هل أفشلت جوبا خطة لجمهورية اسلامية في الخرطوم؟

تاريخ الإضافة الأحد 29 نيسان 2012 - 6:45 ص    عدد الزيارات 386    التعليقات 0

        

 
كاتب وصحافي لبناني

هل أفشلت جوبا خطة لجمهورية اسلامية في الخرطوم؟

بقلم سليم نصار – لندن

 

يؤكد انصار الرئيس السوداني اقتناعه بأن افتعال أزمة هجليج يصب في مصلحة الدول الغربية التي تخشى من تحوّل النظام السوداني الى ما يشبه نظام الملالي في ايران.

"اذا كانت وحدة السودانيين لا تفرز الا الحروب المتواصلة... فانه من الافضل تحقيق الانفصال بالتراضي، كي نحصل على السلام الدائم". هذا ما اعلنه الرئيس عمر حسن البشير اثناء اشتراكه في احتفالات الاستقلال التي أقيمت في جوبا اثر الانفصال الرسمي في تموز 2011.
وقد تم ذلك الانفصال او الانشطار، عقب اجراء استفتاء شعبي انتهى بطلب استقلال الجنوب عن الشمال. وتوقع المراقبون خلال تلك الفترة انتهاء مرحلة الاحتراب بين فريقين يتألفان من خمسمئة قبيلة يتحدث افرادها ما يقرب من مئة وخمسين لغة.
وفي خطوة غير متوقعة، اقدمت قوات جوبا على احتلال منطقة هجليج التابعة للشمال بسبب وجودها في جنوب كردفان.
وفسرت الخرطوم هذه الخطوة المفاجئة بأنها محاولة للسيطرة الكاملة على آخر منطقة من مناطق النفط المتنازع عليها. علماً ان مناطق الجنوب تضم ما نسبته 75 في المئة من احتياطي النفط السوداني. وبما ان هجليج تنتج اكثر من 60 الف برميل يومياً فان ضمها بالقوة، اعتبره الرئيس عمر البشير صفعة يصعب السكوت عنها. والسبب كونها تمثل مصدر التمويل الاساسي لموازنة دولته بعد ان نالت جوبا حصة الاسد من المغانم النفطية.
ويتبين من ردود فعل البشير ان الدولة الفتية اللصيقة بحدود دولته، قد خيبت آماله، واعتمدت في تعاطيها السياسي على دول غير عربية مثل الولايات المتحدة والصين. لهذا كانت اتهاماته قاسية عندما وصف دولة جنوب السودان بالحشرة الشعبية والافعى السامة. واقسم امام حشد جماهيري، بانه سيعمل على تصفية الخونة والمرتزقة وكل من يغازل اسرائيل.
ويؤكد انصار البشير ان رئيسهم مقتنع بان افتعال هذه الازمة يصب في مصلحة الدول الغربية التي تخشى من تحول النظام السوداني الى نظام شبيه بنظام الملالي في ايران. وكانت هذه الفكرة تراود حسن الترابي الذي دعم انقلاب البشير على امل اختطاف القيادة منه في المستقبل. ولكن البشير استطاب الحكم، والقى بشريكه الترابي جانباً عام 1989.
ومن هذه الزاوية يمكن تفسير الاندفاع الذي اظهره البشير بهدف انشاء دولة عرقية دينية صافية ليس فيها سوى المسيحيين وعبدة الاوثان. والمؤكد ان انفصال الخرطوم عن هذا الجسم السياسي الجديد، يعطي الرئيس البشير الفرصة المثالية لاعلان نظام شبيه بنظام الجمهورية الاسلامية الايرانية. مع فارق واحد هو ان يصبح السودان مرجعية الاسلام السنة في المنطقة. وعليه كان تهديده صارماً وعنيفاً لأنه رأى في تصرف جوبا، مدخلا لنزاع طويل يراد من ورائه اغراق الخرطوم في مستنقع نزاع دموي يمنعه من تحقيق طموحاته، وربما قادته الى هذا الاقتناع سلسلة احداث أهمها وقف انتاج النفط، الامر الذي تسبب في مضايقة حكومة الخرطوم المتهمة برفع الرسوم على النفط المنقول الى بور سودان.
اضافة الى الضغوط الاقتصادية المؤثرة، فان البشير صنف الجارة الوليدة دولة عدوة لانها تسلح ميليشيات الحركة الشعبية لتحرير السودان، وتمنحها الحماية والرعاية.
في المقابل، فان وزير الاعلام في حكومة الجنوب برنابا بنجامين، اتهم الخرطوم بارسال متسللين الى المناطق المتنازع عليها بقصد نشر الذعر وتهديد حكم الرئيس سلفاكير ميار ديت.
وعلى الرغم من انشغال الرئيس الصيني هو جينتاو بحركة تطهير قيادة الحزب الشيوعي، فقد اهتم بزائره رئيس جنوب السودان، لأكثر من سبب: اولا – لأن سيد البيت الابيض باراك اوباما اتصل به، طالباً تدخله العاجل لأن الولايات المتحدة لا تريد التورط في حرب جديدة داخل افريقيا في وقت تستعد للانكفاء عن افغانستان. ثانياً - لأن الحكومة اليابانية طلبت بالحاح استئناف المفاوضات المجمدة، لعلها تستعيد مكانتها كثاني اكبر مستهلك للنفط السوداني. ويبدو ان تقيدها بالعقوبات المفروضة على ايران، دفعها الى التحول نحو السودان. ثالثاً - كانت الصين تستورد من جنوب السودان نحواً من 260 الف برميل يوميا، من اصل 350 الف برميل هي حصيلة انتاجه. وكان من المتوقع ان يؤثر هذا الانخفاض المفاجىء على واردات الصين، خصوصاً بعد خلافها مع طهران على العقود الآجلة. وهذا ما دفع بيجينغ الى البحث عن بدائل من نحو عشرة في المئة من وارداتها. أي ما يعادل 545 الف برميل يوميا.
ويجمع مستشارو شركات النفط، على القول انه من المستبعد ايجاد حل سريع للمشكلة القائمة بسبب ارتفاع الطلب من اليابان لتوليد الكهرباء عقب الزلزال المدمر الذي شل منشآتها النووية.
وأدت عملية وقف صادرات جنوب السودان، الى قطع الامدادات عن شركة النفط الوطنية الصينية وشركة "بتروناس" الماليزية وشركة النفط والغاز الطبيعي الهندية، وكلها شركات تملك حصصاً في حقول الجنوب.
يقول فيكتور شام من "شركة بورفين أند جيرتس" ان هناك نوعين من النفط المنخفض الكبريت في جنوب السودان: خام النيل وخام دار. وهذان النوعان هما المفضلان لدى المصافي الصينية ومصافي اليابان المعدة لتوليد الكهرباء. لذلك اضطرت الصين الى شراء كميات اضافية من روسيا والخليج العربي وافريقيا لتعويض خسائرها من ايران.
المهم، ان كل هذه الاسباب مجتمعة دفعت بيجينغ الى مضاعفة ضغوطاتها على الخرطوم وجوبا، بغرض العودة الى طاولة المحادثات. وقد ساهم وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، في اقناع الرئيس البشير بأهمية احياء الحوار قبل تدويل الازمة، كما حذر الرئيس سلفاكير من خطورة الاستسلام للغوغاء، لأن المستفيدين من النزاع كثر، ولأن الاعتماد على مجلس الامن لن يؤدي الى  النتائج المرجوة. ويرى الوزير المصري ان ما يحصل بين السودانيين، ينعكس على دول الجوار، وعلى توفير الاستقرار في مصر واثيوبيا وكل الدول المتاخمة.
تبقى الاسئلة المتعلقة بطبيعة الازمة، وما اذا كان السهل تحقيق نتائج مرضية في هذا السياق؟ يقول الخبراء ان المفاوضات تعتمد في انطلاقتها على "بروتوكول ابيي" الذي يضم التقرير النهائي لترسيم الحدود بين السودان وجنوب السودان. وقد اشار التقرير الى منطقة هجليج، كجزء من ابيي. وبادر في حينه "حزب المؤتمر الوطني" الممثل للبشير، الى رفض الخطوط كونها تجاوزت مشيخات "دينكا نقوك" التسع.
ولما بلغت المحادثات حد الانهيار، نقل الموضوع الى محكمة التحكيم الدولية في لاهاي التي طلبت في صيف 2009، اعادة ترسيم الحدود الشرقية والغربية لمنطقة أبيي. وبنتيجة ذلك التحكيم تركت السيطرة على حقول النفط في هجليج لحكومة الخرطوم. وجاء ذلك القرار مخالفا لقرار سابق وضع فيه الخبراء هذه المنطقة ضمن حدود تابعة لجوبا. بينما تركت الحدود الشمالية والجنوبية على حالها. وهذا معناه ان الحل الاساسي في المحادثات سيتركز على قضية ابيي.
يقول ممثلو الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب، ان الدول المهتمة بوضع الحلول – وفي مقدمها الولايات المتحدة – اصرت على منح منطقة هجليج الى الخرطوم باعتبارها ستكون الممول الوحيد لموازنة السودان بعد الانفصال. ويبدو ان سلفاكير لم يكن مقتنعا بهذا المنطق الذي وافق عليه في حينه جون قرنق. ولما استتب له الحكم، امر بمهاجة تلك المنطقة واحتلالها. وقد استخدم البشير كل قدراته العسكرية بما فيها الطيران، من اجل طرد جماعة سلفاكير، واسترداد ما وفرته له المداخلات الخارجية. وهكذا عادت المسألة الى المربع الاول، لأن الجنوب لا يستطيع نيل كل مطالبه في الارض والشعب والنفط.
من هنا القول ان المطلوب من الفريقين، تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة التي انهت الحرب الاهلية عام 2005، ووضعت حداً لاطول نزاع في القارة الافريقية.
كما هو المطلوب من سلفاكير الا يسمح لبلاده الصغيرة بأن تكون واجهة لقوى دولية واقليمية تطمع في منع البشير من انشاء جمهورية اسلامية سنية تنسجم في طروحاتها العقائدية والسياسية مع كل ما يبشر به وريث الخميني في ايران.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,134,016

عدد الزوار: 6,979,693

المتواجدون الآن: 68