن.
 
ترجمة: صلاح تقي الدين
()عن "النيويورك تايمز" 5/6/2012
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,358,929

عدد الزوار: 6,988,306

المتواجدون الآن: 68