تقارير...الحرب السورية في ثلاث عواصم...توحيد المتمرّدين في سورية: السعودية تنخرط في النزاع

جلاّدو النظام السوري المستعدّون

تاريخ الإضافة الخميس 7 تشرين الثاني 2013 - 7:15 ص    عدد الزيارات 1976    القسم دولية

        


 

جلاّدو النظام السوري المستعدّون
جيفري وايت
جيفري وايت هو زميل للشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية.
في الأسبوع الأخير من تشرين الثاني/أكتوبر أصدرت "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية" تقريراً جاء فيه أن الحكومة السورية دمّرت المعدات التي استخدمتها في إنتاج ترسانتها الكيماوية، مما يعني وفائها بأحد التزاماتها بموجب العملية التي أُعِدّت في أيلول/سبتمبر لإخلاء البلاد من مثل هذه الأسلحة. ومع ذلك، فللأسف بالنسبة للشعب السوري، لا يزال النظام يمتلك الوسائل للقتل وسوف يستمر في ذلك على نطاق مروع. وعلى مدى العامين ونصف العام التي مضت، تحولت قوات بشار الأسد النظامية وغير النظامية إلى آلة قتل فعالة ضارية تتمتع بالموارد الكافية وتضم عشرات الآلاف من السوريين في لباس رسمي أو غير رسمي يشاركون في ذبح أبناء وطنهم سواء من قُرب أو من بُعد.
مسار القتل
منذ اندلاع الثورة، أثبت النظام السوري بأنه لن يتورع عن اللجوء لأي مستوى ضروري من العنف لسحق المعارضة. وقد كانت السمة الغالبة للحرب هي التصعيد المطرد لقوة النظام النيرانية. فحيث بدأت بالضرب وقامت بحملة اعتقالات جماعية واستعملت الأسلحة الخفيفة، انتقلت قوات الأسد بسرعة إلى استخدام الدبابات ومركبات المشاة القتالية والمدافع المضادة للطائرات ومدافع الهاون الثقيلة ومدفعية الميدان وصواريخ المدفعية والحوامات القتالية المزودة بقنابل برميلية والطائرات المقاتلة ذات الجناح الثابت المزودة بأسلحة حارقة وانشطارية وصواريخ أرض- أرض، وأخيراً الأسلحة الكيماوية. وصاحب هذا التصعيد حملة اعتقالات وتعذيب وإعدامات ميدانية وجهود لحرمان أفراد ومجتمعات كاملة من الطعام والماء والخدمات الطبية. وباختصار، شن الأسد حرباً داخلية شاملة ضد المعارضة المسلحة وغير المسلحة أفضت إلى نتائج مروعة من حيث الإصابات، والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والنشاط الاقتصادي وتشريد السكان. وقد أصبحت معظم سوريا فعلياً منطقة يُسمح فيها لقوات النظام بإطلاق النار.
إن الهدف الاستراتيجي من القتل واضح وهو: تدمير قوات الثوار والقضاء على قاعدة دعمهم المدنية أو تشريدها وإنشاء مناطق آمنة تحت سيطرة النظام وتهيئة جو من الإرهاب والذعر. وعلى الرغم من أن الدوافع هي أكثر تعقيداً على المستويين المحلي والفردي، نجح النظام في تجريد معارضيه من صفة الإنسانية وأثار أكثر المشاعر والعواطف البدائية بين مؤيديه، بمن فيهم السوريين "العاديين" والجلادين المستعدّين على حد سواء.
منظمات القتل
انخرطت مجموعة واسعة من المنظمات والقوات في قتل المدنيين على أساس روتيني - ولم تشمل هذه وحدات أساسية قليلة مقربة من مركز النظام فحسب، بل تضمنت أيضاً وحدات نظامية عديدة من الجيش، والقوات الجوية، وقوات الدفاع الجوي، ومجموعة واسعة من القوات غير النظامية، وأجهزة المخابرات والشرطة، والقوات الأجنبية الحليفة (على سبيل المثال، «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية). وعلاوة على ذلك، لا تعمل هذه القوات في معزل عن بعضها البعض. بل تتعاون وتنسق؛ وهناك تضافر في عملياتها.
القوات النظامية: انغمست القوات المسلحة السورية النظامية في الحرب الأهلية منذ البداية. فقد كانت حاسمة بالنسبة لقدرة النظام على البقاء في السلطة وشكلت قاعدة ردّ الأسد على الثورة. وعلى هذا النحو اشتركت على نطاق واسع في جرائم العنف ضد المدنيين. وقد أفادت تقارير المعارضة عن اشتراك ما يزيد عن ستين لواءاً نظامياً وتشكيلات على مستوى الأفواج في الحرب. وعلى الرغم من أن الأخطاء في تسمية الوحدات والعدّ المزدوج قد ضخّما هذا الرقم إلى حد ما، فمن الواضح أن جزءاً كبيراً من الجيش النظامي يشارك في المعركة. وشملت معظم أنشطة التشكيلات المبلغ عنها القصف أو إطلاق النار المباشر ضد قوات الثوار ومناطق المدنيين.
وأظهرت مقاطع فيديو قيام وحدات جوية بقصف أهداف المعارضة بمروحيات Mi-8/17 وMi-25 والطائرات القتالية ميغ 21 وميغ 23 وميغ 29 وسوخوي 22 وطائرات التدريب L-39 ذات القدرة على القتال. هذا بالإضافة إلى ورود تقارير عن اشتراك طائرات النقل العسكري والطائرات المدنية في نقل الذخائر والقوات في جميع أنحاء البلاد.
وقد لعبت صواريخ النظام بر- بر دوراً فعالاً في الحرب - على الأقل منذ شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، عندما بدأت الضربات المستمرة على أهداف في منطقة واسعة. وأغلب ما تم التعرف عليه من وحدات الصواريخ بر- بر في تقارير المعارضة هو لواء صواريخ سكود رقم 155 العامل من منطقة القلمون شمال شرق دمشق. ولكن هناك وحدات أخرى تستخدم أنظمة صواريخ SS-21 وصواريخ فاتح-110 يظهر اشتراكها أيضاً في عمليات القصف. وحالياً، أفادت مصادر المعارضة عن ضربات صواريخ بر- بر على أساس شبه يومي مع شن هجمات متعددة في بعض الأيام.
كذلك اشتركت قوات الدفاع الجوي النظامية في عمليات القصف وإطلاق النار. وكثيراً ما تشير تقارير المعارضة إلى شن هجمات على مناطق مدنية باستخدام أسلحة مضادة للطائرات، يُقال إن بعضاً منها على الأقل أُطلِق من مرافق للدفاع الجوي. وانطوت معظم الحوادث على استخدام المدافع المضادة للطائرات في دور إطلاق النار المباشر، رغم ورود تقارير أيضاً عن استخدم صواريخ أرض - جو في دور سطح إلى سطح.
القوات غير النظامية: يعوّل النظام بشكل متزايد على القوات غير النظامية في مواصلته للحرب. وقد دفعت الخسائر والانشقاقات والهروب من الخدمة بين القوات النظامية هذا التحول وكذلك التعويل المحدود المُفترض على بعض الأفراد. وهذه العناصر غير النظامية قادرة على أية أعمال وحشية ومسؤولة عن بعض من أسوأ الحوادث في هذه الحرب. وفي حين أن جنود القوات النظامية هم قتلة تقليديون بدرجات متباينة، إلا أن القوات غير النظامية كانت من بين القتلة "عن قرب وعلى مستوى شخصي" في الصراع.
واليوم، تتكون معظم القوات غير النظامية من مجموعات غير منضبطة تعمل تحت قيادة "قوات الدفاع الوطني" وهي منظمة نشأت لتنظيم صفوف مجموعة غير متراصة من مؤيدي النظام المتشددين وزيادة كفاءتهم من الناحية العسكرية وربطهم بعمليات القوات النظامية. وتشمل عناصر "قوات الدفاع الوطني" مقاتلي الشبيحة و"اللجان الشعبية" والميليشيات المحلية. وينحدر هؤلاء الأفراد من طيف واسع من المجتمع السوري بمن فيهم العلويين وغيرهم من مجتمعات الأقلية والقطاعات الحضرية والريفية. وخلال تقدم الحرب، لعبت "قوات الدفاع الوطني" دوراً أكبر، حيث تعمل القوات غير النظامية جنباً إلى جنب مع القوات النظامية وخصوصاً وحدات المدرعات والمدفعية. واستناداً إلى تقارير "المرصد السوري لحقوق الإنسان" تشكل "قوات الدفاع الوطني" نحو 30 في المائة من قتلى قوات النظام يومياً.
وقد أدى العدد المتنامي في الخسائر والتهديد المستمر للنظام إلى قيام حلفاء الأسد أيضاً بدفع قوات كبيرة إلى المعركة. وقد أصبح المقاتلون من «حزب الله» والشيعة العراقيين وربما بعض الإيرانيين بصورة تدريجية عنصراً أكثر أهمية بين قوات النظام وخاصة خلال الهجمات في محافظة حمص وضواحي دمشق. وقامت هذه العناصر بعمليات مشتركة إلى جانب القوات النظامية والقوات غير النظامية التابعة لها؛ وفي الواقع أصبح أفراد «حزب الله» صفوة المشاة لدى النظام.
ويشارك جهاز الأمن الداخلي التابع للأسد في عمليات القتل الروتيني. وتشمل هذه خدمات المخابرات والشرطة، التي تواصل احتجاز المدنيين وتعذيبهم وإعدامهم.
كما اشتركت المنظمات والوحدات التي تُنتج وتنشر أسلحة النظام الكيماوية في أعمال القتل. ومنها "مركز الأبحاث والدراسات العلمية" (المسؤول عن البحث والتطوير والإنتاج)، والوحدة 450 (المسؤولة عن أمن ونقل الذخائر الكيميائية)، وبعض وحدات المدفعية والجو من القوات النظامية. ورغم تقيُد هذا الجمع الآن - الذي هو ضحية نجاحه - إلا أن له بصمة كبيرة في الخسائر بين المدنيين في هذه الحرب.
وأخيراً، هناك عدة آليات داعمة تُمكن النظام من ارتكاب العنف على مثل هذا النطاق الضخم. وتشمل هذه أجهزة القيادة والسيطرة ومنظمات الخدمات اللوجستية المسؤولة عن استمرار الدعم بالمعدات والسلاح وكذلك نقل القوات والذخائر.
وسائل القتل
يتبع النظام بشكل روتيني مجموعة واسعة من التدابير ضد معارضيه، تتراوح ما بين الأسلحة التقليدية المعقدة وإلى حرمان السجناء الأفراد أو قطاعاً كاملاً من السكان من ضروريات الحياة. وقد أدت هذه المجموعة، وبشكل يزيد عن أي نظام تسليح فردي، إلى حدوث عشرات الآلاف من حالات الوفاة في الحرب حتى الآن.
وبناء على البيانات الصادرة عن "لجان التنسيق المحلية" للمعارضة، يشن النظام ما معدله 440 غارة جوية ومدفعية وصاروخية في اليوم. ويأتي ما يزيد عن 90 في المائة من النيران من المدافع والصواريخ وقذائف الهاون. وفي الواقع، ظل إطلاق النار المباشر والقصف بأسلحة المدفعية آلية القتل الرئيسية. ووفقاً لبيانات "مركز توثيق الانتهاكات في سوريا" من شهر شهر أيلول/سبتمبر يؤدي إطلاق النار المباشر - أي إطلاق النار مباشرة على الأهداف بأسلحة خفيفة وأسلحة خفيفة مضادة للطائرات وأسلحة متطورة أخرى - إلى قتل نحو 320 شخصاً في الأسبوع. كما يؤدي القصف بالأسلحة الثقيلة المضادة للطائرات وأسلحة مدفعية الميدان والصواريخ وقذائف الهاون ومدافع الدبابات إلى قتل 174 شخصاً في الأسبوع.
ووفقاً لبيانات "لجنة التنسيق المحلية"، يقوم النظام أيضاً بشن ما معدله 41 ضربة جوية في اليوم، بما في ذلك القصف بذخائر حارقة فراغية انشطارية شديدة الانفجار. ووفقاً لبيانات "مركز توثيق الانتهاكات" يؤدي القصف بطائرات هليكوبتر والطائرات المقاتلة ذات الجناح الثابت إلى قتل حوالي 52 شخصاً في الأسبوع. وعلى الرغم من أن الهجمات الجوية تمثل نسبة صغيرة نوعاً ما من نشاط هجمات النظام، إلا أنها تسبب خسائر فادحة نظراً لحجم ونوع الذخائر التي يتم قصفها.
كما عدد الصواريخ بر- بر لا يزال يشكل نسبة قليلة من الهجمات (حوالي خمسة عشر في الأسبوع) ولكن يمكن أن تُحدِث أيضاً خسائر فادحة. على سبيل المثال: وردت تقارير من منظمة "هيومان رايتس ووتش" بأن أربع هجمات بصواريخ باليستية قد أسفرت عن مقتل 141 سورياً خلال أسبوع 22 شباط/فبراير وحده. وغالباً ما تُستخدم صواريخ بر- بر ضد أهداف مناطقية وضواحي حضرية، رغم أن بعضها له تطبيقات عسكرية مباشرة مثل ضرب مراكز مقاومة الثوار ومقار إدارتهم.
كما أن القوات النظامية وغير النظامية التابعة للنظام تقتل السوريين وجهاً لوجه. ويشمل ذلك مذابح المدنيين وسجناء الحرب والإعدامات الميدانية وغيرها من عمليات القتل الخارجة عن اختصاص المحاكم وحالات الوفاة أثناء الاحتجاز وتحت وطأة التعذيب والإعدامات المباشرة في السجن. ووفقاً لـ "مركز توثيق الانتهاكات"، مات نحو 300 سوري من هذه الوسائل مجتمعة في شهر أيلول/سبتمبر أو حوالي 12 في المائة من عدد الضحايا شهرياً.
كما كان للحرمان الممنهج من الغذاء والمأوى والرعاية الطبية نصيب في عدد الضحايا. وقد حاصرت قوات النظام المناطق الحضرية التي يسيطر عليها الثوار في مدينة القصير وحمص وضواحي معينة من دمشق، من بين مناطق أخرى. كما دمروا المحاصيل وقتلوا المواشي وضربوا الأفران واستهدفوا المرافق الصحية في مناطق المعارضة. وقد وردت تقارير أيضاً عن تسميم إمدادات المياه. وأسفرت هذه الأنشطة عن حدوث مجاعة وجعلت من الصعب الحصول على العلاج الطبي - ويأتي كل ذلك كجزء من خطة النظام التي تهدف إلى تقليل الدعم للمعارضة وإجبار السكان على الرحيل من المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار.
وأخيراً، بينما سببت الأسلحة الكيماوية إلى إحداث خسائر مروعة، إلا أنها لم تؤدي سوى إلى قتل شريحة صغيرة من إجمالي عدد الضحايا ربما تقل عن 2 في المائة. إن القضاء على قدرة الأسلحة الكيماوية عند النظام أمر هام لضمان عدم زيادة هذا العدد، ولكنه يجعل قوات الأسد من الناحية العملية غير مقيدة في استخدام وسائل القتل الأخرى.
الخاتمة
في سياق الجهود التي يقوم بها النظام لقمع ثورة شعبية بشكل عنيف، سحب هذا جزءاً كبيراً من المجتمع السوري وأدخله في منظمات وعمليات القتل التي يقوم بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد قابل ثورة الأغلبية السنية بثورة أقلية علوية/شيعية مضادة. إن ذلك يوسع نطاق التعقيد بشكل كبير ويعتم على أي فكرة تُفيد بأنه بإمكان إعادة بناء الدولة على أسس نُظُمها القديمة. وبالنظر إلى حجم الدم الذي أراقته قوات النظام، فمن غير المرجح أن يقبل إولئك الذين يقاتلون ضدها بأن تلعب دوراً مستمراً في سوريا ما بعد الحرب.
ومن جانبهم، لم يبدي الأسد ودائرته أي علامة في التفكير في مسار مختلف - فقد كانوا مستهترين وقساة بكل ما في الكلمة من معنى بشأن إدارة الحرب بهذه الطريقة، ويساندهم دعم سياسي وعسكري واقتصادي ثابت من حلفائهم في الخارج. ولذلك فمن الصعب أن نرى كيف يمكن أن يُنظر إلى النظام باعتباره مشاركاً شرعياً في أي عملية تفاوض في المستقبل. وحتى لو كان الشعب السوري والمجتمع الدولي راغبين في تشجيع هذا السيناريو، فبالكاد يمكن توقّع مشاركة النظام بشكل فعال في التفاوض مع نفسه خارج الوجود.
 
 
توحيد المتمرّدين في سورية: السعودية تنخرط في النزاع
Source: Getty
يزيد صايغ
ملخّص
تؤدّي خطةٌ سعوديةٌ لبناء جيش وطني جديد للمعارضة السورية إلى استقطاب المتمرّدين، وإلى احتمال تقويض أهداف الرياض في سورية.
خلال الأسابيع الماضية أعلن العديد من الجماعات السورية المتمرّدة موجة من الاندماجات والتحالفات. من الناحية النظرية، يمثّل الاتجاه بادرة مطلوبة تشير إلى أنه يجري في نهاية المطاف تجاوز معضلة التفتّت الشديد في صفوف المعارضة. ومن شأن مثل هذا التطوّر أن يكمل ظهور بضعة تجمّعات متعدّدة الكتائب و"جبهات" مهيمنة في التمرّد المسلح خلال العام الماضي.
بيد أن الواقع يبدو عكس ذلك تماماً. إذ تعكس الإعلانات الأخيرة عن الاندماج والتحالف عملية إعادة ترتيب للجماعات المسلحة بدل توحيدها، وهي تكشف عن وجود منطق تنافسي يقوده توقّع الحصول على تمويل خارجي ينذر بقدر أكبر من الاستقطاب السياسي وتعميق الانقسام.
 يزيد صايغ باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يتركّز عمله على الأزمة السورية، والدور السياسي للجيوش العربية، وتحوّل قطاع الأمن في المراحل الانتقالية العربية، إضافة إلى إعادة إنتاج السلطوية، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وعملية السلام.
أسهمت هذه الديناميكية المختلّة في إفساد التمرّد المسلح منذ وقت طويل، غير أن دافع التوجّه الأخير يكمن في خطة سعودية تهدف إلى بناء جيش وطني جديد للمعارضة السورية. وتهدف الخطة إلى تأسيس قوة يتم تدريبها خارج سورية قادرة على إلحاق الهزيمة بنظام الرئيس بشار الأسد والتصدّي لنموّ الجماعات الجهادية المتمرّدة التابعة لتنظيم القاعدة. وتدَّعي الجماعات المتمرّدة التي تعيد تنظيم صفوفها كي تتلقّى الدعم السعودي بأنها تتبنّى إيديولوجية من المفترض أنها إسلامية "وسطية" لكنها سنّية باعتراف الجماعات نفسها.
 لن يؤدّي هذا المسعى السعودي إلا إلى مزيد من الاستقطاب في صفوف المتمرّدين. ومن المحتمل أن يكون قادة المعارضة المعترف بها حالياً أول الخاسرين، أي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والمجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر. ففي آخر اجتماع لها عقد يوم 22 تشرين الأول/أكتوبر، دعت مجموعة الدول ال "11" الأساسية ضمن مجموعة أصدقاء سورية، والتي تشارك المملكة العربية السعودية في عضويتها، التحالف الوطني إلى الالتزام بتمثيل المعارضة السورية في مؤتمر جنيف-2 للسلام المقرّر عقده في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. غير أن العديد من تحالفات المتمرّدين الجديدة، بما فيها تلك التي تتلقّى الدعم السعودي المكثّف، سحبت اعترافها بالائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى، أو هدّدت بذلك، وذلك ردّاً على استعدادهما المفترض لحضور المؤتمر.
 وما لم يلتزم المتمرّدون الذين تدعمهم السعودية باستراتيجية سياسية متّفق عليها ويتقبّلوا فكرة أن يمثّلهم الائتلاف الوطني، فمن المرجح أن يعانوا من انعدام القدرات والتماسك نفسهما مثلما هو حال من يسعون إلى أن يحلّوا محلّهم. كما أن السعودية، ومن خلال تمويل مجموعات مختارة من المتمردين، تخاطر بإضاعة فرصتها وتقويض أهدافها في سورية.
السعودية تصعّد
يعكس التحوّل إلى موقف أكثر حزماً بشأن الأزمة السورية استياء القيادة السعودية من الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا على تفكيك قدرات سورية في مجال الأسلحة الكيماوية. إذ يبعد هذا الاتفاق بالفعل شبح القيام بعمل عسكري بقيادة الولايات المتحدة ضد النظام، ويحتمل أن يعيد تأهيل الأسد كشريك للمجتمع الدولي. وقد دفعت الرياض منذ فترة طويلة باتّجاه اتّخاذ موقف أكثر صرامة من النظام. ولم يؤدّ احتمال التوصل إلى تفاهم بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي إلا إلى جعل القيادة السعودية أكثر تصميماً على إسقاط الأسد .
 كان التصريح الذي أدلى به رئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا في 8 آب/أغسطس - والذي يعتبر مرشّح السعودية – والذي قال فيه إنه يعمل مع الجيش السوري الحر لتشكيل قوة موحَّدة قوامها ستة آلاف عنصر لمواجهة أمراء الحرب الذين يعملون في المناطق المحرّرة، أول إشارة علنيّة إلى نوايا المملكة العربية السعودية. وكشف أعضاء آخرون في الائتلاف الوطني أن المقصود من القوة هو أن تكون نواة جيش وطني قوامه ما بين سبعة وعشرة آلاف عنصر، بمن فيهم ستة آلاف وثلاثمئة من المنشقّين عن الجيش السوري كانوا قد لجأوا إلى الأردن وتركيا.
 وبحسب مطّلعين من الداخل على الشؤون السعودية، فإن عمليات تدريب خمسة آلاف من المتمردين تجري بالفعل في الأردن منذ بضعة أشهر بمساعدة مدربين باكستانيين وفرنسيين وأميركيين، على رغم أن مصادر أردنية على صلة بمصادر رفيعة تشير إلى عدد أقلّ من ذلك بكثير. وفي أي حال، لايمكن توقّع الكثير من المنشقّين الذين اختاروا مغادرة سورية وظلوا في مخيمات معزولة مخصصة للضباط في المنفى منذ ذلك الحين. وربما يكون هذا قد أثَّر في تفكير وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بن عبدالعزيز، ورئيس الاستخبارات العامة الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز، ونائب وزير الدفاع الأمير سلمان بن سلطان بن عبدالعزيز، الذين تم نقل ملف سورية إليهم. وتقضي خطة هؤلاء، المعروفين بموقفهم المتشدّد إزاء الوضع في سورية، ببناء جيش من المتمرّدين قوامه بين 40 و50 ألف عنصر بتكلفة " مليارات عدة من الدولارات"، وفقاً لمصادر مطّلعة.
 يبدو أنه تمت مناقشة الخطّة، على الأقل في خطوطها العريضة، من جانب وزراء خارجية المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة، الذين التقوا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في 13 أيلول/سبتمبر. وقد أسفر ذلك اللقاء عن اتفاق على "تكثيف الدعم الدولي للمعارضة الديموقراطية بهدف تمكينها من مواجهة الهجمات التي يشنّها النظام". كما زار وفد سعودي رفيع باريس بعد شهر من ذلك اللقاء للتفاوض على عقود لتسليح وتجهيز كل من الجيش السوري الحر والجيش الوطني الجديد.
 في أعقاب ما تعتبره المملكة العربية السعودية "انشقاق" الإدارة الأميركية عن ائتلاف الدول الراغبة في دعم المعارضة السورية عسكرياً، اتّجهت إلى باكستان لتوفير التدريب للجيش الجديد. بيد أن هذا قد يكون صعباً، نظراً إلى تحدّيات الأمن القومي الكبرى التي تواجه القوات المسلحة الباكستانية قبيل انسحاب حلف شمال الأطلسي (ناتو) من أفغانستان، وغموض العلاقة بين المدنيين والعسكريين في باكستان في خضم عملية اختيار رئيس جديد لهيئة الأركان العامة. وتؤكّد مصادر وثيقة الصلة بوزارة الدفاع الباكستانية والاستخبارات العسكرية أن القوات المسلحة كانت بالفعل متردّدة أو غير قادرة على تلبية طلب سعودي سابق لتوفير تدريب قوات خاصة للمتمرّدين السوريين. فهم يعتبرون أنه تتعذّر الاستجابة للاقتراح السعودي الجديد نظراً إلى نطاقه وحجمه.
 الأهم من ذلك هو أنه سيكون من الصعب العثور على مكان ثابت لإنشاء قاعدة لتمركز وتدريب القوة الجديدة. ففي الأردن تزداد المعارضة لأن تكون المملكة قاعدة خلفية للمتمرّدين أو دعم التدخّل العسكري الخارجي في سورية، وهي التي كانت ممراًّ للتدريب والأسلحة بتمويل سعودي منذ أواخر العام 2012. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المملكة جزءاً من محور واضح مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشأن سورية. لكن الخطة السعودية الجديدة تتطلب التزاماً أردنياً على نطاق يواجه معارضة داخل المؤسّسة الأمنية والعسكرية، وليس من المرجّح أن يتم تنفيذها.
شراء جيش متمرّد جاهز
يبدو احتمال بناء جيش متمرّد خارج سورية ضعيفاً. ويكمن السبيل العملي الوحيد لبناء مثل هذا الجيش في دمج ورعاية الجماعات المسلحة الموجودة داخل سورية، غير أن ذلك أصبح أيضاً أكثر صعوبة لأن تحالفات المتمرّدين تتبدّل وتتكاثر.
 تهيئ العديد من الجماعات المتمرّدة السورية نفسها لتلقّي تمويل وأسلحة من السعودية بالإعلان عن اندماجات وتحالفات. والواقع أن التنافس على التمويل الخارجي كان منذ فترة طويلة دافعاً قوياً للديناميكيات التنظيمية داخل التمرّد المسلح في سورية. ولايأتي كل هذا الدعم من مصادر حكومية. فقد أصبح من المألوف أن يرعى المانحون غير الحكوميين في المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة الجماعات المتمرّدة التي يختارونها، وهي تتكوّن في معظم الأحيان من السلفيين أو الجهاديين، كما تفاخر صفحات الفيسبوك الخاصة بهذه القوى.
 من أبرز المجموعات الجديدة التي تتلقّى تمويلاً من الحكومة السعودية "جيش الإسلام"، الذي تشكّل في 29 أيلول/سبتمبر. تأسّس "جيش الإسلام" من 43 لواء وكتيبة متمرّدة في ريف دمشق تحت قيادة محمد زهران علوش، قائد لواء الإسلام المحلي (العمود الفقري لجيش الإسلام الذي تشكّل مؤخّراً)، والأمين العام لجبهة تحرير سورية الإسلامية. ومع أن "جيش الإسلام" نفى تقارير صحافية تحدّثت عن أنه يحظى برعاية سعودية، فإن هدفه المعلن المتمثّل في "توحيد جهود جميع الفصائل... وتشكيل جيش رسمي"، تزامن تماماً مع الهدف السعودي.
 جاء تشكيل جيش الإسلام في أعقاب نشر "العلماء المسلمين في سورية" مقترحاً لتوحيد الجماعات الإسلامية المتمرّدة تحت لواء جيش واحد هو "جيش محمد"، بهدف معلن يرمي إلى بناء قوة من 100 ألف عنصر بحلول آذار/مارس 2015 و250 ألف عنصر بحلول آذار/مارس 2016. ومع أن مثل هذا الجيش سيتبنّى إيديولوجية وسطية وغير طائفية، وفقاً لمن كتبوا الاقتراح، فإنه مع ذلك سيتبع "نهج أهل السنة والجماعة"، معلناً بشكل لالبس فيه انتماءه السنّي. ومنذ ذلك الحين ناقش "جيش الإسلام" تشكيل جيش شامل باسم "جيش محمد" مع لواءي "التوحيد" و"صقور الشام" الإسلاميين "المعتدلين".
 بيد أن عملية التفتّت مضت إلى ما هو أبعد من ذلك. فعندما أعلن زهران علوش عن تشكيل "جيش الإسلام"، اشتكى العديد من شركائه الرئيسيين في جبهة تحرير سورية الإسلامية من أنهم لم يستشاروا، وانسحبوا من غرفة العمليات المشتركة لمنطقة دمشق احتجاجاً على ذلك. وبعدها شكّل خمسة منهم "تجمّع أمجاد الإسلام" في 4 تشرين الأول/أكتوبر. وفي أماكن أخرى، أعلنت أربع مجموعات سلفية معتدلة في منطقة البوكمال شمال شرق سورية عن تشكيل "جيش أهل السنة والجماعة" في 2 تشرين الأول/أكتوبر.
 بعد يوم من تشكيل "جيش الإسلام"، أعلن لواء الحبيب المصطفى وكتائب الصحابة، إضافة إلى حركة أحرار الشام الإسلامية، والتي ربما تكون أقوى فصائل التمرّد في سورية، انسحابهم من غرفة مجلس الداعمين الكويتيين للثورة السورية في دمشق وريفها. واستشهد هؤلاء بما وصفوه هيمنة جماعات معيّنة، واقصاء جماعات أخرى، وعدم وجود رؤية متّفق عليها كسبب لانسحابهم.
 يبدو أن الديناميكية التنافسية أيضاً قد دفعت 106 من الجماعات المتمرّدة غير الإسلامية من أنحاء سورية كافة إلى تشكيل "اتحاد السوريين الأحرار" في 13 تشرين الأول/أكتوبر، ومرة أخرى بوصفه "نواة الجيش السوري في المستقبل". وقد لايحول غياب الخطاب الإسلامي عن البيان التأسيسي لتلك الجماعات دون الحصول على الدعم السعودي، غير أن أحد المستفيدين من الدعم الأكثر تفضيلاً هو الداعية الإسلامي البارز الشيخ عدنان العرعور. إن ظهور العرعور في شبكة الجماعات المتمرّدة ضمن الخطة السعودية الجديدة، يسلّط الضوء على تركيزها على بناء جيش متمرّد سنّي.
مجابهة الجهاديين أم إضعاف الإسلاميين الوسطيين؟
ربّما يُلتَمَس العذر للقيادة السعودية في اعتقادها بأن تدخّلها سيكون حاسماً الآن وقد أصبحت تتولّى زمام السيطرة ومستعدة للالتزام بما يصفه أحد المطلعين توفير الأموال "بلا حدود"، وذلك على النقيض من الدور المتواضع الذي لعبته بين الأطراف التي تدعم التمرّد المسلّح في سورية قبل عام مضى. بيد أن هذه المقاربة قد تأتي بنتائج عكسية. فقبل عام من الآن كانت خطوط المعركة أكثر بساطة، حيث كان الجيش السوري الحر يقف في مواجهة نظام الأسد. أما اليوم فإن القيادة السعودية تسعى، كما أوضح رئيس المخابرات السابق الأمير تركي الفيصل، إلى شنّ معركتين، إحداهما ضدّ الأسد وعائلته، والأخرى ضدّ منتسبي القاعدة في سورية. غير أن الرياض لاتربح المعركة ضد الجهاديين، وقد تؤدّي جهودها إلى شقّ صفوف المعارضة أكثر.
 يبدو أن عدداً من الجماعات قد استنفرت في مواجهة الخطة السعودية. فالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وهي جماعة تشكّل مظلة للمسلحين الجهاديين تشكّلت في العراق في العام 2006، تتحرّك بقوة ضد جماعات متمرّدة أخرى في شمال سورية منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، وتنتزع السيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا وتجبر المنتسبين للجيش السوري الحر في الرقة وحلب على المغادرة أو إعلان الولاء لها. وتعتقد (داعش)، إضافة إلى الجماعات الجهادية الأخرى، أنها مستهدفة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها مثل المملكة العربية السعودية. وقد توصلت الجماعة أيضاً إلى تفاهم مع شقيقتها جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، وحركة أحرار الشام الإسلامية القوية لتنحية خلافاتهم جانباً وتشكيل مجلس قضاء مشترك وزيادة العمليات المشتركة ضد قوات النظام. ويتحمّل هذا المحور، جنباً إلى جنب مع العديد من الجماعات الجهادية الصغيرة التي استمرت في الظهور، العبء الأكبر من القتال ضدّ قوات النظام إلى الجنوب الشرقي من حلب. كما تعمل جبهة النصرة الآن على الحدود مع الأردن.
لم تثبت شبكة التحالفات التي تقيمها المملكة العربية السعودية نفسها في هذه المواجهة التي تلوح في الأفق. على العكس من ذلك، فقد أعلن لواء التوحيد، الذي تمت دعوته للانضمام إلى "جيش الإسلام" في تشكيل جيش أكبر هو "جيش محمد"، مراراً وتكراراً حياده في الحملة العنيفة التي شنّتها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) منذ منتصف أيلول/سبتمبر في شمال سورية.
 وبالقدر نفسه من الأهمية، فإن الاندفاع السعودي لبناء جيش ذات طابع سنّي واضح يزيد احتمال تشتّت المتمرّدين، و تشتّت حتى الجماعات الإسلامية والسلفية الوسطية الملتقية عقائديّاً و التي تستهدفها الخطة السعودية. وتشمل الجماعات التي رفضت الانضمام إلى "جيش الإسلام"، على سبيل المثال، العديد من الفصائل المسلحة الرئيسة في منطقة الغوطة الشرقية وأعضاء من جبهة تحرير سورية الإسلامية، مايجعل وحدتها وتماسكها موضع تساؤل.
الآثار المترتّبة على العلمانيين المعتدلين
في الوقت الذي يتعمّق الاستقطاب داخل المعارضة السورية، يتسبّب تركيز الخطة السعودية على إنشاء جيش سنّي في إضعاف من لهم مصلحة مشتركة في منع صعود الجناح الجهادي للتمرّد المسلح. فقد سعى بعض أعضاء الائتلاف الوطني للانضمام إلى الركب، وتحدثوا بحرارة عن إنشاء "مجلس سياسي عسكري مركزي تحت قيادة إسلامية". بيد أن هذا يؤكد فقط على تراجع حظوظ الائتلاف والمجلس العسكري الأعلى، وكلاهما كانا تحت رعاية السعودية منذ حزيران/يونيو الماضي، عندما أصبح الجربا الرئيس الجديد للائتلاف. ولذا فإن التركيز ذو الهدف الواحد على النهج العسكري يقوّض ما تبقى من مكانة وسلطة يتمتع بها الائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى داخل سورية.
 تبدو خيبة أمل السعودية إزاء الائتلاف الوطني والمجلس العسكري الأعلى مفهومة. إذ فقدت قيادتهما صدقيّتها وهي تفتقر إلى استراتيجية لإلحاق الهزيمة بالنظام، سواءً عسكرياً أو سياسياً، من خلال وضع مقترحات محدّدة لتقاسم السلطة الانتقالية التي قد تقنع المكوّنات المؤسّسية والاجتماعية الرئيسة في النظام بالتخلي عنه. كما أن الائتلاف الوطني لايزال غير قادر على حكم المناطق المحرّرة.
 بيد أن المقاربة السعودية، ومن خلال توجيه تدفّقات التمويل والأسلحة مباشرة للجماعات المتمرّدة على الأرض، بدل توجيهها كلية عبر المجلس العسكري الأعلى، تتعارض مع احتياجات الدعم العسكري. ومن خلال الالتفاف على المعارضة المعترف بها والاعتماد على التمويل الضخم لإنشاء جيش موحّد للمتمردين لا تضمن الرياض فعّاليته العسكرية ولاتفعل شيئاً لمعالجة القصور السياسي الحرج الذي تعاني منه المعارضة السورية.
 كما أن التركيز على التأثير في ديناميكيات التمرّد والإشراف الدقيق عليها يعقّد العلاقات بين المدنيين والعسكريين على الأرض. فعندما أعلنت الهيئات المدنية تشكيل مجلس مدني موسَّع لمدينة دوما في الغوطة الشرقية في 13 تشرين الأول/أكتوبر، على سبيل المثال، أدان قائد جيش الإسلام زهران علوش تلك الهيئات بسبب تفريق "كلمة المسلمين وهذا حرام و شقّ للصف". وبرأي علوش فقد كان إعلان تلك الهيئات عن إنشاء هيئة قضائية مستقلّة أيضاً هو خروج لا عذر له على مجلس الشورى المحلي الذي ساهم في تأسيسه في آذار/مارس، و الذي يهيمن عليه.
 كل هذه الأمور لها انعكاسات كبيرة على مؤتمر جنيف- 2 المقبل. إذ يواجه الائتلاف الوطني لحظة مصيرية في الوقت الذي يتناقص عدد شركائه. فقد انضمّت اثنتا عشرة جماعة متمرّدة، ينتمي معظمها شكلياً إلى الجيش السوري الحر، إلى جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة يوم 24 أيلول/سبتمبر تعبيراً عن رفضها للصفة التمثيلية للائتلاف. وفي 15 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت خمسون جماعة مسلحة أنها بصدد تشكيل "مجلس قيادة الثورة للمنطقة الجنوبية" وسحب اعترافها بالائتلاف الوطني لأن قيادته "فرطت بثوابت الوطن والثورة". وبعد يومين، حذّر زهران علوش صراحة من أن "الائتلاف سيكون بمثابة (العدو) بالنسبة لنا، مثله مثل نظام بشار الأسد، إذا قرّر الذهاب إلى مؤتمر (جنيف 2) ، المرجح الشهر المقبل، للبحث عن حلّ سياسي للأزمة السورية". وفي 26 تشرين الأول/أكتوبر، اعتبرت تسع عشرة جماعة مسلحة، بما فيها مكوّنات "جيش محمد" الثلاثة، أن حضور المؤتمر و التفاوض مع النظام دون الثوابت يشكل "تجارة بدماء الشعب السوري و خيانة تستوجب المثول أمام القضاء و المحاكمة.
السعودية تسجل الاهداف في مرماها هي
إن لدى المملكة العربية السعودية مايكفي من الأسباب للشعور بالأسى تجاه الموت والدمار المستمرّ الذي أصاب الشعب السوري، وبعدم الرضى إزاء تصرّفات أصدقائها وحلفائها في مجموعة أصدقاء سورية. بيد أن مقاربتها الحالية تنطوي على خطر تقويض أهدافها في سورية.
 والواقع أن الشعور بالاستياء العميق تجاه سياسة الولايات المتحدة بشأن سورية، فضلاً عن توجهاتها في إيران وفلسطين، دفع رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان بن عبدالعزيز إلى التحذير من حدوث "تحوّل كبير" في العلاقات الثنائية بين البلدين. ومن شبه المؤكّد أنه لايمكن حدوث تحوّل مستديم في السياسة بهذا الحجم. ولاريب أن اتساع رقعة الخلاف بين الرياض وواشنطن يجعل الأردن والائتلاف الوطني، وهما طرفان مهمان لنجاح خطط السعودية في سورية لكنهما ليسا أقل اعتماداً على قوة ومتانة علاقاتهما مع الولايات المتحدة، في وضع غير مريح ولايمكن التمسك به.
 بالإضافة إلى ذلك فإن الاختلاف بين المقاربتين السعودية والأميركية يزيد في تعقيد مؤتمر جنيف- 2 للسلام. ومع أن البيان الختامي لاجتماع مجموعة أصدقاء سورية الذي عقد في 22 تشرين الأول/أكتوبر وضع شروطاً صعبة للمشاركة في المؤتمر ومعايير صارمة للعملية الانتقالية تلبّي تطلّعات الائتلاف الوطني والسعودية، فإن إصرار الرياض على استبعاد طهران من مؤتمر جنيف- 2 يفتح الباب أمام حدوث خلاف آخر محتمل مع حلفائها، والذين أشار العديد منهم صراحة إلى استعدادهم لقبول المشاركة الإيرانية.
 قد تجادل القيادة السعودية بأن خطتها لزيادة الضغط العسكري على نظام الأسد سوف تجبره على قبول الشروط التي حدّدها أصدقاء سورية للمشاركة في مؤتمر السلام. وبدا أن تركي الفيصل يقول هذا عندما أكّد على الحاجة إلى مساعدة المعارضة على تحقيق "توازن على الأرض". ولكن هذا ينفيه الخلاف غير المتوقّع وغير المعتاد مع الولايات المتحدة، الأمر الذي يضرّ باحتمال أن تتمكّن الخطة السعودية من جمع المتمرّدين في جيش موحّد. قد لايعقد المؤتمر أو ينجح على أي حال، بيد أن حقيقة أن الجماعات المتمرّدة التي تتلقّى الدعم السعودي رفضت المؤتمر جهاراً يقلّل من حظوظه أكثر. كما أن الأضرار الجانبية التي أصابت الائتلاف الوطني تقوّض جزء مختلفاً من المقاربة القيادة السعودية، مايشكّل هدفاً آخر في مرماها.
 ولعل هذا يجعل القيادة السعودية تعتمد اعتماداً كبيراً على المتمرّدين السنّة في سورية. فإذا ما فشلت خطتها لتوحيدهم، فإن صدقيّة الرياض ستتضاءل. والأسوأ من ذلك، هو أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تجد نفسها وهي تكرّر تجربتها في أفغانستان، حيث أسّست جماعات متباينة من المجاهدين تفتقر إلى إطار سياسي موحّد. ولم تتمكّن تلك القوى من حكم كابول بمجرد أن استولت عليها، ما مهّد الطريق لحركة طالبان للسيطرة عليها. وتبع ذلك ظهور تنظيم القاعدة، حيث وصلت ارتدادات ذلك فيما بعد إلى المملكة العربية السعودية نفسها.
 الاعتماد السعودي على التمويل وتوفير الأسلحة كدعامتين رئيستين لاكتساب النفوذ، والتركيز على زيادة الضغط العسكري على النظام من دون وضع استراتيجية سياسية واضحة لإلحاق الهزيمة به في موازاة ذلك، كما التركيز على حشد وتعزيز المجموعات ذات الطبيعة السنّية، ينطوي على خطر المساهمة في الوصول إلى نتيجة مماثلة. ولذا ينبغي على القيادة السعودية أن تكون حذرة إزاء ماتفعله في سورية. فجيش محمد قد يعود إلى مكة في نهاية المطاف.
 
 
الحرب السورية في ثلاث عواصم
Source: Getty
Marc Pierini
مركز كارنيغي للشرق الأوسط..
ملخّص
يبدو أنه يجري السير بالحرب السورية حتى النهاية في موسكو وطهران وواشنطن. فبغية إحراز مزيد من التقدّم، لا تستطيع العواصم الثلاث أن تتفادى العمل معاً لإيجاد حلّ دبلوماسي للأزمة.
يبدو أنه يتم السير بالحرب السورية إلى الخواتيم في موسكو وطهران وواشنطن أكثر من أي وقت مضى. فبعد سلسلة من الإجراءات التي اتَّخذتها روسيا والولايات المتحدة، يبدو الوضع الحالي مشجّعاً إلى حدّ ما. وقد بدأت مواقف اللاعبين الرئيسيين الثلاثة في التطور. وربّما تكون روسيا قد بدأت بالنظر إلى الرئيس السوري بشار الأسد بوصفه حليفاً غير مستساغ. ويؤثّر الرئيس الأميركي باراك أوباما في التطوّرات بقوَّة على الرغم من الانتقادات التي توجّه إليه بالتقاعس عن العمل. وقد تترافق عودة إيران، التي طالما كانت من مؤيّدي نظام الأسد، إلى الساحة الإقليمية مع تقديم تنازلات متبادلة في سورية. وإذا ما أرادت العواصم الثلاث إحراز مزيد من التقدّم فلا يمكن لها تجنّب العمل معاً لإيجاد حلّ دبلوماسي.
المشهد كما يبدو من دمشق
سورية ليست دولة كلاسيكية، وهو ما يعقّد التعامل مع النظام بشكل ملحوظ. فمنذ العام 1970، عندما استولى حافظ الأسد على السلطة بصورة كاملة بعد انقلاب عسكري جرى في العام 1966، وقعت البلاد في أيدي أفراد عائلة الأسد – مخلوف. ويسيطر هؤلاء على أجهزة المخابرات والجيش والحزب الواحد، والأهم من ذلك، على التجارة. وهذا يجعلهم، بطبيعتهم، حسّاسين إزاء الإصلاحات السياسية والاقتصادية وعلى استعداد للدفاع عن نظامهم مهما كانت التكلفة. فقد قالوا في أيار/مايو 2011 إنهم إذا عانوا، فإن الآخرين سيعانون أيضاً. وأطلق النظام العنان لاستخدام العنف ضد الشعب السوري على نحو لايمكن تصوّره، بما في ذلك شنُّ هجوم بالأسلحة الكيماوية في المناطق المحيطة بدمشق في 21 آب /أغسطس الماضي.
 في حسابات الأسد - مخلوف، دمشق ليست عاصمة سورية فقط. فهي المدينة التي لم تسقط أمام الهجمات الاسرائيلية خلال حرب الأيام الستة في العام 1967. إنها المدينة التي أطلق عليها حافظ الأسد لقب "القلب النابض للعالم العربي". وهي رمز لسلطة آل الأسد وانتقام العلويين، الذين كانوا في السابق خَدَماً للبرجوازية السنّية. ولذا فإن الاحتفاظ بالسيطرة على المدينة مهمّ لتأمين الذخائر والحفاظ على إرث حافظ الأسد حيّاً. كما أن دمشق هي الخط الأحمر للنظام.
 ربّما كان التقدم الحاسم الذي أحرزته المعارضة نحو وسط المدينة هو الذي دفع النظام لشنّ هجوم بالأسلحة الكيماوية. أو أن الضربة ربما كانت مجرّد خطأ فادح ارتكبه هيكل قيادة النظام. وفي كلتا الحالتين، فإن تلك الواقعة هي التي جعلت القوى الخارجية، وخصوصاً روسيا، تشعر بالقلق البالغ.
 في 14 أيلول/سبتمبر، أبرم وزير الخارجية الأميركية جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صفقة يتم بموجبها جمع وتوثيق وتدمير الأسلحة الكيماوية السورية. بالنسبة إلى البعض، تمثّل الصفقة بشأن الأسلحة الكيماوية، والتي تمت بإشراف الأمم المتحدة، انتصاراً كبيراً لبوتين؛ وبالنسبة إلى البعض الآخر، فهي نتيجة مباشرة للضغط العسكري الأميركي. وهي تخفي، بالنسبة للكثيرين، حقيقة أن الحرب التقليدية تحتدم. لكن الصفقة، وعلى رغم التصريحات الناريّة، ليست انتصاراً لدمشق. فنظام الأسد يعاني من صعوبات جدّية وخطيرة وليس لديه خيار سوى أن يحذو حذو موسكو.
المقاربة الروسية
دعم روسيا لعائلة الأسد لايلين وإمداداتها من الأسلحة غير محدودة على ما يبدو. بيد أن موسكو تدعم دمشق ليس فقط من أجل آل الأسد أنفسهم. إذ يشكّل الدعم الروسي، بدلاً من ذلك، وسيلة لجعل بوتين الحازم وسيطاً رئيساً في النظام العالمي الجديد. كما أن دور بوتين كزعيم عالمي، كما يتّضح من رئاسته لاجتماعات قمة العشرين الأخيرة، يستدعي حدّاً أدنى من الاحترام. في هذا المعنى، قد تصبح قسوة الأسد قريباً عائقاً أمام طموحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العالمية.
  وفي حين يعتبر الأسد حليف روسيا وربيبها، فإنه أحرج موسكو عندما تجاوز الخط الأحمر الروسي في آب/أغسطس الماضي. فقد تركت عمليات القصف التقليدي المكثّف التي تلت هجوم 21 آب/أغسكس آثاراً لا لبس فيها من المواد الكيماوية لفائدة مفتشي الأمم المتحدة، بما في ذلك مؤشّرات عن مواقع إطلاق القذائف. ولذا فقد اقترحت روسيا على الفور تقريباً، صفقة للتخلّص من مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية، وهو العرض الذي لم يكن بوسع الغرب أن يرفضه.
 نتيجة لاكتشاف الأسلحة الكيماوية، وعلى رغم التستُّر اللفظي من جانب موسكو، فقد كان لزاماً على سورية أن تتراجع بسرعة. انضمَّ نظام الأسد إلى اتفاقية الأسلحة الكيماوية التي تحظر إنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيماوية. وقدّم بياناً مفصَّلاً بمخزوناته من الأسلحة الكيماوية، وبذلك محا مرة واحدة وإلى الأبد الرواية الروسية - السورية التي تقول إن النظام لا يمتلك تلك الأسلحة. وتوجّب على دمشق أن تقبل قرار مجلس الامن الدولي الذي أصدر الأمر بتدمير ترسانة سورية من الأسلحة الكيماوية بحلول 30 حزيران/يونيو 2014، وتعهّدت باحترام الاتفاق وتعاملت بكفاءة وسرعة مع المراحل الأولى من عمليات التفتيش والتدمير.
آتت الصفقة ثمارها في المدى القصير حيث جنَّبت النظام ضربة أميركية. غير أن فوائدها على المدى المتوسط تبدو أكثر غموضاً. فإذا كانت الصفقة تعني بقاء عائلة الأسد - مخلوف العنيفة التي لايمكن التنبؤ بتصرّفاتها، فإن ضغوط التمرّد ستزداد وستؤدّي إلى استخدام العنف بصورة أكثر انتقامية من جانب النظام. وقد تصل الأمور، عاجلا وليس آجلاً، إلى مرحلة يصبح فيها نظام الأسد مشكلة كبيرة بالنسبة إلى موسكو.
 تؤمن القيادة الروسية بتفوّق منظومة الأمم المتحدة، والتي تعتبر الإطار الوحيد في مرحلة ما بعد الحرب الباردة الذي يمكن لروسيا فيه ممارسة نفوذها، وبسبب ذلك فهي تدعم صفقة الأسلحة الكيماوية وعملية التفتيش عليها. وهي تؤمن أيضاً بالاستقرار السياسي، أي الحفاظ على الدولة السورية، حيث يخشى بوتين من صعود الألوية الإسلامية في سورية، والتي نمت وتطوّرت نتيجة عنف النظام.
 إذا ما تم النظر إليها من هذا المنظور الأوسع، يمكن القول إنه لايمكن خدمة طموحات بوتين في ما يتعلّق بالزعامة العالمية عبر الارتباط ببلطجيّة عهد بائد. وإذا ما كان الأمر كذلك، فلا بدّ أن يشكّل بشار الأسد عائقاً رئيساً أمام سياسات روسيا.
محاربون في واشنطن
في حين قد يرى البعض في الرئيس الأميركي محارباً متردّداً، تمكّنت الولايات المتحدة حتى الآن من التعامل مع الرئيس السوري الذي يدعو لشنّ الحرب بأقصى قدر من الحيطة والحذر.
 في أعقاب هجوم 21 آب/أغسطس، جرى الكثير من النقاش في واشنطن العاصمة حول زعامة أميركا وتردّد أوباما في قيادة المعركة في سورية بضربات صاروخية. والحقيقة هي أن نسبة 62 في المئة من مواطني الولايات المتحدة يعارضون التدخّل في سورية، بالمقارنة مع 72 في المئة من الأوروبيين والأتراك. وفي المناقشات التي جرت خلال زياراتي إلى واشنطن ولندن وباريس، بدا لي أن الناس لهم رأيان اثنان، إما التدخّل لوقف إراقة الدماء ومنع الجهاديين من الوصول إلى السلطة، أو الابتعاد لأن الوضع متقلّب للغاية. ومن الواضح أن الرأي الأخير هو السائد لكنه مرتبك.
 وبالإضافة إلى ذلك، فإنه ليس لدى الولايات المتحدة، إضافة إلى فرنسا والمملكة المتحدة، خياراً حقيقياً سوى وضع خطة لتفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية التي يسيطر عليها النظام السوري المارق، لأن الأسلحة يمكن أن تقع في أيدي الجهاديين عندما ينهار النظام أو يتراجع إلى منطقة أصغر. ولتجنب حصول مخاطر من هذا القبيل، كان التوصل إلى وضع برنامج تفكيك للأسلحة مرتبط بجدول زمني، في سياق عملية تفتيش جادّة تقوم بها الأمم المتحدة وبإشراف شامل من المنظمة في المستقبل، ينطوي على قيمة كبيرة.
 ويبدو أيضاً بالعودة إلى الماضي أنه كان للاستعدادات العسكرية الأميركية تأثير كبير جداً على الحسابات في موسكو ودمشق في الفترة التي سبقت عقد صفقة الأسلحة الكيماوية. ولذا فإن السؤال الحقيقي الآن هو كيف سيتم تنفيذ الاتفاق في الواقع.
أهداف طهران
بالنسبة إلى إيران، قد تساعد المفاوضات بشأن سورية في خدمة طموحاتها. فبعد أن نجحت في استئناف علاقة حذرة مع واشنطن، يبدو أن لدى طهران مصلحة كبيرة في إحراز تقدّم بشأن برنامجها النووي. ويمكن أن تكون إيران أكثر ميلاً للمصالحة والمرونة في سورية في مقابل أن يتم إشراكها في المناقشات الدولية الخاصة بالأزمة السورية.
 يكمن هدف إيران الرئيس في استعادة مكانتها في المجتمع الدولي وممارسة حقها الكامل في تطوير مفاعلات نووية مدنية، وليس في تطوير برنامج للأسلحة النووية، وفقاً لتصريحات أخيرة. وإذا ما أخذنا هذه الأولوية في الاعتبار، والحوار الذي بدأ للتوّ في جنيف مع القوى الغربية بشأن البرنامج النووي لطهران، فإن ثمّة حاجة إلى قدر من الاعتدال الإيراني بشأن القضية السورية.
 وهناك مجال محتمل للتحرك. فقد قالت إيران بشكل واضح جداً إن استخدام الأسلحة الكيماوية محظور تماماً. ولدى إيران أسباب وجيهة لتبنّي هذا الموقف، بعد أن عانت بشكل خطير من الترسانة الكيماوية للرئيس العراقي صدام حسين. وعلى غرار موسكو، لا بد أن تكون طهران قد شعرت بعدم الارتياح إزاء هجوم 21 آب/أغسطس، ولا بدّ أنها قلقة أكثر من احتمال وقوع بعض مخزونات الأسد الكيماوية في أيدي المتمرّدين.
 وبالتالي فإن من المتوقع أن تعمد إيران إلى ممارسة تأثير ملطّف ومهدّئ على النظام السوري. لكن يبقى من غير الواضح ما إذا كانت طهران ستتّخذ في الواقع مثل هذه الخطوات، وما إذا كان من شأن تلك الخطوات أن تؤدّي إلى قبول مشاركة إيران في مؤتمر جنيف الثاني الهادف إلى إيجاد وسيلة لإنهاء الحرب الأهلية السورية.
إلى أين يمضون من هنا؟
يجري الآن تنفيذ برنامج تفتيش تابع للأمم المتحدة في كل أنحاء سورية، حيث تم الحصول على نتائج أوّلية مشجعة. غير أن الطريق أمام البرنامج ستكون صعبة. إذ سيتوجّب على المفتشين تغطية جزء كبير من الأراضي السورية التي تخضع حالياً لسيطرة النظام. وفي بعض المناطق على الأقل، سيتوجّب على قوى المعارضة أن تمارس نوعاً من ضبط النفس بغية تجنّب عرقلة عمل الأمم المتحدة.
 سيتوجّب على النظام السوري، الذي لايحظى إلا بالقليل من الثقة الدولية، أن يلتزم بالقواعد، وضمان الوصول غير المقيّد والآمن لمخزوناته من الأسلحة الكيماوية، وتجنّب تعقيد الأمور. وفي الوقت نفسه، لايمكن السماح لنظام الأسد باستغلال صفقة الأسلحة الكيماوية كرخصة إضافية للقتل بالأسلحة التقليدية. وسيتوجّب على موسكو أن تراقب عن كثب ما يجري لدى حليفها العدواني والمضطرب.
ويعود ذلك إلى أن روسيا، إضافة إلى الولايات المتحدة وإيران، لديها مصلحة حيوية في أن تعمل صفقة الأسلحة الكيماوية بسرعة ودقّة. وإذا لم يحدث ذلك، ستواجه هذه الجهات الفاعلة اتهاماً رهيباً بأنها استغلّت التحرّك بشأن الأسلحة الكيماوية كوسيلة للتعتيم على استمرار الحرب التقليدية.
 وبعيداً عن الأسلحة الكيماوية، من الواضح أن إنهاء الكابوس السوري يتطلّب بضعة عناصر التي لا غنى عنها. وتتمثّل هذه العناصر في الإبقاء على ضغط روسي قوي على الأسد، وإشراك إيران في المناقشات حول مستقبل سورية، في ظل ظروف معينة؛ والحفاظ على الدولة السورية، لكن من دون الأسد في المرحلة النهائية، وتهميش القوى الجهادية، وعقد مؤتمر جنيف الثاني بحضور جميع أصحاب المصلحة المعنيين.
 بطبيعة الحال، سيكون من قبيل الحماقة التكهّن في هذه المرحلة بالتقدّم الذي يمكن إحرازه في المستقبل. فلاتزال سورية مزيجاً متفجّراً من القضايا، ويعتمد مستقبلها على سلسلة من الرهانات المحفوفة بالمخاطر. ومع ذلك، يبقى السبيل الدبلوماسي هو الخيار الأفضل.
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,607,951

عدد الزوار: 6,997,537

المتواجدون الآن: 62