إهمال الرعاية الصحية للمرأة هو أيضاً عنف

تاريخ الإضافة الأربعاء 14 آذار 2012 - 6:00 ص    عدد الزيارات 839    التعليقات 0

        


إهمال الرعاية الصحية للمرأة هو أيضاً عنف

بقلم فيصل القاق

 

من غير المسموح في بلد "آلاف الاطباء" ومئات المستشفيات والمختبرات، وآلاف المراكز الصحية والجمعيات الاهلية والوسائل الاعلامية ان تخسر المرأة حياتها وصحتها وسلامتها من آفات يمكن كشفها ومنعها والوقاية منها.

يحتار الذي يخوض في قضايا المرأة بتشعبات هذه القضايا وارتباطها الوثيق بالقضية الانسانية الكلية والجامعة، ورسوخها العميق في مسألة الحقوق والحريات، فالحق في التعبير والاختيار والصحة والتمثيل السياسي والعمل والعائلة وغير ذلك، حكاية نضالات لا تنتهي وجهود لا تستكين، لكنها بمداخل متعددة ترفد بعضها بعضا.
واذا كانت مسألة العنف ضد المرأة (البعيد والقريب) تستحوذ على اهتمام متزايد ومطلوب، واذا كان البعض يتخيل ذلك العنف جسدياً فقط من باب الضرب او الشتيمة او النهر، فالأكيد ايضاً أن المراضة الجسدية والنفسية واعباءها هي ايضا في صلب مسألة العنف والتعنيف.
فمستوى صحة المرأة ابلغ معبّر عن وقع الفقر والجهل، والتثقيف الصحي والموارد، ومقدرات المرأة، والتي تتحكم بسلامة المرأة في غالبية المجتمعات، هنا في لبنان وفي الجوار. لنأخذ مثلا القدرة على الوصول الى الخدمات الصحية النوعية، ان تدني قدرة النساء على الوصول الى خدمة نوعية له اثر بارز على آفات صحية كالسرطانات النسائية ووفيات الأمومة والاضطرابات النفسية.
وبالرغم من انتشار شبكة من المراكز الصحية العامة والخاصة والاهلية على عموم الجغرافيا اللبنانية، ووجود عدد هائل من مقدمي الرعاية الصحية، لا تزال معدلات استخدام الخدمات الوقائية النسائية او الوصول اليها متدنية جدا ومخجلة. فسرطان الثدي – اكثر السرطانات النسائية انتشارا وضررا في لبنان والعالم، لا يصل من النساء الى خدمات التقصي عنه سوى 20 في المئة، واحيانا 30  الى 40 % (خلال الحملات الوطنية المكثفة). والحال أسوأ بالنسبة الى تقصي سرطان عنق الرحم (ثاني السرطانات النسائية) حيث 10% فقط من النساء يصلن لاجراء فحوصات التقصي والكشف المبكر (فحص مسحة عنق الرحم). اضف الى ذلك ضعف الوصول الى خدمات تنظيم الحمل وما بعد الولادة والصحة النفسية.
نتحدث هنا عن آفات واحوال صحية مؤذية للمرأة يمكن منعها او تخفيف اضرارها. ان غياب القدرة على الوصول الى الخدمات الصحية يعتبر عنفاً جسدياً ونفسياً واسرياً غير منظور في غالب الاحيان.
لم يتم التأسيس لثقافة صحية وقائية وسلوكية على المستوى الوطني مع كل هذا الكم من المراكز والخطط والأبحاث والموازنات الصحية، ولم يتم التركيز على فهم إدراك المرأة لصحتها ولتمكينها من الوصول الى الخدمة الصحية إلا في حالات محدودة.
تشير الدراسات المحلية والعالمية الى عوامل عدة مؤثرة في الوصول الى الخدمات الصحية والحصول عليها: ضعف الثقة بالخدمات القائمة، الفقر، عدم القدرة على مغادرة المنزل، تراكم الهموم الحياتية التي تحجب المشاكل الصحية، خدمات غير صديقة للمرأة، ضعف إدراك المرأة همومها الصحية، الأكلاف الصحية، ثقافة "تجهيل الفاعل" والتعامي، خوفاً من نتائج التقويم الصحي!!
في المسار نفسه، لم يتم التعاطي مع المرض كـ"معنّف" شرس للمرأة على كل المستويات، وتُركت المسألة للعاملين والعاملات في القطاع الصحي للإهتمام بالجوانب العلاجية للمرض. وسار الامر إلى نمو طفيلي ومسيس لمراكز صحية "لا هي في عير الوقاية ولا في نفير العلاج". وساد إنطباع بأن المسائل السياسية والاجتماعية تتضافر مع المسائل الصحية، وإن اعتقد البعض ان "انقاذ" كرسي لنيابة او وزارة يوازي "إنقاذا" من مراضة أو وفاة.
لم يظهر ابداً - اقله حتى الآن – انه كلما ازدادت المقاعد النيابية والوزارية للنساء، ازدادت معها معدلات الصحة والسلامة للمرأة ذاتها. لا تهدف المقارنة هنا إلى التقليل من أهمية وصول المرأة الى مواقع السلطة والقرار – وهذا اكثر من مطلوب -، أو الى رفع الغبن والتمييز، بل تحاول التأكيد مجدداً على "تلازم المسارات" ان صح التعبير بين كل الروافد المشكّلة لقضية المرأة، والإصرار على تحسين قدرات المرأة اللبنانية بالوصول الى خدمات صحية نوعية وقائية والحصول عليها.
فمن غير المسموح في بلد "الاف الأطباء"، ومئات المستشفيات والمختبرات، والاف المراكز الصحية والجمعيات الاهلية والوسائل الاعلامية، أن تخسر النساء حياتهن وصحتهن وسلامتهن من آفات يمكن كشفها ومنعها والوقاية منها.
ومن غير المسموح أن لا تتساوى المرأة مع الرجل في الحقوق الصحية ودرء المرض وتفادي سَلْعَنة جسدها. ومن غير المسموح أن تموت المرأة إذ تلد، وتتعطل لأنها عاجزة عن الاستفادة من خدمة. ان اعادة النظر في خصوصية الخدمات وإعادة رسم دورها بما يخدم تغطية فعّالة لصحة المرأة الوقائية، وما يتطلبه ذلك من تعاون كل الفاعلين في القطاعات الصحية والأهلية والسياسية، يبقى مدخلاً ضرورياً ومطلوباً ومؤازراً للجهود المميزة المتعلقة بالحقوق الشخصية والمدنية.
من المطمئن دائماً أن نرى النساء اللواتي يستعملن الخدمات ويستفدن منها، لكن من غير الجائز السكوت أو غض البصر عن غياب جل النساء عن أبسط حقوقهن: الحق بالصحة، كل عام وصحة النساء أفضل.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,561,699

عدد الزوار: 6,996,055

المتواجدون الآن: 73