لا أحد يضمن «هدنة» في سورية

تاريخ الإضافة الجمعة 13 نيسان 2012 - 5:22 ص    عدد الزيارات 372    التعليقات 0

        

لا أحد يضمن «هدنة» في سورية
عبدالوهاب بدرخان *

في المرحلة الأولى قصد كوفي أنان موسكو للحصول على تعاونها وتوظيف علاقتها مع النظام السوري دعماً لمهمته، وبعدما فجّرت دمشق في وجهه قنبلة «الضمانات» التعجيزية رأى المبعوث الدولي - العربي أن عليه التوجّه هذه المرة الى طهران علّها ترغب في المساعدة وهي تتأهّب للمفاوضات النووية مع الدول الـ 5+1 وربما يهمها أن تنتهز الفرصة لإثبات أنها لاعب اقليمي – دولي. قد يكون أنان تحرك بنصيحة من روسيا التي تشعر بأن تراجع النظام عن تعهده ونسفه «هدنة» العاشر من نيسان (ابريل) وضعها في مواجهة جديدة تريد تأجيلها في مجلس الأمن. لكن ايران تختلف عن روسيا بأنها لا تقف على مسافة ولو قريبة من النظام بل تسانده وتتماهى معه.

ليس واضحاً بعد ما هي البدائل، الممكنة والمجدية، بعد فشل مهمة أنان غير المزيد من العنف والقتل والتدمير، والمزيد من رفض التدخل الخارجي. كان الامين العام للجامعة العربية أشار الى ضرورة استصدار قرار من مجلس الأمن بإلزام النظام السوري، عندئذ، وقفاً فورياً إطلاق النار بموجب البند السابع لميثاق الأمم المتحدة، الذي يستدرج تدخلاً اذا لم يرضخ الطرف المعني. لا شك ان اعلاناً محتملاً عن هذا الفشل سيسلّط الضوء تلقائياً على روسيا التي ستصبح موضع تساؤل وضغط. لكن الموقف الروسي لم يتغيّر بعد الى حد قبول قرار كهذا، ثم أن القوى الدولية لا تريد الوصول الى حتمية التدخل هذه.

قد لا تكون المعضلة في خطة أنان ذاتها وانما في تفاهمات تمهيدية شجّعت النظام على قبول النقاط الست مرفقة بلائحة طويلة من الشروط. يُستدلّ من تلك التفاهمات، وفقاً للخارجية السورية، أن مهمة أنان تنطلق من «احترام السيادة السورية» وأنه سيعمل على «وقف العنف بكل اشكاله من اي طرف كان»، وصولاً إلى «نزع اسلحة الجماعات المسلحة لبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وبدء حوار وطني شامل مع أطياف المعارضة في سورية». ويعني ذلك أن النظام فهم أن الخطة مخصصة لمساعدته والعمل معه على معالجة الأزمة وفقاً لتصوراته علماً بأنه ذهب بعيداً جداً في تعقيدها.

صحيح أن أنان تحادث مع النظام باعتباره السلطة القائمة بمعزل عن مواقف دولية كثيرة تشكك بشرعيته. صحيح أيضاً أن أي وسيط لا بدّ أن يعمل مع الطرف الأقوى وأن يتوقع منه استجابة ومبادرات مسؤولة لتغيير مجرى الأحداث. لكن مشكلة الوسيط الدولي - العربي أنه يتعاطى مع نظام لم يعترف بحقائق الأزمة ولا بأطرافها، بل انه يطمح لأن يشتغل أنان عنده ولمصلحته طالما أنه «الدولة» والآخرين مجرد «عصابات مسلحة». وبناءً على ذلك يغدو مفهوماً أن لا يقرّ النظام بأن ما اقتُرح عليه هو «وقف لإطلاق النار» أو «هدنة» بين طرفين متنازعين، وبالتالي فإن الهدف بالنسبة اليه هو «نزع» أسلحة المعارضين ومطالبتهم بالرضوخ لسلطة النظام الذي ثاروا عليه، أما سحب الآليات والأسلحة الثقيلة من محيط المدن والبلدات فينبغي ألا يمنع أجهزته كافة من قمع التظاهرات والقيام بممارساتها المعتادة من مداهمات للأحياء وانتهاك المنازل واعتقال وتنكيل وتعذيب واغتصاب وتصفيات جسدية...

كانت روسيا وفّرت دعماً قوياً لأنان مكّنه من تحصيل موافقة النظام على خطته، ثم مارست ضغوطاً شديدة ليتمكّن من اعلان تاريخ العاشر من نيسان (ابريل) موعداً لإنهاء العنف وسحب الآليات العسكرية. وفيما استجابت موسكو بذلك لإلحاح مباشر من دول عديدة مشاركة في اطار «أصدقاء الشعب السوري»، تحسست دمشق للمرة الأولى من أنها على وشك أن تقدم تنازلاً لا تريده لأنه بلا مقابل، ولأنها حُشرت بعامل الوقت ولم تتمكّن من المناورة كعادتها بدأت تدرس المخارج المتاحة. لكن أكثر ما استشعرته دمشق في الاسبوعين الأخيرين أن الدعم الروسي قد لا يتواصل كما عهدته طوال الأزمة، ولن تستطيع الركون اليه على المدى الطويل. وبالتالي فلن يبقى لديها سوى الدعم الايراني.

لجأت دمشق الى إخراج متدرج تخلّصاً من تعهدها. إذ راحت تذكّر بشروط لم يُعرف اذا كانت اتفقت عليها مع أنان وفريقه أم أنها افترضت أنه يعرفها. ثم حمّلت أبواقها رواية على حلقات مفادها أن النظام قام بكل ما خطط له وتوصل الى حسم الموقف عسكرياً في مختلف البؤر الرئيسية للانتفاضة، وبالتالي فهو لم يعد بحاجة الى آليات وأسلحة ثقيلة، أي أنه سيسحبها وفقاً لخططه، ولا مشكلة لديه بل أن المشكلة عند الطرف الآخر بسبب تشرذم صفوفه وتعدد جماعاته. إلا أن اختبار الانسحابات الجزئية الأوليّة بيّن للنظام أن تقديراته لم تكن دقيقة، اذ لم يتأخر مسلحو المعارضة من «الجيش الحرّ» وغيره في الظهور. كما أن احدى النقاط الست في خطة أنان تتعلق بالتظاهر الحر وليس وارداً عند النظام أن يسمح به كونه يخشى الوضع الذي سينشأ على الأرض بعد سحب الآليات، فحتى لو لم يتقدم المعارضون المسلحون الى مواقعه فإنه يريد وقف التظاهرات غير المسلحة ومنع الاعتصامات في المدن، وهو ما لم يحققه بالقمع الدموي طيلة عام كامل ولا يستطيع قادة الانتفاضة تلبيته حتى لو تعرضوا لأشدّ الضغوط.

وهكذا تولّدت لدى النظام حاجة الى «ضمانات» يعرف مسبقاً انها تعجيزية ولن يحصل عليها لكنها شكّلت له ذريعة للتراجع عن تعهداته فجعل منها شرطاً على أنان يعيد مهمته الى نقطة الصفر. اللافت أن أحداً ممن يتابعون الأزمة على مستويات مختلفة، ديبلوماسية أو أمنية، ومن مؤيدي النظام ومعارضيه، لم يكن يعتقد أن النظام سينفذ تعهده فعلاً. كان الجميع ينتظر مناورته التالية انطلاقاً مما خبروه عن طريقة تفكيره: فهو يرى أنه لا يزال مسيطراً وقوياً، وأنه احتوى عملياً خصومه في الداخل، وأن خصوم الخارج عجزوا عن اختراق النظام نفسه، أما القوى الدولية فتخشى التدخل بأكثر مما فعلت حتى الآن، وأما الموقف الروسي فلا يزال أمامه بعض الوقت قبل أن يتغيّر لكنه في كل الأحوال لن ينقلب كلياً ضدّه... لكن السؤال المضاد ارتسم: بعدما أصبحت قوات النظام مجرد «حالٍ ميليشيوية» كغيرها فأي ضمانات يستطيع أن يقدمها بدوره لضبط «الشبيحة» المنفلتين ولعدم الاستمرار في القتل؟ الواقع ان النظام، كما أصبح معروفاً، لا يعتبر نفسه ملزماً بضمانات كهذه تقيّد حركته وتضع حدوداً لما يعتبر أنه حقه «السيادي».

ما المقصود اذاً بهذه «الضمانات»؟ ليس فقط مواصلة شراء الوقت بل هي رسالة الى القوى الدولية بأن أي «وقف لاطلاق النار» أو «هدنة» ينبغي أن يكون ثمرة اتفاق دولي - اقليمي وليس مع مجموعات سورية معارضة. وبالتالي فهي دعوة الى مراجعة خطة أنان كونها بحالها الراهنة وصفة لـ «انتقال السلطة» وليست تطبيعاً للوضع ومساعدة للنظام على معاودة بسط سلطته. لكن، على افتراض أن روسيا هي التي تضمن النظام في التزاماته، فإنها لم تؤكد ذلك في أي وقت. أما السعودية وتركيا وقطر المطالَبة أيضاً بضمانات لضبط المعارضة فهي تشكو منذ اليوم الأول للأزمة من انفلات النظام.

* كاتب وصحافي لبناني

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,057,205

عدد الزوار: 6,977,024

المتواجدون الآن: 67