أزمة دمشق... وعبرة القاهرة!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 8 أيار 2012 - 10:59 ص    عدد الزيارات 391    التعليقات 0

        

 

أزمة دمشق... وعبرة القاهرة!
بقلم صلاح سلام
من الطبيعي أن يهب اللبنانيون، على اختلاف طوائفهم واتجاهاتهم السياسية، للدفاع عن المملكة العربية السعودية، ودورها الإنساني والأخوي الكبير ليس في لبنان وحسب، بل وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، ومواقع الفقر والنكبات في العالم.
وحماس اللبنانيين في التصدّي لحملة التشكيك ضد السعودية ومليكها، كان بحجم الصدمة التي أحدثها كلام سفير سوريا في بيروت الذي اتهم فيه المملكة بتمويل باخرة السلاح التي ضبطها الجيش اللبناني وهي في طريقها إلى ميناء طرابلس.
اللبنانيون، الذين تقبلوا على مضض سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها حكومتهم تجاه الأزمة السورية، يرفضون بشدة محاولات إقحام بلدهم في الصراعات التي يخوضها النظام في سوريا ضد الأشقاء العرب خاصة، والمجتمع الدولي عامة، لأنهم طالبوا جميعاً بوقف سياسة القتل في المدن السورية، واعتماد الحوار سبيلاً لمعالجة الأزمة المعقدة التي تعيشها الشقيقة سوريا منذ اكثر من عام، والمرشحة للاستمرار أشهراً طويلة أخرى في حال الإصرار على اعتماد الحل العسكري في مواجهة المطالبين بالحرية والديمقراطية والإصلاحات السياسية الأخرى.
* * *
لم يكن ثمة مبرر للسفير السوري أن يستبق التحقيق العسكري والقضائي، ليوجه سهام الاتهام جزافاً، وضد مَن... ضد الشقيقة الكبرى التي طالما وقفت قيادتها، وخاصة الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى جانب سوريا وقيادتها السابقة والحالية.
وإذا كان موقف السفير علي عبد الكريم علي يعبّر «عن سياسة الهروب إلى الأمام»، كما وصفه السفير السعودي علي عواض عسيري، فإن لبنان، بوضعه الهش الحالي، لا يستطيع أن يخدم مثل هذه السياسة السورية المستجدة، والتي أثبتت الكثير من المحن والتجارب المماثلة للأزمة التي تتخبط بها سوريا حالياً. إن الهروب إلى الأمام واعتماد المزيد من العنف لا يحل المشكلة، بل على العكس، سيزيدها تعقيداً، وسيفسح في المجال أمام المزيد من التدخلات الخارجية، وتحويل سوريا إلى ساحة لتصفية حسابات الكبار على حساب استقرارها وأمنها ومصالح شعبها.
ولعل التجربة اللبنانية المريرة طوال سنوات الحرب، والتي عايشتها القيادة السورية، في كل مراحلها، وبكل تفاصيلها، أكبر عبرة بأن المدفع والقمع والقتل يزيد الأزمة تشابكاً، وأن طريق الحكمة والعقل والحوار هي السبيل الأجدى لإنقاذ سوريا وشعبها مما ينتظرهما من حروب ومجازر، ستؤدي عاجلاً أم آجلاً، إلى تفكيك عرى المجتمع السوري، وتزرع في ثناياه بذور فتن وصراعات إتنية وطائفية ومذهبية، قد تستمر دهراً من الزمن.
* * *
أما مكانة المملكة السعودية، قيادة وشعباً، في قلوب اللبنانيين ووجدانهم، فلا تحتاج إلى كثير من التفسير والتبرير، لأن الوطن المعذب يحفظ للشقيقة الكبرى وقفاتها التاريخية المتكررة معه، في أزماته الداخلية، كما في حروبه العديدة مع العدو الإسرائيلي.
ولا يسع اللبنانيون، على اختلاف فئاتهم وطوائفهم، إلا أن يذكروا بكثير من مشاعر الوفاء والعرفان بالجميل، مكرمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تجاه لبنان الدولة والشعب والمؤسسات، ومبادراته الأخوية السخيّة والفورية التي أدّت إلى إنقاذ الدولة من الانهيار، وأبعدت الاقتصاد عن الإفلاس، وساهمت إلى حدّ كبير ليس في بلسمة الجراح وحسب، بل وإلى إعادة إعمار ما دمرته الحرب من منازل وأبنية في الجنوب والضاحية، وإعادة بناء المدارس والمستشفيات والجسور التي استهدفها القصف الإسرائيلي الوحشي خلال حرب تموز 2006.
لم تفرّق توجيهات الملك عبدالله بين منطقة وأخرى، ولا بين حزب وآخر، ولا طبعاً بين طائفة وأخرى، بل كان يُشدّد دائماً على أن تشمل المساعدات السعودية كل اللبنانيين، في كل المناطق، خاصة تلك المتضررة في العدوان الإسرائيلي الغاشم.
* * *
وما يُقال عن الدعم السعودي الأخوي للبنان، يمكن أن يقال مثله وأكثر بالنسبة للوقفات السعودية المشهودة إلى جانب الشقيقة سوريا، منذ تبني المملكة في عهد الملك فيصل رحمه الله، لمساعدات المجهود الحربي وإعادة بناء جيوش دول المواجهة اثر هزيمة حزيران 1967، إلى العلاقات الاستراتيجية الوثيقة التي أشرف على صياغتها الملك عبدالله شخصياً مع الرئيس حافظ الأسد ثم مع الرئيس بشار الأسد، والتي فتحت ابواب الدعم السعودي، السياسي والمالي، على مصراعيها، والتي مهدت لإقامة المثلث العربي الذهبي بين الرياض والقاهرة ودمشق، الذي لعب دوراً بارزاً في درء المخاطر عن المنطقة العربية، إلى جانب تعزيز نظام الأمن القومي على امتداد عقدين من الزمن، قبل أن يُطيحه توسّع النفوذ الإيراني في المنطقة، الذي أطل برأسه مع بداية القرن الجديد، وبلغ ذروته بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق.
ولعل القيادة السورية تدرك أكثر من غيرها أن الثوابت التاريخية للسياسة السعودية تحرص على إقامة أطيب العلاقات الأخوية مع الأشقاء، وعلى مد يد العون والدعم في الملمات، وعلى تشجيع مبادئ الحوار والوفاق بدل تحديات الخلاف والصراع، فضلاً عن الابتعاد عن التدخل بشؤون الغير.
ودمشق بالذات تعلم أكثر من غيرها، مدى الاهتمام السعودي بمحاولات إطفاء النيران الحالية في سوريا، منذ الأسابيع الأولى لاندلاع الأزمة، وذلك عبر تقديم النصح الأخوي باعتماد الحوار وتغليب المعالجة السياسية على كل ما عداها من معالجات أمنية أخرى.
ثم أوقفت الرياض التواصل مع دمشق، وابتعدت عن الاجتماعات المغلقة عندما أيقنت أن الأمور تجري عكس ما كانت «تنصح» به الأخوة في عاصمة الأمويين.
* * *
إن روابط الأخوّة والدم والمصير التي تجمع بين الشعبين السعودي والسوري، ستبقى أقوى من الأزمة الحالية في سوريا.
المهم أن لا نُعرّض تلك العلاقات الأخوية للاهتزاز عبر سياسات قاصرة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ومسارعة القاهرة إلى تحييد علاقتها الأخوية مع السعودية عن أزمتها الداخلية تحمل أكثر من درس، وأكثر من عِبرة، لمن يريد أن يعتبر..!.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,937,122

عدد الزوار: 6,972,534

المتواجدون الآن: 97