نتنياهو مجبر على إعادة النظر في ائتلافه

تاريخ الإضافة الجمعة 8 آذار 2013 - 8:03 ص    عدد الزيارات 637    التعليقات 0

        

 

نتنياهو مجبر على إعادة النظر في ائتلافه
ديفيد ماكوفسكي
للمرة الأولى منذ إجراء الانتخابات الإسرائيلية في 22 كانون الثاني/يناير، بدأت تتكشف المعالم المحتملة لحكومة جديدة برئاسة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. ففي نهاية الأسبوع المنصرم منحه رئيس الدولة شمعون بيرس فترة التمديد القصوى التي أمدها أسبوعين لتشكيل ائتلاف جديد، حتى انتهاء المهلة القانونية في 16 آذار/مارس. ويبدو أن الأمور الآن ترجح بصورة متزايدة أن يشكل حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو ائتلافاً مع حزبين حققا أكثر نجاحات ملحوظة في الانتخابات وهما: حزب يسار الوسط "يش عاتيد" (ثمة مستقبل) الذي أسسه الصحفي يائير لبيد إلى جانب حزب البيت اليهودي الذي ينتمي إلى أقصى اليمين برآسة نفتالي بينيت.
والأمر الأكثر إثارة منذ كانون الثاني/يناير هو إصرار كل من بينيت ولبيد على الحفاظ على تحالفهما السياسي، محبطين بذلك مسعى نتنياهو نحو الحفاظ على ولاء أحزاب اليهود المتشددين ودعمهم باعتبارهم من المكونات الرئيسية لائتلافه. ونتيجة لذلك قد تكون إسرائيل بصدد تشكيل حكومتها الأولى دون مشاركة هؤلاء اليهود الحريديم منذ عام 2003. كما أنه حتى في حالة مشاركة أحزاب اليهود المتشددين في التشكيل الجديد، فأنه من المتوقع أن يتم تهميش مطالبهم الأساسية في الوقت الحالي حيث أنه في واقع الأمر من الممكن جداً أن يكون هناك ثمة تشريع على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة يُدمج اليهود الحريديم في الجيش بشكل تدريجي وقسري في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن استقرار مثل هذه الحكومة على المدى الطويل يظل مرهوناً بالمستجدات في القضية الفلسطينية تلك التي تعتبر مثار خلافات شديدة بين لبيد وبينيت.
المفاجأة التي واجهها نتنياهو
إن عدم قدرة نتنياهو على كسر التحالف المبرم بين لبيد وبينيت كان بمثابة المفاجأة الكبرى في فترة ما بعد الانتخابات. ففي البداية توقع نتنياهو أن يحصل على دعم أغلبية ضئيلة جداً في الكنيست عبر الجمع بين حزبه الليكود (31 مقعداً) ومؤيديه من اليهود الحريديم (18) إلى جانب الرئيس السابق لموظفي مكتبه وزعيم أحد الأحزاب اليمينية بينيت (12). وكان من شأن هذه الحصة المكونة من 61 من أصل 120 مقعداً في الكنيست ان تسمح له بإملاء شروطه على لبيد (19) بعد الانتخابات. وقد اعتقد نتنياهو أن سياسياً مبتدئاً مثل بينيت لن يكون قادراً على الصمود أمام الضغوط الممارسة عليه للانضمام إلى حكومة يمينية إلا أن الأداء الانتخابي القوي لحزب البيت اليهودي -- أفضل نتيجة حصل عليها الصهاينة المتدينيين منذ عام 1977 -- ساعده على التماسك والصمود.
وقد تكهن البعض أن دوافع بينيت بهذا هي الأحقاد الشخصية التي يحملها تجاه مديره القديم علماً بأنه قد اتهم حزب الليكود علنياً بتشويه سمعة حزبه خلال الحملة الانتخابية. ورغم ذلك هناك عوامل فاعلة أخرى أكثر عمقاً وتأثيراً. فأنصار اليهودية الأرثوذوكسية الحديثة المؤيدون لبينيت يزداد تقاربهم يوماً بعد يوم مع النخبة العلمانية في إسرائيل من حيث التكامل المهني والعسكري على الأقل. فكوادرهم وقادتهم يطمحون إلى المساواة في الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية شأنهم في ذلك شأن الدوائر العلمانية مما يجعلهم أكثر تقبلاً للرسالة التي ينادي بها لبيد الخاصة بتدشين إصلاحات سوقية لمساعدة الطبقة المتوسطة. كما أنهم يتفقون أيضاً مع الانتقاد الذي يوجهه لبيد لمسألة "تقاسم الأعباء" -- فهم يرون أنه من غير العادل أخلاقياً ومن المتعذر احتماله اقتصادياً أن يستمر إعفاء اليهود المتشددين من مخاطر الخدمة العسكرية في الوقت الذي يُمنحون فيه رفاهية لا لزوم لها تمكنهم من الهروب من الاندماج الكامل في القوى العاملة.
وعلاوة على ذلك يستنكر أنصار الأرثوذوكسية الحديثة ما يلقونه من معاملة سيئة على أيدي اليهود المتشددين الذين استغلوا نفوذهم السياسي في الحكومات السابقة للاستيلاء على جوهرة التاج التي كانت تحتفظ بها الأرثوذوكسية الحديثة، ألا وهي الحاخامية الكبرى. وفي واقع الأمر يغلب على الحاخامات المتشددين ازدرائهم للطوائف الدينية الحديثة. ومع ذلك فإن التطورات الأخيرة تبدو وكأنها مؤشراً لحدوث تحول تاريخي، يتمثل في توحد المتدينين والعلمانيين في المطالبة بتوقف إسرائيل عن تقديم مثل هذه الرفاهية التي عزلت اليهود المتشددين عن متطلبات الحياة الحديثة. كما أنها المرة الأولى منذ سنوات التي يفوق فيها أعضاء الكنيست المنتمين إلى اليهودية الأرثوذوكسية الحديثة من مختلف الأحزاب أقرانهم ممن ينتمون إلى اليهود المتشددين (20 مقابل 18).
ويذكر أن نتنياهو بذل جهوداً كبيرة لتفادي هذا الموقف. فاليهود الحريديم ظلوا موالين له منذ توليه منصب رئيس الوزراء للمرة الأولى عام 1996، مما أتاح له مطلق الحرية في إدارة البلاد نظير ما كانوا يتلقونه من إعانات ودعم لمؤسساتهم الدينية وحياتهم المعيشية. وبكل تأكيد سعى نتنياهو إلى تأمين دور مركزي لهم في الحكومة القادمة وذلك بطلبه من رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش بأن تكون وزيرة للمالية وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يخلق ائتلافاً يستبعد لبيد وبينيت. فرغم آرائها الاجتماعية والديمقراطية المعلنة والتي اصطدمت مع التزام نتنياهو بسياسة السوق الحرة التي يعتبرها موضع فخر، إلا أنه رأى أن اتخاذ مثل هذه الخطوة أفضل من خسارة حلفائه اليهود المتشددين الداعمين له.
ومع ذلك يبدو حالياً أن نتنياهو تقبل التحالف بين لبيد وبينيت على أنه أمراً واقعاً. أولاً، رفضت يحيموفيتش عرضه اعتقاداً منها أن خلافاتهم بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية يصعب حلها في الأساس. وفي بداية هذا الأسبوع أعلن حزبان من الأحزاب المنتمية لليهود المتشددين وهما شاس (11 مقعداً) وحزب يهودية التوراة المتحد (7) اندماجهم في صفوف المعارضة. إن الفشل في تشكيل حكومة بحلول 16 آذار/مارس يعني إجراء انتخابات جديدة، وهي حالة يعتقد نتنياهو أنه لا يستطيع تحملها الآن: فمنذ كانون الثاني/يناير وُصف نتنياهو بأنه المهندس والمدافع عن النظام القديم بينما تقدم كل من لبيد وبينيت في استطلاعات الرأي الأخيرة خاصة لما أبداه الرجلان من استعداد للتصدي للضغوط والثبات على المبدأ.
العديد من القضايا التي يتعين حلها
من المتوقع أن تتم الكثير من المساومات في الأيام القادمة قبل إتمام تشكيل حكومة تضم نتنياهو ولبيد وبينيت. وتتراوح المسائل العالقة بين المبادئ المفصلة التي تدعم إصدار تشريع جديد خاص بالتوزيع المثير للجدل للمناصب الوزارية الحساسة في الحكومة.
فعلى سبيل المثال، أعلن وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان صراحة أنه وُعد بالمنصب ذاته في الحكومة القادمة، بيد أن الموقف قد يتغير إذا استمرت مشكلاته القانونية الشخصية. وفي هذه الحالة، من الممكن أن يختار نتنياهو لبيد وزيراً للخارجية بدلاً منه مما قد يساعد إسرائيل على الظهور بمظهر أكثر اعتدالاً في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي استبعد فيه حزب شاس فكرة الانضمام إلى الحكومة في ضوء مشروع القانون المحتمل الخاص باليهود المتشددين، فإن المرء لا يمكنه استبعاد احتمالية نجاح الجهود المبذولة في اللحظات الأخيرة في ضمهم بمجرد تكوين ائتلاف لأن هذا قد يمنحهم نفوذاً سياسياً (محدوداً) يساعدهم في الحفاظ على امتيازاتهم.
التداعيات على سياسة الولايات المتحدة
من المقرر يقوم أوباما بزيارته المرتقبة إلى إسرائيل في 20 آذار/مارس، أي بعد الموعد النهائي لتشكيل الحكومة لذا فإن حالة الضبابية الحالية فيما يتعلق بسياسة إسرائيل الخارجية لابد أن تحظى بمزيد من التركيز بعض الشيء قبل ذلك الموعد. ففيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، سيغيب عن الدائرة المقربة من نتنياهو -- المكونة من ثمانية وزراء -- شخصان رئيسيان من المتشككين في شن عمل عسكري إسرائيلي، وهما دان مريدور وبيني بيغن، هذا فضلاً عن احتمال رحيل أحد المؤيدين الرئيسيين لذلك العمل العسكري، وهو إيهود باراك. كما أن إضافة اثنين من المبتدئين في العمل السياسي من الممكن أن تعزز موقف المؤسسة العسكرية التي تريد العمل مع الولايات المتحدة بقدر الإمكان ما لم تبدأ في الشعور بالانعزالية وبأنها مضطرة للهجوم. ومع ذلك، فإن مثل هذه الإضافة قد تكون في صالح نتنياهو (الذي طالما أيد توجيه ضربةعسكرية) وذلك من خلال تكوينه لدائرة مقربة منه أقل خبرة في المسائل الأمنية. فبمجرد تعيين وزير الدفاع الإسرائيلي المقبل، ستكون الأمور أكثر وضوحاً بحلول 16 آذار/مارس. ورغم أن باراك ليس الخيار الأفضل (يركز التخمين الحالي على نائب نتنياهو ورئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي سابقاً موشيه يعلون)، إلا أن المرء لا يستطيع أن يستبعد أن يُطلب منه العودة ثانية، الأمر الذي من شأنه أن يجعله أول وزير دفاع يعيّن في هذا المنصب دون أن يكون ممثلاً لحزب ما.
وحول القضية الفلسطينية، من المرجح أن يشمل الائتلاف الذي يضم نتنياهو ولبيد وبينيت الذي يزيد عدد أعضاوه عن 70 مقعداً حوالي 27 عضواً لا ينتمون إلى اليمين الإسرائيلي: وتحديداً الفصائل التي يتزعمها لابيد (19 عضواً)، ووزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني (6 )، ورئيس أركان الجيش السابق شاؤول موفاز (2). ونظرياً، فإن هذا من شأنه أن يعطي نتنياهو مزيداً من المرونة في هذه القضية ربما يكون عبر إعطاء المزيد من التلميحات للفلسطينيين الراغبين في التفاوض.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المصير النهائي للضفة الغربية لا يزال محل خلاف رئيسي بين لبيد وبينيت. فلا يزال لبيد يكرر مراراً أن إحراز تقدم مع الفلسطينيين يعتبر جزءاً من رؤيته لإسرائيل كدولة غربية طبيعية بينما يريد بينيت ضم 60 في المائة من أراضي الضفة الغربية وهو الأمر الذي يتعارض تعارضاً تاماً مع التزامات نتنياهو في هذه المرحلة. بينما قال أعضاء آخرون في حزب البيت اليهودي إنهم لن يعارضوا نتنياهو إذا ما سعى إلى التفاوض على حل الدولتين، غير أن من الواضح أنهم يراهنون على فشل هذه المباحثات سواء كان ذلك بسبب مواقف فلسطينية أو بسبب رفضهم الشخصي لإخلاء أي مستوطنة يهودية ضمن بنود أي اتفاق مستقبلي. وعلى أية حال، سيكون لدى حزب بينيت، الذي له 12 مقعداً في ائتلاف مكون من 70 عضو في الكنيست، القدرة على إفشال الحكومة القادمة ومنعها من الاستمرار.
وأخيراً، يحمل التاريخ السياسي الحديث لإسرائيل في طياته مقارنة مضيئة مع الموقف الحالي. فالنجاح الانتخابي الاستثنائي الذي حققه لبيد في كانون الثاني/يناير مماثل لذلك الذي حققه والده تومي عام 2003، عندما كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت أريئيل شارون شريكاً مطيعاً لتومي في مسألة إقصاء اليهود المتشددين من الحكومة. وقد استطاع لبيد الأكبر أن يتبنى مواقف معتدلة في منصبه حيث كان من أشد الداعمين لفك الارتباط عن غزة. ومع ذلك وضعت تلك القضية نفسها نهاية مفاجئة لعمله السياسي، حيث انهار حزب تومي بعد إصرار شارون على التقرب من اليهود المتشددين لكي يضمن أصواتهم بشأن مسألة فك الارتباط من غزة وتفضيل ذلك على أية حسابات أخرى.
وفي تلك المرة -- وكما هو الحال الآن -- لم يكن هناك ثمة تطابق في آراء الائتلاف المناهض لليهود الحريديم والائتلاف حول القضية الفلسطينية. فكلتا القضيتين تقف وراءهما بقوة قوى علمانية متباينة التكوين، ولم يكن لهما نفس الأولويات في نفس الوقت. ولهذا السبب، وحتى لو اعترض حزب شاس المكون من اليهود المتشددين على محاولات الإصلاح بشأن تقاسم الأعباء في القريب العاجل، إلا أنه لا يزال من الممكن أن يصبح في وقت لاحق شريكاً في أحد الائتلافات فيما إذا كانت هناك حاجة لإصدار قرارات مهمة بشأن القضية الفلسطينية -- وخاصة إذا كان بينيت حازماً في الالتزام في آرائه في الحكومة المقبلة كما كان منذ كانون الثاني/يناير.
ديفيد ماكوفسكي هو زميل زيغلر المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,698,949

عدد الزوار: 7,000,675

المتواجدون الآن: 60