هل الإيمان الديني عامل مؤسّس لثقافة العيش المشترك ؟

تاريخ الإضافة الخميس 19 نيسان 2012 - 5:49 ص    عدد الزيارات 417    التعليقات 0

        

 

هل الإيمان الديني عامل مؤسّس لثقافة العيش المشترك ؟
جيروم شاهين
كيف يمكن أن نعتبر أن الإيمان الديني هو عامل مؤسِّس لثقافة العيش المشترك لا بل الواحد ؟
نعتبر أن ذلك صحيح عندما ننظر إلى الدين على أنه عطيّة من الله، ورحمة منه، وهداية للبشر أجمعين. لذلك، لا يمكن أن يكون، في جوهره وغايته، إلاّ مصدر محبة وسلام وعدل وارتقاء لإنسانية الإنسان في توقها إلى الله المطلق الوحيد.
إلاّ أنه، عندما يصادر الناس الدين ويقطعون صلته بالوحي الإلهي، ويوظفونه في خدمة مصالحهم الفردية والفئوية الضيقة، مستخدمين إياه في تبرير سياسات الظلم والعدوان، إنما يصبح الوسيلة الأكثر فتكاً بالناس في كرامتهم وحقوقهم المشروعة.
إنّ هذا الأمر يطرح مسألة التعددية الدينية، الطائفية والمذهبية، في شرعيتها ومقاصدها ونتائجها.
إنّ التعددية الدينية والطائفية هي، من وجهة نظر لاهوتية، وفي الحكمة الإلهية ومقاصدها، تعدّدٌ في سبل الخلاص، استنساباً للزمان والمكان ولأوضاع البشر المختلفة. لذلك، فالتعددية تتناقض مع احتكار شكل التديّن ، والإستكبار، والإختزال، والإحتواء والإستتباع، بل هي دعوة إلى الحوار لمعرفة الآخر كما يعرف هو ذاته ويُعرّف هو عن ذاته، وصولاً إلى احترام متبادل ومشاركة فعّالة لبناء المدينة الأرضية كما يريدها الله وليس كما يخطط رصف مداميكها البناؤون. " فإن لم يبنِ الربُ البيت ، باطلاً يتعب البنّاؤون ".
أما على مستوى الأهداف المجتمعية الميدانية التي على التعددية الدينية الإيمانية أن تحدّدها، فهناك أكثر من هدف تنكشف لنا أهميته لا بل إلحاحيته لتحسين صحة العلاقات المتبادلة بين أفراد مجتمعاتنا وشرائحها. نذكر هنا بعضاً من تلك الأهداف:
أولاً، رصْد حالة العيش المشترك في كل من بلداننا، رصداً موضوعياً، علمياً، يخلو من كل أنواع الأفكار المسبقة، والأحكام القيميّة، والتصورات المتخيّلة الوهمية والمتوارثة في الذاكرة الجماعية، وجميع الإسقاطات المُغرضة التي نسجها الغرب، بمستشرقيه وسياسييه، وفرضها على مجتمعاتنا الشرقية بقوة هيمنته الإستعمارية.
ثانياً، تحديد مواقع التوترات والنزاعات التي تُستخدم فيها المشاعر الدينية وقوداً لإذكاء الصراعات بين فئات المجتمع الواحد، والدين الأصيل منها براء.
ولما كانت المصالح المادية القومية والفئوية هي التي تتحكّم في العلاقات ما بين الدول، فإن الدول المتطورة اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً لا تتوانى أبداً عن استخدام ضعف دول العالم الثالث من جهة، وتمسّك شعوبها بالدين من جهة ثانية، لتتدخّل باستمرار من خلال الاختلافات الدينية لدى تلك الشعوب، فتحوّل الاختلافات إلى صراعات. من هنا يأتي دور الحوار الإسلامي ـ المسيحي الذي يهدف إلى تعميق العيش الواحد في كشف تلك التدخلات الخارجية وفضحها وبالتالي منعها من زرع الفتن في مجتمعاتنا. إلاّ أن الحوار الإسلامي ـ المسيحي الحقيقي، وفيما هو يقوم بوظيفة صدّ التدخّلات الخارجية وتعطيلها، عليه بالوقت نفسه ألاّ يغفل عن التناقضات الفعلية في داخل كل مجتمع. وهكذا يصبح من مهمات الحوار تحصين الجبهات الداخلية والتصدّي للتدخّلات الخارجية في آنٍ واحد.
ثالثاً، استكشاف المساحات المشتركة، على صعيد الدين، والأخلاق، والقيم، والثقافة، وما يشكّل تحدّيات مشتركة تهدّد المصير الواحد. ومما يسوّغ مثل هذا الاستكشاف هو أن مساحات عديدة مشتركة وايجابية جداً غالباً ما تكون مطموسة، مغيّبة، محرَّفة، ومستلَبة. فالبحث عن القيم الروحية والإنسانية المشتركة في تراث الدينَين وفي سلوك أتباعه، وعن النماذج المشرقة لتجارب العيش المشترك والتضامن والتراحم والتوادّ، وإبراز تلك النماذج، إنما يشكّل تمهيدَ أرضيةٍ واسعة وموآتية لإنجاح أي مشروع لتعميق العيش الإسلامي ـ المسيحي الواحد.
يجب ألاّ نخشى على الأديان وألاّ نخشى من الأديان. لربما علينا أن نخشى ممن يستخدمون الأديان وقوداً في إذكاء الصراعات السياسية والاقتصادية.
لذلك، على الحريصين بأن تقوم الأديان بدور أنسنة الإنسان أكثر فأكثر وبإشاعة قيم السلام والمحبة والعدالة والمساواة، أن يحصّنوا المؤمنين بالله كي يبقى الدين واثقاً بنفسه دون انتصاريّة، متواضعاً دون انكسار، شجاعاً دون تهوّر.
إلاّ أنه، إذا ما تطلّعنا إلى ما يحصل راهناً في منطقة الشرق الأوسط، يجعلنا نُبدي خشية معلَّلة من استخدام التعدد الديني في بناء مشاريع سياسية واقتصادية وجيو ـ استراتيجية مشبوهة في اهدافها ونتائجها.
ما نخشى منه، على سبيل المثال، أن تُستخدَم الأديان والطوائف والمذاهب لإزالة صيغة الدولة / الأمّة الموحَّدة والموحِّدة واستبدالها بكيانات طائفية ومذهبية. وفي هذا المنظور، يتمّ، للأسف، تفتيت الانتماء بالمواطنة الواحدة على الرغم من تعدد الطوائف، لبناء كيانات طائفية ومذهبية.
إن ما نخشى وقوعه يجب ألاّ يؤدّي بنا إلى الإحباط او اليأس. بل، على العكس، يجب أن يحفّزنا لكي نجعل التعددية الدينية والطائفية غنى وثراء لوحدةٍ ضمن التنوّع.
إنّ هذه الوحدة المؤسَّسة على إزالة التوترات والنزاعات الدينية لا يمكن أن تتحقق إلاّ باعتماد المبدأ التالي: الدين لِمَن اعتنق الدين، والوطن للجميع، والناس متساوون في الإنسانية وفي المواطنة الواحدة.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,736,592

عدد الزوار: 7,001,941

المتواجدون الآن: 79