حول المشروع المذهبيّ

تاريخ الإضافة الأربعاء 13 آذار 2013 - 6:37 ص    عدد الزيارات 344    التعليقات 0

        

حول المشروع المذهبيّ
بقلم نهاد محمود .. سفير سابق

 

نوابُ الأمّةِ الذين صوّتوا لمشروعِ قانونِ الإنتخابِ المذهبيِّ، تصرّفوا كمندوبين لمصالحَ سياسيّةٍ تدّعي حمايةَ حقوقِ المسيحيينَ، بصرفِ النظرِ عن التداعياتِ الكارثيّةِ على وحدةِ البلدِ، والعلاقاتِ بينَ مكوّناته.
هو مشروعٌ بدا نكتة سمجة، حصلت تدريجيّاً على تأهيلِ السياسيينَ المهووسينَ بزيادةِ حصصهم الإنتخابيّةِ، فأصبحَ، في غفلةٍ من العقلِ والحسِّ السليمِ، كابوساً إضافيّاً على الواقعِ المتأزّم. إنّهُ لا يصلحُ كطرحٍ جدّيٍّ لمشروعِ انتخاب، ولا يجوزُ استعمالهُ كمناورةٍ سياسيّةٍ لتمريرِ مشاريعَ أقلّ ضرراً. فلبنان يعيشُ حالةَ توتّرٍ أستثنائيّةٍ داخليّاً، زادتها الأوضاعُ المتفجّرةُ في الجوارِ، وإفرازاتها خطراً. المنتظرُ من قادةِ الرأيِ في حالٍ كهذهِ العملُ على تخفيفِ الإحتقانِ، لا تأجيجِ النيران...
اندفاع الحزبيين المسيحيين من 14 آذار لتبنّي المشروعَ المذهبيَّ، أعطاهُ دفعاً حقيقيّاً كخيارٍ انتخابي. هؤلاء أثبتوا أنهم لم يستوعبوا معاني ذلك اليوم المشهود، الذي تحقّقت فيه المصالحةَ الحقيقيةَ بين المسيحيين وشركائهم في الوطن، وتجلّتْ الوحدةُ الوطنيّةُ المنشودةُ كما لم يسبقْ لها ذلك. ولقد قاموا في الماضي بتهميشِ الغالبيّة المسيحيّة في صفوفهم، بتمسّكهم بالحصص الحزبيّةِ في الدوائر الإنتخابيّةِ. أفلا تتناقضُ المكاسبُ المرتجاةُ والضئيلةُ، مع الخياراتِ الوطنيّةِ الكبرى التي يفترضُ أنهم من أعمدتها.
ويا للخيبةِ، فبعد الإرشادِ الرسوليِّ الأول (1997) وبعد الإرشادِ الرسوليِّ الثاني (2012)، اللذين يظهرُ أنهما كانا مناسبتين احتفاليتين فقط، ما زالت الاقتناعات الكارثيةُ هي هي، وما زلنا نتابعُ الإبتعاد عن الدورِ الحداثيِّ والتأسيسيِّ لمسيحيي هذا الشرق.
التعليقاتُ كثيرةٌ على المشروعِ المذهبيِّ، فهو تفتيتي ويقودُ الى المجهولِ، وهو يؤسّسُ إنعزالياتِ جديدةٍ، كما انه يبطلُ مفاعيلَ الشركةِ ويدفعنا في اتجاهِ أزماتٍ كبرى. إنه في نظرِ العارفينَ مناقضٌ لوثيقةِ الوفاقِ الوطنيِّ، ولروحِ الدستورِ ونصوصهِ، وهو يستهدفُ الوحدةَ الوطنيّةَ بالتقويض. وإذا كان هذا الطرحُ المحليُّ، مقدّمة لطرحٍ إقليميٍّ يشملُ باقي الدولِ المجاورةِ، فإن التصدّي له يصبحُ أكثر إلحاحاً.
المفارقةُ كانت أنه في الوقتِ الذي كان ممثّلو الأمّةِ يعملونَ فيها تقسيماً وتشتيتاً، كان اللبنانيّونَ، مسيحيّينَ ومسلمين، ومن كلِّ الطوائفِ يجوبونَ الشوارعَ والساحاتِ معاً، تحت المطرِ، للمطالبةِ بحقوقهم الأساسيّةِ، بتنفيذِ الوعدِ بسلسلة الرواتب التي سبق إقرارها منذ شهور. هؤلاء كانوا في وادٍ آخر، فهمومهم حقيقيّة، وهي تجمعهم رغم محاولات ممثليهم التفريق بينهم. انهم بتنوّعهم ومعاناتهم المشتركة يعكسون واقعَ البلدِ المأزوم. والسياسةُ أساساً، هي الإهتمامُ بالشأنِ العام، لتأمينِ العيشِ الكريمِ للمواطنينَ، وهو ما ابتعدتْ عنه السياسةُ اللبنانيةُ باستمرار، دون اعتراضٍ جدّيٍّ من الناخبين الذين سيصبحون كلّ مرةٍ، بالنتيجة، ضحايا لأربع سنواتٍ جديدةٍ. تصرّفُ السياسيّين، في هذه المرحلةِ، وبدونِ اعتبارٍ للمخاطرِ المحيقةِ داخليّاً وخارجيّاً، يظهرُهم وكأنهم حيال تفليسةٍ كبرى. وكلٌّ يعملُ على الخروجِ بأكبرِ المكاسبِ، والإبتعادِ عن الآخرينَ بحصتهِ وكأننا في حالةِ انهيارٍ وشيك.
في الوقتِ الذي تعبّر فيه مكوّناتِ المجتمعِ المدنيِّ عن وعيٍ والتزامٍ واعدين، تبدو الطبقةُ السياسيّةُ أكثر ابتعاداً عن معاناةِ الناسِ وأمانيهم. وفي حين تظهرُ الأجيالُ الجديدةُ توقاً للتواصلِ والإنخراطِ في دورةِ حياةِ الوطنِ الواحدِ، يعملُ السياسيّون المحترفون على الإرتدادِ، إلى ما قبل الوطنِ، وما قبل الدولةِ. فأيُّ مصيرٍ للبنانَ؟ وإلى أينَ يأخذوننا؟

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 157,344,857

عدد الزوار: 7,064,796

المتواجدون الآن: 64