حضارة "التقيد بالنص"!

تاريخ الإضافة الأحد 29 نيسان 2012 - 6:46 ص    عدد الزيارات 835    التعليقات 0

        

 
عضو المجلس الدستوري- أستاذ في جامعة القديس يوسف

حضارة "التقيد بالنص"!

بقلم انطوان مسرّه

 

تخفي عبارة "التقيد بالنص" التي يكررها البعض وتبدو بريئة ونابعة من حسن نيّة وارادة إحقاق الحق والعدل منزلقًا خطيرًا هو منبع ظلم واستبداد وتعصب وإرهاب وكل أشكال الجهل والانغلاق.
"التقيد بالنص" هو مشكلة كل الاديان دون استثناء عندما تفقد روحانيتها. يوجد كتب مقدسة، ولكن تقديس النص في معزل عن معناه هو وثنية متجدّدة. انه منحى الفريسيين واهل الناموس واهل كل النواميس.
النص هو مجرد وعاء لمعنى يتخطى حرفية الكلام ولما يفوح من النص ولما يبتعد او يقترب او يجانب النص الذي هو مجرد شكل إيحائي لما هو أبعد من الحروف. إذا كان التعبير النصي يشتمل على كل المعنى والمعاني، لماذا توجد أشكال تعبيرية أخرى في مختلف الفنون، في النحت والرسم والموسيقى؟  

 

إنحطاط وتعصب

إنَّ القول: "التقيد بالنص" هو مؤشر انحطاط ايماني وثقافي وأخلاقي وحضاري. انه منبع التعصب والارهاب والتدّين بلا تقوى والظلم والطغيان وفي أقصى الحالات الإرهاب وصراع اللاحضارات. لماذا تُخصص المعاجم صفحات عديدة لكلمة واحدة وتغوص في معانيها ولا تفي بكل المعاني والدلالات والاستعمالات والايحاءات؟ ولماذا اللاهوت والفقه والإجتهاد والتأليف اذا كانت النصوص التأسيسية شاملة وكافية بذاتها؟ لا يستنفد أي قاموس، مهما كان تفصيليًا، كل الدلالات في موضعتها مع نصوص أخرى مختلفة أو متكاملة أو توضيحية.
عبارة "التقيد بالنص" هي في أفضل الحالات، حرفيًّا، مؤشر كسل فكري وتسرّع واستقالة فكرية وفراغ روحي وثقافي وحقوقي وحضاري. "الحرف يقتل والروح تحيي": هذه إشكالية يسوع مع أهل الناموس. وهذه إشكالية الإسلام في مفهوم النص اذا أُفرغ من معناه ومن الحاجة المستمرة لكل مؤمن في استنباط معناه ومعانيه. وهذه إشكالية اليهودية الصهيونية التي حوّلت الله، بخاصة في نص "ارض الميعاد"، بائعاً ومضارباً عقارياً.
وهل عبارة "التقيد" بريئة؟ كل إنسان كائن حر وفكره حر وغير محدود الآفاق. والفكر البشري الخلاّق لا يتوقف عن البحث المستمر والمجدد في نصوص ومؤلفات.
الحاجة هي الى إلغاء عبارة "التقيد بالنص" في كل استعمالاتها الدينية والحقوقية والفكرية واستبدالها بعبارة أكثر وضوحًا: التقيد بمعنى النص، لأن الفكر في لامحدوديته هو بحاجة الى بوصلة. النص هو الشكل والإيحاء والبوصلة.
وعندما نقول "التقيد بالنص" فهذا مؤشر استقالة من الفعل، اذ يتحول عندئذ النص مجرد معرفة فوقية تجريدية gnose، في حين أنَّ هدف النص هو ترجمته فعل وسلوك في أوضاع وحالات متنوعة ومتعددة ومختلفة ومتحوّلة. "ان الوقائع لامتناهية"، كما يقول ويكتب القاضي طارق زيادة، مع ذكره إجتهادات عديدة قديمة وحديثة.

 

حبائل الكلام

اقتحم اليوم أهل الناموس كل مفاصل الحياة. يستغلون تطور العلوم المسماة إنسانية وتخمة بعض الفقه واللاهوت والانخراط الجماعي في التعليم الأكاديمي وبيروقراطية البحث العلمي... لإفراغ الحضارة من مكتسباتها. ويستغلون برامج متلفزة مسماة حوارية تقتصر على حبائل الكلام وسفسطة سجالية وبدون التطرق الى لب الموضوع. تنشأ من جراء ذلك حضارة بلا معنى. نعيش عندئذ في سوبرماركت قيم ومزبلة سجالية حيث كل القيم في الشؤون الدينية وفي كل شؤون الحياة اليومية متساوية وبدون تراتبية. تقيدوا بالنص بدلاً من معنى النص! وهنيئًا لكم بالتعصب والاستغلال الاداتي للقانون والتدّين بدون تقوى وبصراع اللاحضارات على مفترق الشوارع والاحياء. ننتقد عبارة "التقيد بالنص" وننبذها لان الهاجس هو التقيد بمعنى النص والمعنى هو الفاعل في الحياة والسلوك. 

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,152,799

عدد الزوار: 6,980,782

المتواجدون الآن: 75