جواز سفر فلسطيني يهدئ اللبنانيين؟

تاريخ الإضافة الجمعة 13 نيسان 2012 - 6:00 ص    عدد الزيارات 409    التعليقات 0

        

جواز سفر فلسطيني يهدئ اللبنانيين؟

بقلم ماجد كيالي

 

سيظلّ موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من المواضيع الساخنة بالنسبة للطبقة السياسية في هذا البلد الصغير والحيوي والجميل، رغم مرور ثلاثة عقود على خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان (1982).

العقل السياسي اللبناني مسكون بأسطورتين غير صحيحتين البتّة، أولاهما أن ثمة خطراً على الصيغة اللبنانية من وجود اللاجئين الفلسطينيين، في حين أن هذا الخطر يتأتّى من النظام السياسي الطائفي في لبنان، الذي يعيد إنتاج التشقّقات في المجتمع اللبناني ويعوق تشكّل الوطنية اللبنانية، لأنه يعلي من شأن انتماء الفرد لطائفته على حساب وطنه. علماً أن هذا كان يحصل قبل الوجود الفلسطيني المسلح في هذا البلد، وهو موجود بعد ثلاثة عقود على انتهائه.
أما الأسطورة الثانية فتنشأ من وهم أو من فزّاعة يجري تصنيعها لتوظيفها في التجاذبات السياسية الطوائفية والإقليمية في لبنان، وذلك لسبب بسيط وهو أن الفلسطينيين، كشعب وكقيادة، يرفضون التوطين جملة وتفصيلاً، لأنهم يعتبرون ذلك تصفية لقضيتهم، وإجحافاً بحقوقهم التاريخية في أرضهم، وتشكيكاً بوطنيتهم وتضحياتهم، وامتهاناً لكرامتهم. حتى في عملية المفاوضات، على كل الاجحافات الكامنة فيها، ليس ثمة ما يفيد بأن القيادة الفلسطينية فرّطت بحق العودة للاجئين.
حقاً، لا يليق بالعقل السياسي اللبناني أن يبقى مسكوناً بهاتين الأسطورتين، وأن يتعامل مع وجود اللاجئين بعقلية تآمرية وأمنية، بدعوى الحرص على الصيغة الخاصّة للبنان وضعف إمكاناته، بدلاً من التعامل معها بعقلانية وواقعية وإنسانية. وعملياً فإن هذا يتكشّف عن نوع من نظرة "عنصرية" أو اقلّه نظرة لا تحترم حقوق الإنسان ولا حتى المواثيق والمعايير الدولية ذات الصلة، لاسيما بإحالة اللاجئ الفلسطيني المقيم إلى أجنبي وحرمانه امتلاك بيت للسكن باعتبار ذلك توطيناً!
فوق ذلك ليس من المفهوم إصرار بعض اللبنانيين على تجاهل المستجدات في البيئتين الاجتماعية والسياسية للفلسطينيين، منذ ثلاثة عقود، مع استمراء استحضار ذاكرة تتأسّس على أعوام قليلة (1975ـ 1982). فقد حصلت في العقود الثلاثة الماضية تحوّلات نوعية عند الفلسطينيين، منها انتهاء مقاومتهم المسلحة ضد إسرائيل من جنوب لبنان (ومن غيرها)، وتحولّهم نحو التسوية، وإقامة كيان رسمي لهم في الضفة والقطاع (1994)، وحصر ما تبقى من وجودهم المسلح في لبنان داخل المخيمات (باستثناء ماهو خارج قرارهم الوطني). وخلال تلك الفترة هاجرت ألوف العائلات إلى الدول الأجنبية، كما أنه ثمة كتلة كبيرة منهم تقيم في الخارج بحكم العمل؛ وهذا يعني أن معظم الفلسطينيين في لبنان يعيشون أصلاً على الموارد التي تأتيهم من الخارج (من ذويهم فضلاً عن الموارد المتأتية من "الاونروا" وبعض المنظمات الدولية والإقليمية ومنظمة التحرير)، أي إنهم مساهمون ناشطون في الدورة الاقتصادية في لبنان، من دون أن يحمّلوها أية أعباء.
في تلك الفترة، أيضاً، ماعاد للاجئين أية فاعلية في المعادلات اللبنانية، بل إنهم هم باتوا ضحية للصراعات الداخلية بين اللبنانيين، وتلك المتعلّقة بالتوظيفات والمداخلات الإقليمية. هكذا تعرضت مخيماتهم في السنوات الماضية لعملية تدمير منهجية فاقمت معاناتهم ومأساتهم ("حرب المخيمات" أواسط الثمانينات ومخيم نهر البارد 2007).
القصد من كل ذلك القول بأن الفلسطينيين اللاجئين في لبنان باتوا "ضيوفاً" يتمّ التنكيل بهم، لذا هم الذين عليهم أن يخشوا كثيرا وأن يتحسّبوا جيداً من التحولات الحاصلة في لبنان ومن المداخلات الإقليمية فيه. ومعنى ذلك أن لبنان ذاته مقصّر بحقهم، ونحن لا نتحدّث هنا عن تحسين أوضاعهم المعيشية، وإنما عن مسؤوليته إزاء أمنهم، وإزاء وضع حدّ لمحاولات التدخل أو العبث بأوضاعهم، من لبنان أو من خارجه.
عدا ما تقدم فهذا القطاع من اللبنانيين، الذي يستمرئ إشهار فزّاعة التوطين، يتجاهل التغيرات في سلوكات الفلسطينيين ومراجعاتهم النقدية واعتذارياتهم عن أخطائهم في لبنان. ففي مطلع عام 2008 أشهر عباس زكي ممثل منظمة التحرير في لبنان وعضو اللجنة المركزية لـ"فتح" "إعلان فلسطين في لبنان"، الذي تضمّن التعبير عن "الامتنان" للتضحيات التي قدمها شعب لبنان للقضية الفلسطينية"، والاعتراف بأن "الوجود الفلسطيني فيه، بحجمه البشري والسياسي والعسكري، أثقل على هذا البلد الشقيق ورتـَّب عليه أعباءً فوق طاقته واحتماله". والأهم أن "الإعلان" نصّ صراحة على "الاعتذار عن أي ضرر ألحقناه بلبنان العزيز، بوعي أو من غير وعي... غير مشروط باعتذار مقابل".
أما بالنسبة إلى المخاوف من الوجود الفلسطيني، وفزّاعة "التوطين"، فقد أشار الإعلان/الوثيقة إلى أن الجانب الفلسطيني "لم يعد يفكّر، لا اختياراً ولا اضطراراً، في أي مشروع سياسي أو أمني في لبنان أو انطلاقاً منه"، وأنه يلتزم "سيادة لبنان واستقلاله... دون أي تدخّل في شؤونه الداخلية". وأن "السلاح الفلسطيني في لبنان ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها". ونوّه الإعلان بالتمسك بحقوق اللاجئين (المدنية)، مؤكدا بأنها "غير مشروطة بقضية السلاح، ولا في أية معالجة بأسلوب المبادلة"؛ في عبارات مطمئنة وذات دلالات مهمة. أما شكل العمل من اجل هذه الحقوق فيأخذ، بحسب البيان، السبل السلمية والديموقراطية "وضمن القوانين اللبنانية المرعية الإجراء". وللأسف فإن هذه المراجعة النقدية الاعتذارية لم تلق بعد استجابة مناسبة، في ظل إصرار قطاع من اللبنانيين على التمسك بنظرة لا تنسجم مع المعايير الإنسانية والدولية.
 آن للبنانيين أن يدركوا أن اللاجئين الفلسطينيين باتوا منذ زمن خارج معادلاتهم وصيغهم الداخلية، وأن مشكلتهم تكمن في نظامهم السياسي ذاته وفي انفتاح كيانهم على مداخلات وتوظيفات خارجية، وفي عدم قدرتهم على تحقيق اندماجاتهم المجتمعية وصوغ اجماعاتهم الوطنية، وأن إنصاف هؤلاء اللاجئين من ناحية الحقوق المدنية والاجتماعية واجب عليهم للتخفيف من معاناتهم، بعد كل ما حاق بهم من بلاوي التشرّد والحرمان من الوطن والهوية، وانسجاما منه أقلّه مع حقوق الإنسان والمواثيق المتعلقة بهذا الشأن.
ولعلّ قيام السلطة الفلسطينية بمنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الجنسية وجوازات سفر فلسطينية، بالتنسيق مع الدولة اللبنانية والجامعة العربية، قد يهدئ مخاوف اللبنانيين، ويضع حدّا للاستعمالات الوظيفية لفزّاعة "التوطين"، فضلاً عن ان ذلك حقّ لهؤلاء اللاجئين (مع التسوية أو من دونها)، بعد كل ما كابدوه، علماً أن هذا لايتناقض مع حقهم في العودة، المكفول في الشرائع والقرارات الدولية ذات الصلة.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,060,777

عدد الزوار: 6,977,175

المتواجدون الآن: 64