مصر الثورة مستمرة ... والخوف أيضاً

تاريخ الإضافة الإثنين 30 نيسان 2012 - 6:40 ص    عدد الزيارات 396    التعليقات 0

        

 

           
مصر الثورة مستمرة ... والخوف أيضاً
بقلم - محمد رشيد
مصر تعيش حالة خلط موقت بين الثورة والانقلاب والفوضى، وجزء كبير من مسؤولية هذا الخلط مصدره الخلافات والصراعات ما بين قوى الثورة نفسها، وانقسام تلك القوى حول الأدوار سارع للأسف الشديد في تأجيج الخلافات حول الاهداف أيضاً، خلافات بين من ألقى راية الثورة في سبيل حفظ الدولة وإتمام اهداف الثورة من داخل المؤسسات، وبين من يعيب على اصحاب رايات الدولة نزولهم السريع عن الجبل، والاكتفاء بالمكاسب الفورية من دون ان تحقق الثورة من أهدافها الا ما يعدل اهداف انقلاب يخدم مصالحهم.
الجدل والانقسام حول تلك المفاهيم لن ينتهي اليوم او غداً، واذا كنا متفقين ان ما حدث في مصر ثورة شعبية حقيقية، فانه من المبكر الحكم لمن آلت «الرايات»، وسيكون ما نراه ونعيشه مجرد بدايات أولية ومعالجات لآثار انهيار النظام الجانبية ليس اكثر، وان تحقيق الاهداف غير السياسية لم ينطلق بداره بعد.
وما لم يلمس المواطن المصري آثارا حقيقية للثورة في حياته، في الحريات والكرامة، في العدالة والقانون، في السلم الاهلي والأمن الاجتماعي، في التعليم والصحة ومستوى الدخل، في التقلص المستمر لجيش العاطلين عن العمل، فان هذا المواطن نفسه الذي تحمل كل اثار وضرائب الثورة سينقلب بحدة على من سرق ثورته.
من المبكر فعلا الحكم، بل من الظلم التسرع في بناء المواقف، فقوى الثورة بمجملها الموجودة في البرلمان او تلك المتمسكة بالميدان، لم تتمكن بعد من أخذ دورها الطبيعي والشرعي في إدارة الشأن العام للشعب المصري، خصوصا في ظل بقاء كل سلطات المرحلة الانتقالية بيد المجلس العسكري، ومن غير الجائز الحكم على التوقعات والنوايا لكشف اتجاه الغالبية ان كانت سنكتفي بمباهج «انقلاب ناجح»، ام انها ناهضة لتحمل مسؤوليات و«مخاطر الثورة»،
الغالبية الساحقة في مصر غير مهتمة ولا تريد ان تعرف ذلك الفارق الجوهري بين الانقلاب والثورة، والمشكلة ليست في الثقافة السياسية للشعب، ولا هو استنكاف عن المعرفة او اكتفاء بما تحقق حتى الآن، انما قلق مما حدث حتى الان، وما تعيشه الاسرة المصرية من انعدام للامن واتساع رقعة البطالة، من اهتزاز قوي في الاقتصاد وتراجع الخدمات، من صراعات بين العسكر والبرلمان والميدان.
مصر اليوم حقيقة «ارض الخوف»، خوف من كل شيء الا الخوف السياسي، ونعمة انعدام الخوف السياسي وترقب اجهزة القمع الأمنية و«زوار الليل» تحققت، لكنها أخلت الطريق لخوف يطول الجميع، بل يطول بصورة خاصة من ليس له اهتمام او نشاط سياسي، وككل المجتمعات أولئك هم الشعب، وأولئك هم ضحايا الخوف الجديد المنتشر في مصر اليوم.
يستطيع الشعب ان يصبر على تشريع القوانين وإقرار الدستور، ويستطيع الشعب ان يصبر على امور السياسة الخارجية، بل بامكان الشعب تجاهل الفارق بين ما وعد به وبين ما هو يعانيه الان، لكن من يستطيع ان يقنع ام تخشى على ابنائها من الجوع او المرض او الاختطاف.
لقد قبل الشعب المصري وعن طيب خاطر تعليق الجزء الاكبر مما حدث حتى الان على شماعة «الفلول» حسب ما هو دارج في مصر اليوم، لكن الشعب المصري ذكي جداً، ويعرف ان قدرة «الفلول» مبالغ فيها، لان قوى الثورة لا تريد حتى الان على الاقل الاتفاق على حد أدنى واضح بين من يقول علينا حماية واستكمال اهداف الثورة عبر المؤسسات، وبين من يصمم على ان الميدان هو حماية الثورة والطريق لاستكمال أهدافها.
على الطرف الاخر من الصورة يقف المجلس العسكري مغامرا حينا، وحائرا احيانا، طامحا حينا ومتعبا احيانا، ضائعا الى حد كبير بين ثورة ايدها، ودولة تتراجع مقدراتها بسرعة كبيرة، ولا يبدو على السطح ان المجلس يحظى باستشارات حكيمة او كافية، في حين لا يستطيع المجلس العسكري الادعاء بان لديه من الخبرة والملكة والإرادة ما يؤهله للانفراد بحكم مصر في هذه المرحلة العصيبة.
الغموض والتكتم والقرارات المتغيرة، كلها عوامل لا تخدم المجلس العسكري، بل ان تلك العوامل تركت لدى المواطن المصري انطباعات متناقضة، وأسئلة معلقة عن دور المجلس وطموحاته، وربما كانت تلك الانطباعات والأسئلة المعلقة مجرد اوهام وتخيلات، وان كانت كذلك فالمجلس العسكري وحده يتحمل مسؤولية ذلك، لانعدام الوضوح وضعف التواصل.
وربما من كبرى المخاطر التي تواجه مصر ان جيشها مضطر الى اداء مهمات أمنية داخلية، بكل ما يعنيه ذلك من اهتزاز في بنيان الجيش وتأثير في عقيدته القتالية، وفوق كل ذلك لا تستطيع الجيوش الوطنية حفظ الأمن الداخلي لمدة طويلة نسبيا كما يحدث في مصر اليوم، ومن يقول غير ذلك يكون كمن يقفز في الهواء، لان مهام الجيش وفلسفته وتدريبه وتسليحه يختلف كل الاختلاف عن حاجة مصر الى النظام العام.
طبعا يقدر الجميع دور الجيش، فقد شكل على امتداد الخمسة عشر شهرا الماضية بعض السكينة من الخوف، ورعى بحيادية كاملة الانتخابات البرلمانية، ولم يتعرض بصورة سافرة للانفتاح السياسي والاعلامي الكبير الذي حققته الثورة المصرية، واستكمل الاستعدادات للانتخابات الرئاسية المتوقعة من دون تبني مرشح معين حتى الان على الاقل.
الا ان الوقائع تؤكد أيضاً ان المجلس اخطأ حين استعجل في طرح القواعد الدستورية للاستفتاء بالقيود التي حملتها، ويمكن القول ان ذلك خلق خللا تجلس بموجبه الشرعية المنتخبة على مقاعد المعارضة، وتدير مصر حكومة موقتة لا وزن لها في الشارع، حكومة تكاد ان تكون غير خاضعة لأي رقابة في ظل بقاء مرجعيتها بيد المجلس العسكري الحاكم، باعتباره صاحب السيادة الأوحد في البلاد.
ولانها تجربة فريدة لا سابق تاريخيا لها، فان الامور منطقيا تدار بنظرية «التجربة والخطأ»، بل ان تلك النظرية طورت ببعد اخر «بوالين الاختبار ورد الفعل»، ما زاد الامر تعقيدا، اضافة الى انعدام الوضوح في مصادر السلطات، وتعرض السلطات القضائية لضغوط عميقة وخطيرة احيانا بحكم الواقع والانفلات الامني وتضارب مصالح القوى المؤثرة، ولولا الشجاعة الفائقة للقضاء المصري لما امكن إنجاز أي شأن في مثل هذه الأجواء.
وتبدو الغالبية المنتخبة مغلوب على أمرها وهي تحاول التروي وتجنب الصدام مع المجلس العسكري بانتظار ان تمر الايام والأسابيع المتبقية بسرعة، وانتخاب اول رئيس مصري بصورة ديموقراطية، والغالبية تسعى للفوز بهذا المنصب بعد ان أربكت حسابات الجميع بالعودة عن قرارها السابق بعدم ترشيح شخصية «إخوانية» لهذا المنصب.
مهما كانت دوافع الغالبية في تغيير موقفها من الانتخابات الرئاسية، فانه من الواضح ان ذلك القرار رفع درجة حرارة الانتخابات بمعدلات قياسية، وبغض النظر عن من يفوز بهذه الانتخابات، ومدى شفافيتها، فان قطاعا لا بأس به من الناس سيبقون على اقتناعهم بأن التلاعب وقع قبل الانتخابات بإقصاء ثلاثة من أقوى المرشحين اليها، فانصار خيرت الشاطر وعمر سليمان وحازم ابو اسماعيل خرجوا «مجروحين» من هذه المنافسة.
انتخابات الرئاسة قد تطلق مرحلة مفتوحة من صراع مربع الأطراف بين البرلمان والرئاسة والمجلس العسكري والقوى المتمسكة بقوة الميدان صراع حول الدستور والتشريعات والصلاحيات، بين المطالب والحصانات، وليس مستبعدا ان يتمحور الصراع الجديد حول الدستور الجديد، مثلما هو حاصل اليوم حول هيئته التأسيسية.
خشية أخرى تعجز التطورات المتلاحقة في تبديدها، بل قد تكون تلك التطورات جاءت لتؤكدها، فمصر الخارجة بثورة من حكم الحزب الواحد قد تجد نفسها تحت «المزراب» نفسه مرة اخرى بعد اقل من عام ونصف العام على رحيل نظام الرئيس حسني مبارك، وربما اكتشف «الاخوان المسلمين» لاحقا ان الخطأ لم يكن في التراجع عن القرار السابق فحسب، وانما التمسك بالاتجاه الحالي، ما دفع المرشد السابق ونائب المرشد الحالي عاكف حيدر الى استبدال ندائه بعدم ترشيح «إخواني» للرئاسة، الى دعاء بسقوط المرشح «الاخواني».
تبدل موقف «الاخوان المسلمين» في شأن الانتخابات الرئاسية يحل لغزا اخر شغل المصريين لبعض الوقت وما زال متداولا، لغز اعلان شخصية محترمة ومرموقة مثل منصور حسن نيته الترشح ثم إعلانه سريعا التراجع عن قراره، فبحكم علاقاته المفتوحة والطيبة مع الجميع، ربما همس له «الاخوان» عن تبديل موقفهم مسبقا.
وبين احلام الشعب باهداف ثورته وخوفه من الواقع المريع، تبقى المفاتيح الكبرى مفقودة حتى الان...

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,100,026

عدد الزوار: 6,978,456

المتواجدون الآن: 60