سوتشي ـ برديتشيف ـ حمص: استئصال الوجود

تاريخ الإضافة الخميس 13 شباط 2014 - 6:54 ص    عدد الزيارات 294    التعليقات 0

        

سوتشي ـ برديتشيف ـ حمص: استئصال الوجود

 

وسام سعادة

المدنُ لا تثبت لعنصر إثنيّ أو دينيّ واحد. جميل هذا حينَ تتعدّد عناصرها، فيكون الإقبال على مدينة بفعل إشعاعها وازدهارها، يصير الإقبال نفسه مصدر توسيع وإغناء لدائرة الإشعاع.
في عالم اليوم، مدن كثيرة تشهد على حيوية هذا التضافر، وكانت حتى عقود قليلة سابقة ذات لون إثني أو قومي أقل تنوّعاً. هذا في حين يفتقر شرقنا لكوزموبوليتية اندثرت من طرابزون إلى إزمير إلى الإسكندرية.
المدنُ لا تثبت لعنصر إثنيّ أو دينيّ واحد. كارثيّ هذا حين يكون بالاقتلاع الدمويّ المنهجيّ ودثر المعالم واختلاق المدينة من جديد.
من هنا يمكن، مع انطلاقة الألعاب الأولمبية الشتوية، فهم حرقة قلب الكثير من الشركس، وهم يستذكرون أن سوتشي الروسية قامت على أنقاض عاصمتهم التاريخية في واحدة من مآسي القرن التاسع عشر.
أما برديتشيف، محجّة اليهود الحسيديم في غرب أوكرانيا، فقد أتت عليها الإبادة النازية، والمدينة التي كان يتجاوز يهودها نسبة السبعين في المئة ذات يوم لم يعودوا الآن يشكلون أكثر من واحد بالمئة. حتى، وهي عامرة من بعد تدمير، تتحوّل المدينة المستأصل عنصرها الإثني التاريخي إلى مدينة أشباح بأناسها العاديين.
وفي ما عنى النكبة الفلسطينية، لم يتمكن الاستيطان والترحيل من ضرب الوجود الإثني العربي في المدن الأساسية على غرار ما نجحا في تبديل أكثر جذرية في المناطق الريفية والصحراوية.
المدن لا تثبت لعنصر إثني أو دينيّ واحد. جميلٌ أن يحدث ذلك حين يكون بالتمازج والإقبال والإشعاع. كارثيّ ذلك، حين يحدث بالاستئصال.
ولو بعد ألف عام، لا يمكن أن تعوض سوتشي وبرديتشيف ما خسرتاه بفعل الترحيل والإبادة. أن يكون جوزف ستالين قد استطاب مناخ سوتشي للاستجمام فيها، أو يكون فلاديمير بوتين قد أرادها بوابة لعودة روسيا فهذا لا يبدّل كثيراً في المعادلة.
ماذا عن حمص؟ هي لم تنوجد كي تحصر بعنصر إثني أحادي مقفل. لكن أن يكون العمل جار اليوم لإخلائها من سكّانها وليس من أجل جدول لإعادة إعمارها وعودة سكّانها، فهذا ينذر بأن تكون هذه المدينة هي أول معادل في "المشرق العربي" لنموذجي سوتشي وبرديتشيف: مدينة يتبدّل عنصرها الإثني أو الديني ليس بالإقبال والتمازج على المدى الزمني الممتد، وليس حتى بهجرانها التدريجي، وإنما بالتدمير والاستئصال.
لأجل ذلك أيضاً، فالجولة الجديدة من المفاوضات بين أهل الثورة وبين النظام الذي يحاكي الأساليب الاستعمارية لا يمكن أن تتهرّب عن سؤال حمص، فأن يكون السبيل لحماية الأقلية هو ترحيل "موضعي" لبعض الأكثريّة فهذه هي الترجمة العملية لكل الحديث الأسدي - الخمينوي عن محاربة "الإرهاب التكفيري".

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,651,084

عدد الزوار: 7,037,251

المتواجدون الآن: 61