عام على ثورة شُوِّهتْ: 3 قضايا رئيسية

تاريخ الإضافة الأحد 18 آذار 2012 - 6:37 ص    عدد الزيارات 408    التعليقات 0

        

 
جهاد الزين.

عام على ثورة شُوِّهتْ: 3 قضايا رئيسية

 

رغم صيحات رفض عسكرة المعارضة والسعي لإبقاء الاحتجاجات سلمية أمام آلة قمع باتت تَعرِف أنه لم تعد هناك عودة الى الوراء، فَرَضَ التحالف الغربي، الدولي الإقليمي، على المعارضات السورية موجة تسليح لمجموعات من الداخل والخارج تساهم في تدمير سوريا.  

ليست المشكلة في الاختلافات القائمة بين مواقع وشخصيات الثورة التي بدأت في سوريا قبل عام، فالإختلافات أمر طبيعي بل ضروري حتى لو كانت الآن تتفاقم بشكل انشقاقي وصراعي داخل مكوّناتها.
 بعد كل هذه التجربة الهائلة في حركة احتجاجات تحولت الى ثورة ضد النظام السياسي القائم وسريعا جدا باتت حربا أهلية فعلية وطاحنة في بعض الاماكن، المشكلة أنه خلال مسار هذه الاثني عشر شهرا لم يُسمح بمناقشة صريحة داخل الاجواء المؤيدة لحتمية التغيير في سوريا، لا بل أكاد أقول ان ارهابا مبكرا مورس على اية محاولة نقاش جادة بلغت حد الإسكات المنظم في القاهرة لتيار سياسي بكامله. ولولا بعض أصوات شجاعة في مقدمها ميشال كيلو وهيثم مناع وحسن عبد العظيم وغيرهم ممن سُمّي "معارضة الداخل" لكان الحظْر على المناقشة الحرة في اوساط الثورة شبه شامل.
لا ضرورة لتكرار الكلام عن عنف النظام وقسوته والضحايا المسؤول عنها فلن نكشف جديدا في هذا التكرار عن نظام طبيعتُه العنفية معروفة منذ ما بات يتجاوز التسعة والاربعين عاما يوم انقلاب حزب البعث الاول عام 1963 وكيف تصدّى في مدينة حماة المرة الاولى عام 1964 لحركة تمرد مسلحة قادها "الاخوان المسلمون" في المساجد وكان عبد الحليم خدام في منصب محافظ المدينة (راجع مذكرات اكرم الحوراني المجلد الرابع القسم 164 من صفحة 3227 الى صفحة 3243 منشورات مكتبة مدبولي) بل بدأت هذه الطريقة في حكم سوريا منذ عام 1958.
هناك ثلاث قضايا مهمة واكبت مسار العام السوري الفائت هي:
1 - الحوار او عدم الحوار مع النظام.
2 - التدخل العسكري الخارجي.
3 - عسكرة المعارضة.
وضعتُ هذا التسلسل للقضايا الثلاث حسب "أقدمية" طرحها. فمع اندلاع الثورة كانت الانظار متجهة الى الداخل وجرت بعض المحاولات لإقامة صيغ حوارية لكن ما ظهر في تلك الفترة من محاولة النظام التلكؤ في اخذ مبادرة للاصلاح جعل الاتجاه العام للمعارضة عديم الثقة بهذا الخيار الحواري.
الا أنه وتحت ضغط الشارع الذي كان لا يزال احتجاجه سلميا بدأ النظام يأخذ بعض المبادرات فطُرحت مسألة الحوار معه مجددا.
كانت هناك وجهتا نظر بين المعارضين، واحدة تقول ان الحوار غير مُجْدٍ مع النظام وأخرى بدأت تلمس تعقيد التركيبة الداخلية وقدر التماسك الذي يملكه النظام ولو كان نظاما أقلاويا، إن من حيث تحالفاته الاجتماعية والسياسية المتعددة طائفياً وطبقياً في الداخل او من حيث تماسك الكتلة العسكرية الضاربة لديه. في تلك المحطات بدأت تعلو بقوة الاصوات الاقليمية والدولية التي تشجعت من سقوط معمر القذافي في سياق ما بدا انه قرار غربي تركي خليجي بقطع اي حوار مع النظام في دمشق بل بمنع هذا الحوار. إنه قرار كلف تطبيقُه على معارضة الداخل تنظيمَ عملية إهانات مدروسة لها امام مقر الجامعة العربية في القاهرة ساهم فيها "الاخوان المسلمون" السوريون دون إعلان وعبر بعض الواجهات واستهدفت مجموعة من أصحاب الرأي الداعي للحوار من "معارضة الداخل".
حتى اللحظة لم يشرح رافضو الحوار كيف انه يفيد النظام وحده وهل كانت ستنعدم في ظل الضغط الاحتجاجي امكانية استفادة المعارضة منه عبر تكتيكات وتكتيكات مضادة يومية على مدى أبعد بوجود تسليط أضواء عالمي وكثيف على الوضع السوري؟ لم تُجرَّب هذه الامكانية من اساسها لكي يمكن اخضاعها لنقاش عملي أكثر ونظري أقل. وفي النتيجة فرَض القرار الدولي الاقليمي مجرى القطيعة الكاملة مع النظام حتى على دولة بأهمية تركيا كان يمكن انطلاقا من احتضانها للمعارضة ومطالبها ان تواصل سياسة حوار ضاغطة على الرئيس بشار الاسد رغم كل ما يقدمه قادة "حزب العدالة والتنمية" من تبريرات لهذه القطيعة. ربما كان من الأجدى للقادة الاتراك انتهاج خط ثالث صارم بين الاتجاهين الايراني المؤيد للنظام والاتجاه السعودي القاطع معه بما يخدم استراتيجيا معنى "النموذج التركي" التحديثي الديموقراطي الذي لا تتمتع به السعودية ولا ايران كدولتين دينيتين. لا نقول أن المهمة سهلة خصوصا حيال عنف النظام و ضعف قابلياته الاصلاحية إلا ان هذا الخيار كان سيفتح سوريا على مرحلة انتقالية أقل عنفا واكثر عقلنة للمعارضة وربما للنظام في المرحلة الانتقالية.
 في النقطة الثانية يتطلب التدقيق القول ان فكرة التدخل العسكري الخارجي لم تكن قوية كفاية في اوساط المعارضة في الداخل او في بعض معارضة الخارج حتى بين "الاخوان المسلمين" السوريين الذين استنكر جناحٌ منهم علنا دعوة مراقبهم العام لتركيا  والغرب بالتدخل العسكري. وهذا مفهوم فالثقافة السياسية السورية التي وحّدت نضالاتُها الكيانَ السوري في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين لديها هذه السمة الوطنية. كل هذا قبل ان يجعل الفيتو الروسي الصيني مشروع التدخل العسكري الخارجي أمرا مستحيلا في مجلس الامن. وبالتالي يسحبه عمليا من النقاش، بل يحدث صدمة عميقة الاثر في النظام الدولي ستتخطى سوريا نفسها. ولكن هذا موضوع آخر.
في النقطة الثالثة وصلنا الى مستوى مأساوي النتائج. فرغم صيحات رفض عسكرة المعارضة والسعي لابقاء الاحتجاجات سلمية، أي إبقاء صدور رجال ونساء وشباب عُزّلٍ مكشوفةً أمام آلة قمع باتت تَعرف أنه لم تعد هناك عودة الى الوراء مهما بلغت شراستها، فَرَضَ التحالف الدولي الاقليمي الغربي على كل المعارضات السورية الرافضة والقابلة موجة تسليح لمجموعات من داخل سوريا وخارجها. لقد امتلأت الصحافة الفرنسية في الخريف المنصرم بمقابلات مع عناصر ممن صار فجأة "الجيش السوري الحر" في عكار اللبنانية و"هاتاي" (لواء اسكندرون) التركية واصبحت الحرب الاهلية البادئة أصلا حربا مكشوفة في بعض المناطق، ومع هذه المرحلة لم نعد نعرف من يقتل من وصارت اخبار عمليات التفجير من جهة  والفلتان الامني وضحاياه من جهة أخرى تطغى احيانا على اخبار ممارسات النظام!
 دخلَتْ سوريا إذنْ بين آلة النظام وعسكرة الاحتجاج في حالة تدمير ذاتي يجب ان نملك الشجاعة الكاملة للقول أنها مشبوهة كقرار غربي ولو كانت تحت اسم اسقاط النظام.
 لا نريد تدمير سوريا تحت اي شعار. ومع الذين يريدون تغيير النظام سلما. فهل هذا الهدف لا يزال ممكنا بعد عام على اندلاع الاحداث؟
 

***
 

إذا كنا قد استعدنا مع الثورة السورية حرية الكلام عن الطبيعة الداخلية لنظام منع طويلا الحد الادنى من هذه الحرية، فيجب ان نتمسك بحقنا في الكلام عمّن هي المعارضات السورية وتكويناتها. لقد دخلت سوريا في مستقبل مختلف لكن ليست محسومةً أهلية العديد من قواها في تأمين سوريا ديموقراطية وسلمية وموحدة رغم الارث الليبرالي العقلاني للكثير من نخبها. من الآن وفي قلب الاحداث المتلاطمة دعونا لا نتساهل في الطرح الاستدراكي المبكر لقضايا التيارات الدينية المتنورة او الظلامية. صمتٌ لا ينبغي السقوط فيه تحت اي شعار او إرهاب ثقافوي وإلا تحوّل دعم الثورة الى نوع من الثأرية المحضة التي يمكن ان نفهمها في حالات فردية تعرضت لقمع قاسٍ من النظام أفسد حياتها. لكن المسألة تتعلق بمستقبل بلد بكامله ولا يجوز ان نقبل وحوشاً "عراعرة" في الداخل والخارج "يجمعني" بهم تأييدي للثورة. أو أن أتفرج على دفع ثورة كاملة المشروعية ضد نظام لم يعد ممكنا ان يستمر، نحو "لعبة أمم" تدمّر سوريا... والشركات الغربية جاهزة لاحقا لإعمارها مهما طال الزمن! هذه معضلات حقيقية منها ما يجمع سوريا بـ"الربيع العربي" ومنها ما يخصها وحدها كما أظهرت احداث هذا العام.
... وأنا بتواضع، لأنني من جيلٍ خَدَعَتْهُ بل بَلَفَتْهُ بعض الثورات بما فيها داخل بلدي، قررتُ ان لا أتخلى عن حقي هذا في الاسئلة والتفكير.

 

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 158,090,591

عدد الزوار: 7,090,448

المتواجدون الآن: 160