تمكين المجتمع المدني طريق التغيير

تاريخ الإضافة الإثنين 7 أيار 2012 - 5:41 ص    عدد الزيارات 774    التعليقات 0

        

تمكين المجتمع المدني طريق التغيير

بقلم نهاد محمود 

النظام اللبناني الطوائفيّ لن يسقطَ غداً. لا ربيع لبنانياً في المدى المنظورِ يحملُ التغييرَ المرتجى. التسيبُ والفسادُ والعجزُ واللامسؤوليةُ ستبقى آفات نعيش يومياً مع فضائحها، فهل هو قدرٌ كُتبَ علينا التسليم بها والمعاناة إزائها بصمت؟
الحلُّ لن يأتيَ من التحالفِ السلطويِّ القائم، والتحركِ المدنيِّ لم يبلغ بعد درجة التأثيرِ المطلوب، للحدِّ من معاناةِ الناسِ اليوميةِ في هذا المجتمعِ المتروكِ لمواجهةِ مظالم وصعوبات يومية عبثيّة.
في لبنان أكثر من ستة آلاف جمعيةٍ مدنيّةٍ، كلٌّ منها وُجدت للتعبيرِ عن حاجة معينة، أو لمعالجةِ وضعٍ على المستوى الوطني أو المحلي والقطاعي. بعضها أظهر حراكا واعداً في السنواتِ الأخيرةِ، بما يوحي بأنَّ الأكثريةَ الصامتةَ قد تجد وسائل للإفصاحِ عن هواجسها عبر التنظيمات الأهلية.
لم تظهر الجمعيات الأهلية وجودها أو فاعليتها إزاء حالتين، ضجّت بهما وسائلُ الإعلام أخيراً، وكان من المفترضِ أن نشهدَ تحركاً جدياً إزاءهما ممن يمثلون هموم المواطنين، ضحايا الموادِ الغذائيةِ الفاسدةِ، وضحايا السيرِ الذي أُعيد مشروع قانونه الجديدِ إلى الأدراجِ بعد اصطدامه بعقدة النمر الزرق.
في حالة الموادِ الغذائيةِ الفاسدةِ، تتكررُ مأساةٌ ألفناها من تجار الموتِ والفسادِ في السابق، وستتكرر مستقبلاً، طالما أن آلياتِ تفاديها ومواجهتها ما زالت هي نفسها. عولجت القضية، كما قيل لنا دون أسماءٍ يفترض التشهير بها على الأقل. نُظّمت محاضر الضبط بالمخالفين، لكن هؤلاء سيتابعون نشاطهم "الصحيّ" طالما أن السلطات الرسمية، والتنظيمات المهنية التي ينتمون إليها لم تشعرْ بأيِّ ضغطٍ شعبيٍّ لتغييرِ اسلوب تعاطيها مع ما يُفترض انه مسؤوليتها تجاه الناسِ والقانونِ والضمير.
منظمات المجتمعِ المدنيِّ لديها الشرعية للمطالبةِ بتعديلِ القوانينِ إذا كانت غير كافية، وبملاحقةِ الموضوعِ حتى بعد أن يغيبَ عن صفحاتِ الإعلامِ، للوصولِ إلى الخواتيم المطلوبةِ لحماية المستهلك، ليس فقط إزاء السلطات بل كذلك التنظيمات المهنية المسؤولة.
الموضوع الثاني هو قانون السير. ضحايا الطرقِ يفوقُ عددُهم المعدل المقبول في بلدٍ صغيرٍ كلبنان، وعدا عن المآسي التي تطالُ عائلاتٍ كثيرةٍ بالنتيجةِ، فإن حالةَ السيرِ عندنا تعبّرُ عن واقعٍ فضائحيٍّ في غيابِ الوعيِ المدنيِّ والإلتزامِ الخلقيِّ والردعِ القانونيِّ. وهي صورة تصدم زوارَ البلدِ السعيدِ ببؤسه، وتشكل مصدراً يوميّاً لتكدير حياة المقيمين في ربوعه. موضوع قانونٍ جديدٍ للسيرِ مطروحٌ ومغيّب في البرلمان منذ سنين، طُرحَ أخيراً للمناقشة وهو يتضمّن قواعد حضارية معمولاً بها في بلاد الناس، فإذا به يصطدم بعقدةِ النمر الزرق لأصحابِ السعادةِ النوابِ فعاد الى الكهف. فالمظهريةُ الفارغةُ التي تهيمنُ على تصرفاتِ الأفرادِ والجماعات في شعوبنا اللبنانية لم توفر المشترعين الأفاضل. فأين مبادرات التصدّي لهذا الواقع الشائن من ضحاياه الكثيرين؟ طبعاً لن تحل الأمور بمجرد إقرار قانونٍ جديدٍ للسير، لكن ذلك سيكون خطوة في الإتجاهِ الصحيح، وقد عطلتها الأنانيّة والضحالة واللاجدية إزاءَ المصلحة العامة.
تمكين Empowerment هيئات المجتمع المدني للتصدّي للمشاكلِ المعيشيةِ التي يعاني منها اللبنانيون يومياً قد يوفّر فرصةً لتغييرٍ نتوقُ إليه جميعاً. ولن يتحققَ ذلك بمرسومٍ أو قانونٍ، بل بالممارسةِ المتكررةِ التي تعطي لأيّ تحرّك مشروعية وصدقية تجذب الناشطين في الشأن المدنيّ إلى دائرةِ المواطنيةِ المفتقدة.
إنَّ إنشاءَ الجمعياتِ المدنيةِ يعكسُ وعياً متقدماً لمجموعةٍ من الناسِ إزاءَ حالةٍ معينةٍ. وفي لبنان لا نفتقرُ إلى الأوضاعِ التي تستدعي جهود الملتزمين بالشأنِ العامِ لمعالجتها. فليس طبيعياً في بلدٍ يعتبرهُ أهلُهُ طليعياً في المنطقةِ والعالمِ، ان يعانوا من افتقادِ خدماتٍ أساسيةٍ في أي مجتمعٍ حديث. الكهرباء، والمياه، والطرق، والإتصالات، وصلاحية الغذاء... وغيرها هي من ضرورات الحياة الحديثة التي لا مناص منها. أما إذا تعذّر تأمينها من معالي الوزير أو سعادة النائب، فإن على المواطنين التحرك والضغط المستمر للحصول عليها. إن عدمَ قابليةِ النظامِ لخلقِ الشعورِ بالمواطنيةِ لدى الأفراد، هو من أسبابِ غياب الشعور بالتعاضد الإجتماعيِّ. ولعلَّ في ذلك سبباً إضافياً للطامحين إلى مستقبلٍ أفضل لبلدهم للإجتماع والتحرك حول قضايا حيويةٍ تهمُّ الجميع، من كل الطوائفِ والمناطق. إن نشاطاً كهذا سيكون تعبيراً عن مواطنيةٍ فعالةٍ، تفرضُ مطالبها البديهية، وتتعزز بالتكرار والممارسة، وتكتسب الصدقية والشرعية مع الوقت.
في عصر الإتصالات، والتواصل الإجتماعي يمكن الافراد والهيئات المدنيةِ أن تمارسَ وجودها وضغوطها بصورةٍ يوميةٍ ومباشرةٍ وشفافةٍ على المسؤولين، وتضعهم تجاه مسؤولياتهم، وتنظم التحركات الشعبية كلما استدعى الأمر موقفاً يعبر عن مواطنيتنا. فلنمارس هذه المواطنة، علماً بأن البنى السياسيةِ القائمةِ ليست الإطار لذلك. إن موقفَ الرضى والتسليمِ بما هو قائم كفيلٌ بتأبيدِ مشكلاتنا ونظامنا. فكيف نتحرك بالألوفِ في الشارع بدعوةٍ من سياسيٍّ حذقٍ له أجندته الفئوية غالباً ولا نتحركُ رمزياً إزاء ما يمسنا في عيشنا ومستقبل أجيالنا؟
لن يأتيَ التغييرُ فجأةً إلى لبنانَ. بل تدريجاً عبر ممارساتٍ يوميةٍ على الأرضِ تتصدى لمشكلاتنا وتعبر عن توقعاتٍ مختلفةٍ من سياسيينا ومسؤولينا. اللبنانيونُ مهووسون بالسياسةِ غير المجديةِ، والتي لا علاقة لها بمصالحهم المباشرة. فلنعقلن خياراتنا وتوجهاتنا بما يفيدنا جميعاً. وقد نجد وحدتنا الوطنية في مناسبات رمزية متفرقة، أكثر مما نجدها في الإحتشادات الكبيرة على طرفي المعادلة السياسيةِ.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,203,199

عدد الزوار: 6,982,787

المتواجدون الآن: 67