الدور السياسي المحتمل للطرق الصوفية في سوريا

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 كانون الأول 2011 - 7:09 ص    عدد الزيارات 2720    التعليقات 0

        

 

 الدور السياسي المحتمل للطرق الصوفية في سوريا
مأمون كيوان
 اتخذ العمل السياسي الإسلامي أشكالاً وتسميات مختلفة وفقاً لتنوع تياراته من حركات الإسلام سياسي والحركات السلفية والجماعات والطرق الصوفية· وجرى التمييز في الأخيرة، أي الصوفية بين الصوفية الشعبية، والصوفية الروحية التي يُعتقد أنها تساعد على العودة إلى الإسلام الإنساني والعقلاني· واعتبرها البعض بوابة لعلمنة العالم الإسلامي؛ لأن أحد مبادئها الكبرى هو الانشغال بإصلاح النفس، أي اعتبار الديانة شأنا فرديا·
وتنقسم الطريقة الصوفية إلى مواقف هي المقامات والأحوال· والمقام والحال اصطلاحان يستخدمها الصوفي للدلالة على مكانته في الطريقة الصوفية وما يأتيه من رحمة الإله· فالمقام: هو مقام الإنسان فيما يقام فيه من عبادات· وأما الحال: فهي ما يتعرض لـه القلب عفوياً من سمات الرحمة الإلهية· والأحوال مواهب ظرفية وإذا دامت تحولت إلى مقامات مكتسبة· من الأحوال: المراقبة، والقرب، والمحبة، والخوف، والرجاء، والشوق، والأنس، والطمأنينة، والمشاهدة، واليقين· ومن المقامات: التوبة، والورع، والزهد، والفقر، والصبر، والرضا، والتوكل·
ولقد نشأ التصوف في كنف الإسلام ولم يكن وليداً لمصادر أجنبية كما زعم بعض المستشرقين، أما التأثر ببعض التيارات الخارجية فقد ظهر في مرحلة من مراحل تطور التصوف الإسلامي· وذهب ابن خلدون في <المقدمة> إلى أن ظهور الصوفية راجع إلى أنه قد تفشى اللهو والانغماس في ملذات الدنيا في القرن الثاني الهجري وانقطع كثير من الناس عن أمور الدين، فعكف الأتقياء على العبادة باسم الصوفية والمتصوفية·
وكان الاعتقاد السائد أن الصوفية كحركة دينية كانت دائما على هامش التغيير السياسي في العالم الإسلامي، أو تحالفت أحياناً مع المستعمر· وهذا الاعتقاد غير دقيق تماما؛ لأن جزءا من رجال الإصلاح ومقاومة الاستعمار كانت منطلقاتهم صوفية، فعندما ننظر -مثلا- إلى الأمير عبد القادر في الجزائر، نجد أنه كان رجل سياسة وأيضا أحد كبار رجال الصوفية في نفس الوقت، ويمكن من خلال أنموذجه أن نفهم معاني الصوفي المقاوم·
وثمة مؤسسات ودور للصوفية عرفت بأسماء متعددة من خانقاه، وزاوية، ورباط، وتكية، ومصطبة وغيرها، لعبت دوراً تربوياً كما برزت كمؤسسات للتربية العسكرية والدينية، فالناحية العسكرية ظهرت بسبب تواجد دول على حدود الدول المتربصة بالدول الإسلامية، وتوافد إليها من أنحاء الدولة الإسلامية الصوفيون يرابطون فيها ويتدربون عسكرياً ويحرسون ويشاركون في القتال·
ويشهد التاريخ أن التصوف في صورته السنية الجنيدية ? نسبة إلى الإمام الجنيد الذي وضع قواعد التصوف وبين سلوكياته وآدابه - قد زاوج بين مفهوم الرباط الروحي التربوي ومفهوم <الرباط السياسي> أي الانخراط في هموم الأمة وحماية الثغور والسير في مصالح الخلق والوطن·
واعتبر الوصل وليس الفصل بين الدين والسياسة أمر لازم وضروري أيضا على مستوى الممارسة الخلقية والسلوكية، من أجل إحقاق الحقوق، وتدبير الشأن العام، من خلفية خلقية قوية وأرضية تربوية عظيمة لا غنى عنها لصلاح المتصدي للشأن العام، الذي يفترض فيه درجات عظيمة من التجرد والزهد·
وتدل التجارب القريبة والبعيدة وعلى نحو خاص العربية منها على أن فساد السياسة والبنيات الحزبية لم ينتج من نقص في البرامج والمؤسسات والقوانين فقط، بل إلى فساد السياسيين وافتقارهم إلى تجربة صوفية حقيقية سابقة أو توقفهم عن ترويض النفس ومجاهدتها حتى لا تقع في أمراض السياسة، والتي على رأسها هوى متبع واعجاب بالرأي ودنيا مؤثرة، وسقوط في المفسدات الكبرى للسياسة وعلى رأسها حب الجاه والتسلط·
وتتعدد الطرق الصوفية في سوريا ومنها: الطريقة السعدية؛ والرفاعية والنقشبندية والقادرية والطريقة الشاذلية ويبلغ عدد أتباعها الآلاف، وينتشرون في دمشق وحلب وحمص وحماة، وشيخها الحالي هو الشيخ محمد تركماني شيخاً الذي خلف الشيخ عبد الرحمن الشاغوري الذي وافته المنية في دمشق في أواسط حزيران 2004·
ويعتبر الشيخ الطبيب محمود أبو الهدى الحسيني هو ?خطيب جامع العادلية بحلب? والجامع الأموي الكبير، ورئيس الجمعية السورية للنباتات الطبية وأستاذ الطب البشري بجامعة حلب، وأحد أبرز وجوه الصوفية في سوريا ? إلى جانب الشيخ عدنان السقا في حمص، وحسام الفرفور في حلب وهو رئيس جامعة - أن من يضربون أجسادهم بالشيش ويعذبون أنفسهم ويدعون للامتناع عن الجنس ليسوا من الصوفية، بـل هم ?أطفال بحاجة للعناية?·
ويميّز الشيخ الحسيني بين الصوفية و?الطرقية?، ويعتقد أن التصوف في سوريا علمي على عكس دول أخرى، وأنه ?للطرقية أسماء بلا نهاية مثل الشاذلية وغيرها، وتمثل الطرقية الذين انقطعوا عن التصوف، كما أنها وسيلة للوصول للتصوف· بينما التصوف فهم للإنسان والله· كما أن للدين عند الصوفيين ثلاثة مستويات: سلوكي عقدي والمسؤول عنه هو الفقه، والقسم العقدي والمسؤول عنه علم العقيدة، والقسم الشعوري وله صلة بتفاعل الإنسان الروحي والباطني أي التصوف·
الولاء للسلطان بعد أحداث الثمانينات والصراع بين النظام والإسلاميين، برز دور تلامذة المدرسة النبهانية (التسمية جاءت نسبة الى الشيخ محمد النبهان الذي توفي في 1975 وكان مؤسساً لمدرسة شرعية تسمى الكلتاوية)· الذين رفعوا راية الاستسلام البيضاء أو راية الولاء المطلق للسلطان، تحت شعار نبهانيّ مفاده <إصلاح الحاكم خيرٌ من تغييره>· وكان من أبرز الأسماء من تلاميذ هذه المدرسة الشيخ صهيب الشامي مدير أوقاف حلب لثلاثين سنة تقريباً، ومفتي الجمهورية الحالي الشيخ أحمد حسون، والخطيب البارز محمود الحوت·
ولم يكن التيار النبهاني وحيداً في الانسحاب من السياسة لمصلحة السلطة، فكذلك كان حال <أحفاد> الأمير عبد القادر الجزائري من تلاميذ الطريقة الشاذلية في حلب·
الجهاد الصوفي كان لافتاً في مسار الأزمة السورية الراهنة أن يصدر شيوخ الطرق الصوفية ومنهم: الشيخ أنس عيروط ابن شيخ الطريقة الشاذلية في بانياس، والشيخ أبو الهدى الحسيني شيخ الطريقة الشاذلية والشيخ علي الصابوني في حلب، والشيخ أسامة الرفاعي ومحمد راجح من دمشق، والشيخ عدنان السقا والشيخ الدالاتي من حمص ، وثلة من مشايخ الطرق الصوفية من حماة وغيرها من المدن والقرى السورية، بيانات تحمل مواقفهم الوطنية الشعبية التي وقفت مع الثوار ضد النظام·
وقد صدر بيان بتوقيع الثورة الصوفية في سوريا في 8/7/2011?، يفيد بأن <الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي لم يقر يوما بأنه صوفي والحمد لله وما يخرج به من بيانات المؤيدة للنظام الفاسد في سوريا إن أحسنا الظن به وهو دأبنا نقول أنه مخطئ في مواقفه هذه تجاه الشعب السوري المبارك وندعو الله أن يهديه ويرده الى صوابه ونحذره بشدة بأن الله مطلع على ما يقول ونبرأ من الله من هذه الافتراءت والتهم التي يكيلها على شباب سوريا العظيمة· وندعو كافة مشايخ سوريا أن يصدروا بيانات ترد عليه وتظهر افتراءاته إضافة للبيانات التي سبقت من قبل>· كما خرج كثير من مريدي الطريقة الرفاعية والشاذلية والنقشبندية العلية في المظاهرات السلمية·
تقليد أم اقتداء؟ يمثل <حزب التحرير المصري> أول تجربة حزبية للصوفيين الذين يقدر عددهم بنحو 15 مليون صوفي، وهو حزب ذو توجهات ليبرالية، وقد تأسس في آب 2011، ويرأسه شيخ الطريقة العزمية أبو العلا أبو العزائم· ويذكر أن هذا الحزب كان من مؤسسي <الكتلة المصرية>، التي كانت تضم 18 حزباً ليبرالياً ويسارياً· ويخوض الحزب الانتخابات بـ 63 مرشحاً، وهو حالياً ضمن لائحة <الثورة مستمرة>· ويعتقد الأمين العام لحزب التحرير المصري عصام محيي ان ثمة دوافع لإقدام الصوفيين إلى تأسيس حزب سياسي، لخصها بقوله: <نحن نحلم بقومية إسلامية، أي وطن كبير يمتد من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، تنضوي تحت مظلته كل الاتجاهات والديانات والايديولوجيات، وترى فيه الإنسان حراً ومتحرراً من كل قيود، وتتجلى فيه قدرة الله من خلال ذلك التنوع الرائع بين البشر، ويعطي الأمان لكل انسان من دون يخاف من سلطان او قيد أو سجن· ونحن حالياً في حاجة إلى المشاركة الإيجابية، ولكن من دون أن نبالغ في التقديرات، وانطلاقاً من ذلك أتت فكرة تأسيس حزب صوفي، ذلك أن المصريين بدأوا يشعرون بأنهم يعيشون حالة جهادية، ونحن نسعى من خلال هذا الحزب لدفع الناس على أن يكونوا إيجابيين، وأن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع، وألا يسمحوا للتيارات الدينية المتشددة بأن تتصدر المشهد السياسي، وذلك لضمان تحقيق العدالة بين كل التيارات بما يحافظ على التنوع داخل المجتمع المصري·
ولعل القاسم المشترك الأعظم بين مختلف أجنحة وتيارات العمل السياسي الإسلامي في مغرب ومشرق الوطن العربي وعلى نحو خاص في تونس والمغرب وليبيا ومصر وربما سوريا يتمثل في أنها تسترشد بالنموذج التركي للإسلام المعتدل ممثلاً بحزب العدالة والتنمية وهو امتداد للحزب الذي أسسه نجم الدين أربكان الذي تأثر بالطرق الصوفية النقشبندية والقادرية·
 كاتب سوري
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,306,241

عدد الزوار: 6,986,615

المتواجدون الآن: 64