صعود تنظيم «القاعدة» في سوريا

تاريخ الإضافة الثلاثاء 11 كانون الأول 2012 - 7:59 ص    عدد الزيارات 714    التعليقات 0

        

 

صعود تنظيم «القاعدة» في سوريا
هارون ي. زيلين
ترددت تقارير مفادها أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تخطط لتصنيف الجماعة الجهادية السورية "جبهة النُصرة لأهل الشام" على أنها منظمة إرهابية. فهذه الجماعة، التي تم الإعلان عنها للمرة الأولى في أواخر كانون الثاني/يناير 2012، قد أصبحت جزءاً متنامياً من المعارضة المسلحة بسبب براعتها القتالية - وربما لم يكن ذلك مفاجئاً بالنظر إلى أن العديد من مقاتليها قد صقلوا مهاراتهم في ميادين المعارك في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن. ونتيجة لذلك اكتسبت "جبهة النصرة" وضعية بارزة في القتال للإطاحة بالنظام السوري رغم أنها لا تزال خارج المعارضة الرئيسية.
إن قيام الإدارة الأمريكية بتصنيف "جبهة النصرة" على أنها منظمة إرهابية، فسوف تؤكد بذلك على الأرجح أن الجماعة نمت من "دولة العراق الإسلامية". وعلى الرغم من عدم وجود الكثير من الأدلة من المصادر المفتوحة التي تؤكد ذلك، إلا أن المواد السرية قد توفر دليلاً، وهناك بالتأكيد أدلة غير مباشرة بأن "جبهة النصرة" تعمل كفرع لـ "دولة العراق الإسلامية".
ولا يمكن إنكار أن "جبهة النصرة" تنفذ عمليات مميتة: فمنذ إنشائها ادعت مسؤوليتها عن أكثر من 500 هجوم، منها سلسلة من الهجمات الانتحارية. وبفضل تميزها عن جماعات الثوار العاملة في سوريا، فقد اكتسبت شرعية لدى أفضل المُنظرين الجهاديين في العالم، الذين دعوا المناصرين على المستويات الشعبية في جميع أنحاء العالم إلى المساعدة في تمويل الجماعة أو الانضمام إليها. وقد استجاب المقاتلون الأجانب النداء: فاستناداً إلى بيانات من منتديات تنظيم «القاعدة» على الإنترنت، فإن من بين الـ 46 شخصاً الذين أوردت المنتديات إخطارات "شهادة" لهم وأعلنت عن انتماءاتهم، فإن 20 منهم كانوا قد حاربوا مع "جبهة النصرة". ومنذ 1 تشرين الأول/أكتوبر أفادت جميع الإخطارات التي تذكر الانتماءات تقريباً أن المقاتل كان منحازاً إلى "جبهة النصرة".
كما انضمت "جبهة النصرة" إلى نظام «القاعدة» الإعلامي الإلكتروني العابر للحدود. فهناك علاقات وثيقة تربط المنفذ الإعلامي الرسمي لـ "جبهة النصرة" - وهي "مؤسسة المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي" - بمنتديات «القاعدة» الإلكترونية وهي "شبكة شموخ الإسلام" و "شبكة الفداء الإسلامية". بل أن هناك قسم مخصص لإصدارات "جبهة النصرة" في "شبكة شموخ الإسلام" - وهو وضع لا يشاركها فيه سوى "دولة العراق الإسلامية".
وقد تحاول إدارة أوباما وأد صعود "جبهة النصرة" في المهد من خلال تصنيفها الآن كمنظمة إرهابية، قبل قيامها بشن هجوم على المصالح الأمريكية أو الوطن الأم. وسوف يمثل ذلك ابتعاداً عن السلوك السابق، حيث لم يجري تصنيف المنظمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» و "تحريك طالبان باكستان" إلا عقب مؤامرتي عيد الميلاد عام 2009 و "تايم سكوير" عام 2010، رغم أن كلتيهما كان نتيجتهما الفشل.
إن الظروف الخاصة في سوريا قد تكون السبب وراء هذا النهج المختلف. فالسوريون يتظاهرون ويقاتلون لفترة دامت أكثر من 21 شهراً للتخلص من طغيان الرئيس بشار الأسد الجاثم على صدورهم. وبمرور الوقت شهدت الثورة تحولاً إلى الراديكالية بسبب اتباع النظام تكتيكات وحشية، مما أدى إلى إيجاد قوة قتالية أكثر إسلامية عما كان عليه الوضع عندما بدأت الثورة المسلحة تكتسب الزخم.
ولكن جعل الثوار يتبرؤون من "جبهة النصرة" قد لا يكون مهمة سهلة. فكما هو الحال في العراق، فإن الجهاديين هم من بين أكثر المقاتلين فعالية وجرأة ضد نظام الأسد، واكتسبوا لذلك احترام جماعات الثوار الأخرى. ويبدو أن "جبهة النصرة" تعلمت من أخطاء تنظيم «القاعدة في العراق»: فهي لم تهاجم المدنيين عشوائياً، كما أنها لم تُظهر تجاهل متعمد للحياة البشرية من خلال نشر مقاطع فيديو توضح قطع رؤوس أعدائها. وحتى لو كانت آراؤها متطرفة، فإنها تحظى بميزة الشك من المتمردين الآخرين نظراً لبراعتها في ميدان المعركة.
إذاً، هل يمكن لإدارة أوباما عزل "جبهة النصرة"؟ على الرغم من أن البعض في المعارضة السورية سيرحبون بقرار الولايات المتحدة تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، إلا أن الكثيرين سينظرون إلى هذا الأمر على أنه مثال آخر يثبت أن الحكومة الأمريكية تعمل فعلاً على دعم الأسد -- حيث تقوم بشيطنة أحد عناصر الثورة في الوقت الذي تقدم فيه القليل من المساعدة للإطاحة بالنظام.
ونتيجة لذلك، فإن تصنيف "جبهة النصرة" على أنها منظمة إرهابية قد يكون له ردود فعل عكسية على الولايات المتحدة. فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الدعم المقدم للجماعة على المدى القصير، بينما يسعى الثوار السوريون إلى إثارة حفيظة إدارة أوباما جراء عدم تقديمها الدعم إليهم. بل إن تصنيف المنظمة على أنها إرهابية قد يضفي عليها أيضاً مزيداً من الشرعية بين أنصار الجهاد العالمي، بل يؤدي إلى انضمام المزيد من الأجانب إلى قضيتها.
ومع ذلك، فعلى المدى الطويل إن تهميش "جبهة النصرة" وأيديولوجيتها هي معركة يجب على الولايات المتحدة - والسوريين العاديين في كل مكان - أن يفوزون بها. وبمجرد سقوط نظام الأسد سوف تختفي الأهداف العسكرية المشتركة للثوار، وسوف تكون مهمة إدارة أوباما وجماعات المتمردين الرئيسية هي عزل الجماعات المتطرفة. إن نتيجة هذه المعركة المستقبلية سترتبط ارتباطاً وثيقاً بجهود إدارة أوباما في مساعدة الثوار حالياً. لكن بدون الإنهاء السريع لنظام الأسد، والمزيد من التعاطي مع المعارضة، فلن يكون لدى الولايات المتحدة الكثير من النفوذ لتشكيل مستقبل سوريا - بغض النظر عما تقرره واشنطن بشأن التسمية التي تعتمدها لـ "جبهة النصرة".
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,994,899

عدد الزوار: 7,011,388

المتواجدون الآن: 68