تحول ديموقراطي أم تدهور سياسي؟

تاريخ الإضافة الجمعة 13 نيسان 2012 - 5:59 ص    عدد الزيارات 379    التعليقات 0

        

تحول ديموقراطي أم تدهور سياسي؟

بقلم السيد يسين – القاهرة

 

هل نبالغ لو قررنا أننا منذ اندلاع الثورات التونسية والمصرية والليبية نعيش عصر الثورة العربية الشاملة وليس مجرد انتفاضات جماهيرية؟

لو تأملنا التاريخ المعاصر لبلاد الثورات العربية لأدركنا أنها عانت معاناة شديدة من ظاهرة التدهور السياسي الذي أصبح معلماً من معالمها البارزة، حتى أنه يمكن القول أن كل هذه البلاد التي خضعت لنظمها السياسية المستبدة يكاد ينطبق عليها وصف "الدولة الفاشلة" الذي تنعت به دول متعددة في قارات مختلفة، وفق معايير كمية وكيفية تكشف عن تدني أحوال شعوبها من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولعل أبرز علامات التدهور في هذه البلاد جميعاً هو الاعتداء المنهجي على الحريات السياسية وقمع الجماهير، ليس ذلك فقط بل خرق حقوق الإنسان من خلال تقييد حركة الأحزاب السياسية المعارضة، واعتقال الخصوم السياسيين بغير سند من القانون، بل واستخدام التعذيب ضدهم.
أما التدهور الاقتصادي فتكشف عنه السياسات الاقتصادية المنحرفة والتي تجعل ثمار التنمية احتكاراً للقلة من أهل السلطة الفاسدين وحلفائهم من رجال الأعمال، مما يؤدي إلى الإفقار المستمر للطبقات المتوسطة والفقيرة. وليس أقل خطورة من ذلك التدهور الثقافي والذي يكشف عنه الارتفاع المهول في معدلات الأمية (تصل إلى 04% من مجموع الشعب العربي) وتدني الوعي الاجتماعي نتيجة نشر الوعي الزائف من طريق أجهزة الدولة الإيديولوجية، ونتيجة للدعوات الدينية المتشددة والمتطرفة والتي تنشرها بتشجيع من السلطات الجماعات الإسلامية على اختلاف أنماطها وصورها.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هل ما وقع في تونس ومصر وليبيا كان مجرد انتفاضات جماهيرية نجحت بحكم زحف الجماهير الهادرة على قلاع السلطة المنيعة وإسقاطها أم هي ثورات مكتملة بكل معاني الكلمة. ونعني بالثورات المكتملة امتلاكها لرؤية استراتيجية تتعلق بالتحول الديموقراطي، بمعنى الانتقال من الشمولية والسلطوية إلى الليبرالية، والذي تقوم به التشكيلات الثورية التي قادت الحركة الجماهيرية؟
الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة ولا ميسورة. وذلك لأن الأحداث التي وقعت في البلدان الثلاثة في اليوم التالي للثورة، تشير في الواقع إلى أنها ليست ثورات مكتملة. ولو نظرنا إلى تونس وهي تكاد تكون أبرز النماذج الثورية حتى الآن، التي نجحت في تصميم المرحلة الانتقالية بصورة منهجية من خلال انتخاب مجلس تأسيسي لوضع الدستور وتنظيم الانتخابات، لوجدنا أن الزحف السلفي على الدولة يهدف في الواقع إلى تأسيس دولة دينية وفق رؤية مغلقة ومتشددة، تريد أن تمارس استراتيجية التحريم بالنسبة للتفكير والإبداع، بل وفيما يتعلق بالسلوك الاجتماعي ذاته. مما يشير إلى ردة في مجال حريات التفكير والتعبير والإبداع بالإضافة إلى محاولات بائسة لاعتقال حركة المرأة التونسية التي سبق لها أن تحررت في ظل النظام القديم.
وتشير الأخبار الواردة من تونس إلى أن التيار السلفي مصمم على اعتبار أحكام الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للدستور، في حين أن حزب "النهضة" ورئيسه راشد الغنوشي برؤيته الإسلامية المنفتحة، لا يريد إغلاق الدائرة منذ البداية وتجميد الدستور التونسي الجديد في قفص حديد يقوم على أساس اجتهادات دينية سلفية متشددة، من شأنها أن تقيد حركة المجتمع التونسي بعد الثورة، ليس ذلك فقط بل إن من شأنها في الواقع تعويق عملية التحول الديموقراطي برمتها.
ومن هنا تبدو المفارقة في كون المجتمع التونسي الذي طمح من خلال الثورة إلى تجاوز حدود السلطوية الجامدة، والعبور الآمن إلى آفاق الديموقراطية الرحبة، يشهد الآن في الواقع حالة تدهور سياسي قد يؤدي به إلى التراجع عن مكتسبات تم تحقيقها في ظل النظام السلطوي القديم، الذي كان يرأسه الحبيب بورقيبة وورثه عنه الرئيس السابق بن علي.
ويبدو الموقف أخطر في مصر بعد الثورة. وذلك لأنه في اليوم التالي للثورة تشرذمت الائتلافات التي أشعلت لهيب الثورة ودفعت الملايين من أبناء الشعب المصري إلى الالتحام بصفوفها، والضغط العنيف لإسقاط النظام وإجبار الرئيس السابق على التنحي.
وقد أدى هذا الوضع الاستثنائي في تاريخ الثورات إلى أن من أشعلوا الثورة لم يتح لهم أن يحكموا مباشرة، مما أدى في النهاية بعد مسيرة متعثرة غاية التعثر بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى إدارة البلاد بعد تنحي الرئيس السابق، إلى أن يقفز على قطار الثورة جحافل الإخوان المسلمين لأنهم أكثر تنظيماً، ومعهم حلفاؤهم من أنصار التيارات السلفية الذين لم يسبق لهم أن عملوا بالسياسة من قبل.
وقد استطاع هذا الحلف الديني السياسي أن يغزو النظام السياسي المصري بمجمله، فقد سيطرت جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين على مجلس الشعب والشورى، وعلى اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، مما دفع بعشرات الأعضاء إلى الانسحاب منها والاستقالة احتجاجاً على نزعة الاستئثار والهيمنة على كل المواقع. وبدأ التخطيط لإسقاط حكومة الجنزوري، وتشكيل حكومة إخوانية خالصة.
وأخيراً اكتملت حلقات الهيمنة المطلقة بترشيح الجماعة لخيرت الشاطر في انتخابات الرئاسة، وحين شعرت أن هناك عقبات قانونية قد تقف في طريقه، رشحت كمرشح احتياطي الدكتور المرسي رئيس حزب "الحرية والعدالة" أبقت الشاطر كمرشح مستقل!
أما الجماعة الإسلامية فإنها خوفاً من فقدان المرشحين الإسلاميين لفرص فوزهم بالرئاسة، فقد رشحوا مؤخراً الداعية الإسلامية صفوت حجازي. ومعنى ذلك كله أن مصرة مقدمة - على عكس ما توقع المراقبين- ليس على عهد من التحول الديموقراطي والتقدم في مجال الممارسة الليبرالية، ولكن على عصر سيسوده التخلف السياسي في أبشع صوره، حيث يختلط الدين بالسياسة اختلاطاً شديداً، بحيث يمكن وصف المعارض لهذه الجماعات الدينية بأنه كافر ومرتد عن شريعة الإسلام.
وتصبح المفارقة التاريخية الكبرى أن ثورة 25 يناير - نتيجة سلبية الأداء الثوري بل وإنحرافه، وتعثر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة المرحلة الانتقالية، قد فتحت الباب واسعاً وعريضاً ليس لإعادة إنتاج النظام السلطوي القديم فقط، بل لتأسيس ديكتاتورية سياسية دينية لم يسبق للمجتمع المصري أن شاهدها منذ صوغ دستور عام 3291 حتى الآن!
أما لو نظرنا إلى ليبيا أخيراً لوجدنا ظواهر سياسية تنبئ ببداية التدهور السياسي في ظل الثورة، الذي يتمثل في انفصال إقليم "برقه"، وفي الاقتتال الدموي بين فصائل الثوار، وحتى الصراعات بين القبائل.
هل معنى ذلك أن حلم  الربيع العربي كان ومضة خاطفة برقت في سماء بلادنا وسرعان ما اختفت، وحل محله كابوس التدهور السياسي الذي ليس له حدود؟ سؤال نترك إجابته للمستقبل القريب!

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,067,609

عدد الزوار: 6,977,409

المتواجدون الآن: 77