التوليفة المبتكرة بين البعد الإسلامي والعلمانية

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 شباط 2012 - 4:33 ص    عدد الزيارات 888    التعليقات 0

        

 

التوليفة المبتكرة بين البعد الإسلامي والعلمانية

داود أوغلو أدخل تركيا في مرحلة جديدة كليا حسب كتاب لبناني

جريدة الشرق الاوسط.... بيروت: سمير شمس.... عاش العرب والأتراك في كنف الدولة العثمانية معا على امتداد أربعة قرون. ولقد تفاوتت التقييمات لهذه الفترة من قائل بأنها كانت فترة تخلف وتراجع حضاري نتيجة تخلف الدولة العثمانية نفسها، ومن قائل بأنها فترة حفظت هوية المنطقة العربية والإسلامية ووحدتها حتى إذا انهارت الدولة انكشفت المنطقة أمام رياح التقسيم والفتن والسيطرة الاستعمارية الغربية، ومن أهمها لاحقا قيام «دولة إسرائيل» في عام 1948.
سقطت الدولة العثمانية سقوطها المريع في الحرب العالمية الأولى، بعد أن نخرتها الأمراض والاضطرابات فانكفأت إلى داخل الأناضول حيث جمع الضابط مصطفى كمال فلول الجيش التركي وأعلن عام 1919 ما عرف في تركيا بـ«حرب التحرير الوطنية» التي استمرت حتى عام 1923 حيث أنشئت الجمهورية التركية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) في الحدود الحالية، والمعترف بها دوليا.
وجد العرب في مصطفى كمال كما يرى المؤلف، المنقذ الذي سيستعيد مجد المسلمين من جيوش الدول التي هزمت مشروع الدولة العربية، أي بريطانيا وفرنسا واليونان التي احتلت أجزاء من تركيا، لكن مصطفى كمال، وما أن استتب له الأمر حتى انتهج سياسة تصفية التيارات الإسلامية في الدولة والمجتمع، عبر سياسة علمنة الدولة، والتقييد على التعليم الديني، وحظر النشاطات الدينية، واستبدال الحرف العربي باللاتيني.
ولم يكتفِ بذلك بل حاول إلحاق ولاية الموصل - كركوك بتركيا عام 1926، كما نجح قبيل وفاته في ضم لواء الإسكندرون السوري إلى تركيا بصفقة مع فرنسا تضمن مساندة تركيا لفرنسا في الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1949 اعترفت تركيا بإسرائيل، وانضمت عام 1952 إلى حلف شمال الأطلسي. ورغم بعض العوامل الإيجابية فقد ظلت العلاقات العربية - التركية مشوبة بالحساسيات.
في 13 - 11 - 2002 كان المشهد التركي على موعد مع مرحلة جديدة داخليا وخارجيا، ستحمل الكثير من المتغيرات الجذرية على أكثر من مستوى.
وإذا كان الإصلاح سمة عامي 2003 و2004 من سلطة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان، التي نقلت تركيا إلى مرحلة المفاوضات المباشرة مع الاتحاد الأوروبي من أجل العضوية الكاملة، فإن مرحلة الحزب بعد ذلك والمستمرة إلى الآن مميزة على صعيد السياسة الخارجية، وعلاقة تركيا بمحيطها الإقليمي، ومع المنطقة العربية، ودورها أيضا على الصعيد الدولي.
يرى المؤلف أن السياسة الخارجية التركية الجديدة كانت نتاج رؤية مسبقة لقادة حزب العدالة والتنمية، وضع أسس نظريتها أحمد داود أغلو في كتاب صدر له في أبريل (نيسان) 2001 بعنوان «العمق الاستراتيجي». وقد نجح داود أوغلو في قراءة تركيا ودورها من زاوية مختلفة عن قراءات الحكومات التي سبقت، وهو ما ميز داود أوغلو فأدخل تركيا في مرحلة جديدة كليا.
كانت تركيا حبيسة الآيديولوجية الكمالية التي رسمها أتاتورك وخلفاؤه التي نظرت إلى الإسلام والمسلمين على أنهم عدو داهم لتركيا، وإلى العرب على أنهم قوم لا يوثق بهم. وبالمقابل فإن العلاقة الاستراتيجية مع إسرائيل والغرب هي الضمانة لتبقى تركيا دولة علمانية وخارج تهديد وحدتها الإقليمية. هذه النظرة عزلت تركيا عن محيطها وجيرانها وامتدادها التاريخي والجغرافي.
لم ينطلق قادة حزب العدالة والتنمية من الصفر، بل كانوا امتدادا إلى حد ما للبيئة الإسلامية التي ترعرعوا فيها في ظل زعامة نجم الدين أربكان، وكانوا في الوقت نفسه تحت ظل احترام المكاسب التي أنتجها النظام العلماني. من هنا جاءت هذه التوليفة بين البعد الإسلامي من هوية حزب العدالة والتنمية والقيم المكتسبة من العلمانية، وهو ما وفر للنموذج التركي خصوصية فريدة لم تكتمل بعد، رغم كل المراحل التي قطعتها.
يعرض المؤلف د. محمد نور الدين نظرية داود أوغلو التي تبنتها السلطة التركية والتي تسير سياستها بموجبها:
- إن تركيا لا يمكن لها أن تستمر جزءا من محور ضد محاور أخرى، ولا بد بالتالي أن تخرج من سياسة المحاور، وأن تكون على مسافة من كل المحاور، وليست عضوا بنيويا في أي منها.
- إن على تركيا أن تكون على مسافة واحدة من كل جيرانها، بمعزل عن انتماءاتهم الآيديولوجية والعرقية والدينية والمذهبية.
- على تركيا أن تعيش في محيط مستقر، وعليها اتباع سياسة «تصفير المشكلات» مع كل جيرانها المباشرين، وهذا ينقل تركيا من دولة محاطة بالأعداء إلى دولة محاطة بالأصدقاء.
- على تركيا أن تعيد تعريف دورها من بلد جسر إلى بلد مركز، يكون هو صاحب المبادرة، ونقطة جذب للآخرين. فتركيا بلد متعدد العوالم وليس من مصلحتها الاهتمام بعالم واحد، وهو ما عرف بسياسة «تعدد البُعد».
- لعل إحدى النقاط المهمة في سياسة تركيا الخارجية الجديدة هي أن على تركيا أن تولي العمق التاريخي والحضاري والثقافي أولوية في علاقاتها الخارجية. فتركيا كانت تحكم خلال الفترة العثمانية كل المحيط الجغرافي المجاور لها حاليا. وبطبيعة الحال فإن إقامة علاقات مع دول ومجتمعات كانت تشترك معها ولا تزال بقيم دينية وثقافية مشتركة ستكون أسهل وأكثر قابلية للتطور. وهذا لا يقتصر فقط على العالم العربي والإسلامي بل أيضا الدول والمجتمعات الإسلامية الموجودة في البلقان والقوقاز وحيثما كانت.
أما موقع العرب من الاستراتيجية التركية الجديدة، فيرى الباحث أن موقع العرب يشكل الجناح الجنوبي لتركيا. فعلى حدودها البرية تقع دولتان عربيتان رئيسيتان هما سوريا والعراق اللتان تشكلان تلقائيا بوابة تركيا، والممر الحتمي للعبور إلى سائر أجزاء العالم العربي.
سعت تركيا بالفعل إلى استراتيجية زرع الثقة المتبادلة بينها وبين العرب، فكانت أول من دعا إلى حل المشكلة العراقية في ربيع 2003، عبر مؤتمر دول الجوار الجغرافي. كما رفض البرلمان التركي السماح للجنود الأميركيين عبور الأراضي التركية لغزو العراق من الشمال، في رهان تركي على أن أميركا لن تجازف في حرب على جبهة واحدة جنوبية. فسجلت تركيا رفضها لغزو العراق. ورسمت علاقات جيدة مع العرب منها:
- تطبيق العمق الاستراتيجي التي للعرب منها الحصة الكبرى. مع تأكيد أن التواصل والتعاون والتكامل هو في أساس السياسة التركية الجديدة.
- جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في خضم تحولات إقليمية ودولية مهمة وخطيرة. ولم يكن احتلال العراق سوى رسالة إنذار للدول المركزية في المنطقة وفي مقدمتها تركيا وإيران والسعودية ومصر. وثانيا تفتيت العراق عبر إنشاء فيدرالية كردية وإيقاظ الفتنة بين السنة والشيعة، وتركيا بتركيبتها الاجتماعية لن تكون بمنأى عن التداعيات القريبة والبعيدة لهذا المشروع الفتنوي، لذا كان من مصلحة تركيا أن تتعاون مع القوى المتضررة والمستهدفة من هذه المؤامرة.
- كانت تركيا، ولا تزال، تعاني المشكلة الكردية، والنشاط المسلح لحزب العمال الكردستاني الذي سعى منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي إلى إقامة دولة كردية مستقلة في تركيا. لذا كان من مصلحة تركيا الكبرى أن تتعاون مع الدول التي يتخذها المقاتلون الأكراد منطلقا لعملياتهم، من أجل تطويق أخطار النزعة الانفصالية الكردية التي تهدد إضافة إلى تركيا وحدة سوريا وإيران كما هددت فعلا وعمليا وحدة الأراضي العراقية.
- إذا كانت الجذور الإسلامية لقادة حزب العدالة والتنمية في طليعة الأسباب لدعم القضية الفلسطينية، فإن رغبة تركيا في لعب دور مركزي في سياسات المنطقة لم يكن ممكنا دون الدخول من البوابة الفلسطينية.
- وما ساعد على الشعور بحضور الدور التركي هو تراجع الدور العربي، خصوصا أن الدور التركي رفع شعارات تلقى صدى لدى الإنسان العربي.
- تسعى تركيا في بُعد اقتصادي وسياسي آخر إلى أن تتحوّل إلى ممر للطاقة من نفط وغاز آتٍ من حوض قزوين وإيران والعراق وسوريا ودول النفط العربية وعبرها إلى دول الاستهلاك الأوروبية. وهذا يقتضي بالطبع إقامة علاقة جيدة مع العرب.
- ترفع تركيا شعارا كبيرا وهو أن تكون حدودها بحلول عام 2023 مع كل جيرانها مفتوحة، وتكون على تكامل سياسي واقتصادي معها. وفي التطبيق العملي للسياسات التركية الجديدة مع العرب كان إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي مع سوريا والعراق ومجلس التعاون الخليجي. أيضا حاولت تركيا تعزيز الاستقرار داخل العالم العربي من خلال أدوار وسيطة في فلسطين والعراق، وبين سوريا والعراق، وفي لبنان، وبين سوريا والسعودية، وبين مصر وحركة حماس.
نظر الكثيرون بشكوك إلى فرص نجاح هذه الوسطية في العلاقات الدولية في ظل صراعات حادة في المحيطات الإقليمية لتركيا. لكن تركيا نجحت في حل مشكلات متفجرة في البوسنة وصربيا وكوسوفا وجورجيا وروسيا والعراق وفلسطين ولبنان ودارفور وغيرها. ويعود هذا النجاح إلى أنها لا تزال في موقع يشكل حاجة كل الأطراف إليها، وليس من مصلحة أحد أن يخسر صداقتها. وقد سعت أنقرة إلى الموازنة بين نظرتها المبدئية الإسلامية ومصالحها كدولة لا تزال عضوا في حلف شمال الأطلسي وقد نجحت هذه البراغماتية في الحراك السياسي في أكثر من دور قامت به تركيا.
يختم المؤلف بحثه بأن المشكلة الأساسية هي أن تركيا، رغم كل الصورة التي تعطى لها في الغرب بأنها إسلامية أو عثمانية، لا تزال تعاني مسألة تحديد هويتها، هل هي إسلامية عثمانية أو غربية أو تركية، أم أنها «خلطة» من كل هذه الهويات أو بعضها. لا يمكن للمجتمعات أن تكون لها هويتان، فكيف بثلاث أو أكثر. مع الإشارة، ومنعا لأي التباس أو تفسير خاطئ، فإن الانتماء إلى هوية واحدة لا يعني القطيعة مع الآخر أو العداء أو الدخول معه في حروب ومواجهات. وحدها الهوية ترسم الدور. وارتباك تركيا في بعض المواقف لا يعود إلى خلل في آليات تطبيق الدور بل في أن الدور يفتقد هوية حضارية واضحة وحاسمة، سواء في هذا الاتجاه أو ذاك.
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,034,446

عدد الزوار: 6,976,183

المتواجدون الآن: 68