من حقيبة "النهار" الديبلوماسية - الأسد يحقق أهداف خصومه

حذر مسؤول دولي معني مباشرة بالملف السوري في جلسة مغلقة في باريس من "ان استراتيجية الرئيس بشار الأسد القائمة على أساس رفض مشاريع الحلول السياسية للأزمة، والتمسك بخوض حرب حتى النهاية ضد الثوار والمعارضين، تدعم في الواقع وجهة نظر دول وجهات إقليمية وغربية ترى ان من الضروري إنهيار الدولة السورية وتفكيك مؤسساتها وتفتيت مجتمعها وتشريد شعبها من أجل إسقاط النظام والتخلص من الحكم القائم تمهيداً لبناء سوريا الجديدة على أنقاض سوريا القديمة التي عرفها العالم قبل اندلاع الانتفاضة الشعبية السلمية في آذار 2011. فالأسد يحقق في الواقع أهداف خصومه إذ انه تبنى استراتيجية حافة الهاوية وتصعيد المواجهة المسلحة مع شعبه المحتج من أجل البقاء في السلطة ومحاولة إرغام السوريين على الاستسلام والرضوخ لشروطه وأيضاً من أجل دفع الدول المؤثرة الى التفاهم معه وضمان بقاء نظامه في مقابل وقف الحرب وإنقاذ الملايين من الجوع والمعاناة والموت. لكن استراتيجية حافة الهاوية هذه فشلت إذ رفض خصومه في الداخل والخارج الرضوخ لشروطه بل إنهم ازدادوا تشدداً، فسقط الأسد في الهاوية وأسقط معه الدولة والمجتمع والشعب. فقد بات الأسد أسير حرب استنزاف طويلة ذات آثار مدمرة هائلة وانعكاسات إقليمية ودولية معقدة وخطرة لن يستطيع أن يخرج منها منتصراً إذ ان وقفها يؤدي الى سقوط نظامه ومواصلتها ستؤدي في النهاية الى سقوط نظامه".

وأوضح المسؤول الدولي انه شدد في لقاءات واتصالات غير معلنة مع مسؤولين سوريين "على ان الأسد يجب أن يتصرف بواقعية ويدرك بعد كل ما حدث ان إمكاناته وقدراته التسلحية الضخمة لن تحقق أهدافه، وان وقف الحرب وإنقاذ سوريا يتطلبان إنجاز ثلاثة أمور أساسية هي: أولاً - التخلي نهائياً عن خيار الحرب لأنه أوصل الجميع الى طريق مسدود وقبول مبدأ تقديم تنازلات جوهرية صعبة من أجل إنقاذ سوريا. ثانياً - الإعتراف بوجود ثورة شعبية حقيقية عارمة تطرح مطالب مشروعة تدعمها كل الدول المعنية باستثناء إيران، وان التعامل مع هذه الثورة يفترض قيام نظام ديموقراطي تعددي جديد ينسجم مع الواقع السوري وليس التمسك ببقاء نظام انتهى واقعياً لأنه فشل في معالجة وتسوية أكبر أزمة تواجهها سوريا في تاريخها الحديث وتهدد مصيرها. ثالثاً - الموافقة على تدخل الدول المؤثرة في الشأن السوري من أجل حل الأزمة سياسياً لأن الأفرقاء السوريين عاجزون عن الحل. وهذا يتطلب من الأسد والمرتبطين به تنفيذ بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 وهو المشروع السياسي الوحيد لحل الأزمة المقبول إقليمياً ودولياً على نطاق واسع والذي يدعو الى انتقال السلطة، من طريق التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة، الى نظام جديد ديموقراطي تعددي وانتخابات حرة وشفافة وبناء دولة ديموقراطية تحقق التطلعات المشروعة للشعب السوري بكل مكوناته".

واعتبر المسؤول الدولي "أن النظام سيخسر في النهاية لأن الانتصار الحقيقي أكبر من قدراته وإمكاناته. فالانتصار العسكري للنظام مستبعد جداً إذ إنه عجز عن تحقيقه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، والانتصار الحقيقي ليس عسكرياً بل يتطلب من الأسد أن يربح مرحلة ما بعد الحرب وأن يكون قادراً على نقل سوريا الى مرحلة السلام وأن ينقذها من الكوارث والدمار والخراب الهائلين وأن يعيد بناءها مما يتطلب أكثر من 300 مليار دولار إستناداً الى الخبراء الدوليين. ولن تقدم الدول الإقليمية والغربية أي مساعدات لإعادة بناء سوريا قبل رحيل الأسد وقيام نظام جديد على أساس صيغة جديدة عادلة لتقاسم السلطة تضمن حقوق الغالبية والأقليات، كما ان الإنتصار الحقيقي يتطلب انجاز المصالحة بين السوريين واعادة ملايين المشردين الى منازلهم وتوحيد المجتمع وضمان الأمن والاستقرار وإخراج البلد من عزلته الإقليمية والدولية غير المسبوقة. ولن يقبل السوريون في غالبيتهم العظمى بالعيش مجدداً في ظل حكم الأسد، وسترفض الغالبية الكبرى من دول العالم وعلى رأسها الدول الإقليمية والغربية المؤثرة إقامة علاقات طبيعية مجدداً مع سوريا قبل رحيل الأسد وقيام نظام جديد".

وخلص المسؤول الى القول: "يستطيع الأسد مواصلة إنكار الوقائع والحقائق لكنه لن يستطيع أن يتجاوزها وأن يبدل كما يريد مسار الأوضاع، إذ انه يواجه خيارين: إما الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي والقبول بتنفيذ بيان جنيف مما يؤدي الى سقوط نظامه، وإما الإصرار على مواصلة حرب ستلحق المزيد من الكوارث بسوريا وشعبها وتؤدي في النهاية الى سقوط النظام".