هولاند يعيد النظر في علاقات فرنسا العربية؟

تاريخ الإضافة الأحد 13 أيار 2012 - 6:38 ص    عدد الزيارات 401    التعليقات 0

        


هولاند يعيد النظر في علاقات فرنسا العربية؟

بقلم سليم نصار – لندن

 

يقول السفراء العرب في باريس إن التحول في تصويت غالبية الجالية المغاربية هو الذي اعطى هولاند ما يحتاجه من نقاط للفوز، أي مليون ومئتي الف صوت كانت كافية لحسم المعركة لمصلحته.

قبل يومين من موعد الاقتراع في فرنسا، فوجىء مدير حملة انتخابات فرنسوا هولاند بملصقات ضخمة تملأ شوارع باريس يظهر فيها نيكولا ساركوزي وهو يصافح الرئيس الاميركي باراك اوباما. وعلى الفور اتصل مدير حملة المرشح الاشتراكي بالسفارة الاميركية في باريس، ليسأل عن حقيقة موقف البيت الابيض من المرشحين المتنافسين!
وجاءه الجواب الصريح بأن اوباما يقف على مسافة واحدة من المرشحين، وان المفاضلة غير واردة في هذا المجال. ولما تبلّغ هولاند خلاصة الموقف الاميركي المحايد، أدرك ان منافسه يحاول استثمار صداقته مع اوباما، على امل رفع شعبيته المنهارة. عندها تأكد له ان ساركوزي سيسقط، كونه لجأ الى استخدام اسلوب دعائي غير مستحب.
المراقبون في فرنسا يحسبون ان ساركوزي خسر أيضاً معركته الاخيرة خلال المناظرة التي جرت بينه وبين هولاند. ذلك انه استخدم مصطلحات استفزازية بغرض احراج منافسه واظهاره بمظهر الضعيف العاجز. ولكن المرشح الاشتراكي رد على التحديات بكثير من اللطف والتهذيب وهدوء الاعصاب. وكان هذا السلوك واضحاً امام متتبعي المناظرة الذين قدرت اعدادهم بـ18 مليون مشاهد، ظلوا مشدودين الى الشاشة مدة ساعتين وخمسين دقيقة.
وقد ركّز ساركوزي في ادائه على انتقاد الهجرة والحد من الانفاق العام مطالباً زيادة التعاون مع المانيا... في حين شدد هولاند على خفض البطالة وتحسين مستوى التعليم والمساواة الاجتماعية والحفاظ على القوة الشرائية وزيادة الضرائب على الاغنياء والشركات المصرفية.
اثناء الحملة الانتخابية، اطلق الاشتراكيون على ساركوزي اوصافاً مؤذية مثل "مرشح الاثرياء" وصديق الطاغية معمر القذافي الذي موّل حملته الانتخابية قبل خمس سنوات.
وكان موقع "ميديا بارت" نشر وثيقة وقّعها موسى كوسى، رئيس الاستخبارات الخارجية السابق في ليبيا، والمقيم حالياً في الدوحة، تزعم ان القذافي وافق على تمويل حملة ساركوزي بقيمة خمسين مليون أورو. وبحسب الموقع، فإن بشير صالح مدير مكتب القذافي ومدير الاستثمارات هو الذي تلقى المذكرة. وقد أكد المسؤولان الليبيان السابقان ان الوثيقة مزورة، والمعلومات ملفقة، وان كل ما يشاع لا أساس له من الصحة.
ويبدو ان ساركوزي قد لجأ هو الآخر، الى اسلوب التشويش والتضليل، عندما زعم ان هولاند حصل على دعم سبعمئة مسجد بواسطة الداعية الاسلامي السويسري المصري الاصل طارق رمضان، مقابل تعهد بتنظيم اوضاع كل الاجانب المقيمين في فرنسا بصورة غير قانونية. ونفى رمضان هذه المزاعم، لأنه ليس فرنسياً، ولكنه لم ينكر انه دعا المسلمين الفرنسيين الى الانتخاب وفق ضمائرهم.
ومع ان ساركوزي اعتمد على تأييد الجاليات الاسلامية طوال فترة ولايته، إلا ان احداث آذار وما صدر عن محمد مراح من أعمال ارهابية في تولوز، قطعت حبل الود بينه وبين اتحاد المنظمات الاسلامية في فرنسا. خصوصاً بعدما وصف سلوك المهاجر مراح، بأنه سلوك "وحش ضار يتجول في فرنسا". وشكّلت تلك العبارة صدمة سياسية ضاعفت من نقمة الجالية الاسلامية ضد رئيس وضع "قانون البرقع"، كأنه بذلك يريد التبرؤ من موقفه السابق. أي الموقف الذي دفعه الى انتقاء رشيدة داتي (مغربية من أم جزائرية) وزيرة للعدل في حكومة 2009. تماماً مثلما اختار فرنسوا هولاند فرنسية من جذور مغربية نجاة بلقاسم، ناطقة باسمه في انتخابات الرئاسة. وكان من الطبيعي ان تتهمها العناصر اليمينية بازدواجية الولاء، وتشكك في اخلاصها للدولة الفرنسية باعتبارها تعمل على تعزيز الهوية المغربية. وقد اضطر هولاند للدفاع عن دورها الريادي امام تهجمات الصحف المحافظة مثل "لو فيغارو".
الرئيس المنتخب هولاند، عبّر عن شكره لنجاة بلقاسم في أكثر من مناسبة. وهو يعترف بأنه مدين لنشاطها المميز في اقناع غالبية الجالية المغاربية بالتحول نحوه عقب ارتباط وثيق وطويل مع اليمين الممثل بجاك شيراك ونيكولا ساركوزي.
ويقول السفراء العرب في باريس، ان هذا التحول اعطى هولاند ما يحتاجه من نقاط للفوز، أي ما يقارب من مليون ومئتي ألف صوت كانت كافية لحسم المعركة لمصلحته.
الصحف الفرنسية استعارت حكايات لافونتين على السنة الحيوانات، لتصف فرانسوا هولاند بالسلحفاة البطيئة، الدؤوبة التي وصلت الى الهدف قبل الارنب السريع والمغرور. ولم يكن الارنب هذه المرة سوى نيكولا ساركوزي الذي رفض فكرة وصول منافسه الى قصر الاليزيه. ذلك انه كان يرى فيه صورة السياسي من الدرجة الثانية الذي عمل مساعداً للاشتراكي فرانسوا ميتران المعروف بكراهيته لديغول والديغولية. والمؤكد ان والده الطبيب جورج هولاند كان قد سبق ميتران في هذا المضمار. ويتذكر ابناء بلدته مواقفه المخلصة للمارشال فيليب بيتان، رئيس نظام فيشي المتعاون مع المحتل النازي. وكان الوالد جورج يتعمّد تحقير المقاومة الديغولية لأنها، في نظره، لم تكن اكثر من "مقاومة الساعة الاخيرة". اي انها وصلت متأخرة الى ساحة النضال، وقطفت ثمار نصر صنعه سواها.
في معرض الدفاع عن سياسته الخارجية المنسجمة مع سياسة الولايات المتحدة، اتهم ساركوزي زعيم الحزب الاشتراكي الراحل ميتران، بالوقوف وراء واشنطن، في حين كان ديغول مستقلاً في قراراته.
وعدد ساركوزي للصحف التحولات التي أجراها ميتران على سياسة حزبه، بحيث تبقى داعمة لسياسة البيت الابيض. كما تحدث عن التأييد الذي قدمته فرنسا أثناء حملة نشر صواريخ نووية اميركية فوق الاراضي الأوروبية عام 1991. وقال ايضاً ان فرنسا الميترانية كانت السباقة بين الدول الأوروبية، للانضمام الى التحالف العسكري الذي أخرج قوات صدام حسين من الكويت.
وعليه يرى ساركوزي، ان كل الوعود التي أغدقها خلفه الاشتراكي فرنسوا هولاند، ليست أكثر من وعود عرقوبية أطلقها خلال الحملة الانتخابية، بغرض استمالة اليمين والوسط.
المراقبون في فرنسا يتوقعون حدوث "التغيير" الذي وضعه هولاند شعاراً لحملته الانتخابية، مقلداً بذلك شعار الحملة التي أطلقها الرئيس الاميركي باراك أوباما. وبما أن ارضاء قيادة القوات المسلحة، سيعزز مركزه الرئاسي، فإنه مضطر الى تنفيذ وعده بسحب قواته من أفغانستان قبل نهاية هذه السنة. صحيح ان هذه الخطوة قد تعرضه للاختلاف مع قيادة الحلف الاطلسي، إلا أنها ستأتي في سياق التحول الاستقلالي الذي وعد به الناخبين.
على المستوى القاري، يرى انصاره انه مصمم على اعادة النظر في علاقة فرنسا مع الدول العربية التي لفحتها رياح "الربيع العربي". ومن المؤكد أن اعادة صوغ هذه السياسة ستأخذ في الاعتبار مصالح بلاده مع المغرب والجزائر وتونس وليبيا. أي الدول المرتبطة بالمؤسسات التجارية، ونزاع الصحراء ومشاكل الهجرة والمهاجرين.
صحيفة "طهران أمروز" القريبة من المرشد علي خامنئي، توقعت في افتتاحيتها، تغييراً نحو ايران، بعدما قاد ساركوزي حملة الحصار الاقتصادي والعقوبات التجارية. ورأت ان عملية كشف النيات المبيتة ستظهر في مؤتمر بغداد (23 الجاري) حيث سيجتمع ممثلو مجلس الأمن لمناقشة توصيات مؤتمر اسطنبول.
وكان المرشح الاشتراكي قد أيد سياسة ساركوزي في القضايا المتعلقة بمنع طهران من حيازة السلاح النووي، وضرورة معاقبة سوريا باستخدام الوسائل العسكرية التي استخدمت في ليبيا. والملاحظ ان الاشارات التي أوردتها الصحيفة الايرانية، كانت بمثابة فتح صفحة جديدة مع فرنسا في عهدها الجديد. خصوصاً بعدما أعلن هولاند انه مؤيد لموقف أوباما الداعي الى حل المسائل العالقة مع طهران، من طريق المفاوضات. وفي حال اتخذ الرئيس الجديد هذا المنحى، فإنه يكون قد رسم لنفسه خطاً سياسياً ربما يفضي في المستقبل الى معالجة الكثير من المشاكل المتعلقة بـ"حزب الله" ومستقبل النظام السوري.
المحللون في الصحف الفرنسية لا يتوقعون تغييراً عميقاً خلال الايام القليلة المقبلة، لأن الانتخابات النيابية ستجري الشهر المقبل. لذلك يستعد حزب ساركوزي للانتقام من الاشتراكيين بابراز قوته الشعبية، ومنعهم من السيطرة على البرلمان. وربما يقوم الرئيس السابق باقناع مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية، بعقد تحالف معها كونها حلت ثالثة في الدورة الاولى لانتخابات الرئاسة. ومع هذا كله، فإن ساركوزي مؤمن بأن وجوده في الحكم أضره خلال المناظرة باعتباره تولى مهمة الدفاع أمام منافسه المهاجم دائماً. وكان بهذا الوصف يشير الى المناظرة التلفزيونية الاولى التي جرت في الولايات المتحدة بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون. وقيل في حينه ان وسامة كينيدي وجرأته في الدفاع عن منطقه، حققتا له الغلبة امام جماهير المشاهدين.
وعندما خاض فرنسوا ميتران المناظرة امام فاليري جيسكار ديتسان، نصحه طبيب الاسنان بـ"تظبيط" أسنانه النافرة. كما نصحه مدير حملته بمخاطبة الجمهور بصوت منخفض هادئ بعيد عن الانفعال والتهجم. ولو نفذ ساركوزي نصيحة زوجته كارلا بضرورة التزام الهدوء والابتعاد عن الانفعال والتشنج، لكانت النتيجة لعبت لمصلحته!

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,085,408

عدد الزوار: 7,054,355

المتواجدون الآن: 72