مَن المسؤول عن «تضخّم» الحالة السَلَفية في لبنان؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 7 آذار 2012 - 5:47 ص    عدد الزيارات 399    التعليقات 0

        

 

مَن المسؤول عن «تضخّم» الحالة السَلَفية في لبنان؟
إنّها المفارقة الأكثر مدعاة إلى الاستغراب: البعثيون «العلمانيّون» و«حزب الله» الإسلامي، يواجهان معاً سلَفيّة سنّية ساهما عن قصد أو غير قصد في إخراجها من القمقم.لم يكن في الحياة السياسية اللبنانية التقليدية دور يُذكر للسلفية أو الأصوليّة، لا السنّية ولا الشيعيّة.
طوني عيسى
ولكن، على امتداد المرحلة التي أدار فيها السوريّون شؤون لبنان، برز حراك إسلامي من خلال وجهين:
- شيعيّاً، قضى السوريّون على المقاومة اليسارية في الجنوب لمصلحة "حزب الله" ذي العقيدة الإسلاميّة. ومنحوه امتياز احتكار السلاح. فبات هذا الاحتكار تعبيراً عن احتكار فئة مذهبيّة للسلاح. وهذا ما أثار الكثير من العواصف التي بقيت مقموعة حتى خروج سوريا العسكري من لبنان في العام 2005.
- سنّياً، استمرّ الجوّ السلفيّ محصوراً بجمعيّات صغيرة في بيروت وطرابلس وصيدا، ولم يخرج غالباً عن السقف الديني لدار الفتوى. لكنّ السوريّين "تلاعبوا" ببعض هذه الجمعيات، خصوصاً لجهة تحريضها على الدار، لأنّهم لم يستطيعوا تطويع المفتي.
وانطلاقاً من مصلحته في الداخل السوري، عمد النظام إلى خلق امتدادات بين أجهزته الاستخبارية والجماعات السلفية السنّية التي يدعمها في لبنان وسوريا. ومن هنا، ولادة "فتح الإسلام" وعصبة الأنصار وسواهما.
وعندما فُرض على الجيش اللبناني إنهاء حالة "فتح الإسلام" في نهر البارد، العام 2007، كان لافتاً إعلان "حزب الله" أنّ المخيّم "خط أحمر".
المثير أنّ معظم الجوّ الإسلامي الأصولي دخل إلى لبنان في الأعوام الثلاثين الفائتة، سنّياً وشيعيّاً، برعاية النظام السوري. فهذا النظام الذي يرفع عنوان العروبة والاشتراكية، أراد الإمساك بالورقة الأصوليّة في سوريا ولبنان وتطويعها في خدمة استمراره. وهو "أنعش" الأصوليّات قصداً. فازدهار الأصوليّات تحت جناحه أكثر طمأنينة له من تركها تزدهر "تلقائيّاً" بعيداً عن سيطرته.
لذلك، ومع التطوّرات التي تشهدها سوريا، وتضعضع قدرة النظام على الإمساك بجماعات السلفيّين السنّة في الداخل، انفلتت مجموعات سنّية أصوليّة على الساحة اللبنانية أيضاً. ومن المفارقات أنّ جماعات كان النظام وراء ازدهارها ونموّها باتت اليوم في وجهه. وهو، على الأرجح، ما زال قادراً على تحريك بعضها لغايات يريدها.
لكنّ المهمّ، بالنسبة إلى لبنان، هو أنّ التيّارات الإسلامية باتت اليوم أكثر حضوراً على الساحة الداخلية. وبعدما كانت الحالة الشيعية سبّاقة منذ العام 1982، أي منذ ولادة "حزب الله"، تبرز اليوم إشارات لنموّ التيارات الإسلامية السنّية. وليست ظاهرة الشيخ أحمد الأسير وحدها اللافتة، بل النموّ الذي تشهده "الجماعة الإسلامية"، التي تتبنّى المنطلقات الفقهية عينها التي بُنيت عليها جماعة "الإخوان المسلمين". وخلال سيطرة سوريا على لبنان، كان النظام يضع ضوابط لهذه الجماعة وحركتها السياسية.
إنتظِروا أصحاب اللحى!
المشكلة الأساسية هي تلك التي عبّر عنها الرئيس سعد الحريري أخيراً: هذا هو المتوقّع عندما يتمّ إقصاء الاعتدال السنّي! فالسوريّون وحلفاؤهم في لبنان أمعنوا في محاربة تيّار "المستقبل"، وعمدوا إلى "تطهير" الوسط السنّي من العائلات السياسية والقوى التي تمثّل السنّة تقليديّاً. وكان هدفهم السيطرة على مفاتيح الطائفة، لاقتناعهم بأنّ السنّة في لبنان يرتبطون بالسنّة في سوريا.
لكنّ الأكثر إثارة كان إصرار النظام في سوريا على دعم احتكار "حزب الله" للسلاح، وعدم اعترافه بأنّ هذا السلاح يبقى امتيازاً فئويّاً مذهبيّاً، ولو رفع عنواناً وطنيّاً. ومن المؤكّد أنّ الحالة السلفية أو الأصولية السنّية ما كانت في هذا الاحتقان لو أدّى الحوار الوطني إلى نتيجة في ملفّ السلاح، ولو لم تحصل 7 أيّار 2008، ولو لم يتمّ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وإبعاده إلى خارج لبنان قسراً.
فالتشدّد من جانب فريق مذهبيّ يستتبع تشدّداً يقابله. وعندما يجرى إبعاد لابسي "الكرافات"، لن يكون في الواجهة سوى "أصحاب اللحى"! ولذلك، ليس للقوى التي ساهمت عن قصد أو عن غير قصد، في تحريك الحالات الفئوية المتشدّدة خدمةً لمصالحها، أن تستغرب نموّها اليوم، بعدما انقلب السحر على الساحر!

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,348,557

عدد الزوار: 6,987,930

المتواجدون الآن: 74