الجهاديون في سوريا

تاريخ الإضافة السبت 27 تشرين الأول 2012 - 6:34 ص    عدد الزيارات 352    التعليقات 0

        


 
عبد الكريم أبو النصر

الجهاديون في سوريا

 

"أظهرت المشاورات بين الدول الغربية والإقليمية البارزة المعنية بالأزمة السورية وجود اتفاق على ان بقاء نظام الرئيس بشار الأسد أشد خطورة على مسار الأوضاع في سوريا وعلى مستقبل هذا البلد من وجود مئات من الجهاديين والإسلاميين المتشددين الذين يقاتلون مع الثوار أو بمعزل عنهم من أجل إسقاط الحكم القائم. وهذا الإقتناع مرده الى ان نظام الأسد هو الذي فجر المواجهة المسلحة، ذلك انه تبنى منذ البداية الخيار العسكري - الأمني لمحاولة القضاء على المحتجين والمعارضين مما دفع هؤلاء، بعد سبعة أشهر من التظاهرات السلمية، الى حمل السلاح للدفاع عن انفسهم. اضف ان النظام هو الذي أحبط مختلف المبادرات السلمية لحل الأزمة ورفض تلبية المطالب المشروعة للشعب المحتج وأصر على تصعيد العمليات العسكرية وتوسيع نطاق أعمال القمع والعنف ضد المعارضين مما جلب الكوارث وأثار نقمة كبيرة عليه في الساحتين العربية والدولية. وترى هذه الدول ان بقاء نظام الأسد يتناقض مع متطلبات الحل السلمي للأزمة إذ انه يؤدي الى إطالة أمد الصراع وتعميق حدته ويدفع الثوار الى مزيد من التشدد ويجذب المقاتلين الأجانب الى الساحة السورية مما يهدد الأمن والسلام الإقليميين والدوليين". هذا ما قالته لنا مصادر ديبلوماسية أوروبية في باريس وثيقة الإطلاع على الملف السوري.
وأوضحت ان وجود الجهاديين في سوريا واقع ليس ممكنا إنكاره، لكن أربع حقائق أساسية تحدد حجمهم وطبيعة دورهم وقدرتهم على التأثير في هذا البلد هي الآتية:
أولاً - الجهاديون ليسوا الثورة السورية المسلحة وليسوا القوة الأساسية الفاعلة فيها وليس لهم دور قيادي في التخطيط للعمليات العسكرية بل انهم يشكلون جزءاً صغيراً محدوداً من هذه الثورة إذ يبلغ عددهم أقل من ألفي مقاتل ينتمون الى جنسيات عربية وأجنبية وينشطون في مناطق عدة وخصوصاً في الشمال. والجهاديون لن يشاركوا في صنع القرارات السياسية وفي تحديد مسار الثورة وتوجهاتها وفي تقرير مصير سوريا ومستقبلها ولن يكونوا في أي حال شركاء في السلطة مع الثوار والمعارضين بل انهم شركاء في الحرب ضد النظام وسيعودون الى بلادهم بعد سقوطه إذا لم يقتلوا في ساحة المعركة.
ثانياً - تدفق الجهاديين على سوريا مرده الى جملة عوامل أبرزها الآتي: الحرب البالغة الشراسة التي يشنها النظام على المعارضين والمدنيين وتلحق الدمار والخراب الهائلين وتوقع عشرات الآلاف من القتلى وتنقل وقائعها الفضائيات ووسائل الاعلام المختلفة، فشل التحركات السلمية السورية في إقناع النظام بتلبية المطالب المشروعة للشعب المحتج، رفض الغرب التدخل عسكرياً لإنقاذ السوريين وحمايتهم، عدم قدرة الدول الكبرى والمؤثرة على توحيد موقفها والضغط بفاعلية من أجل وقف القتال وإنقاذ سوريا.
ثالثاً - ظاهرة الجهاديين والمتشددين تتناقض جذرياً وفي العمق مع تاريخ سوريا ومع تركيبة مجتمعها الذي يتميز بهيمنة الاسلام المعتدل عليه وبالتعايش السلمي الحقيقي وطوال عقود بين مختلف طوائفه ومكوناته، كما ان أبناء هذا البلد يرفضون تكرار تجارب الصراعات الطائفية في دول أخرى كالعراق ولبنان. وعلى هذا الأساس فإن هذه الظاهرة المتشددة المحدودة لن يكون لها دور مؤثر في مرحلة ما بعد الأسد ولن تبدل طبيعة المجتمع السوري وتركيبته وتوجهاته.
رابعاً - تحولت سوريا قاعدة سرية للجهاديين العرب والأجانب طوال ست سنوات بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ذلك ان النظام إستقبل المئات منهم وأرسلهم الى الساحة العراقية من أجل تنفيذ عمليات إنتحارية فيها ضد المواطنين العراقيين في الدرجة الأولى بذريعة إحباط المشروع الأميركي. الواقع أن نظام الأسد إستخدم "الورقة الجهادية" من أجل محاولة عقد صفقة مع الإدارة الأميركية تعزز الدور السوري في لبنان والمنطقة عموماً، لكن هذه المحاولة باءت بالفشل لأن القيادة السورية أصرت على التمسك بتحالفها الوثيق مع إيران.
وقال لنا مسؤول أوروبي مطلع: "هذا الواقع الجهادي لن يدفع أميركا والدول الغربية الى التخلي عن دعم المعارضين والثوار بل انه يدفعها الى الضغط عليهم وحثهم على توحيد صفوفهم وتنسيق أعمالهم وجهودهم والى البحث عن وسائل وسبل جديدة لتوفير دعم أكبر لهم من أجل التعجيل في إسقاط النظام. فقضية وجود الجهاديين في سوريا قابلة للعلاج والاحتواء والتطويق بالتفاهم مع المعارضين ولكن ليس ممكناً في المقابل التعايش مع وجود نظام الأسد لأنه أساس المشكلة وجوهرها والعقبة الرئيسية أمام وقف الحرب وإنقاذ سوريا وحماية الدول المجاورة لها.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,221,695

عدد الزوار: 6,983,411

المتواجدون الآن: 77